عمر الجاوي

صوتٌ نقيٌ لهويَّة غير مجزأة

مضى ربع قرن منذ فقدت اليمن وأحداً من أنبل من انجبت  في تاريخها المعاصر، فخلال أربعين عاماً من حضوره في الحياة العامة  شكل علامة فارقة في وظيفة المثقف الوطني في خدمة المجتمع.. في أواسط الخمسينيات وحينما كان طالباً في القاهرة كان أحد المهندسين البارزين لمؤتمر الطلبة اليمنيين الموحد الذي انعقد في يوليو من العام 1956والذي رفع أول شعار لوحدة التراب اليمني ( اليمن الطبيعي) في خطوة سبقت في الممارسة ،وليس الشعار، كل التكوينات السياسية اليمنية. التزامه السياسي لليسار ودفاعه المستميت عن توجهاته سبباً في متاعبه الباكرة مع  الأجهزة الأمنية المصرية، التي قامت بطرده مع اثنين من زملائه في العام 1959م ليعود إلى تعز، فتضامن معهم الكثير من زملائه الطلاب. في موسكو التي ابتعث إليها  أوائل الستينيات صار زعيماً طلابياً شديد المراس ،ورئيساً لرابطة الطلاب اليمنيين وحينما عاد إلى تعز في العام 1963 لدعم ثورة سبتمبر عمل مترجماً للخبراء الروس في المركز الحربي. ثم عاد إلى موسكو من جديد واستكمل متطلبات رسالة الماجستير في الصحافة عن رسالته ( الصحافة النقابية في عدن) . عاد إلى صنعاء  منتصف العام 1967م،فتعين بعدها بأشهر بقرار من وزير الاعلام محمد عبده نعمان رئيساً لتحرير صحيفة الثورة، ثم قام بتأسيس وكالة الأنباء اليمنية.

كان أحد أبرز قيادة المقاومة الشعبية للدفاع عن صنعاء في ذروة حصار الملكيين لها، وأصدر نشرة المقاومة الشعبية التي رفعت شعار الجمهورية أو الموت.  قال الراحل الكبير د عبد العزيز المقالح  عنه مؤبناً" في واحد من تلك الشتاءات الكئيبة كان عمر في صنعاء، وصنعاء محاصرة بفلول المرتزقة، وأعداء الثورة الذين جمعتهم الكراهية للوطن، وللتغيير نحو الأفضل والأجمل في حياة الناس وفي حياة البلاد. كان ذلك في مثل هذه الأيام من عام 1967، وفي ظروف ذلك الشتاء الكئيب صاغ عمر شعاره العظيم: الجمهورية، أو الموت، وهو الشعار الذي تحول إلى قصائد وأناشيد، وإلى مواقف صمود دحرت فلول المرتزقة وأذنابهم من أنصار الظلام.

 وقال عنه رفيق دربه في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الأستاذ عبد الله البردوني:

 "كان عمر في رئاسة اتحاد الأدباء أعلى من وزير، وأشمخ جاهًا من رئيس؛ ولهذا ظل دمه منذورًا، وكان ناذرًا عن طيبة نفس، وكان بينه وبين الموت حلفًا بأن لا يقطع حبله منه إلا وقد امتصت الأعمال الوطنية كل عظامه؛ فلاقى ربه في شهر ديسمبر 97.. لأن الجاوي ليس مجرد قلم، وإنما كان سيفًا، وقلمًا، وإزميلاً، فهو في كل ظواهر الوطنية الثقافية أو الثقافية الوطنية الرائد السابق الذي يحث القوافل فيسبقها؛ ولهذا ترك أعطر الذكريات، وأشمخ الأعمال الصامتة والصائتة.

كان أحد أبرز مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، كأول مؤسسة وحدوية في البلد المشطور، في اكتوبر من العام 1970، ثم أعاد إصدار مجلة الحكمة (الجديدة)، بعد ثلاثين سنة من اغلاقها بصنعاء، باسم اتحاد الأدباء في عدن في ابريل 1971 وترأس تحريرها لعشرين عاماً متصلة.

أسس في يناير 1990 حزب التجمع الوحدوي  الذي رفع شعار (الديمقراطية والمساوة وحقوق الانسان)، وصدرت عنه صحيفة التجمع التي راس تحريرها حتى وفاته في 23 ديسمبر 1997م

عُرف عن عمر أنه مثقف وأديب وشاعر وسياسي، صادق في توجهاته وعلى استعداد دائم للدفاع عنها في أعتى المواقف، ، لهذا دخل في معارك فكرية وسياسية مع الكثيرين ، لكنهم اتفقوا جميعاً حول أنه وطني و(وطنيته غير مغشوشة )كما قال أحدهم.

اليوم ونحن نستعيد هذا الرمز بواسطة ما كَتب وما كُتب عنه، إنما للتفتيش في ثنايا التجربة الثرية للرجل (سياسياً وثقافياً) عن ذلك الصوت النقي الصادق الذي عبرً لنصف قرن عن حلم وطني فاره وهويَّة غير مجزأة .

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English