المقاومة التي تشكّلت في ذروة الحصار

حين كان شعار "الجمهورية أو الموت" مفتاحَ المعركة الرابح!
خيوط
December 26, 2022

المقاومة التي تشكّلت في ذروة الحصار

حين كان شعار "الجمهورية أو الموت" مفتاحَ المعركة الرابح!
خيوط
December 26, 2022

تصادف ذكرى وفاة الجاوي الخامسة والعشرين، ذكرى أخرى كان أحد صانعي تحوّلها، وهي ذكرى حصار صنعاء قبل 55 عامًا، حين كان أحد أبرز قيادة المقاومة الشعبية للدفاع عن العاصمة، ورئيس تحرير نشرة المقاومة الشعبية التي رفعت شعار (الجمهورية أو الموت). عن بعض جوانب الحصار وتشكيل المقاومة الشعبية، اجتزأنا بعض السياقات من كتاب عمر الجاوي المعنون (حصار صنعاء- ريبورتاج صحفي من أرض الأحداث)، الصادر في العام 1975، في عدن.

________________

في مقدمة كتابه (حصار صنعاء)، قال عمر الجاوي:

"وكان الحصار من ضمن المصائب التي جمعت الوطنيين اليمنيين لتفادي المهانة والمذلة التي أريد بها فرض "الملكية" على شعبنا اليمني البطل من جديد. وكانت الظروف الخاصة والعامة في العالم العربي بعد هزيمة حزيران 1967م، قد أنعشت اليمين العربي، وجدّدت تأمّلًا للرجعية السعودية واليمنية بالذات لاستعادة مواقعها في عاصمة اليمن التاريخية".

ولم يتعود بعض الحكام على الثقة بقدرة الجماهير الشعبية، خاصة في اللحظات الحاسمة من تاريخ الشعوب. كان المتذبذبون في السلطة وخارجها قد أعمتهم الدعاية التي تقول إنّ الرجعية لم تُهزَم من قبل الجمهوريين المدعمين بسبعين ألفًا من القوات المصرية المدجّجة بأحدث الأسلحة، فما بالكم بنفر قليل من جماهير العاصمة وبفتات مائدة المعارك من بقايا القوات المسلحة؛ هل يستطيع هؤلاء هزيمة جيوش يقودها قاسم منصر والغادر وغيرهم، ومن ورائهم السعودية والإمبريالية العالمية، إضافة إلى ما اتفق عليه في مؤتمر الخرطوم؟

لم يعرف حينها الذين وفدوا حكّامًا إلى العاصمة، أنّ مكسبًا عظيمًا من مكاسب شعب اليمن -الجماهير المنظمة- أقوى من كلّ الأوهام والظنون. لم يصدقوا قوة الجماهير وإبداعها، وذهبوا يلهثون وراء الصلح السياسي طوال شهر رمضان 1387هـ/ ديسمبر 1967م، كانت خارطة الحرب غاية في الحدة والسخرية:

- حكام صنعاء لا يثقون في انتصار الجماهير.

- الملكيون دخلوا المعركة واثقين من النصر.

- الجماهير تقاتل تحت شعار "الجمهورية أو الموت".

لم يتوقع الملكيون الفشل، فتوقعوا النجاح وعملوا للفشل، إن صح التعبير، واتخذت الجماهير في أول الأمر طريقة (نابليون) -توقع الفشل وعمل للنجاح- أمّا حكام صنعاء فقد غادروها. وحين تغيرت خارطة الحرب في صالح المقاومين من صنعاء- وحين التفّ شعب اليمن كله في الشمال والجنوب مدافعًا عن الجمهورية، بات واضحًا، أنّ الحروب تحسمها الظروف الموضوعية وروح الاستبسال من قبل الشعب، لهذا السبب بقي اسم جمهورية 26 سبتمبر، وللسبب نفسه سيعود وجه سبتمبر المضيء ليغمر اليمن كل اليمن في جمهورية مستقلة.

كان المد الثوري في اليمن على أشدّه إثر هزيمة العرب في حزيران، لأسباب تتعلق بطبيعة الصراع في اليمن من ناحية، ولأنّ اليمن الذي لم يستطع أن يسهم في المعركة بطريقة مباشرة، استطاع أن يسهم بطريقة غير مباشرة بأسلوب تحرير الأراضي اليمنية من القوات البريطانية ومقاومة الرجعية العربية والإمبريالية العالمية بالاحتفاظ بوجه صنعاء الجمهوري.

إنّ وجود القوى الوطنية في صنعاء رغم الانقلاب {الخامس من نوفمبر}، واتجاه الحكم في عدن في وجهة لا ترضى عنها الرجعية السعودية، وضع الإمبريالية العالمية أمام مشكلة الإسراع بحصار صنعاء وإسقاط الحكم في يد من يسمّون بالملكيين في مقابل السلطة في عدن.

لعل هذه القضية هي المحور لحصار صنعاء، وقد يكون هذا الحصار مجرد خطوة أولى نحو تصفية القوى الوطنية باستنزافها سبعين يومًا ما دامت قوى الوسط والقوى الرجعية سترفض الدفاع عن صنعاء، وستخرج منها إلى مناطق أخرى للتجمع والانقضاض على الوطنيين المنهكين من هذا الاستنزاف.

كان عدد المحاصِرين المسلحين بالأسلحة الحديثة أكثر بكثير من عدد جنود الجيش في المدينة، وكان الجزء الأكبر من سلاح المدرعات غير صالح للعمل، وحتى اللواء العاشر لم يزل في طور التكوين، أمّا الصاعقة والمظلات والمدفعية فجلّها يقف على طريق صنعاء والحُديدة. ومنذ أول رمضان؛ أي أواخر نوفمبر 1967م، بدأت الرجعية اليمنية في صنعاء تبشّر بعودة الملكيين في السابع من رمضان، وعلى رأسهم المدعو "بالإمام البدر".

كان لا بدّ من مدخل صحيح لحلّ قضية قيادة الجماهير بعيدًا عن التعصب المفتعل، الذي قد يؤدّي إلى سقوط صنعاء بقوة السلاح والقضاء على كل مكاسب الشعب اليمني، بما في ذلك المنظمات السياسية، وتم الاتفاق على تشكيل قيادة من تسعة أعضاء ممثّلة لكلّ الاتجاهات، بما في ذاك العناصر المستقلة التي يهمّها أولًا وأخيرًا بقاء النظام الجمهوري بكل سلبياته وإيجابياته. [القيادة: أمين النزيلي، عبدالله جباري، مالك الإرياني، علي مهدي الشنواح، عبده سلام، سيف أحمد حيدر، عمر الجاوي، يحيى الشامي، عبده علي عثمان].

وحتى تضمن الحكومة بقاء المقاومة تحت قيادتها، عيّنت إضافة إلى القيادة الشعبية، قيادةً عسكرية من مجموعة من الضباط يمثّلون أيضًا نفس الاتجاهات السياسية الموجودة في صنعاء آنذاك.

بدأت القيادة نشاطها في جوٍّ من الاستفزاز المستمرّ بحكم العوامل الداخلية وبفعل انقلاب 5 نوفمبر الذي لم تستطع بعض الاتجاهات أن ترى مبررًا واضحًا لفهمه؛ إلّا أنّ ظروف الحرب الفظيعة قد فرضت تجميد الخرافات مؤقتًا من جانب، وظروف العمل السريع على المُضيّ حتى ولو في ذيل المقاومة من جانب آخر.

بدأت القيادة الجديدة بتنظيم سلسلة من المحاضرات، وأصدرت نشرة (المقاومة الشعبية) تحت شعار (الجمهورية أو الموت) بصورة دائمة للغلاف تحمل علمي اليمن (ج. ع. ي، ج. ي. د. ش)، وحتى نهاية شهر رمضان استطاعت القيادة الجديدة أن تُثبت شرعيتها على نطاق الحكم والجماهير، وأن تعزل عزلًا عمليًّا بعضَ أعضاء القيادة المفروضين بحكم ظروف المرحلة. كما استطاعت أن تُوجِد علاقة شبه منظمة مع قادة الفرق العسكرية وفرق الأمن العام، وأن تُوجِد علاقة اتصال مع قيادة المقاومة الشعبية في بقية المدن اليمنية وبعض المناطق التي تكوّنت فيها المقاومة بصورة عفوية.

ولأول مرة في تاريخ صنعاء، يبطل مفعول الشعارات الطائفية والسلالية والإقليمية والقبلية، وينصهر الجديد كله في بوتقة الدفاع عن صنعاء العاصمة الأم.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English