قمة "عربية-صينية" لترسيخ مشتركات تاريخية

الفرصة التي لا ينبغي أن تفوت على اليمنيين
علي ميّاس
December 15, 2022

قمة "عربية-صينية" لترسيخ مشتركات تاريخية

الفرصة التي لا ينبغي أن تفوت على اليمنيين
علي ميّاس
December 15, 2022

من المرجح أن تشهد العلاقات العربية الصينية عهدًا جديدًا بعد زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية، حيث زار تشي جين بينغ المملكة لمدة ثلاثة أيام 7/9 ديسمبر/كانون الأول لحضور ثلاث لقاءات: قمة سعودية صينية، وقمة عربية صينية، وقمة خليجية صينية. كما وقع الجانب الصيني خلال هذه الزيارة عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الدول العربية، وهي صفقات هامة تطال قطاعات مثل الطاقة والأمن والاستثمارات، بحسب رويترز. إلا أن فرصة لقاء رئيس مجلس القيادة الدكتور العليمي بالرئيس الصيني كان يعوزها الكثير من الخطوات العملية التي ربما تعود بمنافع اقتصادية وسياسية على اليمن.  

اكتست زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة أهمية خاصة على الصعيد الدولي، كونها جاءت في وقت اتساع الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، لا سيما مع تولي الديمقراطيين زمام الحكم. وقد عبرت دولٌ عربية عدة عن استيائها من المواقف الأمريكية إزاء قضايا حيوية غير قابلة للمساس، وتنصلّها رويدًا رويدًا عن التزاماتها الأمنية، وإغفالها بطريقة فجة للمصالح الاستراتيجية لحلفائها، إذ بات نفوذ واشنطن وأنشطتها في الشرق الأوسط يأتي على حساب ازدهار المنطقة واستقرارها وعلاقاتها طويلة الأمد مع شركائها الدوليين، بما في ذلك الصين وروسيا.

أوجد تصاعد وتيرة الصدام العسكري بين القوى العظمى في أوكرانيا حاجةً غربية ماسّة لمساندة الكتلة العربية في هذا النزاع، بحثًا عن فرص قد ترجّح كفتها في موازين القوى. فيما تحيّن العرب كثيرًا هذه الفرصة التي تبدو مؤاتية لتوجيه رسائل حازمة إلى الإدارة الأمريكية بشأن مواقفها غير المفهومة التي لا تراعي استقرار حلفائها ولا تؤكد مصالحهم. ولعل أبرز المواقف العربية المناهضة للمشيئة الأمريكية- الغربية هي تلك المرتبطة برفض العقوبات الاقتصادية على روسيا، ووقوف السعودية خلف اتخاذ منظمة "أوبك بلس" قرار خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًّا، والذي يعبر عن مصالح روسية صرفةً، ويعزز قدراتها على الصمود في وجه الغرب، على الرغم من مأساوية الأوضاع الإنسانية التي خلفها الغزو الروسي على أوكرانيا.

ترسيخ الأقدام

مما لا شك فيه أن التحركات العربية الأخيرة التي تقودها المملكة العربية السعودية تقف بمحاذاة الصين وروسيا، بل ألحقت أضرارًا سياسية واقتصادية بالولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. ولربما تكشف هذه المواقف المناوئة للإدارة الأمريكية من قبل حلفائها التقليديين عن تآكل شرعية النظام الدولي أحادي القطبية، أو عن حالة الارتياب المتنامية التي تنتاب الكثيرين من شركاء الولايات المتحدة الأمريكية تجاه مصداقيتها وحسن نواياها.

تجمع اليمن والصين علاقات تعاون جدية في مبادرة "الحزام والطريق"، في حين أن استثمار موقع اليمن في هذا الطريق قد يعود بثمار اقتصادية كثيرة على المستوى الوطني، حيث تعيش اليمن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة وظروف معيشية مزرية، وهي بحاجة إلى شركاء دوليين حقيقيين يعززون من اقتصادها وأمنها القوميين.

هل تجرؤ الصين على تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط؟ لعل ذلك ضروريًا بالنظر إلى أن المشاركة الفاعلة في الاقتصاد العالمي تتطلب تحرك الصين إلى ما وراء سياساتها التقليدية؛ فالصين بحاجة إلى تحمل أعباء تأمين واراداتها النفطية بنفسها، وعدم الوثوق طويلًا بالجهود التي تقدمها الولايات المتحدة في هذا المسار، فضلًا عن أن مبادرة "الطريق والحزام" الموصوفة بالأكثر أهمية على صعيد السياسة الخارجية الصينية، قد تمكِّن من تحقيق الازدهار المشترك والتنمية السلمية بينها وبين الدول العربية.

تفتش الدول العربية بواسطة التقارب مع الصين عن مساحات العمل المشترك التي من شأنها المساهمة في تقليص الاعتماد على الرعاية الأمريكية. ومن الأجدى ألا يقتصر الأمر على مساعي توسيع الشراكة مع الصين في قطاعي الطاقة والتجارة فحسب، بل من المفترض أن يمتد إلى التعاون الأمني؛ إذ ينبغي استثمار الاحتياج الاستراتيجي الصيني للمشتقات النفطية، وتظل المنطقة العربية على رأس المناطق ذات الأهمية الحيوية لاقتصادها الصاعد. تستورد الصين 70% من إجمالي إمداداتها النفطية. في عام 2021، استوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية، وهو ما شكل 51.6٪ من إجمالي النفط الخام المستورد، وفقًا لتقرير شبكة تلفزيون الصين الدولية (CGTN). وهذا يمثل المحدد الأبرز الذي قد يدفع بكين لإيجاد موضع قدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

فرصة ثمينة

ماذا استفادت اليمن من زيارة الرئيس الصين إلى المملكة العربية السعودية؟ لا يبدو أن رئيس مجلس القيادة اليمني الدكتور رشاد العليمي اغتنم زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية لجني بعض المكاسب، على الرغم من لقائهما على هامش القمة العربية الصينية المنعقدة في الرياض، حيث لم يُعلن عن توقيع أي مذكرات خاصة بتفعيل الاتفاقيّات السابقة مع الصين أو استثمار فرص اقتصادية جديدة قد تمنحها الصين لشركائها، أو أي مذكرات تفاهم أخرى تخص الهواجس الأمنية الصينية في المنطقة، والدعم الذي قد تقدمه الصين في هذا الجانب لاعتبارات موقع اليمن الاستراتيجي ضمن طريق الحرير البحري.

والواقع أن مسار تنفيذ استراتيجية "الطريق والحزام" يعترضه شواغل أمنية صينية، ومن الممكن أن تقوم الصين بواجبات أمنية حيال خطوط الشحن في البحرين العربي والأحمر. كما أن الصين تعهدت بإنفاق 124 مليار دولار لمخططات طريق الحرير. والجدير بالذكر أن اليمن وقعت في أبريل/نيسان 2019 مذكرة انضمامها إلى طريق الحرير ضمن أعمال القمة الثانية لمبادرة "طريق الحرير".

تجمع اليمن والصين علاقات تعاون جدية في مبادرة "الحزام والطريق"، في حين أن استثمار موقع اليمن في هذا الطريق قد يعود بثمار اقتصادية كثيرة على المستوى الوطني، حيث تعيش اليمن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة وظروف معيشية مزرية، وهي بحاجة إلى شركاء دوليين حقيقيين يعززون من اقتصادها وأمنها القوميين.

إلى ذلك، تتردد في الأوساط السياسية اليمنية هواجس ما إذا كانت المملكة العربية السعودية تفرض قيودًا فعلية على السياسة الخارجية اليمنية التي يجب أن تنصب جهودها على تجسيد قواسم مشتركة بينها وبين شركائها الدوليين. ويعد التقارب اليمني-الصيني غاية مشروعة لتعزيز فرص التعاون وتبادل المصالح المشتركة. قد تكون هذه السياسة الخارجية المكبلة في مواجهة تحديات الوضع الاقتصادي والأمني الراهن نتيجة هذه القيود، أو على أقل تقدير أن الحكومة اليمنية لم تستطع تحرير سياستها الخارجية بواسطة تبديد المخاوف السعودية السائدة حيال أمنها القومي، وبناء قواسم مشتركة متينة تطمْئِن الأسرة الحاكمة في الرياض.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English