ثورة سبتمبر المشوَّشة في وعي الجيل الشاب

تجريف بدأ من المنهج وانتهى بالتغذية للانقسام
عصام القدسي
September 25, 2022

ثورة سبتمبر المشوَّشة في وعي الجيل الشاب

تجريف بدأ من المنهج وانتهى بالتغذية للانقسام
عصام القدسي
September 25, 2022
Photo by: Shohdi Alsofi - © Khuyut

عند الساعة السابعة صباحًا، يوم الأربعاء 26 سبتمبر 1962، كانت إذاعة صنعاء تصدح بالنشيد المصري: "الله أكبر فوق كيد المعتدي". "هنا إذاعة الجمهورية العربية اليمنية"، وكانت هذه أول عبارة حملتها الموجات الصوتيّة عبر إذاعة صنعاء، للشعب، مبشِّرة بإعلان عهد جديد اقتلع أعتى الأنظمة الملكية، وثورة غيّرت مجرى التاريخ اليمني.

ستون عامًا مضت على ذلك الحدث الكبير، وها هي اليوم تحل ذكراه واليمن يعيش أسوأ مراحله التاريخيّة، ووضع مأساوي يعيد للأذهان واقع البلاد قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، وإن تباينت الفروق في الكثير من الجوانب، بين واقع اليوم والأمس، فاليمن اليوم يعيش أوضاعًا معيشية صعبة، من الحرب، وانقطاع رواتب الموظفين، إلى التدهور الكبير على كل المستويات، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، فلا تعليم ولا صحة ولا خدمات، وسط غياب كليّ للدولة، مقابل ظهور وتنامي الميليشيات والجماعات المسلحة في كل مناطق اليمن المختلفة.

ما الذي تبقّى؟

في هذا الاستطلاع، تحاول "خيوط" استجلاء ومعرفة ما تبقّى من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، في وجدان وذاكرة اليمنيين، لا سيما الأجيال الشابة التي لم تعاصر سوى نتائجها، في ظل التشظي الكبير الذي تمرّ فيه البلاد، والمحاولات الكبيرة لمحو هذه الذكرى، وتجريدها من قيمتها.

هذا الوضع الذي فرضته الظروف الراهنة وعدة عوامل متراكمة، دفع الشاب شوقي نعمان، لإعلان موعد عرسه في يوم 26 سبتمبر، عيد ثورة اليمن الخالدة، ليعيش فرحتين معًا، فرحة العمر، وذكرى 26 سبتمبر التي ولدت فيه الجمهورية، وليكون هذا اليوم أيضًا فاتحة جديدة لحياة شوقي، الذي يقول في حديثه لـ"خيوط": "إنّ ثورة 26 سبتمبر من الثوابت الوطنية المقدسة"، لافتًا إلى أنّ الانجراف الحاصل للهُوية الوطنية، والجمهورية، ولـ26 سبتمبر، دفعه للقيام بهذه الخطوة كمحاولة للحفاظ عليها وإحيائها بالأفراح والمناسبات، وذلك لكي تظل راسخة في الأذهان ويتم إيصالها إلى الأجيال المتعاقبة على أنّها ثوابت مقدسة، لا يمكن المساس أو التفريط بها أو التماهي مع من يحاول إسقاطها وتجريفها.

سبتمبر المتجذر في الوجدان

خطوة شوقي، وغيره من الشباب الذين أقاموا احتفالاتهم الخاصة بالتزامن مع عيد ثورة أيلول، تجسيدٌ واقعي لأهمية، هذا اليوم كما أنّها تعزز الحضور القوي للثورة في أذهان ووجدان اليمنيين، ولهذا جاء اختيار شوقي لهذه الخطوة من دافع شخصي، وانتماء حقيقي لهذه الثورة، كما فهمنا من طرحه.

وبالرغم من أنّ ثورة 26 سبتمبر ما تزال في ذاكرة الجميع، إلا أنّ هناك محاولات لمحوها من الذاكرة الجمعية من قبل الأطراف المتصارعة، وطمسها بدرجة رئيسية من أذهان الأجيال الجديدة، وهو ما يتطلب -كما يقول شوقي نعمان- القيام بردة فعل معاكسة لإحيائها في ظل التجريف الحاصل لها من قبل مناصري الثورات المضادّة.

ويُجمِع معظم الشباب على أنّ ثورة 26 سبتمبر، أعظم وأخلد منجز تاريخي تحققَ لليمن، متمنّين اكتمال الجمهورية مع غياب الكثير من المزايا التي لم يحصل عليها اليمنيون من النظام الجمهوري، نتيجة الحرب الدائرة مند سنوات، وصعود بعض المشاريع التجزئية والانعزالية المناهضة لفكر سبتمبر، كما يذهب الشاب لؤي سلطان، الذي يشير في حديثه لـ"خيوط"، إلى أنّ الأحوال التي يعيشها اليمنيون اليوم في ظل التفكك والفوضى والحرب شكّلت دليلًا قاطعًا على أنّ عيوب ونواقص ومساوئ الجمهورية لا تساوي شيئًا أمام هول وفظائع التمزّق والانقسام وعودة الإمامة لحكم البلد.

من جانبه، يؤكّد هشام عبدالباري أنّ ثورة 26 سبتمبر، لم تكن يومًا عاديًّا في تاريخ اليمن، فهذا اليوم كما يقول لـ"خيوط": "باقٍ ما بقيت الفكرة التي أتى بها هذا اليوم، حاضرة تمدّ الأجيال بالعزم للمحافظة على الجمهورية والثورة".

مخاوف من العودة 

وفي ظل الحضور القوي للثورة في وجدان اليمنيين، يخشى البعض من خطورة المرحلة التي تمر بها اليمن في ذكرى ثورة 26 سبتمبر اليوم، وأنّ البلد تكاد تخسر فكرة الثورة والعودة لنقطة البداية، وتشكّل هذه النقطة في أذهان كثيرين فكرة مرعبة لمجرد تصورها، في ظل الانحدار المتسارع للدولة، والتفرد بالحكم والسيطرة على البلد بالدواعي نفسها التي كانت قبل 26 سبتمبر 1962، من جهة، أو الاختلالات السيادية التي تنهال على الديمقراطية وامتهانها لمصالح إقليمية لا تعود لليمن إلا بالمزيد من الخراب، من جهة أخرى، كما يذهب كثيرون.

ويدعو الصحفي رشيد سيف، في حديثه لـ"خيوط"، إلى ضرورة أن يعرف اليمنيون الأهداف الوطنية التي حقّقتها ثورة سبتمبر للمحافظة عليها من الاندثار والنسيان، وخاصة في هذه المرحلة الراهنة التي تمرّ بها البلاد.

يخلص استطلاع الرأي الذي قامت به "خيوط" إلى أنّ الكثير من أجيال اليوم في الذكرى الـ60 لثورة 26 سبتمبر، لم تعد تتذكر ما يتعلق بالثورات بشكل عام، ويرجع رشيد سيف السببَ في ذلك إلى الحرب الدائرة في البلاد، إذ إنّ المناسبات الوطنية السنوية للثورات تأتي والجيل الجديد غارق في همومه ومشاكله ومواجعه اليومية التي أفرزتها الحرب. ويخشى سيف أن تتغلب الحرب على ذاكرة اليمنيين؛ كونها قتلت الروح الوطنية داخلهم، حدَّ وصفه، لافتًا إلى أنّ "التوقد الذي كان قبل الحرب لم يعد موجودًا".

بينما ترى الطالبة الجامعية ثراء القباطي، في حديثها لـ"خيوط"، أنّ الانقسامات والأوضاع التي تمر بها البلاد اليوم أعادت إلى أذهان اليمنيين "ثورة 26 سبتمبر"؛ "كما أنّ وجود الفوارق والامتيازات بين شرائح وطبقات المجتمع، دفعت الأجيال الجديدة إلى تتبع الماضي وقراءة التاريخ والشواهد الثورية لفهم معنى الثورة ودوافعها".

الفشل في تكريسه كثقافة 

بعد مرور 60 عامًا على إعلان جمهورية اليمن الوليدة، تؤكّد الكثير من الدلالات أنّ ثورة الـ26 من سبتمبر لم تلقَ حقّها من الرمزية وتكريسها في ذاكرة الأجيال المتعاقبة بالنظر إلى جوانب الإخفاقات التي فشلت فيها الجمهورية، كعدم تكريس ثقافة الإيمان بسبتمبر.

وتشرح زينب عبدالله، معلمة في إحدى مدارس صنعاء، لـ"خيوط"، أنّ كلًّا من المدرسة والمناهج والتعليم، والمجتمع، لم يكن لهما أي دور فاعل وملموس في تكريس معنى وقيمة ثورة سبتمبر. في الوقت الذي يؤكّد فيه البعض أنّ مناهج التعليم سابقًا كان لها دور كبير في تعزيز معنى الثورة في نفوس الجيل الذي تلا قيامها. وتطرقت زينب إلى أنّ المناهج التعليمية الحاليّة تسعى لتقويض كل ذلك، إذ تشعرها المناهج الدراسية الجديدة بالرعب، فهي نقيض لكل ما حارب الثوار لأجله طويلًا، مع ذلك لا خوف على وعي الجيل الجديد متى ما تم تجييش كل الأقلام والألسن في كل الرسائل المتاحة.

وبالرغم أنّ الثورة حاضرة ومحفوظة في قلوب قلّة قليلة، نخبة، وليس عند أجيال اليوم، يُرجع الإعلامي أسامة عفيف، السببَ إلى التعليم، كونه لم يقم بواجبه لتعريف الأجيال والناشئة وتعريفهم بتاريخهم، وهو ما جعل الوعي بثورة ٢٦ سبتمبر، غيرَ حاضرٍ اليوم بالشكل القوي، ومع ذلك يؤكّد عفيف في حديثه لـ"خيوط"، أنه لا يمكن أن يعود الحال كما كان قبل ثورة ٢٦ سبتمبر، هناك حراك جديد، يناهض الخرافة ويهزأ بها.

تآكل الوعي بها جنوبًا

في محافظات اليمن الجنوبية، التي كان تحريرها من الاحتلال البريطاني بفعل ثورة 14 أكتوبر 1963، وشكّلت امتدادًا طبيعيًّا لثورة سبتمبر، ينخفض منسوب الوعي بثورة سبتمبر إلى درجة التآكل في ذاكرة معظم أجيال اليوم، مقارنة بأجيال المراحل التي أعقبت قيام الثورة، إلى جانب ارتباطهم بالصراعات والأحداث التي عاشتها تلك المحافظات، وصولًا إلى مراحل قريبة من اندلاع الحرب الحاليّة التي عظّمت من الانقسام وصعّدت من منسوب الكراهية المناطقية، وهي الأدوات التي تستخدم في حالة الصراع القائمة اليوم.

وفي مدينة عدن، كما في المحافظات الأخرى، ومنها حضرموت (شرقي اليمن)، حاولت "خيوط" معرفة ما تبقى من ثورة سبتمبر في ذاكرة أجيال اليوم، وبالرغم من معرفة الحدث والإلمام بتفاصيله لدى شريحة كبيرة، فإنّ الوعي بأهميته يكاد يكون غائبًا لديهم، ويرجع منذر باسيف ذلك إلى عدة أمور؛ أهمّها أنّ الحكم ذاته مستمر بالظلم والاستبداد والتسلط، إلى جانب وجود مسميات متعددة لأحداث يُراد تكريسها في الوعي كثورات.

في حديثه لـ"خيوط"، يرى باسيف أيضًا أنّ الناس غير واعِين بما فيه الكفاية بثورة 26 سبتمبر، كونهم ينتمون للجنوب ومهتمين فقط بثورة ١٤ أكتوبر وحرب صيف ٩٤، و٧ يوليو، وغيرها من الأحداث الجنوبية التي ارتبطت بتاريخ الصراعات السياسية. ومع ذلك تظل ثورة 26 سبتمبر في وجدان باسيف، وهو من أبناء حضرموت، تمثل نقلة نوعية في الحكم وخروج الناس من ظلمة الإمامة واستبدادها إلى فضاء الحرية والجمهورية. متمنّيًا أن تتحقق جميع أهداف ثورتي ٢٦ سبتمبر و١٤ أكتوبر؛ "كوننا جيلًا منذ أنا خُلقنا ونحن نعاني وكأننا في عهد الإمامة والظلم والاستبداد وأن الحكم والسلطة مركزية".

في جزيرة سقطرى اليمنية، المحافظة التي تصاعدت فيها حِدّة النزاع مُنذ بَدء الحرب، إلى جانب التدخلات الخارجية من قبل بعض الدول طمعًا بها، وبروز الدعوات التشطيرية، لا يغيب الحضور الوجداني لثورة 26 سبتمبر في ذاكرة أبنائها، وتعد نقطة فارقة في تاريخ اليمن تستحق الاحتفاء. كما يذهب أبو حاتم السقطري. والذي أكّد في حديثه لـ"خيوط" أنّ الكثير من أبناء سقطرى كانوا وما زالوا إلى اليوم يدافعون عن أهداف ومبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر وهزيمة المشاريع الصغيرة التي تريد عودة اليمن إلى العهود الظلامية. ويلفت السقطري إلى أنّ الانقسامات والخلافات البينية والاستسلام للإملاءات الخارجية وتنفيذ رغباتها، يشكّل خطرًا على النظام الجمهوري ويهدّد البلاد ووحدتها ونظامها السياسي.

ويرى أنّه لن يتحقق الأمن والاستقرار في ربوع البلاد إلا بالقضاء على تلك الأدوات والانقسامات تمامًا، وتوحيد جهود كافة القوى السياسية والاجتماعية لتحصين النظام الجمهوري، باعتباره آخر المشاريع الحقيقية للحفاظ على ما تبقّى من البلاد.

•••
عصام القدسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English