المكلا تتنفس فرحًا

ملاهٍ تعيد البسمة لوجوه المدينة
عبدالله البيتي
June 16, 2025

المكلا تتنفس فرحًا

ملاهٍ تعيد البسمة لوجوه المدينة
عبدالله البيتي
June 16, 2025

في مساءٍ معتدلٍ من مساءات مدينةِ المكلا كانت ضحكات الأطفال تعلو فوقَ هديرِ الألعاب، ترسمُ في الأُفقِ ملامحَ فرحٍ طالَ انتظاره، احتشدت العائلات أمامَ بوابة مدينة الملاهي الجديدة تنتظِرُ دورها للدخول، بينما تتعلّق أعينُ الصغار بأضواء المكان التي ترقص في الهواء كأنها نجومٌ هبطت من السماء لتحتفي بقدومهم. لم تكن تلك الأمسيةُ مجرّدَ حدثٍ ترفيهي عابرٍ، بل بدت وكأنّها استعادةٌ جماعيةٌ لروحِ المدينةِ، التي طالما أنهكها الجمودُ وأثقلها الانتظارُ.

من هذا المشهدِ تقولُ لـ (خيُوط) أم رياض -وهي أمٌّ لثلاثةِ أطفالٍ- بابتسامةٍ مشرقةٍ، وعيناها تتابعان عرباتِ ملاهي (وندر لاند فن) وهي تدورُ بأطفالها في دوّامةٍ من البهجةِ: "المكلا فعلًا تغيّرت". وتضيفُ وهي تمسكُ بكفّ ابنتها الصغيرةِ: "أخيرًا صار لنا ولأولادنا مكانٌ نتنفّسُ ونضحكُ فيه، مش بس كلّه همٌّ وغمٌّ وغلاءٌ".

حتى وقتٍ قريبٍ كان الحديثُ عن ملاهٍ ومدنِ ألعابٍ حديثةٍ في المكلا أقربُ إلى حلمٍ مؤجلٍ في مدينةٍ اكتفت لسنواتٍ بما تبقّى من مراجيحَ صدئةٍ وحدائقٍ فقدت ألوانها. لكن افتتاحَ مدينةِ الملاهي الجديدةِ (وندر لاند فن)، إلى جانب إعادةِ إحياءِ (ملاهي بن هلابي) التي أُغلقت قبل نحو عشرين عامًا شكّلَ تحوّلًا لافتًا في المشهدِ الترفيهي ومنحَ أهالي المدينة متنفسًا طال انتظاره. لقد اجتمع في لحظةٍ واحدةٍ ميلادٌ جديدٌ وعودةٌ قديمةٌ لتستعيد المكلا شيئًا من بهجةٍ افتقدتها طويلًا.

حول هذا التحوّل يتحدّث لـ (خيُوط) ياسرُ بن هلابي، مالكُ ملاهي (بن هلابي) الواقعةِ في منطقةِ خلف: "كنا نخططُ لإعادةِ افتتاحِ الملاهي منذ سنواتٍ، أردنا شيئًا يليقُ بالمكلا وسكّانها، مشروعًا لا يقدّمُ الترفيهَ فقط، بل يعيدُ الإحساسَ بالمدينةِ كفضاءِ حيٍّ، نابضٍ بالسعادةِ والأملِ". 

ويضيفُ "اليوم نعودُ بنسخةٍ جديدةٍ من الملاهي تقدّمُ تجربةً متكاملةً تضمُّ ألعابًا حديثةً، ومرافقَ ترفيهيةً، وصالةَ بولينجٍ، وصالةَ ألعابٍ إِلكترونيَّة VR، وفعالياتٍ وعروضًا موسميّةً حيةً، مع تحسيناتٍ في التصميمِ، والمساحاتِ الخضراءِ، واشتراطاتِ السلامةِ والجودةِ والرّاحةِ؛ لتلائمَ مختلفَ الأعمارِ وتعيدَ البهجةَ إلى العائلاتِ".

أَمَّا علوي العطّاس مالكُ ملاهي (وندر لاند فَن) فيُؤكِّدُ أنَّ للملاهِيَ دورًا مِحوَريًّا في تعزيزِ الوجهِ السياحيِّ لمدينةِ المُكَلا، لا سيما معَ اقترابِ (موسمِ البَلْدةِ السياحيِّ). ويُوضِحُ أنَّ هذه المشاريعَ التَّرفيهيَّة تُوفِّرُ تجربةً متكاملةً للزُّوَّارِ القادمين من مُختلَفِ المحافظاتِ، بما تُقدِّمه من مرافقَ حديثةٍ تُلبِّي تطلُّعاتِ العائلاتِ الباحثةِ عن التَّرفيهِ الآمنِ والممتعِ. 

ويُضيفُ الطّاس متحدثًا لـ (خيُوط): "ما يُميِّزُ هذه الملاهي أيضًا هوَ موقعُها الاستراتيجيُّ، إذ تقعُ في قلبِ المدينةِ، وتُطلُّ مباشرةً على بحرِ العربِ وشارعِ السِّتينِ، ما يجعلُ منها وجهةً جذّابةً يسهلُ الوصولُ إليها وتستحقُّ أن تكونَ ضمنَ خريطةِ السِّياحةِ المحليَّةِ".

ما يلفتُ النظرَ أن أجواءَ الملاهي لم تقتصرْ على سكانِ المكلا فقط بل جذبتْ عائلاتٍ من مدنٍ ومناطقَ مجاورةٍ. ففي عيدِ الفطر شهدت الملاهي ازدحامًا لافتًا بعائلاتٍ قدِمت من الشحرِ وغيل باوزير وحتى من سيئون بل ومن محافظةِ شبوة

من اللهو إلى الشفاء النفسي

لَمْ يَكُنْ مشروعُ ملاهي (وندر لاند فَن) مُجرَّدَ مساحةِ لَهْوٍ عابرةٍ، بَلْ محاولةً واعيةً لِبناءِ عالَمٍ مُتكامِلٍ مِنَ البهجةِ والمعرفةِ. وَسْطَ ضجيجِ الألعابِ ودهشةِ الأطفالِ، يَقِفُ علوي العطّاسُ، مالكُ الملاهي، يُراقِبُ المتاهةَ التعليميةَ التي افتتحها مؤخرًا، ويقول: "ما أَرَدْناهُ لَمْ يَكُنْ مُجرَّدَ ترفيهٍ، بَلْ تجربةً تَبني شخصيةَ الطفلِ وتَحْتَضِنُ فُضولَهُ. هذهِ المتاهةُ مثلًا، ليست فقط للّعِبِ، بل لتعزيزِ الثقةِ بالنفسِ، وتجاوُزِ الخوفِ، وتفريغِ الطاقاتِ بطريقةٍ آمنةٍ وممتعةٍ. نَحنُ نُؤمِنُ أنَّ حضرموتَ تَسْتَحقُّ مساحةً تَليقُ بأحلامِ أطفالِها، وأَمَلُنا أنْ تكونَ هذهِ البدايةُ لِما هوَ أَجْمَلُ قادمًا".

من زاويةٍ أخرى ترى الأخصائيةُ الاجتماعيةُ أميرةُ بازاهر بعينٍ خبيرةٍ تقرأُ تفاصيلَ النفسِ البشريةِ أَنَّ في وجودِ الملاهي والمنتزهاتِ الترفيهيةِ أكثرَ من مجردِ ترفٍ أو استجمامٍ، بل ضرورةٌ لتعزيزِ التوازنِ النفسيِّ للأسرةِ. وتوضّحُ لـ (خيُوط): "الأطفالُ بحاجةٍ لمساحاتٍ آمنةٍ يفرّغونَ فيها طاقاتهم، يضحكونَ، يتفاعلونَ، وينمّون مهاراتهم الاجتماعيةَ في بيئةٍ تُشعرهم بالفرحِ والانتماءِ. أما العائلاتُ فمثلُ هذهِ الأماكنِ تمثّلُ لها لحظةَ هدنةٍ تتيحُ الهروبَ من ضغوطِ المعيشةِ، وكسرَ روتينِ الحياةِ اليوميةِ دونَ أن تُثقلها كلفةُ السفرِ أو الرفاهُ المُتعذّرُ".

وتُؤكّدُ بازاهرُ أن مثلَ هذهِ الفضاءاتِ الترفيهيةِ خصوصًا في ظلّ الأوضاعِ الاقتصاديةِ الصعبةِ لا تُقدّرُ فقط بما تقدّمُه من متعةٍ، بل بما تمنحهُ من استقرارٍ نفسيٍّ، وفرصةٍ لترميمِ الروابطِ الأسريةِ في زمنِ الإنهاكِ الجماعيّ.

يعبّرُ ريدان بن علي الحاج، أحدُ روّادِ ملاهي (وندر لاند فن) عن مدى هذا التأثيرِ قائلًا: "المكانُ بالنسبةِ لنا أكثرُ من مجردِ ترفيهٍ، هو ملجأٌ يعيدُ إلينا جزءًا من الفرحِ الذي فقدناه، ويمنحُنا فرصةً نعيشُ فيها لحظاتٍ بسيطةً من السعادةِ برفقةِ عائلاتنا".

وما يلفتُ النظرَ أن أجواءَ الملاهي لم تقتصرْ على سكانِ المكلا فقط بل جذبتْ عائلاتٍ من مدنٍ ومناطقَ مجاورةٍ. ففي عيدِ الفطر شهدت (وندر لاند فن) -التي افتُتِحَت حديثًا آنذاك- ازدحامًا لافتًا بعائلاتٍ قدِمت من الشحرِ وغيل باوزير وحتى من سيئون بل ومن محافظةِ شبوة. وقد حوّل هذا الزخمُ الافتتاحَ إلى حدثٍ جماهيريٍّ منحَ العيدَ طابعًا استثنائيًّا، وجعل من المكانِ مساحةً جامعةً للفرحِ العائليّ.

أما في عيدِ الأضحى فقد كانت الأنظارُ متجهةً نحو ملاهي (بن هلابي) التي أعادت فتحَ أبوابها قبل أسابيعَ قليلةً من العيد لتشهد هي الأخرى تدفّقًا كبيرًا للعائلاتِ والزُّوّار منذ ساعاتِ العصر وحتى ما بعد منتصفِ الليل. وقد شكّل هذا المشهدُ استعادةً لذاكرةِ المدينةِ الترفيهيةِ القديمةِ، ونبضًا افتقدتهُ طويلًا.

في هذا السياق يقفُ أبو مبارك في (بن هلابي) وهو يحمل طفلًا نائمًا بين ذراعيه، ويقول لـ (خيُوط): "وصلنا من تريم الساعة الثانية ظهرًا، ولم نستطع دخول الملاهي إلا عند السّادسة مساءً"، ويُتابع بابتسامةٍ تعبق بالدهشة: "ما شفنا ولا عِشنا مثل هذا الجو من زمان، حسّيت إني خارج اليمن".

وفوق كلّ ذلك فإن الجانبَ الأجملَ في نظرِ كثيرٍ من روّادِ هذه الملاهي وزوّارها هو الإحساسُ بالأمانِ. فالملاهي الجديدةُ مزوّدةٌ بكاميراتِ مراقبةٍ، ومعدّاتِ إسعافٍ أوليّ، وفِرَقِ أمنٍ مدرّبةٍ، ما يمنحُ العائلاتِ طمأنينةً تُطيلُ سهرهم في المكانِ دونَ قلقٍ.

على نحوٍ أشمل فإن المشهدَ الاقتصاديَّ هنا لا يقتصرُ على الأفرادِ فقط، بل يلامسُ منظومةً وسلسلةً أوسعَ من التفاعلِ التجاريِّ والخدميِّ، يمتدُّ إلى وسائلِ النقلِ، متعهّدي الفعالياتِ، أصحابِ المطاعمِ، مورّدي الموادِّ الغذائيةِ، وغيرهم

اقتصاد الفرح الذي انعش المدينة

أشعل افتتاحُ هذه الملاهي في مدينةِ المكلا حراكًا اقتصاديًا غيرَ مسبوقٍ في محيطها، حيثُ اتّخذ من الفرحِ هذه المرّةِ فُرصةً جديدةً للرّزقِ. إذ شهدت المنطقةُ المحيطةُ بالملاهي انتعاشًا ملحوظًا في مختلفِ الأنشطةِ التجاريةِ، لا سيّما في الأعيادِ وإجازاتِ نهايةِ الأسبوعِ والمناسباتِ التي باتت تستقطبُ آلافَ الزّوّارِ من داخلِ المدينةِ وخارجها.

وهُنا تتحولُ الطّرقُ المؤديةُ إلى الملاهي مع غروبِ الشّمسِ إلى ما يشبهُ سوقًا نابضةً تتداخلُ فيها روائحُ الشيبس مع نداءاتِ الباعةِ وصرخاتِ الفرحِ المتصاعدةِ من داخلِ أسوارِ الملاهي. مطاعمُ الوجباتِ السّريعةِ، عرباتُ الشّاي والقهوةِ والآيسكريم المتنقلةِ، بسطاتُ الألعابِ، وحتى باعةُ البالوناتِ والملابسِ الطفوليةِ دخلوا جميعًا في دورةِ عملٍ موسّعةٍ لم تكن مألوفةً من قبل.

ومن بين هؤلاء يقول العمُّ سالم، أحدُ باعةِ الشاي والقهوةِ على مقربةٍ من (وندر لاند فن): "صار الإقبالُ على الشاي والقهوةِ ملحوظًا عمّا كان عليه من قبل، أشتغلُ من 3 ونصف عصرًا حتى الساعة 11 مساءً، الحمدُ لله الرزقُ مفتوحٌ، والدخلُ تحسّن بشكل كبير". ويضيفُ بابتسامةٍ تعبّرُ عن تغيّرِ أحواله: "زمان كنتُ أرجعُ البيتَ وفي جيبي فقط حقّ العشاءِ، اليوم فعلًا صرتُ أوفرُ وأدخر مبلغًا، وإن كان بسيطًا، لكنه نعمةٌ كبيرة".

وعلى نحوٍ أشمل فإن المشهدَ الاقتصاديَّ هنا لا يقتصرُ على الأفرادِ فقط، بل يلامسُ منظومةً وسلسلةً أوسعَ من التفاعلِ التجاريِّ والخدميِّ، يمتدُّ إلى وسائلِ النقلِ، متعهّدي الفعالياتِ، أصحابِ المطاعمِ، مورّدي الموادِّ الغذائيةِ، وغيرهم.

المحاضر الجامعي وخبير ريادة الأعمال، الأستاذ/ أحمد التميمي يرى في هذا الحراك نموذجًا فعّالًا لإنعاش الحركة الاقتصادية المحلية، لما تلعبهُ هذهِ المشاريع من دورٍ حيويٍّ في تحفيزِ السَّياحة الداخليَّة، مما يزيد الطَّلب على مختلفِ الخدمات والمنتجات المحليَّة.

ويوضح أن هذه المشاريع تُوفّر فرصَ عملٍ للشبابِ والنِّساءِ في مجالاتَ عدةٍ، تُسهم بشكلٍ مُباشرٍ في تحسينِ مستوياتِ المعيشةِ وتقليل البطالة. كما تخلقُ ما يُشبِهُ منظومةً مصغّرةً للحياةِ التَّجاريةِ تشملُ وظائفَ موسميّةً ودائمةً، وتحفيزًا لريادة الأعمال الصغيرة، وديناميكيةً استهلاكيةً تفتح أبوابًا جديدةً.

ويخلص التميمي إلى أنَّ هذهِ المشاريع تمثلُ رافِدًا مُهِمًا لتحقيقِ التنميةِ المستدامةِ عبرَ خلقِ منظومةٍ اقتصاديةٍ متكاملةٍ تدعمُ المجتمع وتفتحُ آفاقًا أوسع للنّمو والاِزدهار. ويقترحُ على المستثمرين في هذا القطاع الواعد تخصيصَ مساحاتٍ مفتوحةٍ بأسعارٍ رمزيةٍ تتيحُ لأصحابِ المشاريع الصغيرة عرضَ منتجاتهم وخدماتهم بما يعظّم من أثرِ هذهِ المشاريع الإِيجابي في المجتمعِ ويُعزِزُ التكامل الاقتصادي المحلي.

لم تعد هذه المشاريعُ مجرّدَ أماكنَ للترفيهِ فقط بل تتحوّلُ إلى شواهدَ على مدينةٍ تنهضُ، وإرادةٍ مجتمعيّةٍ تبحثُ عن الأملِ في التفاصيلِ الصغيرةِ. المُكلا اليومَ لا تُعيدُ رسمَ خارطتِها السياحيّةِ فقط، بل ترسمُ ملامحَ مستقبلٍ جديدٍ.

ملامح مدينة تتشكل من جديد

في مشهدٍ يعكسُ تحوّلًا تدريجيًا في ملامحِ المكلا بدأت المشاريعُ الترفيهيةُ الجديدةُ ترسمُ أفقًا مختلفًا لمدينةٍ طالما ارتبطت في الأذهانِ بالبحرِ والأسواقِ فقط. ومن بين هذه المشاريع تبرزُ ملاهي (بن هلابي) وَ (وندر لاند فن) بوصفها تجسيدًا لرغبةِ المدينةِ في استعادةِ نبضها السياحيِّ والاقتصاديِّ من بوابةِ الفرحِ.

ونظرًا لما تمثلهُ هذه المشاريعُ من أهميةٍ في المشهدِين الحضريِّ والاقتصاديِّ للمكلا، حظيت ملاهي (بن هلابي) بافتتاحٍ رسميٍّ من الأمينِ العامِّ للمجلسِ المحليِّ بمحافظةِ حضرموت في خطوةٍ تعكسُ دعمَ السلطاتِ المحليةِ لهذا النوعِ من الاستثماراتِ. وتُعدّ هذه المشاركةُ الرسميةُ مؤشرًا على إدراكِ الجهاتِ المعنيةِ للدورِ الحيويِّ الذي يمكنُ أن تلعبه المنشآتُ الترفيهيةُ في تنشيطِ السياحةِ الداخليةِ وتحسينِ جودةِ الحياةِ لسكانِ المدينةِ وزوّارها على حدٍّ سواءٍ.

وفي السياقِ ذاتِه يؤكّد محمد بوعيران، مديرُ عامِّ مكتبِ وزارةِ السياحةِ بساحلِ حضرموتَ أن هذه المشاريعَ الترفيهيةَ الجديدةَ تمثّل إضافةً نوعيةً للمشهدِ السياحيِّ في المكلا، قائلاً لـ (خيوط): "مثلُ هذه المشاريعِ تُسهم في إنعاشِ السياحةِ الداخليةِ بشكلٍ ملحوظٍ، وتفتح المجالَ أمامَ استقطابِ استثماراتٍ جديدةٍ في قطاعَيِ السياحةِ والترفيهِ، سواءٌ في مدينةِ المكلا أو على امتدادِ مدنِ ساحلِ حضرموتَ. كما أنها تعزّز من البنيةِ التحتيةِ السياحيةِ والترفيهيةِ، وترفع من جاهزيةِ المدينةِ لاستقبالِ مزيدٍ من الزوّارِ من داخلِ المحافظةِ وخارجِها".

ويضيف بوعيران أن هناك توجّهًا رسميًّا لإنشاءِ خارطةٍ ودليلٍ ترويجيٍّ سياحيٍّ شاملٍ لمدينةِ المكلا ومديرياتِ ساحلِ حضرموتَ؛ بهدفِ إدماجِ هذه المنشآتِ ضمنَ برامجِ السياحةِ الداخليةِ. ويتوقّع أن يُسهم هذا الحراكُ في زيادةِ عددِ الوافدين إلى المدينةِ ما سينعكس إيجابًا على الحركةِ الشرائيةِ والإنفاقِ المحليِّ، وبالتالي على تنشيطِ السوقِ الفندقيِّ والمطاعمِ ووسائلِ النقلِ، وهو ما يعزّز الأثرَ الاقتصاديَّ والسياحيَّ المرجوَّ على مستوى المحافظةِ ككلٍّ.

غيرَ أنَّ هذا الحراكَ المتصاعدَ لا يمكنُ أنْ يواصلَ زَخمه من دونِ بيئةٍ حاضنةٍ وداعمةٍ، تتكاملُ فيها جهودُ السلطةِ المحليّةِ مع التفاعلِ المجتمعيِّ الواعي. فاستدامةُ هذه المشاريعِ لا تتوقّفُ عندَ حدودِ الإقبالِ الجماهيريِّ، بل تتطلّبُ آليّاتِ إنصاتٍ مستمرٍّ لآراءِ الزُّوّارِ وتطلّعاتِهم، ووجودَ كفاءاتٍ إداريّةٍ وتشغيليّةٍ تمتلكُ حِسَّ الابتكارِ والقدرةَ على التطويرِ.

وفيْ هذا الصَّددِ يُشدِّدُ ياسرُ بن هلابي على أهميّةِ هذا البُعدِ لـ (خُيوط) بقولِه: "الناسُ تحبُّ الفرحَ، لكن علشان تخلِّي الفرحَ يستمرَّ، لازم نشتغلْ على أدقِّ التفاصيلِ: السلامةِ، النظافةِ، الأسلوبِ، حتى شكلِ المكانِ. إحنا نسمعُ للزُّوّارِ أوّلًا بأوّلٍ ونسوّي تغييراتٍ مستمرّةً. الترفيهُ صار مسؤوليّةً، مش مجرّد تجارةٍ وفلوسٍ، وإحنا نؤمنُ أنَّ المُكلا دائمًا تستحقُّ الأفضلَ، واللِّي جاي أحلى إنْ شاءَ الله".

وفيما تتأرجحُ أضواءُ الملاهي، وتتماوجُ أصواتُ الموسيقى مع ضحكاتِ الأطفالِ، تقفُ أمُّ فاطمةَ في زاويةٍ من زوايا (وندر لاند فن) تُمسكُ يدَ ابنتها الصغيرةِ وتُحدّقُ في الألوانِ المتلألئةِ قائلةً: "أتمنّى ألّا تنطفئَ هذه الأنوارُ قريبًا، لا نريدُ أنْ تكونَ هذه الملاهي مجرّدَ ومضةٍ عابرةٍ بل بدايةً لعهدٍ جديدٍ، لأطفالٍ عاشوا في زمنٍ بلا أُرجوحةٍ".

هكذا لا تعودُ هذه المشاريعُ مجرّدَ أماكنَ للترفيهِ فقط بل تتحوّلُ إلى شواهدَ على مدينةٍ تنهضُ، وإرادةٍ مجتمعيّةٍ تبحثُ عن الأملِ في التفاصيلِ الصغيرةِ. المُكلا اليومَ لا تُعيدُ رسمَ خارطتِها السياحيّةِ فقط، بل ترسمُ ملامحَ مستقبلٍ جديدٍ.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English