عن طقوس السقطريين وقوانينهم

دعاء الغنم الذي يُتبرك به، وحرم الطالب من الدراسة
أحمد الرميلي
June 1, 2025

عن طقوس السقطريين وقوانينهم

دعاء الغنم الذي يُتبرك به، وحرم الطالب من الدراسة
أحمد الرميلي
June 1, 2025

كنت في جلسة ليلة مع مجموعة من كبار السن، وكانوا يتبادلون الحكايات الشخصية. حكى أحدهم فقال:

نزلت مع والدتي من البادية إلى حديبو، وكنت حينها طفلا صغيرا، ونزلنا في بيت أحد المعاريف الذين كنا نسكن معهم مع كل نزول، فخرجت من المنزل ورأيت الطلاب في المدرسة، فانتابني الفضول وسألت: ماذا تعملون هنا؟ قالوا: ندرس ونتعلم القراءة والكتابة، قلت: أريد أن التحق بكم، لكن كيف الطريقة؟ فأوصلوني إلى المدير، وبدوره الحقني بالصف وأعطاني بدلة مدرسية وكتب، والحقني بالسكن الداخلي.

افتقدتني والدتي وأخذت تبحث عني دون جدوى، ومع الظهيرة عدت وعليَّ الزي المدرسي حاملا الكتب، وأخبرت والدتي بالذي جرى، وقلت لها أنني سأبقى هنا لأجل الدراسة، فرفضت ذلك رفضا قاطعا، وحاولت اقناعي بالعودة معها إلى البادية، لكنني أصريت على البقاء  والدراسة، فحاولت اقناعي بأن والدي سوف يعترض ويلومنا جميعا على هذا التصرف، وأني الابن الوحيد في البيت ولا يمكنهم البقاء بدوني، وأن الحيوانات بحاجة إلى من يرعاها ويهتم بها ويحلبها، ولا أحد يقوم بهذه المهم إلا أنا ووالدي فقط، وأن وأن... لكن دون جدوى.

وعندما أصابها اليأس ذهبت وعادت إلى البادية دوني، وعندما أخبرت والدي انزعج انزعاجا شديدا ولامها على تركي. ثم ذهب وأخبر مقدم القبيلة بما جرى، فذهبا معا ونزلا إلى حديبو، ودخلا على المدير، وكلماه بِشأني، وأنه ينبغي أن أعود إلى البادية وأتوقف عن الدراسة بالححج السابقة التي حاولت والدتي اقناعي بها، وأضافوا حجج أخرى، منها أني صغير ولا أتحمل الاغتراب عن البيت.

فكان جواب المدير هو الرفض، وأن الطالب لديه الرغبة الشديدة في الدراسة، وأنه لا يمكن حرمانه من الدراسة. ومع الأخذ والرد اتفقوا على ارجاع الأمر إلي، إما أن أختار البقاء في المدرسة أو أختار الذهاب إلى البادية. فتم استدعائي، فاخترت الدراسة دون تردد.

فكر مقدم القبيلة بحل آخر، فاهتدى إلى طلب المدير إعطائي رخصة لمدة أسبوع فقط، حتى يتم اقناع أمي وأخواتي، ويعرف الكل أنني من اختار هذا الطريق بقناعتي، فوافق المدير.

فذهبنا معا، فلما وصلنا إلى البادية تم اختيار ثلاث أغنام من أنفس الأغنام وأسمنها وأعرقها نسبا؛ لغرض الدعاء بها حتى أنسى الدراسة وأكره المدرسة، وتم التنفيذ بالفعل.

ومع قرب موعد العودة طلبوا مني الرجوع إلى حديبو وإلى المدرسة، فأخذت أبكي وأطلب منهم عدم إرجاعي إلى المدرسة، وأني خائف من العودة ومن المدرسة وكرهتها كرها شديدا.

 وبهذا حصل المطلوب، وبقيت جاهلا إلى يومنا هذا.

ومن العادات الفريدة عادة مغالطة البقرة أو الجمل. ومفادها أن البقرة أو الجمل إذا ولدت، وأراد الراعي أن يذبح صغيرها، فيذبحه ويبقي على جلده سالما، ويجفف، ثم يضع بداخله بعض الحشائش ذات الروائح الزكية حتى ينتفخ، وتعطيه تلك الحشائش رائحة طيبة، ثم يقدم لأمه ويوضع أمامها عند حلبها، فتتوهم أن ابنها مازال حيا، وتدر لبنها سخيا، وتخضع للحلب.

عادات وطقوس باقية

السقطريون شعب من أقدم شعوب المنطقة العربية عامة واليمن خاصة، يلاحظ ذلك في بعض عاداتهم الموغلة في القدم، والمنقرضة عند غيرهم تمام الانقراض.

خذ مثلا طقوس الدعاء بالغنم، ومفاد هذه الطقوس أنهم كلما ألجأتهم الحاجة يجمعون أغناما ويدعون بها بغية قضاء الحاجة. تلك الطقوس ما زالت شاخصة في سقطرى.

ومن النماذج الرائعة الفريدة والتي تحكي عن عراقة الشعب السقطري، مسألة استخراج النار من أعواد الشجر اليابسة، فيحكُّون بعضها ببعض بطريقة فريدة حتى استخراج النار.

ومن الدلائل على ذلك تفضيلهم جنس الغنم عن الحيوانات الأخرى، فيحترمون أحواشها حد التقديس، فلا تدخلها امرأة غير طاهرة، ولا يتلفظ فيها بألفاظ سيئة، حتى لفظ الحمار يحضر ذكره فيها، وعند الحاجة لذكره يستعار له لفظ آخر هو لفظ (شنقهل)؛ كي لا يتلفظ باسمه. بل هناك نوع خاص من الغنم تقديسه أشد، وهو ما يطلق عليه (محضضه) و(مجرده)، فلا تشرب من لبنها المرأة، ولا يخلط لبنه مع غيره من الغنم.

ومن العادات الفريدة عادة مغالطة البقرة أو الناقة، ومفادها أن البقرة أو الناقة إذا ولدت، وأراد الراعي أن يذبح صغيرها، فيذبحه ويبقي على جلده سالما ويجفف، ثم يضع بداخله بعض الحشائش ذات الروائح الزكية حتى ينتفخ، وتعطيه تلك الحشائش رائحة طيبة، ثم يقدم لأمه ويوضع أمامها عند حلبها، فتتوهم أن ابنها مازال حيا، فتخضع للحلب  وتدر لبنها سخيا.

ومن الدلائل على قدم تلك الشعوب عادة الختان القديمة، وما يرافقها من طقوس ومراسم خاصة. ومفادها أن الولد لا يختن حتى يصير بالغا أو قريبا منه، يكون ذلك الختان في وسط الحاضرين، وفي أجواء وطقوس غريبة عجيبة.

ناهيك عن عاداتهم الصارمة وقوانينهم الرائعة في الرعي، وفي الحل والترحال، والظعن، وإراد الماء.

وعاداتهم في الأعراس والمناسبات والأفراح والأتراح والدفن.

ولم نتكلم بعد عن لغتهم الخاصة، التي لو دقق فيها الشخص، وقارنها باللغات السامية القديمة، لوجد فيها رواسب رائعة من تلك اللغات، ما زالت السقطرية محتفظة بها. أضف إلى ذلك أدبهم وأشعارهم وقصصهم وأساطيرهم وحكمهم وأمثالهم.

كل هذا وغيره يعطي دلائل دامعة وبراهين قاطعة على أن تلك البقعة من الأرض سكنت منذ الآف السنين وسالف الدهور، وإلا لما بقيت هناك رواسب من الماضي، وممارسات من الزمن العتيق، ولما احتفظ السقطريون بهذا كله بين عشية وضحاها.

فعندما تخالط الناس المحافظين في بوادي سقطرى وتلاحظ حياتهم تشعر وكأنك تعيش ما قبل الميلاد، وتجد نفسك أمام ماض عريق، وتاريخ سحيق.

فليعرف من لا يعرف أن سقطرى أرض وطأها البشر واستوطنها منذ عصور موغلة في القدم، والدليل حفاظهم على ما ذكرنا وما لم نذكره من الممارسات والعادات والطقوس والقوانين التي ماتت عند غيرهم من الشعوب.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English