في مدينة تعز التي لطالما كانت رائدة في الفكر والثقافة والسياسية تتكاثر فيها اليوم المنتديات الثقافية والفكرية المختلفة لتشكل في مجموعها حركة عميقة تسعى إلى تعزيز الوعي بعيدًا عن النزاعات المسلحة التي شهدتها، مثل عموم اليمن، على مدى السنوات العشر الماضية . ففي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحالة الاستقطابات والانقسامات السياسية التي تتصدر واجهات الحديث ،باتت هذه المنتديات ، بتنوع مشاربها ومشاريعها ،منصات للحوار وانتاج الاسئلة، لتقول أن الثورة الحقيقية تبدأ بالكلمة قبل أي شيء، آخر وأن الفكر يمكن أن يكون أداة التغيير الحقيقية.
رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تمكنت تعز من الحفاظ على هويتها الثقافية كمركز للحوار والتفاعل الثقافي، حيث تجمع هذه المنتديات بين المثقفين والكتاب والشباب الطامحين إلى تجاوز الواقع المتردي لطرح أفكارهم ورؤاهم الحيوية عبر سلسلة طويلة من النقاشات الجادة والمسئولة حيال القضايا الاشكالية على الأرض. هذه المنتديات لا تكتفي بالنقاش وحده، بل تسعى إلى خلق بيئة صحية تساهم في إعادة تشكيل الوعي الجمعي بما يخدم خطاب السلام والتنمية.
ما أنواع التحديات التي تواجه المؤسسات الثقافية ؟
في تصريح لـموقع خيوط نت أوضح عبدالله العليمي مدير عام مكتب الثقافة بمحافظة تعز أن الحرب أثرت بشكل مباشر على استمرارية الأنشطة الثقافية، حيث أدى ارتفاع تكاليف التنفيذ وضعف الموارد إلى تراجع الفعاليات وتجميد العديد من البرامج الثقافية، والأنشطة وأكد أن العمل الثقافي أصبح مقاومة بحد ذاته حيث يسعى القائمون عليه إلى الحفاظ على وهجه رغم الظروف القاسية
ورغم الإمكانيات المحدودة أوضح العليمي أن المكتب يسعى لدعم المبادرات الثقافية قدر المستطاع، حيث أصدر خلال العام الماضي أكثر من 42 تصريحًا رسميًا لإنشاء مؤسسات ومنتديات ثقافية جديدة، بينما بلغ عدد التصاريح التي تم إصدارها هذا العام 12 تصريحًا حتى نهاية شهر أبريل الماضي كما أشار إلى أن مكتب الثقافة يحرص على حضور الفعاليات الثقافية ودعمها معنويًا وتنظيميًا بقدر ما تسمح به الإمكانيات المتاحة.
في ظل الأحداث المتلاحقة، تظهر المنتديات الفكرية والثقافية في تعز كواحدة من أهم أدوات المقاومة الفكرية حيث تتيح للشباب مساحة للنقاش، وبيئةً للتعبير عن آرائهم وقناعاتهم بحرية بعيدًا عن العنف والتطرف وسطوة المؤسسة الرسمية
وأضاف العليمي أن العمل الثقافي في تعز يعتمد بشكل أساسي على جهود فردية ومبادرات ذاتية حيث يعاني مكتب الثقافة نفسه من نقص الموارد مما يدفع الكثير من الفعاليات إلى الاعتماد على التمويل الذاتي، وأكد أن المكتب يسعى إلى تعزيز التواصل مع المنتديات الثقافية المسجلة رسميًا ، وكذا المستوفية لشروط التسجيل ،بهدف تحقيق شراكة فاعلة تضمن الاستمرارية والتوسع لهذه الأنشطة ، التي تذكر بكون تعز هي العاصمة الثقافية الدائمة للجمهورية اليمنية
لغة مضادة لفعل الحرب
في تصريح لـ موقع خيوط قالت حنين الإغواني مديرة منتدى سطور: نلاحظ أن توافد الشباب على المنتدي في تزايد مستمر، حيث تشهد المؤسسة زيادة كبيرة في الإقبال على الأنشطة الثقافية والتي باتت تمثل لغة مضادة للحرب وأداة لمواجهة الفساد والدمار المحيط بالمشهد السياسي والثقافي
وأكدت حنين أن هذا التوجه العام يسهم في رفع وعي الشباب حول قضاياهم الحقيقية، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو العالمي مشددةً على أن الوعي هو النافذة الأهم التي يطل منها الفرد على موقعة وتالياً حقوقه و رغباته
أما فيما يتعلق بالدعم أوضحت حنين أن المنتدى يعتمد حاليًا على جهود ذاتية من فريق العمل مع تطلعات للحصول على دعم مستدام يضمن استمرارية النشاط وتوسيعه ليصل إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين من الشابات و الشباب.
مخرجات بحاجة إلى الصبر
في لقاء مع أسامة الحساني رئيس ملتقى الكتاب والقهوة شدد على أن المنتديات الثقافية في تعز تؤدي دورًا فعالًا وهامًا في المجتمع، إلا أن مخرجاتها على أرض الواقع بحاجة إلى الكثير من الصبر والاستمرارية حتى تؤتي ثمارها
وأضاف الحساني ؛هذه المنتديات يمكن أن تؤثر إيجابيًا في المجتمع، حيث تساهم في طرح العديد من الأفكار التي من شأنها المساهمة في حل الإشكاليات التي تعوق عملية التحول والتغيير .
أما من حيث الإقبال فقال : إن الإقبال على الملتقى الثقافي يزداد من لقاء إلى آخر، غير أن بعض المشاركين ينضمون بدافع الظهور الإعلامي أكثر من الرغبة في إنتاج الفعل الثقافي، إلا أن التفاعل المستمر معهم يخلق تغييرًا واضحًا في مستوى الوعي ويعزز اهتمامهم بالقضايا الحيوية التي يقاربها المنتدي
وأختتم الحساني حديثه بالقول: إذا كانت الموضوعات التي تعرضها هذه المنتديات مدروسة وممنهجة فإنها قادرة على إحداث الفارق ، مستشهدًا بالتطور الكبير الذي لاحظه في طرائق تفكير أعضاء نادي "الكتاب والقهوة"، وكذا تفاعلاتهم الايجابية مع برامج المنتدي ورؤاه.
خطوة حيوية على طريق التحول
السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثير من أعضاء المنتديات والناشطين يتشكل على النحو التالي: هل يمكن للثقافة أن تكون لحظة تجاوز فارقة لحالة الصراع في المدينة واليمن عموماً؟
في ظل الأحداث المتلاحقة، تظهر المنتديات الفكرية والثقافية في تعز كواحدة من أهم أدوات المقاومة الفكرية حيث تتيح للشباب مساحة للنقاش، وبيئةً للتعبير عن آرائهم وقناعاتهم بحرية بعيدًا عن العنف والتطرف وسطوة المؤسسة الرسمية .
إن هذه المنتديات الثقافية لم تعد مجرد تجمعات عابرة، بل أصبحت منصات حقيقية للتفاعل ،تصوغ أفكاراً حيوية تقف على الضد من مشاعات الجهل والتطرف التي تتفشى برعاية أطراف فاعلة داخل معادلة الحرب والمنتفعة من استدامتها، بخلق مثل هذا الوعي الشائه والعمل على تصلبه في فضاء المجتمع !!
فهل ستكون هذه المنتديات قادرة على توجيه المجتمع نحو تغيير حقيقي ومستدام؟ أم أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية وقبل ذلك السياسية ستظل عائقًا أمام استمرارها ؟ الأيام وحدها ستكشف الإجابة، لكن الأكيد أن هذه المنتديات تشكل اليوم خطوة حيوية بالغة الأهمية في طريق خلق ثورة ثقافية تقدم الوعي المستنير بالكلمة على فعل الرصاصة القاتلة.
