المشاركة السياسية للشباب طريق التغيير في اليمن

أسباب التهميش والغياب عن طاولة الحوار وعملية السلام!
هديل الموفق
February 12, 2022

المشاركة السياسية للشباب طريق التغيير في اليمن

أسباب التهميش والغياب عن طاولة الحوار وعملية السلام!
هديل الموفق
February 12, 2022

يبدو اليوم مشهد نشاط الشباب السياسي في اليمن مختلفًا تمامًا عما كان عليه في عام 2011. لقد أزالت موجات عديدة من خيبات الأمل الكثير من الآمال التي أثارها الربيع العربي. على الرغم من أن الشباب كانوا وكلاء التغيير الرئيسيين في بداية ثورة 2011 التي أسقطت حكم علي صالح، فقد تم تهميشهم تدريجيًّا من قبل النخب السياسية في أعقابها. وبالنظر إلى الحرب المستمرة منذ 7 سنوات وما تلتها من أزمة اقتصادية عميقة في البلاد، فلا عجب أن معظم شباب اليمن يشعرون بإحباط شديد من الوضع الحالي. علاوة على ذلك، فقد أثبطت هذه النكسات المتتالية عزيمتهم، مما كان له أثر كبير وواضح على مستوى مشاركتهم السياسية ونشاطهم خلال هذه الحرب.

يمكن إرجاع إحجام الشباب اليمني عن الانخراط بشكل أكبر في الشؤون السياسية إلى عوامل داخلية وخارجية. داخليًّا، وعلى المستوى الفردي، دفع انعدام الثقة في العملية السياسية في البلاد والشعور المتزايد باليأس العديد من الشباب إلى العزلة السياسية والسلبية. وبشكل أكثر تحديدًا، أدت حرب السنوات السبع والأزمة الاقتصادية الطاحنة إلى إضعاف إيمان الشباب اليمني بقدرتهم على التأثير بشكل إيجابي على الشؤون السياسية في البلاد. ويشير الباحث يزيد الجداوي في تقرير حديث نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية إلى أن الشباب اليمني يشعر بالخيانة من قبل النخب السياسية التي سرقت ثورتهم وفرصة بناء مستقبل أفضل. كما يسلط التقرير الضوء على أن أولويات الشباب اليمني اليوم قد تغيرت من المطالبة بالمشاركة السياسية إلى المطالبة بتحسين الظروف الأمنية والاقتصادية وتوفير فرص العمل. وبالمثل، فإن الخوف من التعرض للتجنيد الإجباري، أو الزواج القسري لأسباب اقتصادية في حالة النساء، إلى جانب مشاهدة فقدان الأحباء أو تضرعهم جوعًا بسبب الحرب، يبدو أكثر إلحاحًا وأكثر قلقًا للشباب مقارنةً بمطالب تبدو بعيدة المدى مثل الحصول على مقعد ضمن محادثات السلام.

في الواقع، كثيرًا ما يشتكي العديد من الشباب الذين شاركوا في مشاريع بناء السلام هذه، من افتقارهم إلى الأدوات والمعرفة التي قد تجعل مشاركتهم أكثر فعالية وتأثيرًا. وعلى حد وصف الكثير، اقتصرت مشاركتهم على حضور ما يبدو أنه سلسلة لا نهاية لها من الندوات وورش العمل والاجتماعات التي لا توفر لهم أكثر من "شهادات حضور".

على المستوى الجماعي، يمكن تفسير السلبية السياسية للشباب اليمني أيضًا بانعدام الثقة والتماسك بين أوساط النشطاء الشباب أنفسهم وعدم قدرتهم الحالية على الانخراط في نشاط سياسي منظم. هناك سببان على الأقل ساهما في الوضع الحالي. أولًا، انعكست الانقسامات السياسية، وأحيانًا المناطقية، الحاصلة في البلاد على صفوف الشباب الناشطين. وقد منع هذا الانقسام الشباب اليمني من بناء ومناصرة قضايا مشتركة وأضعفهم سياسيًّا، فلم يعد لهم الحضور القوي نفسه في الساحة السياسية الذي كانت تتمتع به الحركة الشبابية في ٢٠١١. ثانيًا، حدّت البيئة العدائية للحرب بشكل كبير من قدرة النشطاء الشباب على التعبير بحرية، وهذا ينطبق بشكل خاص على النشطاء المقيمين في المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فلا عجب أن العديد من النشطاء الشباب قد اختاروا التواري والصمت أو أصبحوا يتطلعون للهروب من اليمن بحثًا عن آفاق أفضل ومساحة حرية أكبر في الخارج في ظل هذا الوضع.

أما العوامل الخارجية التي تؤثر على تراجع الشباب اليمني عن السياسة فتشمل مقاومة النخب السياسية وصناع القرار المحليين والدوليين لإشراك الشباب في أي عملية سياسية. وبالطبع، للأحزاب السياسية في اليمن باع طويل في تهميش الشباب والنظر إليهم على أنهم أدوات لتحقيق مصالحها ليس إلا، وهو ما لا يزال عليه الوضع حتى اليوم. وفي الواقع، لا جدوى من الحديث عن الأحزاب السياسية اليوم لأنها لم تعد تلعب دورها التقليدي على الساحة السياسية، بل لقد خضعت بشكل كبير للملشنة والعسكرة، وقد اختارت دخول ساحة الحرب كأطراف فاعلة فيها، واستبدلت الخطاب السياسي بالبندقية والدبابة.

الغياب عن جهود السلام

عندما يتعلق الأمر بمشاركة الشباب في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، والتي ربما تكون العملية السياسية الرسمية الوحيدة المتاحة اليوم، فإن الشباب اليمني غائب إلى حد كبير عن طاولة الحوار وعملية صنع القرار. في ملخص بحثي حديث نشره المركز اليمني للسياسات، نظرتُ في العوائق الهيكلية والسياسية التي حالت دون تمثيل الشباب اليمني بشكل كافٍ في محادثات السلام. إحدى نتائج البحث كانت غياب الإرادة السياسية للأطراف المحلية مثل الحكومة المعترف بها دوليًّا والحوثيين لإدماج الشباب في عملية السلام، بل ومقاومتهم لتوسيع المحادثات لتشمل النساء والشباب المستقلين الذين هم جزء من هياكل المجتمع المدني. وليس من المتوقع أساسًا من أطراف الصراع، وخاصة عندما يتعلق الأمر بجماعة شمولية مثل الحوثيين، من أن يرحبوا بهذه التعددية السياسية، وخاصة أن الدراسات تشير إلى أن إشراك المجتمع المدني في عمليات السلام يقترن بدرجة كبيرة بنجاح المفاوضات وتحقيق سلام دائم، وهو ما يتعارض مع رغبات الأطراف المتحاربة التي تستفيد من استمرارية الحرب.  

كما لم يتمكن أي من المبعوثين الأمميين السابقين من دفع الأطراف المتحاربة لإدراج الشباب حول طاولة المفاوضات؛ إما بسبب عدم وجود اهتمام دولي حقيقي بإشراك المجتمع المدني في هذه العملية، أو ربما لأن مهمة إشراكهم ليست ضمن ولاية المبعوث. وذلك لأن القرار ٢٢١٦ لمجلس الأمن الدولي يعترف فقط بطرفين في النزاع؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا والحوثيين، بينما فشل في الاعتراف بوجود أطراف أخرى لها أهمية التمثيل نفسها في المفاوضات السياسية، مثل النساء والشباب والمجتمع المدني بشكل عام. وبالمثل، فإن مبادرات المسار الثاني من عملية السلام التي تهدف إلى جمع أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، للتأثير على أجندة السلام، لم تنجح في إشراك الشباب اليمني بشكل فعال. لا تنشط الكثير من الشبكات الشبابية على هذا المستوى من محادثات السلام، وحتى أولئك الذين تمكنوا من المشاركة يصفون مشاركتهم غالبًا على أنها رمزية في أحسن الأحوال. 

في الواقع، كثيرًا ما يشتكي العديد من الشباب الذين شاركوا في مشاريع بناء السلام هذه، من افتقارهم إلى الأدوات والمعرفة التي قد تجعل مشاركتهم أكثر فعالية وتأثيرًا. وعلى حد وصف الكثير، اقتصرت مشاركتهم على حضور ما يبدو أنه سلسلة لا نهاية لها من الندوات وورش العمل والاجتماعات التي لا توفر لهم أكثر من "شهادات حضور" ومعرفة نظرية عامة، بدلًا من أي خبرات عملية أو نتائج ملموسة.

إن تغيير هذا الوضع يتطلب التزامًا طويل الأمد من المنظمات المحلية والمجتمع الدولي للاستثمار في بناء قدرات الشباب من أجل إعدادهم للقيام بدور أكثر نشاطًا في عملية السلام بمجرد استئنافها. ويشمل ذلك تدريب الشباب على آليات أكثر دقة لحل النزاعات وكتابة ورق السياسات، بالإضافة إلى مساعدتهم على استخدام الأدوات المناسبة للمناصرة الفاعلة في الواقع وعلى الإنترنت. كما يتطلب الأمر مزيدًا من الجهود من جانب مكتب المبعوث الخاص بالأمم المتحدة إلى اليمن، لإشراك خططهم مع الشباب واستشارتهم عند تصميم أي أليات لوقف إطلاق النار أو اتفاقيات سلام، عوضًا عن إشراكهم حول طاولة المفاوضات نفسها عند استئناف العملية.

التغيير  المنشود

أخيرًا، والأهم من ذلك، يجب أن يبدأ الشباب اليمني أنفسهم في المطالبة بتمثيل أكثر فاعلية في عملية السلام. وبالطبع، بالإمكان تفهم أن الكثير من الشباب قد فقدوا الأمل في أن عملية السلام ستحدث تغييرًا، لا سيما في ظل جمودها الحالي وتعثر جهود المبعوث في تحقيق وقف إطلاق نار شامل، لكن من المهم، بالرغم من ذلك، أن يضمنوا مشاركتهم فيها. لقد أثرت الحرب سلبًا على الشباب من نواحٍ عديدة، وما لم يكن هناك اتفاق سلام يعالج مظالمهم بشكل خاص، فسيبقى وضع الشباب اليمني كما هو عليه اليوم. لذلك من المهم بالنسبة لهم أن يبدؤوا في التحدث عن قضاياهم ومناصرتها، بدلًا من السماح للآخرين بالحديث بالنيابة عنهم. فعلى الرغم من أن مشاركة الشباب السياسية لم تعد اليوم ضمن أولوياتهم، يجب أن يدركوا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لإحداث تغيير إيجابي حقيقي في حياتهم. وبالقدر نفسه من الأهمية، يجب عليهم أن يعملوا على الانضمام إلى أو إنشاء مبادرات وتحالفات مع بقية الجهات الفاعلة في المجتمع المدني بهدف التأثير على جهود بناء السلام من خارج الهيكل الرسمي لعملية السلام. ربما يكون هذا النوع من الضغط الشعبي هو الطريقة الأمثل لإحداث تغييرات ذات جدوى في مسار الحرب وعملية السلام معًا.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English