اليمن تُدمَّر بيد أبنائها وأعدائها

هل يعود الاحتجاج السلمي لتقويم مساره الذي حُرّف إلى الحرب؟
عبدالباري طاهر
January 27, 2022

اليمن تُدمَّر بيد أبنائها وأعدائها

هل يعود الاحتجاج السلمي لتقويم مساره الذي حُرّف إلى الحرب؟
عبدالباري طاهر
January 27, 2022

عندما غزا علي عبدالله صالح الجنوب سنة 1994، وشرع في حصار عدن، كتب إليه الأستاذ المناضل محمد عبدالله الفسيل رسالةً حذّره فيها من دخول عدن، وقال له بالحرف الواحد: "إنّ مَن يحتل عدن كمن يزني بأمه". لم تمضِ إلا سنوات معدودة حتى أطاح الشعب اليمني بصالح.

الميليشيات المتقاتلة في اليمن وعليها، يرتكبون جرائم حرب ضد الإنسانية أفحش كثيرًا مما فعله صالح في عدن والجنوب. إنهم يتنافسون ويتبارون في قتل أمهم، وفي تمزيق أوصالها، وتدمير مآثرها ومعالمها الحضارية، ويستقوون بالصراع الإقليمي: الإيراني- السعودي، الإماراتي، كما أن الإمارات تستنجد بأمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل؛ لتدمير اليمن، وتفكيك شعبها، وطمس اسمها، والسعي لمحوها من الخارطة، وإلحاقها بكياناتهم.

المتقاتلون اليمنيون العاقّون يريدون فرض أنفسهم بالغلبة والقوة، وهم يعرفون أن الشعب اليمني منذ الثورة اليمنية سبتمبر 1962، وأكتوبر 1963، ومنذ قيام الوحدة في الـ22 من مايو 1990، قد اختار الجمهورية والديمقراطية اللتين لا تراجع عنهما، وانتهج سبيل السلم، وأن خيار الدسترة مطلبه الأساس منذ 1948، يوم صاغ "الميثاق المقدس" كواحد من أوائل الدساتير الديمقراطية في المنطقة العربية.

القاسم المشترك بين الميليشيات اليمنية في طول اليمن وعرضها، وبين أطراف الصراع الإقليمي هو العداء لخيار الشعب اليمني في الحرية، والديمقراطية، والوحدة، والسلام. عانى الشعب اليمني كثيرًا من القوة، ومن الاغترار بها منذ عهد الملكة بلقيس حسب توصيف القرآن: {نحنُ أُولُو قُوةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيد...} [سبأ:33].

في خاتمة القرن العشرين أقام شعبنا، ولأول مرة، وحدتَه السلمية والديمقراطية، ولكن زبانية الوحدة الذين أرادوها أن تعمّد بالدم، انقضّوا على الوحدة السلمية والديمقراطية بحرب 1994.

انتفضت حضرموت بعد بضعة أشهر ضد وحدة القوة، ولحق بها شباب عدن، ولحج، وأبين، والضالع في احتجاجات مدنية في العام 1997، وقاد شباب وشابات صنعاء وتعز احتجاجاتهم أمام مجلس الوزراء لبضعة أشهر في مطلع القرن الواحد والعشرين. كل ذلك مهّد لانبلاج فجر الربيع العربي 2011، الذي غمر المدن كلها، وشارك فيه أبناء القبائل الذين كانوا يتركون أسلحتهم، وينضمون للساحات، ويتعرضون للقمع.

ثورة الربيع العربي لم تهمد جذوتها، وهي الآن تدق بوابة النصر الكبرى في السودان، رغم استقواء العسكر بإسرائيل وأصدقائها العرب.

لقد فشلت قوة السلاح في تونس، ومصر، والسودان، وليبيا، واليمن، وفلسطين، كما أن قوة المال المؤازرة للإرهاب والحرب قد خابت في سوريا، وهي في طريقها للفشل في السودان، كما أن تعويلها على امتشاق القوة في الحرب على اليمن والسودان، لن تكون نتيجته إلا البوار.

كانت القوى الإسلامية هي الأكثر حضورًا، والأقوى تنظيمًا، ومن تزعم الاحتجاجات، لكنها قدمت الأنموذج الأسوأ؛ وهو ما ساعد الحكام الطغاة على شن الحرب على هذه الاحتجاجات، وسهّل إعاقتها وقمعها.

تجهل دول التحالف العربي أن الحرب على اليمن مهما بلغت ضراوتها وجبروتها لن تحقق النصر، ولن تحسم المعركة؛ فذاكرة اليمن الحربية تمتد لمئات وآلاف السنين، والحرب هو إرثها الوبيل الذي تدأب للخلاص منه، في حين تحتمي به القوى التقليدية؛ لأنه وسيلتها الوحيدة للوصول للحكم، والاستنقاع فيه.

تقترب اليمن من الذكرى، أو بالأحرى العيد الـ 11لثورة الربيع في اليمن، وهي الثورة السلمية التي هي رهان أمتنا العربية للتحرر من الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، والخلاص من حكم الفساد والاستبداد في أنظمة الحكم الثورية، ومن التحالف العربي المتحالف مع الكيان الصهيوني، والداعم للحرب ضد الأمة العربية في أكثر من بلد.

تحالف القوة الأمريكية، البريطانية، الفرنسية، الإسرائيلية، وحكم الفساد والاستبداد في المنطقة لا خلاص منه إلا بالانتفاضات الشعبية؛ فهي سلاح العصر الذي انتصرت به الثورات الكبرى في روسيا، وتركيا، والهند، وإيران، وفي العديد من شعوب آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية.

كل نضالات الأمم والشعوب غالبًا ما تكون وتبدأ سلمية، ولكن الطغاة هم من يجرونها للعنف، ويفرضون الحرب، لأنها سلاحهم الوحيد الذي يحكمون به؛ فثورة سبرتاكوس ضد العبودية كانت سلمية، ولكن الطغاة الرومان ملاك العبيد هم من فرض العنف، شأن كل الثورات الكبرى في التاريخ.

الانتفاضتان الفلسطينيتان: 1986، و2000، لا تزالان مشتعلتين إلى اليوم، وقد يشترك فيها فلسطينيو الداخل، ويهود.

الانتفاضة أفق مفتوح في المنطقة كلها. لقد كانت الانتفاضة، والاحتجاجات السلمية عفوية وتلقائية في غالبية البلاد العربية، وكانت القوى الإسلامية الأكثر حضورًا، والأقوى تنظيمًا، ومن تزعم الاحتجاجات، لكنها قدمت الأنموذج الأسوأ؛ وهو ما ساعد الحكام الطغاة على شن الحرب على هذه الاحتجاجات، وسهّل إعاقتها وقمعها.

إن ركوب موجة الاحتجاجات السلمية، وتوظيفها لصالح القوى التقليدية المتصارعة على الحكم والنفوذ، هو نقطة الضعف الخطيرة.

يتهيأ اليمنيون لإحياء احتجاجات الـ11 من نوفمبر 2011 (الذكرى الحادية عشرة)، وهذه الثورة الربيعية السلمية توزعتها قوى الحكم المتصارعة: علي عبدالله صالح (المؤتمر الشعبي العام)، والجنرال علي محسن (التجمع اليمني للإصلاح)، ومنذ البداية فرض الحاكمون الحرب ضد سلمية الثورة واستقلالها، وتصاعدت هذه الحرب بعد انقلاب صالح وأنصار الله (الحوثيين) في الـ21 من سبتمبر 2014، وسُعِّرَت الحرب في اليمن كلها، وشّنَّ التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات العربية الحرب ضد اليمن، وغُيِّبت ثورة الربيع العربي بالحرب المركبة أهليًّا، وإقليميًّا، ودوليًّا. ثم إن تسعير الحرب وتصعيدها لا يعني إلا الإصرار على ما عجزوا عن تحقيقه خلال سبعة أعوام، والغاية هي استمرار تدمير اليمن، وتقتيل شعبه، وتفكيك بنيته؛ طمعًا في الاستيلاء على مناطق الثروة، والموانئ، والجزر، والمناطق الاستراتيجية.

سبيل اليمنيين الوحيد للخلاص من الحرب هو الاحتجاج المدني السلمي ضد كل أطرافها داخل اليمن وخارجها.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English