المرأة اليمنية وقيود التمكين

توصيات بإزالة الحواجز ودمج الأصوات النسائية الفاعلة
نعيمة العمودي
November 26, 2023

المرأة اليمنية وقيود التمكين

توصيات بإزالة الحواجز ودمج الأصوات النسائية الفاعلة
نعيمة العمودي
November 26, 2023
.

المقدمة

يعد تناول المرأة بدورها ومكانتها في المجتمع، أحد أهم المسائل التي طرحتها الإنسانية منذ القدم، ولا تزال تُطرح حتى وقتنا الحاضر ولكن في صيغٍ حديثة متجددة تتناسب مع متطلبات العصر الحديث، حتى أصبح البحث في المرأة وقضاياها محل اهتمام الباحثين والخبراء في شتى المجالات، بالإضافة إلى المنظمات الدولية والمؤسسات النسوية؛ لأنها أصبحت جزءًا فعّالًا ومؤثرًا في حياة المجتمع وتطوره على الأصعدة كافة، مما يُسهم بشكل جادّ في تنمية المجتمعات.

ولِمَا لدور المرأة من أهمية في تنمية المجتمع وعملية استقراره ونهوضه، حظيت قضايا المرأة وأوضاعها في الآونة الأخيرة باهتمام متزايد من قبل جميع الدول على اعتبار أنها جزء من عملية التنمية، وأصبحت مشاركة المرأة في عمليات التنمية بأنواعها المختلفة قضية أساسية وجوهرية، "ونظرًا لذلك نظمت مؤتمرات عالمية معنية بالمرأة (نيو مكسيكو 1975، وكوبنهاغن 1980، ونيروبي 1985، وبكين 1995)، بالإضافة إلى عقد الأمم المتحدة للمرأة عام (1975-1985).

وبالرغم من حداثة مفهوم المشاركة النسوية، وارتباطه بتطورات حديثة في الحركة الاجتماعية بصورة عامة، كالحركة النسوية بصفة خاصة، فإنّ ثمة إشكالًا من المشاركة التقليدية للنساء التي تحتاج إلى مقاربة مختلفة وغير تقليدية في التعامل معها؛ إذ ما زالت النساء تواجه الكثير من الصعوبات التي تجعلها شريكًا كاملًا وفعّالًا أساسيًّا في التنمية بكل أبعادها، باعتبارها عاملًا أساسيًّا في التنمية البشرية المستدامة كمنتجة ومستفيدة، وتبلغ هذه التحديات ذروتها في المنطقة العربية، وبصفة خاصة في المجتمع اليمني.

ففي المجتمع اليمني، يؤثر سلبًا انعدامُ الوعي الاجتماعي وعدم وجود إرادة حقيقية لإشراك المرأة في القضايا السياسية والمجتمعية وقضايا التنمية، حيث يقلص ويحجّم من دور المرأة ويرسم لها إطارًا تقليديًّا معينًا تشارك فيه، بحيث يحول هذا الإطار عن مشاركتها في مجالات مختلفة في مجتمعها بصفتها مواطنة وشريكة ومساهمة في بناء التنمية والسلام في المجتمع.

ومن جهة أخرى، تتحكم الأطراف المتحاربة، سواء محليًّا أو إقليميًّا أو دوليًّا بالأجندة في اليمن؛ ومِن ثمّ فإن قضايا النساء هبطت إلى أسفل سلّم الأولويات، حيث إنّ التركيز على الحرب يُستغَلّ لتأجيل التطرق إلى القضايا التي تؤثر على النساء، كما أنّ حماية النساء ما يزال أمرًا ضعيفًا لأسباب تشريعية واجتماعية، وازداد الأمر سوءًا خلال الحرب نتيجة عدة أسباب، من بينها: عدم الاستقرار السياسي، العنف، والأزمات الاقتصادية وتنامي البطالة. ومن منطلق أن قضية المرأة قضية مجتمعية، فإنه لا يمكن إحداث أيّ تقدم فيها إلا بتقدم المجتمع ككل، حيث إنّ تفعيل دور المرأة هو ضرورة ملحة يجب أن تتعامل معها مختلف شرائح المجتمع والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني.

ملخص

تتناول هذه الورقة البحثية دراسة معوقات سياسات التمكين التي تواجهها المرأة اليمنية، التي ظهرت بشكلٍ جليّ وواضح مع انطلاق أحداث الربيع العربي الموافق 2011؛ أي شرارة الثورة التي انطلقت من تونس وكان لليمن نصيبٌ منها، والتي كان للمرأة اليمنية دورٌ بارز ومهم على ساحة النضال، حيث تعدّ المرة الأولى التي تواجه فيها المرأة اليمنية المجتمعَ والحكومة بالمطالبة بحقوقها وحقوق الشعب اليمني كافة. وانطلاقًا من ذلك، تتطرق الورقة إلى طرح القيود الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تقيد حركة المرأة اليمنية وتعيق تقدمها في كافة المجالات، بالإضافة إلى تأثير الحرب على ملف قضايا المرأة وما آلت إليه الأمور في الوقت الراهن، واختتمت الورقة البحثية بعدد من الاستنتاجات والتي من ضمنها الآتي "تعكس الاختلافات على أساس النوع والعادات والتقاليد، أعراف ثقافية راسخة وسنوات متعاقبة من الحرمان والمساواة المتراكمة، وتتقاطع هذه المساواة بشكل شديد مع الهشاشة السياسية والفقر المدقع في اليمن، وإذ انه ينعكس ذلك سلبًا على دور المرأة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والنسيج المجتمعي"، بالإضافة إلى ما سبق تم الإشارة إلى عدد من الوصايا والتي من ضمنها الآتي "إنّ أصوات النساء ثمينة ودمج أولوياتهن واهتماماتهن وأخذ أفكارهن ومخاوفهن حول مستقبل اليمن الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي في اليمن بعين الاعتبار سيزيد من فرص البلاد في تحقيق السلام والتنمية، لذلك يجب العمل بجد على التوعية المجتمعية بأهمية دور المرأة في المجتمع على كافة الأصعدة، وتفتيت قوالب العادات التي تسيء إلى دور المرأة ومشاركتها المجتمعية، من خلال التوجيه والتوعية الجادة بالحاجة الملزمة لأهمية مشاركة المرأة في المدارس والمؤسسات المجتمعية إلى غير ذلك.

أهمية البحث: 

في كثير من المجتمعات، ما تزال حقوق الإنسان تُنتهَك فيها سواء عن طريق الاضطهاد السياسي أو القهر، أو التهميش في الحقوق، حيث تشكّل هذه الممارسات في حد ذاتها إساءات، وهذا هو الحال فيما يتعلق بالإساءة إلى النساء، ففي المجتمع اليمني تتعرض فئة النساء إلى التهميش في عدة جوانب مختلفة، منها مشاركتها في مجالات الحياة المختلفة والقضايا التنموية، وما إلى ذلك.

وباعتبار أنّ العلم أساس التغيير نحو الأفضل، وضعت هذه الدراسة؛ لتشير إلى أهمية الالتفات إلى دور المرأة اليمنية وما يحيط بها من عراقيل وصعوبات تواجهها في مشاركتها وتمكينها في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي، والتي تحد من دورها بشكلٍ فعّال في المجتمع، وحتى نحقّق التغيير ونبني أسسًا للتفاهم واحترام حقوق الإنسان، يحتاج الأمر إلى قيادة سياسية وتشريع قوي وآليات فعالة تفرض الالتزام إلى جانب التعليم، وزيادة الوعي في المجتمع وفي المؤسسات الدينية والمدارس وفي أماكن العمل والإعلام. 

المشكلة والمنهجية البحثية

هناك العديد من المتغيرات التي تؤثر بشكل واضح في إعطاء صورة للمرأة بأنها كائن ضعيف وغير جدير بالثقة لتمارس حقّها في المشاركة السياسية والمساهمة الفعالة في قضايا التنمية وخلق روابط السلام في المجتمع، حيث يُنظر إلى تقدم المرأة وإصرارها على المشاركة الفعّالة في قضايا المجتمع، بأنه نوع من التحرر من السلطة الأسرية والنطاق المجتمعي الذي حُصرت فيه بنشاط معين تمارس حياتها داخل حدوده، فمن خلال هذه الدراسة ستتطرق الباحثة إلى دراسة معوقات سياسات تمكين المرأة اليمنية من العام 2011 إلى 2023.

للتطرق إلى هذه المشكلة، تقوم الدراسة على استخدام منهج تحليل النظم.

أولًا: البنية الاجتماعية وأثرها في تمكين المرأة اليمنية

تتسم المجتمعات العربية والإسلامية، ومنها اليمن، في الغالب ببنية اجتماعية تقليدية محافِظة تختزل في ذاكرتها الجمعية إرثًا اجتماعيًّا مثقلًا ﺑﺎلأبوية، البطريركية، والثقافة الذكورية/ الرجولية. تلك البيئة التي وصفها عبدالرحمن ابن خلدون، قائلًا: "فالبوادي والأرﻳﺎف العربية، على امتدادها الموحش واحتكاكها الضعيف ﺑﺎلمدنية الحديثة، ما زالت تحكمها عوامل العصبية الأسرية والقرابة الدموية والولاء لسلطة القبيلة وهيمنة الأعراف والتقاليد والشعائر في ظل اقتصاد مرتبط بالأرض والماشية والمناخ والصناعات البسيطة. إن وضع المرأة في البلدان العربية ومنها اليمن، يمثل محصلة تفاعل عدد من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتفاوت من مجتمع إلى آخر، حيث تبقى العلاقة داخل الأسرة محكومة بسلطة الأب على الأبناء والزوج على الزوجة، إذ تكون فيها المرأة تابعة للرجل، أي إنه يتسيد المشهد ثقافةٌ رجولية قوامها النظرة السلبية إلى المرأة والهاضمة لحقوقها"(1).

واليمن– ﺑﺎلطبع –ليست بمنأى عن معايشة الثقافة الرجولية وتبعاتها وإفرازاتها، فالمجتمع اليمني يتسم بمقدار عالٍ من التقليدية والمحافظة، كون معظم سكانه يعيشون في الريف، حيث الخدمات الاجتماعية والثقافية المساعدة ﺑﺎلضرورة على عملية التحديث ما زالت منخفضة ومتواضعة، الأمر الذي يساعد على استمرار وديمومة السيطرة للمؤسسات التقليدية، التي تشكّل إطارًا مرجعيًّا يحدد انتماء الأفراد وولاءاتهم وأدوارهم. في حين تعتبر اليمن من أكثر الدول العربية تهميشًا للمرأة وإقصاءً لها ولأدوارها، لا سيما في مواضيع اتخاذ القرار وما شابه ذلك. حيث ما زالت أسيرة العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تطغى عليها وتهضمها في كثير من حقوقها، كما ما تزال النظرة الدونية والسلبية تجاه المرأة، في وعي الرجل ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، إذ إن الرجل ما زال يخجل من ذكر اسم زوجته وأمه وبنته تبعًا لثقافته التقليدية الموروثة، التي تجعل من المرأة مجرد سلعة وعورة، فضلًا عن استهجان ممارستها لحقوقها السياسية شبه المحرمة. وهو الأمر الذي انعكس سلبًا على كثير من المواضيع، مثل مواضيع التعليم Kسواء من حيث الالتحاق أو الاستمرار، وكذلك المشاركة السياسية والاقتصادية وموضوع اتخاذ قرار الزواج وهلم جرًّا.

تعكس الاختلافات على أساس النوع والعادات والتقاليد، أعرافًا ثقافية راسخة وسنوات متعاقبة من الحرمان والمساواة المتراكمة، وتتقاطع هذه المساواة بشكل شديد مع الهشاشة السياسية والفقر المدقع في اليمن، حيث ينعكس ذلك سلبًا على دور المرأة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والنسيج المجتمعي.

ومن جانب آخر، يعد التعليم البنيةَ الأساسية نحو التقدم والوعي وتطور المجتمعات نحو التنمية، إلا أنه قد يأخذ مسارًا معاكسًا وسلبيًّا في التوعية بشأن دور المرأة، نظرًا لمحتوى المناهج التعليمية وما تعبر عنه، وإذ نجد أن من العوامل المؤثرة على دور المرأة في المشاركة الفعالة في المجتمع، الصورةَ النمطية للمرأة اليمنية في المناهج التعليمية؛ حيث غالبًا ما تنص تلك المناهج على وضع أدوار محصورة للمرأة، مثل: (العمل في المنزل أو الطبخ أو الخياطة أو إعداد الطعام، بينما يذهب الرجل للعمل أو للدراسة أو السفر، ...)، هذه الصورة في جميع المناهج التعليمية من الابتدائية وحتى الثانوية، تجعل دور المرأة محصورًا في نطاق معين لا تنصرف عنه، مما قد يشكل صورة للدراسين، إناثًا وذكورًا، بمحدودية دور المرأة وعدم خروجها من النطاق المحدد لها وفق تلك المناهج المرسومة، وبالتالي يشكل ذلك مؤثرًا سلبيًّا للمرأة حينما تطالب بأن تحظى بمجال أبعد مما وضعته تلك المناهج، فتلك المناهج تحاكي العادات والتقاليد، ولا تنظر للمرأة كفاعل نشط في المجتمع سوى حول محيطها الضيق؛ الأسرة والبيت.

ثانيًا: أثر العامل السياسي تجاه تمكين المرأة اليمنية

تلعب النساء أدوارًا مهمة خلال فترة النزاع؛ وذلك باعتبار الوظائف المتعددة التي تشغلها في المجتمع؛ حيث تعتبر العنصر الأهم الذي يحمي منظومة التماسك الأسري والاجتماعي خلال فترة النزاع والحرب؛ إذ إنّ مساهمة المرأة في عملية بناء السلام تبدأ من الدائرة الضيقة (أي العائلة)؛ لتشمل الدائرة الموسعة المجتمع، حيث تلعب النساء دورًا رئيسًا في تنشئة أجيال السلام القادمة، وتأسيس اللبنة الأولى في عملية الانتقال الديمقراطي، وإعادة الإعمار فيما بعد الحرب. كما يمثل تأثير مشاركة المرأة في مفاوضات السلام وعملية صياغة الدساتير أمرًا مهمًّا للغاية؛ حيث يمكِّنها من إثبات وجودها على طاولة المفاوضات، وفرض الاعتبارات المتعلقة باحتياجاتها الجذرية في الاتفاقيات النهائية المبرمة، إضافة إلى أنّ مشاركتها في عملية صياغة الدساتير تؤدي -ضرورة- إلى ضمان مراعاة حقوق المرأة؛ ليس فقط بمجرد التعريج على مصطلح المساواة بين الجنسين في المطلق؛ وإنما في تفاصيل مهمة متعلقة باستحقاقاتها واحتياجاتها.

فمنذ بداية الفترة الانتقالية في اليمن في عام2011 ؛ فرضت المرأة اليمنية لنفسها دورًا أساسيًّا في العملية السياسية والسلمية؛ وذلك في كل من التنظيمات المدنية والمحافل الرسمية، رغم وجود تحديات مضاعفة أمام مشاركة المرأة بسبب العادات والتقاليد، وقد سعت المرأة إلى أن تكون عنصرًا فاعلًا في مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان المنصة الأساسية لوضع إطار الجمهورية اليمنية فيما بعد الثورة؛ وذلك منذ مشاركتها في توقيع المبادرة الخليجية للتسوية السياسية. استمر مؤتمر الحوار الوطني من مارس/ آذار 2013، حتى يناير/ كانون الثاني 2014، وضم ممثلين عن الأحزاب السياسية والقبائل، والمناطق المختلفة؛ وذلك بهدف رسم مستقبل جديد لليمن؛ بدءًا من وضع الأسس القانونية له.

وقد دفعت المرأة من خلال مساعيها، إضافة إلى الضغط الدولي بمطلب (الكوتا) للمشاركة النسائية بنسبة 30٪ من الوفود المشاركة؛ فحققت مشاركة فعلية بنسبة 25% من الجسم السياسي )هيئة الوفاق) الذي شُكِّل للتحضير للمؤتمر، ونسبة 28% من المشاركة في اللجان التي شُكِّلت خلال المؤتمر، إلى جانب مشاركتهن من خلال الوفود الممثلة، وقد شكّلت النساء وفدهن الخاص، كذلك شكلت المشاركة الفعالة للمرأة في تحضيرات ومجريات المؤتمر الوطني؛ دليلًا على شراكتها الحقيقية في بناء الدولة، كما أسست لمشاركة سياسية فعلية أدّت إلى تعيين أربع نساء في مجلس الوزراء، واختيار أربع نساء للمشاركة في لجنة وضع مسودة الدستور (من أصل سبعة عشر عضوًا(، واعترفت مسودة الدستور الجديد بمواطنة المرأة الكاملة، وبشخصيتها الاعتبارية المستقلة، وكرست للمرأة "كوتا" بنسبة 30% من مناصب صنع القرار (مما كان سيضع اليمن في المرتبة الثانية عربيًّا بعد تونس؛ من حيث التمثيل الرسمي للمرأة)، كما اتفقت المشاركات على تأسيس "التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام"(2).

على الجانب الآخر، لعبت الأحزاب السياسية دورًا في تفعيل سياسات تمكين المرأة، إذ إنه مع بروز عملية التحول الديمقراطي بإقامة دولة الوحدة اليمنية عام 1990، التي كفل دستورها الكثير من الحقوق والحريات للمرأة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما مكّن المرأة من المشاركة والإسهام في الحياة الاجتماعية بأبعادها المختلفة، وترافق مع ذلك ظهور الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن التي تأثرت بإعلان الوحدة للتعددية الحزبية وحرية إقامة التجمعات، فظهرت الأحزاب السياسية والتنظيمات والجماعات على الساحة المجتمعية، وأسهمت في بروز دور المرأة، ولكن نتيجة لاختلاف رؤى الأحزاب والتنظيمات، اختلفت أدوار المرأة؛ ففي الأحزاب الإسلامية اقتصر تدريب وتنشئة المرأة على أن تكون داعية، وحزب الإصلاح ارتكز على مشاركتها في مختلف الجوانب بشكل نظري أكثر ممّا هو عملي يطبق على أرض الواقع.

كما كان هناك تفاوت غير عادل في انضمام النساء، حيث كان الاهتمام بمشاركة المرأة في صنعاء وتعز أكثر من غيرهما من مدن الجمهورية، ومثلما أضافت الأحزاب السياسية والتنظيمات والجماعات مجالًا لمشاركة المرأة، فإنها اتسمت أيضًا بقصور ملحوظ، حيث لم يكن حضور المرأة ودورها فعليًّا أكثر من كونه شكليًّا، إذ غلب على الأحزاب القيادة الذكورية، ووضعت للمرأة جوانب خاصة لها، وبالرغم من منظور التعميم فإنّ وعي أعضاء الحزب أنفسهم بما قد تقدمه المرأة، كان يشمل نوعًا من الانتقاص في حقها، لذلك نجد أنها لم تكن تُدعم في الانتخابات بعكس المرشحين من الذكور، ولم تتولَّ مقاعد أساسية كذلك، وغيرها من الأمور.

ثالثًا: أثر الحرب على سياسات تمكين المرأة اليمنية

تواجه المرأة خلال الصراعات العديدَ من المشكلات، فدائمًا تمثّل النساء النسبة الأكبر من اللاجئين ومن السكان الواقعين تحت خط الفقر، وقد يحدث التمييز ضدّهن على أساس انتماءاتهن العِرقية والدِّينية. وعلى الجانب الآخر، تمثّل المرحلة التي تعقب انتهاء الصراعات مباشرة الفرصةَ المناسبة لزيادة تمكين المرأة، إذ يجري الاعتراف بحقها في المشاركة في كلّ جوانب إعادة بناء الدولة ووضع القوانين التي تضمن المساواة. ويعبر التمكين بصفة عامة عن زيادة قدرات الفرد على الوصول إلى المعرفة والموارد المادية، وبالتالي التحكم في حياته الشخصية، وتحويل الخيارات التي يتبناها إلى أفعال ونتائج. فالتمكين هو تحدٍّ لعلاقات القوة الموجودة في المجتمع، والوصول إلى قدر أكبر من التحكم والسيطرة على مصادر تلك القوة. 

إن أصوات النساء ثمينة ودمج أولوياتهن واهتماماتهن وأخذ أفكارهن ومخاوفهن حول مستقبل اليمن الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي في اليمن بعين الاعتبار، سيزيد من فرص البلاد في تحقيق السلام والتنمية، لذلك يجب العمل بجد على التوعية المجتمعية بأهمية دور المرأة في المجتمع على كافة الأصعدة، وتفتيت قوالب العادات التي تسيء إلى دور المرأة.

وتهتم عملية تمكين المرأة بصفة خاصة، بزيادة قدراتها، سواء على المستوى الفردي والشعور بأهمية الذات والحق في اتخاذ القرارات الشخصية، أو الوصول إلى الفرص والموارد، أو المشاركة في صنع القرارات على مستوى الأسرة، أو المشاركة في صنع القرار والتأثير على مستوى المجتمع والدولة والنظام العالمي. وتعمل وسائل تمكين المرأة عبر مستويات فردية وجماعية عدة، رسمية وغير رسمية، سواء فيما يتعلق بالارتقاء بالقدرات الفردية للمرأة، أو بتغيير الثقافة والعادات والإدراك المجتمعي، أو بتعديل القوانين والسياسات الرسمية(3).

سجّلت المرأة اليمنية حضورًا قويًّا لها في تركيبة المشهد في الساحة اليمنية خلال السنوات الأخيرة، قاهرة الكثير من الأعراف والتقاليد السائدة في مجتمعها اليمني، حيث شكّلت حلقة كبيرة من النضال لحقوقها وحقوق شعبها، في الفترة التي واجه فيها المجتمع اليمني عاصفة من التقلبات السلبية للنظام وغير المُرضية للشعب، من نقصٍ في الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، وتفاقم البطالة، وزيادة الأسعار، والفساد الإداري الحكومي في القطاع الخاص والعام؛ الأمر الذي جعل الشعب يضيق ذرعًا من الوضع السائد، وعقب ثورة تونس التي اندلعت عام 2011، المطالِبة بإسقاط النظام، اندلعت كذلك الثورة اليمنية المطالِبة بأسقاط الحكومة، حيث ولأول مرة، شاركت المرأة فيها بشكل مباشر وأساسي في ساحة المطالبة، وكانت تهتف بكل قوة بالتغيير السلمي، ورغم ما تعرضت له العديد من الصحفيات والناشطات السياسيات من تهديد وقمع، واصلن مسير المطالبة التي غيّرت كثيرًا في تاريخ المرأة اليمنية(4).

وعلى الرغم من مشاركة المرأة اليمنية في أحداث الربيع للعام 2011، ودورها الواضح فيها، فإن ذلك الدور ما لبث أن تراجع منذ اندلاع النزاع في مارس عام 2015، وأصبح دورها يكاد أن يكون ملحوظًا في مفاوضات السلام. هذا الانكفاء في المشاركة يعود للعديد من التحديات التي تواجه المرأة نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ حيث إن تزايد الصراع الداخلي والخارجي أدّى إلى تغييب ملفات المرأة ووضعها جانبًا لتحقيق ملفات أخرى تعد أهم من رؤية صانعي القرار أو الأجندات المختلفة المتدخلة.

استنتاجات البحث: 

  • الجدير ذكره أن مشاركة المرأة اليمنية وحقوقها لا تُعتبر أولوية قصوى للجهات الفاعلة في الحكم لدى النخبة السياسية والمجتمع المدني ومؤسساته ومنظماته وجماعاته ،إذ إنّ المرأة قد استُبعِدت من المشاركة الفعّالة ومحادثات السلام الرفيعة المستوى، لإرساء السلام، أي إنها لا تتولى أدوارًا بارزة على الصعيد السياسي، بل إنه يتم وضعها في مستوى المبادرات المجتمعية. فلم تساهم الحكومة ولا مؤسسات المجتمع المدني بتعيين النساء في مراكز أساسية، كما أنها لم تقم بإشراكهن على نحو هادف إلا لغرض تلميع الصورة الخارجية فقط.
  • تعكس الاختلافات على أساس النوع والعادات والتقاليد، أعرافًا ثقافية راسخة وسنوات متعاقبة من الحرمان والمساواة المتراكمة، وتتقاطع هذه المساواة بشكل شديد مع الهشاشة السياسية والفقر المدقع في اليمن، حيث ينعكس ذلك سلبًا على دور المرأة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والنسيج المجتمعي.
  • لا يزال عدد محدود من المنظمات المعنية بحقوق المرأة يواصل العمل في اليمن، ويمكن القول إنها أكثر نجاحًا في دمج النساء على مستوى المجتمع المحلي من المنظمات الدولية غير الحكومية أو الهيئات التابعة للأمم المتحدة التي تجاهر بالتزامها الكبير حيال المساواة القائمة على النوع الاجتماعي، في حين أنها تفشل في إشراك المرأة بشكل هادف أو محاولة دفعها للتجاوب. كما تسلّط المنظمات المعنية بحقوق المرأة اهتمامها بشكل أوليّ على المساعدات الإنسانية، في حين أنها تتيح بعض الهامش لبرامج صغيرة الحجم تعنى بمسألة مشاركة المرأة السياسية والنساء والسلام والأمن.
  • انعدام وتدني تمثيل النساء بشكل صارخ في جولات المفاوضات المختلفة من صفر في المبادرة الخليجية إلى صفر في اتفاقية الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، مع تمثيل امرأة أو اثنتين في مفاوضات جنيف والكويت وبيل وستوكهولم. ورفضت الوفود مقابلة ممثلات عن المجتمع المدني على هامش مفاوضات الكويت أو حضورهن في نفس المكان الذي تجري فيه المفاوضات. كما تشارك النساء بشكل محدود في المشاورات التي ينظمها مبعوث الأمم المتحدة، أما الهيئة الاستشارية النسوية فصوتها غير مسموع، نتيجة فرض سياسة الصمت عليها، والتمثيل فيها يحتاج إلى تحديد للمهام بشكل واضح، وتنويع وتدوير.
  • الدستور النافذ لم يجرم التمييز، بل كرسه بنصوص تمييزية صريحة وخاصة وباستخدام لغة ذكورية، عامة، فضفاضة ومتناقضة لشرعنة التمييز في التشريعات النافذة واللاحقة. تنص المادة (3) من الدستور على أن "الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات"، وهي مادة معدلة من دستور الوحدة لعام 1990، التي كانت تنص على أنّ "الشريعة مصدر رئيسي للتشريع"، لتسمح بطرح التفسيرات المتشددة المنتقصة للحقوق، كما يحصر المساواة في الحقوق والواجبات "العامة"، ليستثنيها من المجال الخاص. ومن النص العام ينتقل الدستور إلى النص الخاص ليكرس التمييز في المادة (31)، "فالنساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون". فالنص الخاص يتقدم على النص العام في التفسير والتنفيذ، بينما تمت مخاطبة النساء، كشقائق، لا كمواطنات.
  • لم يتم التطرق إلى تعزيز المرأة اقتصاديًّا، والبرامج التي التشارك فيها المرأة هي برامج شبه ضعيفة ومحدودة النطاق.

التوصيات:

  • إن أصوات النساء ثمينة ودمج أولوياتهن واهتماماتهن، وأخذ أفكارهن ومخاوفهن حول مستقبل اليمن الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي في اليمن، بعين الاعتبار سيزيد من فرص البلاد في تحقيق السلام والتنمية؛ لذلك يجب العمل بجد على التوعية المجتمعية بأهمية دور المرأة في المجتمع على كافة الأصعدة، وتفتيت قوالب العادات التي تسيء إلى دور المرأة ومشاركتها المجتمعية، من خلال التوجيه والتوعية بالحاجة الملزمة إلى أهمية مشاركة المرأة في المدارس والمؤسسات المجتمعية.
  • يجب أن تترافق التشريعات الدستورية مع رصد دقيق للالتزام القانوني والفعلي فيما يطرح بخصوص قضايا المرأة، وكما يجب دعم برامج التوجيه وبناء القدرات للقيادات السياسية النسائية، وربطها مع المنظمات النسائية الشعبية وشبكاتها من أجل ضمان ألّا تبقى الحصص مجرد شيء رمزي فقط.
  • من أجل أن تتمتع النساء بتأثير إيجابي في النواحي المختلفة، فإنه من الضروري اتخاذ تدابير فعالة لدعم وتعزيز ريادتهن ومشاركتهن في الحياة السياسية والمدنية.
  • من الضروري إعطاء النساء والشباب وغيرهم، مساحة مفتوحة حقيقية للنقاش والتباحث بحيث يكون لهم صوت مؤثر في الحوار.
  • إشراك النساء في محادثات السلام بنسبة 30% كحد أدنى في الوفود الأساسية والفرعية واللجان المنبثقة عنها في مفاوضات السلام، وإعادة إعمار اليمن.
  • يجب على منظمات المجتمع المدني أن تلعب دورًا في الحد من المقاومة المجتمعية للتغيير ورفع مستوى الوعي حول أهمية تعليم الفتيات.
  • إظهار دور أقوى وداعم للنساء من قبل المبعوث الأممي الخاص والفاعلين الدوليين، ودعوة ممثلات المجتمع المدني لحضور المفاوضات كطرف مراقب، مع توسيع وتدوير التمثيل في الهيئة الاستشارية النسوية.
  • التمديد للجنة الخبراء الدوليين والإقليميين المعنية برصد انتهاكات حقوق الإنسان وتوسيع وتقوية مهامها.
  • تسهيل إجراءات الحصول على الفيزا لناشطات السلام لإيصال صوت النساء إلى المحافل الدولية.

الهوامش:

  1. أمين محمد علي الجبر، بحث عن المرأة في المجتمع العربي المعاصر (المرأة اليمنية نموذجًا)، مؤسسة كان التاريخية، مارس 2020. 
  2. شهرزاد نصراوي وآخرون، مشاركة المرأة في العملية السلمية والمفاوضات في العالم العربي، نشر بواسطة منظمة المرأة العربية، جمهورية مصر العربية، 2018.
  3. سمر عبدالمجيد، هل تدفع الصراعات نحو تمكين المرأة؟ عِبَر مستقاة من تجارب دولية، منظمة فريدريش إيبرت ومساواة/ مركز دراسات المرأة، بيروت، نوفمبر 2017.
  4.  رانيا نادي محمد حسين وآخرون، المشاركة السياسية للمرأة بعد عملية التغيير السياسي في اليمن، المركز العربي للبحوث والدراسات، يناير 2019، العدد 39.

المراجع:

  • المعاجم:
  • صقر الجبالي وآخرون، قاموس المصطلحات المدنية والسياسية، جامعة النجاح الوطنية، 2014.
  • معجم اللغة العربية المعاصرة.
  • الكتب:
  • رياض بن جليلي، تمكين المرأة المؤشرات والأبعاد التنموية، أبريل 2008، نشر بواسطة المعهد العربي للتخطيط بالكويت.
  • شهرزاد نصراوي وآخرون، مشاركة المرأة في العملية السلمية والمفاوضات في العالم العربي، نشر بواسطة منظمة المرأة العربية، جمهورية مصر العربية، 2018.
  • سيدة محمود محمد، مفهوم التمكين النسوي من المنظورين: الغربي والإسلامي، 2019، نشر بواسط جامعة حلوان.
  • الدوريات العلمية:
  • أشواق بنت سعود الماضي، التمكيـن الوظيفي وأثـره على الارتباط الوظيفي؛ رسالة ماجستير، جامعة الملك سعود، ديسمبر 2021، المجلة العربية للإدارة.
  • أمين محمد علي الجبر، المرأة في المجتمع العربي المعاصر (المرأة اليمنية نموذجًا)، مؤسسة كان التاريخية، مارس 2020. 
  • رانيا نادي محمد حسين وآخرون، المشاركة السياسية للمرأة بعد عملية التغيير السياسي في اليمن، المركز العربي للبحوث والدراسات، يناير 2019.
  • فيصل براء متين المرعشي، اقتراب تحليل النظم – الاقتراب النسقي، الموسوعة السياسية، 2017. 
  • كفا مشعل العكروش، الاتجاهات نحو مكانة المرأة السياسية في الدول العربية التي حدثت بها الثورات (مصر، تونس ، ليبيا، اليمن)؛ دراسة مقارنة، مجلة جامعة فلسطين للأبحاث والدراسات، مج9، ع2، يناير.
  • ماجد مهدي قاسم القطوي، واقع تمكين المرأة اليمنية اقتصاديًّا في مجال المشروعات الصغيرة (دراسة حالة: اتحاد نساء اليمن)، مجلة أبحاث، مج9، ع1، مارس 2022.
  • نبيلة سعيد أحمد غالب، دور المرأة اليمنية في عملية التنمية: الواقع والتصورات،  المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، 2013.
  • هاجر جمال وآخرون، أثر البُعد الثقافي على المشاركة السياسية للمرأة: دراسة مقارنة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية (٢٠١٤-٢٠١٩)، المركز العربي للبحوث والدراسات، يونيو 2021.
  • الرسائل العلمية:
  • رشا النعيمات، مشاركة المرأة الأردنية في الحياة السياسية ودراسة المعوقات وسبل معالجتها (1954-2020)، جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2021.
  •  ريم ضيف عبدالمجيد التكريتي، الدور السياسي للمرأة العربية 2003-2017: المرأة العراقية حالة دراسة، عمادة الدراسات العليا، جامعة أهل البيت، 2017/2018.
  • زكريا حريزي، المشاركة السياسية للمرأة العربية ودورها في محاولة تكريس الديمقراطية التشاركية (الجزائر نموذجًا)، جامعة الجزائر، 2010/2011.
  • عالية علي إدريس، الموروث الاجتماعي الثقافي وأثره في تمكين المرأة العاملة في مؤسسات المجتمع المدني: دراسة اجتماعية؛ رسالة دكتوراة، كلية الدراسات العليا الجامعة الأردنية، 2011.
  • علاء زهير الرواشدة وأسماء العرب، المعوقات التي تحد من مشاركة المرأة الأردنية في الحياة السياسية في ضوء بعض المتغيرات الاجتماعية - دراسة ميدانية على عينة من النساء الرائدات في إقليم الشمال، مجلة دراسات للعلوم الإنسانية والاجتماعية، الجامعة الأردنية، 2016.
  • المؤتمرات والندوات:
  • عبدالمجيد سمر، هل تدفع الصراعات نحو تمكين المرأة؟ عِبَر مستقاة من تجارب دولية، مؤتمر من تنظيم منظمة فريدريش إيبرت ومساواة/ مركز دراسات المرأة، بيروت، نوفمبر 2017.
  • المقالات الإلكترونية:

المراجع الأجنبية:

  • دوريات علمية:
  • David Easton، an approach to the analysis political system، Cambridge university، 2012
•••
نعيمة العمودي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English