"الحلم يتسرب من كفّي"

اليمنيات وصدمات الزواج بالأجانب
فاطمة العنسي
February 23, 2024

"الحلم يتسرب من كفّي"

اليمنيات وصدمات الزواج بالأجانب
فاطمة العنسي
February 23, 2024
الصورة لـ: علي السنيدار

في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عادت ندى محمد (اسم مستعار)، ذات العشرين ربيعًا، منكسرة الخاطر، من العاصمة الماليزية كوالالمبور، بعد فشل زواجها الذي لم يمضِ عليه سوى بضعة أشهر.

تتحدث ندى التي تنحدر أصولها من محافظة إب (وسط اليمن)، لـ"خيوط": "تلقّت أسرتي عرضًا بواسطة أحد الوسطاء في حيِّنا لزواجي إلى الخارج، كانت هناك الكثير من المغريات بالنسبة لفتاة أكملت تعليمها الثانوي فقط، وكذلك لأسرة فقيرة، كان ذلك أشبه بالحلم، وعدني أن أكمل دراستي الجامعية وأن أعيش حياة رغيدة تحلم بها كل فتاة، بَيْدَ أنّ الحلم تسرّب من كفي".

كل شيء كان عكس ما كانت تحلم به ندى، كان كثير التذمر، ودائمًا ما كان يصفها بصفات سيئة، وتقول: "منعني من الخروج، وكان كثير السهر والغياب عن المنزل، ظل معي شهرين، بعدها اختفى، تركني عند الجيران وحيدة، ولولا أن الجيران كانوا يمنيين وقاموا بالتواصل مع السفارة اليمنية، لَمَا عرفت كيف أعود إلى بلدي وأهلي".

برغم مرور وقت كافٍ لكي تتجاوز هذه الفتاة العشرينية ما مرت به، فإنها لا تزال عالقة في الماضي، حيث تؤكّد معاناتها من اضطراب نفسي، والشعور بالكثير من الإرهاق والاكتئاب والعزلة، في حين قررت عدم تكرار تجربة الزواج والشعور بعدم الأمان مرة أخرى. 

الاختصاصي في علم النفس، صخر طه، مدير الوحدة النفسية في المركز الطبي الخيري بصنعاء، يقول عن حالة ندى والحالات المشابهة، في تصريح لـ"خيوط"، إنّها تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة؛ لأنّ الزواج من هذا النوع يكون مترتبًا على أمور نفسية معقدة.

الكثير من الوسطاء المحليين يورِّطون الأُسَر في زيجات كهذه؛ طمعًا في الحصول على مبالغ مالية، لكن النتائج تكون مؤلمة، حيث تتعرض الفتيات للغدر والسرقة والطلاق، إذ يترك الزوج فريسته ضحية لأخلاقه السيئة، في بلاد المهجر، بعيدةً عن أهلها لا تدري كيف تتصرف، والكارثة الكبرى لو حملت منه، فيبقى الطفل من دون أب، وهو ما انتشر في الآونة الأخيرة بشكل لافت.

إذ إنّ الفتيات يرسمن في مخيلاتهن حياة الرفاهية، رافعات سقف توقعاتهن بالنجاح والسعادة في الزواج إلى خارج اليمن، بَيدَ أنّهن يصطدمن ببيئة غير متناسبة وغير متكافئة مع البيئة التي خرجن منها، فيقعن في صراع داخلي، بالإضافة إلى أنه ما بعد الزواج تسقط الأقنعة، وتظهر صفات كلا الطرفين الحقيقية؛ ممّا يترتب عليه فقدان الشعور بالأمان.

كما تتعرض الفتيات العائدات من الخارج عقب فشلهن في تحقيق السعادة المتوقعة، لصدمات ومعاناة نفسية، تشمل -وفق حديث طه- الاغتراب الذاتي، الشعور بالإحباط، عدم الشعور بالأمان، اضطراب في الأكل والنوم، انعزال، اكتئاب، الشعور بالذنب، مشيرًا إلى أنّ عملية الاضطرابات النفسية تختلف من امرأة إلى أخرى حسب قدرتها على التخطي.

حالات متكررة وتوعية للفتيات

الصحفية والإعلامية اليمنية المقيمة في مصر، آية خالد، كتبت منشورًا على حسابها في فيسبوك، تدعو فيه الآباء والفتيات إلى التحري والتريث قبيل الموافقة على زواج بناتهم إلى الغربة.

وتفيد آية أنها تلقّت اتصالًا من والد فتاة يمنية لم يمضِ على زواجها بضعة أسابيع في مصر، مفادها أنّ الفتاة ذات الـسبعة عشر ربيعًا، تركها زوجها بعد أن سرق مجوهراتها، إلى جهة غير معروفة، لتبقى الفتاة غريبة ووحيدة دون سند أو أهل أو مال، في بلد لا تعرف فيه شيئًا سوى الشارع الذي تقيم فيه، منوهةً أنها تتلقى العديد من الرسائل المشابهة، لقصص فتيات يمنيات في مصر يتعرضن لمعاملة سيئة من قبل أزواجهن، مؤكّدة أنها ساعدت الفتاة المعنية في منشورها، في الرجوع إلى اليمن، بشكل شخصي.

ووجّهت آية في منشورها الذي ترصده "خيوط"، رسالةً للآباء: "في حال كان وضعك المادي صعبًا، يمكنك تدريس ابنتك ومساعدتها في بناء مستقبلها، فهي من ستساعدك في تحسين وضعك، وفي حال أرادت ابنتك استكمال تعليمها بالخارج مكِّنها من ذلك، ابنِ ثقتها بنفسها وازرع الوازع الديني داخلها، لا تجعلها تنتظر المارد (الزوج)، يأتي لكي يحقق لها كل مطالبها، علِّمها مواجهة الحياة بمفردها".

المحامية شيماء القرشي، تقول في هذا الخصوص لـ"خيوط"، إنّ قضية ندى تحكمها الدولة المقيمة فيها، ففي حال حدث نزاع بين شخصين من دول مختلفة، مثلًا اليمن ومصر، يبتّ في قضيتهم القانون الدولي الخاص، ولكن كون الطرفَين يمنيَّين، يمكنها أن ترفع قضية إلى المحكمة الشرعية في مصر، للمطالبة بتعويض وحقوق حيال ما حدث في قضيتها، وتجري المحاكمة بصورة طبيعية بحكم أنّ القانون المصري تحكمه الشريعة الإسلامية.

كما ترى القرشي أنّ على المحامِين والحقوقيين توعية الفتيات بأن حقوقهن مصانة ومحمية أينما كُنَّ، فقط عليهن أن يدافعن عن أنفسهن ويطالبن بحقوقهن، مشدِّدةً على أهمية القيام بخطوات أخرى؛ مثل تقديم مذكرة إلى السفارة اليمنية في الدولة التي تقيم فيها، ثم بعد ذلك تحيل السفارة ورقة الطلب إلى المحاكم الخاصة للبت في القضية.

هناك نساء، للأسف، يوضعن في موضع سيئ عندما يتزوجن إلى خارج اليمن، دون سند أو أهل، وفجأة تجد رجلًا يُسيء معاملتها أو يضربها أو يسرقها، بيد أن القوانين كفلت لها حقوقها أينما حلت، وفي حال عادت إلى اليمن يمكنها أيضًا رفع قضية عليه -وفق حديث القرشي- والمطالبة بكافة حقوقها. "عنصر التوعية يجب توسيعه لحماية النساء من الوقوع فريسة خداع (الزواج الزائف) إلى الخارج"، تضيف القرشي.

مآسٍ وحلول ممكنة

الكثير من المآسي تنتج عن زواج الفتيات إلى الخارج، بأجانب أو يمنيين، وتعرف هذه الظاهرة بالزواج السياحي، حيث يتم استدراج الفتيات إليه، لا سيما ذوات المستوى المادي المتدني، ترغيبًا في المال، ويتم إغراء الفتيات بالدراسة والعمل والانتقال إلى حياة جديدة، إذ يُعدّ الزواج إلى خارج اليمن لدى بعض اليمنيين، فرصةً ثمينة يجب ألّا تفوت؛ وفق حديث محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز.

أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، محمود البكاري، يؤكّد في تصريح لـ"خيوط"، أن الكثير من الوسطاء المحليين يورطون الأسر في زيجات كهذه؛ طمعًا في الحصول على مبالغ مالية، لكن النتائج تكون مؤلمة، حيث تتعرض الفتيات للغدر والسرقة والطلاق، فيترك الزوج فريسته ضحية لأخلاقه السيئة، في بلاد المهجر، بعيدةً عن أهلها لا تدري كيف تتصرف، والكارثة الكبرى لو حملت منه، فيبقى الطفل من دون أب، وهو ما انتشر في الآونة الأخيرة بشكل لافت.

من وجهة نظر المختص النفسي، صخر طه، فإن محاولة الشخص ذاته مقاومةَ الشعور بالفشل، وعدم البقاء منفردًا ومنعزلًا عن العالم، من أهم الحلول لتخطي صدمة فشل الزواج، أضف إلى ذلك أنّ وجود الأسرة الداعمة والمتفهمة أمر ضروري، وفي حال البقاء في نفس الحالة يجب زيارة مختص نفسي لعمل برنامج علاجي بالجلسات النفسية دون الحاجة إلى العقاقير، لاستعادة الحياة والإقبال عليها من جديد.

أما البكاري، عالِم الاجتماع، فيرى أنه يجب على الآباء أن يتقوا الله في بناتهم، وألّا يجعلوهن سلعة بيد من يدفع أكثر، أيضًا يجب توعية المجتمع، وأن تأخذ الفتيات حذرهن من الوقوع في مأزق الزواج بمن لا تعرف هويته، وأخذ العظة والعبرة من الزيجات السابقة من هذا النوع، ومهما كانت الإغراءات، تبقى كرامة الفتاة ومستقبلها أغلى من كل شيء. 

•••
فاطمة العنسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English