اللحظة التي تختزل معاناة اليمنيين

أزمات لم تتوقف عند حدود لقمة العيش!
أحمد رضوان
May 26, 2023

اللحظة التي تختزل معاناة اليمنيين

أزمات لم تتوقف عند حدود لقمة العيش!
أحمد رضوان
May 26, 2023

"ليتني لم أشهد هذه اللحظة، وهذا اليوم الذي يطردني فيه صاحب البيت من سكني بسبب عجزي عن دفع الإيجارات"؛ بهذه الكلمات المريرة، تختزل نبيلة (42 سنة) لـ"خيوط"، قصتها مع المؤجر الذي دفع بها ووالدتها إلى الشارع، بسبب سوء الأوضاع المعيشية وتدهورها، وعدم قدرتها على سداد إيجار المنزل الذي تقطنه.

كانت نبيلة في حالة استقرار، حتى اجتاحت الحرب الحي الذي تسكن فيه، لتجد نفسها وسكان الحي مجبرين على النزوح إلى مدينة الحديدة، والدخول في دوامة الإيجارات والمؤجرين، التي انتهت بطردها وأمها إلى الشارع. 

سلب الصراع الدائر نبيلة وأمها مصدر دخلهن الوحيد، حيث كن يعملن في دكان صغير يقع بمنزلهن، مثَّل هذا الدكان مصدر دخل وحيد للبنت وأمها، لكن قذائف الموت سلبتهن مصدر الرزق هذا. 

بينما تقول شيماء، أنّها وجدت نفسها وأطفالها فجأة بدون عائل، ويواجهون ظروفًا مادية صعبة، بعد أن تركها زوجها وذهب للزواج بأخرى، ولم يكتفِ بذلك بل قام باستغلالها.

عجز ووحدة

وتضيف لـ"خيوط": "لقد تخلى عني زوجي قبل الحرب بعد أن أخذ ذهبي بغرض السفر إلى السعودية، ولكنه ذهب للزواج في صنعاء بامرأة أخرى، وتركني في بيت أهله طيلة خمس سنوات مع أطفاله الثلاثة".

بعد فترة من اندلاع الحرب في اليمن في العام 2015، أخبرها -كما تقول- والد زوجها أنه لم يعُد يستطيع تكفلها مع أحفاده؛ كونه غير قادر على ذلك، وأنّ عليها تدبر نفسها؛ حينها شعرت -بحسب وصفها- بالعجز والوحدة؛ كانت دموعها هي من تتحدث حينها.

تتابع شيماء: "لقد مكثت يومين في حالة هستيريا من البكاء والشعور بالعجز، لم أعلم إلى أين أذهب، لقد مكثت عند أحد جيراني كوني يتيمة وليس لديّ أحد سوى عمي الذي حالته المعيشية صعبة جدًّا في الريف، حتى علم الجيران بقصتي، وجمعوا إيجار غرفة صغيرة تحتويني مع أطفالي". 

تداعيات كارثية

أتت الحرب على حياة اليمنيّين بعد أن أطاحت بكل نظم ومؤسسات الدولة، متسبّبة بقطع مصادر دخل السواد الأعظم من المواطنين، علاوة على ما أحدثته من شرخ عميق في الحياة الاجتماعية والأسرية. 

الجدير بالذكر أنّ أكثر من 80% من اليمنيّين، بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية الملحة، بحسب تقرير سابق للأمم المتحدة.

تسبّبت الحرب المستعرة في البلاد بانهيار النظام الاقتصادي، بعد انهيار إيرادات الدولة، نتيجة توقف تصدير النفط والغاز الطبيعي المسال، خصوصًا في سنوات الحرب الأولى.

هذا الوضع الاقتصادي انعكس بشكلٍ جلي على العلاقات الاجتماعية في البلد؛ يقول الباحث الاجتماعي، أحمد شوقي، لـ"خيوط": "ساهم منسوب الفقر المتصاعد بسبب الحرب، وتردّي الأحوال المعيشية للأسر، بصورة مباشرة، في إحداث شرخ اجتماعي وتفكك أسري، توالدت خلالهما المشاكل الأسرية، بل إنّ ضعف الحال وانسداد الأفق دفع بعض أرباب الأسر أو المُعيلين، إلى التخلي عن مساعدة أقاربهم وأفراد أسرهم".

هذا الشرخ لم تقتصر تأثيراته على العلاقات الاجتماعية، بل امتدت لتطال الجوانب الأخلاقية والسلوكية والنفسية والعقلية، بحسب حديث شوقي، إذ يمكن ملامسة بعض هذه التأثيرات واقعًا معاشًا، مثل استشراء الفساد كثقافة اجتماعية تمارس على نطاق واسع في اليمن.

كما أنّ هناك العديد من المشاكل والأزمات الناتجة عن تزايد معدلات الفقر وسوء الأوضاع المعيشية، في مقدمتها تفكّك الروابط الاجتماعية والإنسانية، وضعف ورداءة الضمير الجمعي.

يشير شوقي كذلك إلى فقدان التعاطف الإنساني اجتماعيًّا، علاوة على نمو النزاعات والمشاكل الأسرية والاجتماعية، والتفكّك الأسري، وزيادة مستويات الجريمة، والتسول، والانحراف السلوكي، فضلًا عن غياب حسّ المبادرة واليأس والإحباط وزيادة مستويات الاكتئاب إلى غير ذلك".

من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي، محمد اللقب، في حديث لـ"خيوط": "تسبّبت الحرب المستعرة في البلاد بانهيار النظام الاقتصادي، بعد انهيار إيرادات الدولة، نتيجة توقف تصدير النفط والغاز الطبيعي المسال، خصوصًا في سنوات الحرب الأولى".

يتابع: "إضافةً إلى توقف تصدير بعض المنتجات إلى الخارج، التي كانت تعتمد عليها الدولة بشكل كبير، كونها تمثل أهم الركائز في نهوض اقتصادها، إلى جانب توفيرها لوظائف، تمثل بدورها مصادر دخل للكثير من اليمنيين، وهو ما أضعف الخدمات التي تقدمها الدولة، وانعكس سلبًا على الحياة المعيشية للغالبية منهم، وتباعًا تسبّبت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية".

تأثيرات نفسية عميقة

بحسب خبراء ومختصون في علم النفس؛ يمثّل تمزق النسيج الاجتماعي الأسري مصدرًا مهمًّا في ظهور بعض الآثار النفسية على الفرد والمجتمع، فالاضطرابات النفسية تظهر من خلال الأسَر التي لا تربط أبناءها برباط الاهتمام والرعاية والمتابعة.

تظهر على إثر هذا التصدع، وفق الاختصاصي في علم النفس، مروان العامري، أمراضٌ نفسية مثل الاكتئاب والقلق "الهستيريا"، والمخاوف المرضية، وقد تظهر أمراضًا أشد خطورة، وهي أمراض ذهانية عقلية، كالفصام وذهان الاكتئاب والهوس.

ويتابع العامري حديثه لـ"خيوط": "قد تظهر لدى هؤلاء انحرافات سلوكية كالعدوان على الآخرين -سواء كان عدوانًا ماديًّا أو لفظيًّا- وأخذ حقوقهم، والانخراط بأعمال مخلة بالآداب كالاعتداءات الجنسية والتحرش، والشذوذ والإدمان على المواد المخدرة، وبالتالي نصبح أمام فئة لا يمكن أن يُرجى منها بناء أو تنمية للأسرة أو المجتمع، ويصبح انتشارها يمثّل عبئًا ثقيلًا على أسَرهم وعلى الدولة.

يتطلب الأمر نظرة فاحصة لهذه الظاهرة من قبل الجميع، بدءًا بالأسرة، وانتهاء بالجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، بما يسمح بتفعيل أدوات مواجهة الأزمات، وتحويل هؤلاء من معاول هدم إلى أدوات بناء لمجتمعٍ أرهقته سنوات الحرب والصراع.

•••
أحمد رضوان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English