لم تكن الصور التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية مجرد مشاهد عابرة، بل صدمة بصرية وأخلاقية عميقة. فقد ظهرت جثث نمور عربية مقتولة، فراؤها المرقّط مخضّب بالدم وقد تحولت إلى (غنائم) يتباهى بها الصيادون علنًا ببرودٍ فاضِح.
ولم يتوقف الأثر عند حدود الصورة إذ خلّفت هذه المشاهد ألمًا فكريًا لدى المهتمين بالبيئة وكل من يقدّر قيمة الحياة البرية. فبين صخرةٍ وسلاح، وبين صمتٍ رسميٍ مُخزٍ بدا واضحًا أن ما يُقتل ليس مجرد نمر، بل إرث بيئي وإنساني يُباد على مرأى الجميع. ومنذ لحظات النشر الأولى اشتعلت موجة غضب واسعة وانهالت الإدانات، بينما ظلّ الموقف الرسمي غائبًا كليًّا.
لكن الأخطر مما كشفت عنه الصور هو ما تواريه خلفها من مؤشرات صادمة على غياب الردع القانوني، وانهيار الوعي المجتمعي، وتآكل منظومة القيم البيئية في بلدٍ أنهكته الحرب والتهميش. جريمة كهذه لا تُختزل في صيدٍ عشوائي بل تكشف عن خلل بنيوي عميق يتقاطع مع قضايا كبرى من: سيادة القانون، إلى هوية الإنسان، والتّنمية، ومستقبل الحياة البرية في اليمن.
الصور التُقطت في مناطق جبلية بمديرية مرخة السفلى (شبوة) ومديرية الصومعة (البيضاء)، حيث استغل الصيادون وعورة التضاريس ومعرفتهم بمسارات النمور لتنفيذ عمليات تتبع أو كمائن أفضت إلى قتلها
صيدٌ موثّق، وصمتٌ رسمي
أظهرت الصور المتداولة التي التقطها الصيادون أنفسهم نمورًا عربية مضرّجة بدمائها، معلّقة أمام الكاميرات بفخرٍ أو ممدّدة على الأرض وأحيانًا محمولة على الأكتاف كغنائم تُوثّق لا لتجريم الفعل بل للتفاخر به.
أثارت هذه الصور موجة غضب واسعة على منصّات التواصل الاجتماعي وسط تفاعل متباين بين الاستنكار والتعاطف، وبين من اعتبرها فعلًا همجيًا ومن رأى فيها مظهرًا من مظاهر (الرّجولة) أو (القوّة) ما يعكس خللًا عميقًا في الوعي البيئي لدى بعض المجتمعات.
وتشير تعليقات ومصادر محلية إلى أن الصور التُقطت في مناطق جبلية بمديرية مرخة السفلى (شبوة) ومديرية الصومعة (البيضاء)، حيث استغل الصيادون وعورة التضاريس ومعرفتهم بمسارات النمور لتنفيذ عمليات تتبع أو كمائن أفضت إلى قتلها.
هذه الحوادث لم تكن الأولى فقد سبقَ توثيق وقائع مماثلة في مديريتي ردفان والشعيب (الضالع)، وأخرى متفرقة في محافظات: المهرة، لحج، وأبين ما يكشف عن اتساع رقعة الصيد الجائر وخروجه من نطاق الحالات الفردية إلى نمطٍ متكرر ينذر بالخطر.
وفي ظل غياب أي موقف رسمي من الجهات البيئية في المحافظات المعنية يزداد الإحساس العام بعدم الجدية في مواجهة هذه الانتهاكات خصوصًا مع تحوّل بعض منصات التواصل إلى ساحات تباهٍ بهذه الجرائم دون خوف من الملاحقة أو المساءلة.
ويحذّر الناشط البيئي عبد السلام جبر، في حديثه لـ (خيُوط) من خطورة هذا السلوك الذي يتجاوز القتل ذاته إلى تعميم ثقافة تُشرعِن التعدي على الحياة البرية. ويقول: "المشكلة ليست فقط في الجريمة، بل في تصويرها والتفاخر بها علنًا وكأنها لا تخضع لأي قانون".
من جهتها علّقت (منصة حلم أخضر) - المعنيّة بقضايا البيئة والمناخ- على هذه الحوادث عبر موقعها الإلكتروني مؤكدةً أن الصيد الجائر وغياب تطبيق القوانين يمثلان تهديدًا مباشرًا لبقاء النمر العربي. ودعت إلى تفعيل التشريعات البيئية، وإنشاء وحدات متخصصة لحماية الحياة البرية، وتعزيز وعي المجتمعات بقيمة التنوع البيولوجي وأثره الحيوي في استقرار المنظومات البيئية.
لا تتوافر إحصائيات رسمية ما يجعل الحديث عن وجود هذا الكائن محصورًا في نطاق البلاغات المجتمعية والمشاهدات الفردية. وغالبًا ما تصل هذه الإشارات إما عبر صور غير مؤكدة أو روايات شفهية يشاركها السكان بدافع الفضول أو القلق على ماشيتهم
رمزٌ يحتضر في ظل التهديدات المتعددة
يُعدّ النمر العربي (Panthera pardus nimr) من أندر الكائنات في شبه الجزيرة العربية، وأكثرها عرضةً لخطر الانقراض. وتُعدّ القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) مرجعًا عالميًا يُصنف حالة الأنواع والكائنات الحية بناءً على مدى تهديدها بالانقراض، ووفقًا لهذه القائمة صُنّف النمر العربي منذ العام 1996 ضمن الفئة الأكثر خطورة، وهي: مهدّد بالانقراض بشدّة (Critically Endangered - CR) ما يعني احتمالية اختفائه من البرية خلال العقود القادمة إذا استمرت التّهديدات دون تدخل فاعل.
كما تشير بيانات القائمة الحمراء المحدّثة لعام 2024 إلى أن عدد النمور العربية المتبقية في البرية لا يتجاوز (200) فرد فقط، يتمركز أغلبها في محميات بسلطنة عُمان، إضافةً إلى أعداد محدودة في السعودية ضمن برامج إعادة الإكثار والتأهيل التي تشرف عليها الهيئة السعودية للحياة الفطرية.
أما في اليمن فلا تتوافر إحصائيات رسمية حديثة، ولا توجد برامج منتظمة للرصد أو التوثيق، ما يجعل الحديث عن وجود هذا الكائن محصورًا في نطاق البلاغات المجتمعية والمشاهدات الفردية. وغالبًا ما تصل هذه الإشارات إلى ناشطين أو منظمات محلية إما عبر صور غير مؤكدة أو روايات شفهية يشاركها السكان بدافع الفضول أو القلق على ماشيتهم.
ورغم محدودية هذه الشهادات فإن كثيرًا من الباحثين يرون فيها مؤشرات أولية لا ينبغي تجاهلها، إذ إن العديد من الاكتشافات البيئية بدأت بإشارات بسيطة من مجتمعات محلية عارفة بتضاريسها، ولذلك فإن هذه البلاغات قد تمثل (عينًا بيئيةً محليةً) يجب الإصغاء إليها وتوظيفها في تصميم برامج رصد ميدانية أكثر دقةً وتنظيمًا.
وفي هذا السياق يؤكد المهندس/ عمر باعشن، الخبير الوطني في التنوع الحيوي في حديثه لـ (خيُوط) أن حوادِث قتل النمر العربي في اليمن موثّقة منذ نحو عقدين، ما يدل على أن ما نشهده اليوم ليس حادثًا طارئًا بل استمرارٌ لظاهرةٍ ممتدةٍ مزمنةٍ. ويضيف: "رغم تراجع عدد هذه الحوادث مؤخرًا إلا أن الظاهرة ما تزال مقلقة، في ظل ضعف الأداء الحكومي وغياب التمويل الكافي لخُطط الحماية الفعلية".
ومن جانبه يشدّد الناشط البيئي عبد السلام جبر على أن النمر العربي ليس مجرد كائن نادر، بل أحد أعمدة التوازن البيئي إذ يسهم في تنظيم أعداد الفرائس والحفاظ على استقرار السلسلة الغذائية. ويقول لـ (خيُوط): "غياب النمر العربي لا يعني فقط فقدان نوع بيولوجي بل يؤدي إلى اضطرابات بيئية متسلسلة، تبدأ بزيادة أعداد كائنات أخرى وتنتهي بانهيار التنوع الحيوي في موائل كاملة".
ورغم غياب المسوحات العلمية الدقيقة وتدهور التمويل، فإن ذلك لا يعني اختفاء النمر العربي من اليمن تمامًا. فاحتمال وجود مجموعات صغيرة في الجيوب الجبلية النائية يظل قائمًا، وهو ما يدعو إلى التعامل الجاد مع البلاغات المجتمعية، وتحويلها إلى فرص للتّحقق والرصد.
وإذا كانت هذه المجموعات -إن وُجدت- تمثل الأمل الأخير لبقاء النمر العربي في اليمن فإن غياب الدليل لا يصح أن يُتخذ ذريعة للصمت أو التقاعس. فالوقت لا يعمل لصالح هذا الكائن الفريد وكل تأخير إضافي قد يُفضي إلى خسارته إلى الأبد بعد أن عاشَ قرونًا في جبال اليمن، قبل أن يُقتل أو يُنسى في هوامش الإهمال المؤسسي.
غالبية المنظمات البيئية تقتصر على التوثيق دون تحويل الانتهاكات إلى استراتيجيات تدخل على الأرض. كما أن تقلّص التمويل الدولي بسبب الحرب قلّص بدوره قدرة المؤسسات على تطوير أدوات الحماية وتنفيذ القوانين بفعالية
قانون بلا أنياب.. من يحمي من لا صوت له؟
رغم مصادقة اليمن على عددٍ من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية التنوع البيولوجي فإنّ الفجوة لا تزال واسعة بين الالتزامات القانونية والتطبيق الفعلي على الأرض. من أبرز هذه الاتفاقيات: اتفاقية التجارة الدولية بالأنواع المهددة بالانقراض (CITES) التي تُعد من أهم الأطر الدولية لتنظيم الاتجار بالكائنات البرية. وتنص على حظر بيع أو نقل أو استيراد الكائنات المدرجة ضمن ملحقاتها خصوصًا تلك المهددة بالانقراض دون موافقات صارمة.
ويُدرج النمر العربي ضمن الملحق الأول للاتفاقية، ما يعني حظر صيده أو الاتجار به أو بأجزائه منعًا باتًا -سواءً كان حيًّا أو ميتًا-. وعلى المستوى الوطني ينص قانون حماية البيئة اليمني رقم (26) لسنة 1995 على حظر صيد الكائنات البرية النادرة أو إيذائها أو الإتجار بها، ويُجرّم الاعتداء على موائلها الطبيعية. وتحدّد المادة (28) صراحةً منع نقلها أو قتلها أو إزعاجها، فيما تضع المادّتين (75–86) عقوبات رادعة بحق المخالفين، وتمنح الجهات المختصة صلاحيات تنفيذية واضحة.
لكن هذه الأطر القانونية المتقدمة تُقابل بتحديات مؤسسية عميقة تُفقدها الفاعلية. فغياب هيكل رقابي موحّد، وتضارب المهام بين جهات متعددة، بعضها يفتقر للصلاحيات، يخلق بيئة غير منسقة تُضعف المساءلة. يُضاف إلى ذلك نقص حاد في الموارد البشرية والمالية، وغياب الوعي البيئي لدى بعض السلطات المحلية التي تتساهل أحيانًا مع ممارسات الصيد الجائر بدوافع عرفية أو اجتماعية.
وفي هذا السياق يرى الناشط البيئي أنس معروف أن دور السلطات المختصة في مواجهة صيد النمر العربي شبه غائب، وسط غياب واضح لآليات الردع والمساءلة. ويضيف في حديثه لـ (خيُوط): "غالبية المنظمات البيئية تقتصر على التوثيق دون تحويل الانتهاكات إلى استراتيجيات تدخل على الأرض. كما أن تقلّص التمويل الدولي بسبب الحرب قلّص بدوره قدرة المؤسسات على تطوير أدوات الحماية وتنفيذ القوانين بفعالية".
رغم هذا الواقع شكّلت الهيئة العامة لحماية البيئة في أبريل 2020 اللجنة الوطنية لحماية النمر العربي كأول كيان رسمي يُعنى بهذا الملف، لكن انطلاقتها كانت بطيئة إذ استغرق الأمر عامًا كاملًا قبل تنفيذ أول نشاط ميداني في محافظة أبين في أبريل 2021 حيث التقت بقيادات محلية لبحث سبل الحد من الصيد الجائر، مؤكدةً ضرورة ترجمة الخطاب التوعوي إلى إجراءاتٍ ملموسةٍ.
وتنتقد منى المشجري، الأمين العام لمبادرة (صحصح الشبابيّة) -المهتمة بالعمل البيئي والمناخي- هذا الجمود المؤسسي معتبرةً أن القوانين البيئية "مشلولة" في المناطق النائية بسبب غياب التنسيق وضعف الإمكانيات. وتدعو في حديثٍ لـ (خيُوط) إلى تفعيل العقوبات بحق المتورطين، وتمكين الجهات البيئية المحلية بصلاحيات تنفيذية، إلى جانب دمج حماية النمر العربي في السياسات الوطنية، وتحفيز المجتمعات على الانتقال من موقع التهديد إلى شريك في الحماية.
وفي تأكيد على هذا الواقع المعقّد يشير المهندس/ عمر باعشن إلى أن الحرب وما تبعها من فوضى مؤسسية ساهمت في تقويض فاعلية القوانين البيئية، وفتحت المجال أمام ممارسات خطرة كالصيد الجائر. ويُلفت إلى أن موجات النزوح إلى الأرياف بفعل النّزاع أدّى إلى زيادة الضغط على المواطن البيئية وهوَ ما فاقم التعدي على الحياة البرية. ويضيف لـ (خيُوط): "في ظل هذا التآكل المؤسسي وغياب التنسيق والتمويل تبدو القوانين البيئية بلا أنياب وعاجزة عن حماية أكثر الكائنات عرضة للزوال".
وهكذا رغم وفرة النصوص القانونية ووضوحها، تبقى فعاليتها حبيسة الورق بينما يتكرّر في الواقع الفشل في ردع الانتهاكات، ويتحوّل النمر العربي من كائن محمي قانونًا إلى ضحية لصيد جائر لا يجد من يوقفه، ولا من يُنصفه.
شهدت اليمن تجارب تنموية واعدة نفذتها منظمات محلية ودولية لربط الأبعاد البيئية بجهود التنمية، عبر دعم المزارعين وتحسين سبل العيش بهدف تقليل الاعتماد على الصيد الجائر. إلا أن معظم هذه المبادرات توقفت بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وانحسار التمويل
مجتمعات تفتقر للوعي
في المناطق الجبلية النائية حيث تتشارك المجتمعات الريفية والبيئة ظروفًا معيشية قاسية، لا يُنظر إلى النمر العربي باعتباره كائنًا نادرًا مهددًا بالانقراض بل كخطر مباشر على مصدر الرزق. فالصياد الذي يقتله لا يرى نفسه مجرمًا بل حاميًا لماشيته وممتلكاته، أو صيادًا ماهرًا ظفر بفريسة نادرة تتيح له التفاخر في بيئة تعاني شحًّا في الفرص الاقتصادية، واعتمادًا شبه كلي على الثروة الحيوانية.
في هذا السياق يؤكد الباحث في التنمية الريفية هيثم الجابري في حديثه لـ (خيُوط) أن حماية الحياة البرية لن تنجح ما لم تُقرن بتوفير بدائل معيشية حقيقية. ويقول: "إذا لم تندمج التوعية البيئية مع مشاريع التنمية الريفية، ولم يُمنح السكان دورًا فعليًا في حماية مواردهم، فسيبقى الصيد الجائر هو الخيار الأقرب والأسهل".
وقد شهدت اليمن بالفعل تجارب تنموية واعدة نفذتها منظمات محلية ودولية لربط الأبعاد البيئية بجهود التنمية، عبر دعم المزارعين وتحسين سبل العيش بهدف تقليل الاعتماد على الصيد الجائر. إلا أن معظم هذه المبادرات توقفت بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وانحسار التمويل، ما ترك فراغًا واسعًا في جهود الحماية والتوعية.
لردم هذا الفراغ ترى منى المشجري أن المبادرات المجتمعية المستقلة تشكل أداةً مهمةً، خصوصًا من خلال حملات توعوية تستهدف السكان المحليين، وإشراك الشباب في أنشطة الرصد والتوثيق بالتعاون مع المختصين. قائلةً لـ (خيُوط): "نحن بحاجة لإحياء قضايا الحياة البرية المنسية والنمر العربي يأتي في مقدّمتها، المنصات الرقمية يمكن أن تكون رافعة قوية في رفع الوعي وممارسة الضغط الإعلامي".
بدوره يرى عبد السلام جبر أن حملات التوعية لا يجب أن تكتفي بالتحذير من خطر الانقراض، بل ينبغي أن تُبرز الدور البيئي الجوهري الذي يلعبه النمر العربي في تنظيم السلسلة الغذائية والحفاظ على التوازن البيئي. ويوضح لـ (خيُوط): "التوعية المجتمعية يجب أن تُركّز على غرس الشعور بالمسؤولية الجماعية، فالنمر ليس مجرد كائن نادر بل مكوّن أساسي في استدامة الحياة الطبيعية".
لكن بعيدًا عن الدوافع الاقتصادية يبرز سلوك ثقافي وسلوكي مقلق آخذ في التصاعد، إذ يلفت أنس معروف إلى أن تكرار هذه الحوادث في محافظات مثل الضالع وأبين ولحج يشير إلى تحوّل خطير في النظرة إلى هذا الحيوان. ويقول: "ما يحدث يُجسّد جهلًا عميقًا بقيمته وغيابًا شبه تام للوعي البيئي، تُفاقمه هشاشة الرقابة وغياب المساءلة".
إن التصدي لظاهرة قتل النمر العربي لا يمكن أن يتم دون معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تغذّيها، ولا بمعزل عن إشراك المجتمعات المحلية كشركاء في الحماية لا كمجرد متهمين. فبينما تقف البيئة اليمنية على مفترق مصيري يبقى صون ما تبقى من تنوعها الحيوي مرهونًا بحماية هذا الكائن الفريد، الذي ما يزال يقاوم في جيوب الجبال الصامتة وسط رياح الإهمال والنسيان.
ما يجري من صيدٍ جائر في جبال اليمن لا يُعدّ أفعالًا فرديةً طائشةً بل جريمةً مستمرة بحق الإرث البيئي والكرامة الوطنية. ففي كل مرة يُقتل فيها نمر ويُعرض بفخر أمام الكاميرات يُعلّق معها جزء من ضميرنا الجمعي، ويُقدّم تاريخنا الطبيعي قُربانًا لصمتٍ مديد.
استمرار هذا النزيف في ظل غياب الردع المؤسسي وتواطؤ الصمت، لا ينذر فقط بفقدان كائن نادر بل بانهيار منظومة القيم وبقطع آخر خيط يربط الإنسان بأرضه. لقد غدا النمر العربي مرآةً تعكس ما آل إليه الوطن: ملامح تتآكل، وغنائم تتقاسمها البنادق بدلًا من القوانين.
وإن لم نستفق الآن ونتعامل مع ما تبقى من الحياة البرية بما يليق من مسؤوليةٍ ووعيٍ، فلن يكون السؤال: متى يُقتل النمر الأخير؟ بل: لماذا تركناه يُقتل ونحن نعلم، ونرى، ونسكت؟