تقاليد رمضانية يتشبّث بها اليمنيّون

أطعمة، وطقوس، وشعائر تقاوم تبدلات الوقت
ريهام السماوي
March 18, 2024

تقاليد رمضانية يتشبّث بها اليمنيّون

أطعمة، وطقوس، وشعائر تقاوم تبدلات الوقت
ريهام السماوي
March 18, 2024
.

تضفي عادات استقبال رمضان في المحافظات اليمنية المختلفة، طابعًا خاصًّا يعكس التنوع الثقافي والروحي في البلد. حيث يتمسك السكان المحليون بما تبقى من مواريث وطقوس، مثل: طواف الأطفال بالفوانيس في الأحياء والحارات، وتزيين المنازل والأحياء بالأنوار، وترديد بعض الأهازيج والأغاني الشعبية، إلى جانب تحضير الأكلات الرمضانية التقليدية، على الرغم من تردّي الأوضاع الاقتصادية بسبب الحرب، التي أثرت بشكل كبير على إحياء هذه العادات الموسمية وطقوسها.

في صنعاء

مع حلول شهر رمضان، تستعد ربات البيوت في صنعاء لاستقبال لياليه من خلال تنظيف وتزيين المنازل، فيما يتم تزيين الشوارع بالفوانيس، والغمازات الكهربائية التي يطلق عليها شعبيا شلالات صارت بديلة عن زينة الأضواء التقليدية سابقًا؛ كما تفيد علا الخلقي في حديث لـ"خيوط".

وتشير الخلقي أيضًا، إلى عادة أخرى ما تزال مستمرة إلى الآن في صنعاء، وهي عادة يطلق عليها "يا نفس ما تشتي" التي يجتمع فيها الأهل والأصدقاء والجيران، على مآدب فيها ما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات، إذ يتم الاتفاق على أصنافها، وتقاسم تحضيرها بين الحضور مسبقًا".

تتميز المائدة الرمضانية الصنعانية بعدد من الأطباق؛ بعضها مشترك مع المحافظات الأخرى، وبعضها قد يكون حكرًا عليها، ومن هذه الأطباق: الشفوت، والسلَطات، والسحاوق، والمعصوبة، والفحسة، والسنبوسة، وغيرها. لكن الحلبة الحامضة، وفتة المطيط، وخبز السبايا، وعصير القديد، وعصير الشعير، والرواني، والشعوبية، تكاد تكون مأكولات ومشروبات وحلويات صنعانية بحتة"؛ تضيف الخلقي.

تتفرد عدن بالمأكولات البحرية عمومًا، إلى جانب أطباق أخرى؛ كالباجية، والسنبوسة، والمدربش، وشوربة العتر، وقائمة طويلة من المأكولات؛ كالزبيان، والصيادية، والمطافية، إلى جانب المقبلات، مثل: البُرتة، والعشّار، والشتني.

 في عدن

في عدن تتزين النسوة بالنقش والحناء، وتبخر الملابس والبيوت، إلى جانب إحياء يوم الشعبانية التي يصادف قدومها يوم الخامس عشر من شعبان، تهيئةً لاستقبال شهر رمضان، وخلال هذا اليوم تلتقي الأسر والعائلات، وتقدّم فيه الأطباق التي تشتهر بها عدن؛ كالزربيان، والصيادية، والمدربش، والمطافية، إلى جانب المقبلات، مثل: الشتني، والبُرتة، والعُشّار، وغيرها من الأطباق الشهية؛ بحسب ميادة سلام، من أبناء المدينة.

وتضيف سلام: "تتفرد عدن بالمأكولات البحرية عمومًا، إلى جانب أطباق أخرى؛ كالباجية، والسنبوسة، والمدربش، وشوربة العتر، وقائمة طويلة من المأكولات اليمنية، لكن الأوضاع الاقتصادية أثّرت إلى حد كبير على حضورها في مائدة العدنيين". 

في تعز وإب 

"في ليلة استقبال رمضان، يقوم المحتفلون في تعز بخلط الجاز (الكيروسين) بالرماد، ثم تشكيلها على هيئة كرات متوسطة بحيث يخلقون أشكالًا وعبارات معبرة عن ترحيبهم بالشهر، يتم نشرها في الشوارع وعلى سطوح المنازل، وحواف الأحواش"؛ تقول مروى القاضي، من أبناء محافظة تعز.

وتضيف القاضي في حديث لـ"خيوط": "لتعز نَفَس صوفيّ طاغٍ خاصة في هذا الشهر، حيث يتأهب الناس لإحياء أيام وليالي رمضان بالتواشيح والأناشيد ذات الطابع الصوفي، مثل: يا رمضان يا صوفي، حوّل لي بمصروفي. وهناك مناطق تتحول إلى مزارات لأهل الذكر والقرآن، والاعتكاف الرامي لاستغلال رمضان بالطاعات والتقرب إلى الله".

لكن القاضي نوّهت لبعض السلبيات التي تنامت في السنوات الأخيرة، ونالت من الروح الجمعية للناس، حيث قالت: "أثرت التكنولوجيا المتمثلة في انتشار استخدام الكمبيوتر المحمول والجوالات، كثيرًا على نوعية وعمق العلاقات والتواصل بين العوائل والأقارب، وحدَّت إلى حد كبير من التواصل والزيارات المباشرة، حيث يتسمر عدد كبير من الأشخاص، خاصة من فئة الشباب، أمام الشات، وينجزون مهامهم الاجتماعية إلكترونيًّا". 

في السياق، تشير رقية النزيلي، من محافظة إب، في حديث لـ"خيوط"، إلى إنّ أهم ما يميز رمضان في محافظتها -تحديدًا- هو إطعام الغريب، إذ لا يسمح له بالمغادرة قبل الإفطار، مهما كانت محاولات الضيف للتملص من تلبية دعوة المضيف.

وتتابع النزيلي: "للمائدة الرمضانية في إب فرادتها التي تشتهر بها، وتجعل لها إقبالًا واسعًا على النطاق الوطني، بل إن بعضهم صار يربط بعض الأطباق، مثل المرق (شوربة اللحم)، بمواطني المحافظة، إلى جانب العصيد التي تتفنن في إعدادها نساء إب، وهي وجبة تشعِر متناوليها بالشبع والامتلاء ساعات طويلة.

بكيل الوجيه، طالب إعلام من محافظة إب، يؤكّد خصوصية ليالي رمضان في الريف الإِبّيّ، حيث يقول: "يسود طابع التكافل ويتشارك ريفيّو إب الإفطارَ في مساجد القرى، بحيث يأتي كل شخص ومعه إفطاره، ومِن ثَمّ يتقاسم ما أحضره مع الآخرين، وبالمثل يفعل الآخرون، وهكذا تتنوع المائدة بين معجنات وفطير وسنبوسة وغيرها من الأطباق والمخبوزات".

لليالي رمضان مسمياتها المتعددة عند التهاميين، إذ يسمون الليلة الأولى ليلة التشهير، وهناك الليلة اليوسفية، نسبة لتلاوة سورة يوسف في صلاة التراويح، وليلة بدر، وليلة القدر وهي ليلة 27 رمضان، وتسبق كل ذلك ليلة منتصف شعبان (الشعبانية).

في تهامة

لرمضان في تهامة خصوصيته، لم تتمكن الحرب من سلبها، لكنها أثرت في مستوى الجاهزية والبهجة في استقباله. الصحفي مصعب عفيف، يروي جانبًا عن هذه الخصوصية في حديث لـ"خيوط"، بقوله: "يتبادل أهالي الحديدة، وجبات الإفطار مع الجيران والأهل والأقارب، حيث يحمل الأطفال الشوربة، والسنبوسة، والمخلوطة، للجيران، ويعودون محملين بأطباق مشابهة أو مختلفة. ورغم حرارة الجو في الحديدة، وفي تهامة عمومًا، فإن الأنشطة ودوريات كرة القدم والطائرة نهارًا، والتجمعات الشبابية في الساحات العامة لشرب القهوة ليلًا، لا تغيب في رمضان، يلي ذلك إقامة صلاة التراويح، ومن ثَمّ السمرة في منازل تسمى المسامر (مكان يسهرون فيه؛ يتناولون القات فيه، ويقرؤون القرآن حتى مطلع الفجر).

ولليالي رمضان مسمياتها المتعددة عند التهاميين، وبالتحديد في الحديدة، إذ يسمون الليلة الأولى من رمضان ليلة التشهير، وهناك الليلة اليوسفية، نسبة إلى تلاوة سورة يوسف في صلاة التراويح، وليلة بدر وفيها يتم قراءة منظومة شهداء معركة بدر وسير أبطالها وشهدائها، وليلة القدر وهي ليلة 27 رمضان، إضافة إلى يوم البهجة، وهو يوم الـ14 من شعبان، ويتم فيه تقديم أصناف مختلفة من الأكلات والحلويات، وأيضًا تنظيف المقابر وطلاء الأضرحة باللون الأبيض، وتنظيف مجالس القات وطلاؤها بالأبيض وتزويدها بالمصاحف، وتجديد طلاء المساجد بالأبيض، وكذا المآذن والقبب.

 في حجة  

 من جهتها تشرح بثينة الحجوري، مظاهر استقبال رمضان في حجة، حيث قالت لـ"خيوط": "يستعد أهالي حجّة لاستقبال شهر الصوم، من خلال تحضير الأطباق المختلفة، وفي مقدمتها: الحامضة، والأقراص، والمجموز، إلى جانب الأطباق المنتشرة في عموم اليمن". 

وتواصل الحجوري: "تسمى الزينة التي يستقبل بها الأهالي رمضان والأعياد: التنصيرة، وهي عبارة عن رماد وجاز (كيروسين)، يشعلونها في السطوح لإعلان البهجة والتقدير للمناسبة". ولا تختلف هذه الأجواء والاستعدادات الرمضانية في المحافظات اليمنية الأخرى.

من أكلات أهل تريم ومشروباتهم: الصوين، والمحموس، والشتني، التي تقدم على السحور، إلى جانب التمر المزروع بالمنطقة، والماء المبخر، والشاي البخاري.

في حضرموت

تستقي العادات الرمضانية سطوة حضورها بمحافظة حضرموت، الساحل والوادي، من الروحانيات التي تكتسي بها المنطقة منذ أزمان بعيدة.

أحمد الرباكي، مدير مركز الرناد للتراث والآثار والعمارة في تريم، يتحدث عن مظاهر إحياء وتبجيل الأيام الرمضانية في المدينة ذات البعد الروحي، حيث قال: "ليل تريم الرمضاني، كله صلاة، بمعنى أنّ صلاة التراويح تقام في المساجد من الساعة السابعة والنصف حتى الثانية عشرة ليلًا من رمضان، حتى ليلة التاسع والعشرين من رمضان، ومن ثَمّ الحفل الختامي الذي يقام في مسجد المحضار".

ويشير الرباكي إلى أهم الأكلات الرمضانية في المحافظة، وأبرزها: الصوين، والمحموس، والشتني، التي تقدم على السحور، إلى جانب التمر المزروع بالمنطقة، والماء المبخر، والشاي البخاري.

لا تخلو المائدة الرمضانية السقطرية من التمر عند الإفطار، والشوربة والأرز مع الصيد في مدن الجزيرة، والرز مع السمن البلدي والروبة في ريفها، واللقيمات واللحم، وإن كانت قد تأثرت إلى حدٍّ ما بفعل الحرب الدائرة.

في سقطرى

"تلتزم المنازل المجاورة للمساجد في جزيرة سقطرى اليمنية، الواقعة في بحر العرب على بعد 300 كيلومتر من الساحل اليمني، بجلب جزءٍ من إفطار الصائمين للمساجد، فيما تبدأ استعدادات استقباله من يوم "مرحض"، وهو اليوم الأخير من شعبان، وتبرز مظاهر التكافل في هذا الشهر من خلال تبادل الهدايا والصدقات بين الأهالي"؛ كما يقول الصحفي محمود فتحي، لـ"خيوط".

ويتابع فتحي: "لا تخلو المائدة الرمضانية السقطرية من التمر عند الإفطار، والشوربة والأرز مع الصيد في مدن الجزيرة، والرز مع السمن البلدي والروبة في ريفها، واللقيمات واللحم، وإن كانت قد تأثرت إلى حد ما بفعل الحرب الدائرة". ويشير فتحي إلى أهم الألعاب الشعبية الموجودة في الجزيرة، ويمارسها الأهالي في رمضان، حيث ذكر منها: "الجاشل" وتشبه لعبة "الوَقَل" بصنعاء، وهي عبارة عن خمس أحجار صغيرة يتم رميها في الأرض، والتقاط واحدة تسمى "المامة"، ثم رميها للأعلى والتقاط أخرى من الأرض، مع الحرص على عدم وقوعها للأرض، وهكذا على عدة مراحل، و"طيبانات" وهي عبارة عن ستة عيدان يكون لها ظهر وبطن، يمسكها اللاعب ويرفعها في الهواء مرتين أو ثلاث، ومن ثَم يفرشها على الأرض من الأعلى، فإذا نزلت على البطن كلها كسب أربعة، وإذا نزلت جميعها على الظهر كسب ثمانية، وإذا اختلف واحد كسبه، وإذا اختلف اثنان كسب اثنين وهكذا، ويكون فائزًا حينما يكسب ثمانية مرتين أو ثلاث مرات، بحسب الاشتراط المسبق، ولعبة "طلع القمر ولا عاوده"، وغيرها من الألعاب الشعبية، المنتشرة في الجزيرة، إلى جانب الألعاب الحديثة؛ كالدومينو، والباصرة، وغيرها.

كانت النساء يقمن بجمع الملابس والأواني والأغطية، وغسلهن عند الساحل أو النبع أو الآبار، ودق البن على المنحات، وهي آلة من الخشب، وتجهيزه لرمضان.

في المهرة

كبقية المحافظات اليمنية، تنهج محافظة المهرة اليمنية سبل الترحيب برمضان ذاتها، مع وجود خصوصية في بعض التفاصيل، حد تأكيد الدكتور أمين اليزيدي، عميد كلية التربية بجامعة المهرة.

فيما تذكر الصحفية مروى الزويدي، بعض هذه التفاصيل الخاصة، قائلة: "من عادات المهرة قيام النساء كبيرات السن في بداية الشهر بالنظر إلى غرة هلال رمضان، وقول عبارات قديمة مثل: "شوور هل أعادك الله علينا"، وتعني الثناء على الله أنه أعاد رمضان عليهم.

وتضيف الزويدي، في حديث لـ"خيوط": "يتربع المائدة الرمضانية المهرية الثريد بأنواعه المختلفة، والشوربة المحضرة من الذرة الشامية المطحونة، وأيضًا الدنجور التي تصنع من السكر الأحمر، والقهوة، والخبز على المطحنة".

أما عن أشهر الألعاب في محافظة المهرة فهي لعبة الاستغماية التي يطلقون عليها "دك أوبر"، ولعبة شد الحبل، وغيرها من الألعاب القديمة والحديثة.

 أوسان باعباد، مديرة إدارة تنمية المرأة في سيحوت، تشير إلى عادات استقبال المهريات لرمضان، قائلة:" كانت النساء يقمن بجمع الملابس والأواني والأغطية وغسلهن عند الساحل أو النبع أو الآبار، ودقّ البنّ على المِنْحَات، وهي آلة من الخشب، وتجهيزه لرمضان".

من جهته يقول حمد زبع، مهتم بالتراث لـ"خيوط": "لليالي رمضان في سيحوت قديمًا، طابع خاص، فقد كانت صلاة العشاء تبدأ في الساعة التاسعة، ثم صلاة التراويح حتى العاشرة مساء، وبعض المساجد تبدأ صلاة العشاء في الساعة الحادية عشرة والنصف، وتنتهي في الواحدة فجرًا، وتسمى صلاة الليل، وتقام في مسجد جامع باكريت التاريخي، حيث يقوم شخص يسمى بالمنادي، بالدوران على البيوت المعروف فيها شخص يصلي صلاة آخر الليل، يضيف زبع: "لكن الأوضاع الاقتصادية وتبدلات الوقت، أثّرت بشكل سلبي على العبادة؛ بسبب الانشغال بلقمة العيش".

•••
ريهام السماوي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English