جيشٌ تبخَّر، وانتهى بتواطؤ وزير الدفاع

دور "محمد ناصر أحمد" في تمكين الحوثيين من المؤسسة العسكرية اليمنية
علي ميّاس
February 18, 2024

جيشٌ تبخَّر، وانتهى بتواطؤ وزير الدفاع

دور "محمد ناصر أحمد" في تمكين الحوثيين من المؤسسة العسكرية اليمنية
علي ميّاس
February 18, 2024
AP

وُصِفَ دور اللواء الركن محمد ناصر أحمد علي -وزير الدفاع اليمني السابق- أثناء حدوث الانقلاب العسكري في صنعاء، بأنه كان مخيّبًا للآمال، للغاية. ففي عهده العسكري، حقّقت جماعة الحوثي، المعروفة باسم "أنصار الله" المدعومة إيرانيًّا، تقدُّمًا كبيرًا من محافظة صعدة في أقصى الشمال إلى العاصمة صنعاء جنوبًا. في أحداث عسكرية دراماتيكية متعاقبة مكّنت الجماعة من الهيمنة بالقوة المسلحة على العاصمة في 21 سبتمبر/ أيلول 2014. واتسمَت أيضًا فترة ولايته العسكرية بإخفاق شديد في محاربة الإرهاب، حيث دقّ التنامي المتصاعد لنفوذ الجماعات الإسلامية المتطرفة في اليمن ناقوسَ الخطر لدى المجتمع الدولي. وفي العام 2015، اجتذبت الاضطرابات الأمنية والتغيُّرات العسكرية على الأرض تدخُّلًا خارجيًّا يرأسه التحالف بقيادة السعودية والإمارات. وبعد انقضاء قرابة عقد على الحرب، يخشى اليمنيون بشدة خطرَ تقسيم البلاد بالوسائل العسكرية في إطار مشروع "غير وطني"، مما قد يعني فوضى طائفية ومناطقية تمهد لحروبٍ لا خاتمة لها، تؤدّي إلى استغلال موارد البلاد دون أية مراعاة لمصالح الشعب.

كان وزير الدفاع مكلفًا بالإشراف على وزارة حساسة وفي ظرف دقيق في تاريخ اليمن، وكان يتوجب عليه أن يتعاطى بمسؤولية مع المتغيرات العسكرية الداخلية والتطورات الجيوسياسية. وبصفته وزيرًا للدفاع، كان اللواء الركن أحمد مسؤولًا عن حراسة مؤسسات الدولة الحيوية، بما في ذلك وزارة الدفاع نفسها. حيث إنّ حماية هذه المؤسسة والمؤسسات الأخرى مسألة وواجب عسكري في نطاق شرفه العسكري الأدنى.

صُنِّف فساد الجيش اليمني تحت إدارة اللواء الركن أحمد، بدرجة «مخاطر فساد حرجة»، وهي أسوأ درجة تقييم في تقرير "مؤشر مكافحة الحكومات والجيش للفساد لعام 2013"، الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية.

ومنذ الفترة الأولى لتوليه منصب وزير الدفاع في 2006، غدت وزارة الدفاع عاجزة أمام القوة والنفوذ المتعاظمين لقوات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع، وغيرهما من فروع القوات المسلحة والأمن. وبدا وكأن الوزارة تحت قيادته قد جُرِّدت من سلطاتها وأصبحت بلا مخالب، وغير قادرة على تأكيد نفوذها والقيام بدورها بصفتها ركيزة حيوية لأمن الجمهورية اليمنية ووحدتها وسلامة أراضيها.

أظهرَ وزيرُ الدفاع شخصيةً مستورة وضعيفة؛ إذ فشل حتى في إقامة اتصالات فعّالة مع القادة العسكريين، وكان يفتقر إلى السمات العسكرية الأساسية المتمثلة في الشجاعة والاستعداد لتحمّل المخاطر واتخاذ القرارات الحاسمة. ووصفه الكثيرون بأنه غير حاسم، ليس فقط في الأمور المصيرية، ولكن أيضًا في القرارات الاعتيادية. وطوال فترة ولايته، بدا وكأنه منفصل عن الواقع، ولم يكن راضيًا إلا عن الوجود الاحتفالي لوزارة سيادية ترمز إلى أمن البلاد. وصُنّف تحت إدارته فسادُ الجيش اليمني بدرجة «مخاطر فساد حرجة»، وهي أسوأ درجة تقييم في تقرير "مؤشر مكافحة الحكومات والجيش للفساد لعام 2013"، الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية.

استغل وزير الدفاع اليمني مختلف الأحداث والمقابلات الصحفية للتعبير عن إعجابه وتقديره لدعم السعودية للوزارة اليمنية وتعزيز التعاون، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بهيكلة الجيش اليمني.

علاقة وثيقة مع السعودية والإمارات

خلال فترة توليه منصب وزير الدفاع في المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالله، حافَظَ الأمير سلمان على علاقة وثيقة مع اللواء الركن محمد ناصر أحمد. وقد أكّد وزير الدفاع اليمني في تصريحات مختلفة نجاحَ تحقيق الأهداف التي حدّدها خلال لقاءاته مع السعوديين، رغم أنّه لم يحدّد طبيعة تلك الأهداف صراحة. ويتجلّى هذا التأكيد من خلال اللقاءات العامة العديدة التي جمعت الطرفين.

وفي طليعة هذه الاجتماعات، اجتمع ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ومحمد بن سلمان، مستشار الأمير، في حفل غداء تكريمًا للوزير اليمني في 19 مايو/ أيار 2012. وفي 5 نوفمبر 2013، قام وزير الدفاع محمد ناصر أحمد شخصيًّا بتسليم رسالة مكتوبة من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عَبْر الأمير سلمان بن عبدالعزيز، يعترف فيها بالعلاقة القوية بين البلدين، وأعرب الوزير أحمد بعد لقائه مع ولي العهد الأمير سلمان في مقابلة صحفية في 26 ديسمبر 2013، عن ارتياحه، قائلًا: "زيارتنا الأخيرة إلى المملكة كانت ناجحة بكل المقاييس، ولقاءاتنا المميزة بولي العهد سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، تناولت مجمل القضايا المهمة التي تعزز جوانب التعاون المثمر في مختلف المجالات، وفي الأولوية المجال العسكري. كما أنّ لقاءاتنا مع المسؤولين العسكريين والمدنيين السعوديين أنجزت أهدافها". وفي 11 يونيو 2014، التقى وزير الدفاع أحمد مجدَّدًا مع ولي العهد السعودي الأمير سلمان في جدة.

ومن المعقول افتراض أنّ هناك لقاءات أخرى لم يكشف عنها، حيث استغل وزير الدفاع اليمني مختلف الأحداث والمقابلات الصحفية للتعبير عن إعجابه وتقديره لدعم السعودية للوزارة اليمنية وتعزيز التعاون، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بهيكلة الجيش اليمني. 

وعزّز اللواء أحمد علاقتة الودّية بمحمد بن زايد، حيث كان ذلك واضحًا من خلال لقاءاتهما المتكررة في أبوظبي. وجرى اللقاء الأول في 14 أغسطس 2012، استجابة لدعوة محمد بن زايد، فيما تم اللقاء الثاني في 14 أكتوبر 2013. وجرى خلال هذه اللقاءات مناقشة مختلف المواضيع ذات الاهتمام المشترك، على الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل محددة، وامتدح اللواء أحمد في الاجتماعات الإمارات، قائلًا إنّها "تقدِّم المساعدات السخيّة في مختلف المجالات".

لكن اللواء أحمد تحدث لصحيفة البيان الإماراتية في مقابلة صحفية في فبراير/ شباط 2013، وسلّط بعض الضوء على مجالات التركيز المشتركة، خاصة فيما يتعلق بهيكلية الجيش اليمني. وذكر أنّ: "عملية تنظيم وإعادة هيكلة المؤسسة الدفاعية اليمنية سارت، ولا تزال، وفق خطة مدروسة ومَزمنّة...، والخطة الرئيسية لِلَجنة الشؤون العسكرية بشأن هيكلة المؤسسة الدفاعية هي خطة مزمّنة وعلى مراحل تمتد إلى العام 2014".

في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2013، استضاف القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية، توم كيلي، وزير الدفاع اليمني اللواء محمد ناصر أحمد، خلال الجلسة الثانية للحوار الاستراتيجي الأمريكي اليمني في وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن العاصمة. مؤكِّدين نجاحَ الجلسة الافتتاحية في العام الذي سبقه في صنعاء، اليمن. ركزت اللقاءات على إجراء نقاش شامل لتعزيز العلاقات السياسية العسكرية الثنائية، ودعم عملية الانتقال السياسي في اليمن، ومعالجة جهود إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية، إلى جانب التنسيق في الأمور الأمنية.

كان واضحًا أنّ خطة إعادة الهيكلة مرسومة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدعم من المبعوث الأممي جمال بن عمر والولايات المتحدة الأمريكية.

الهيكلة؛ الجيش الذي تبخَّر واختفى

يتحمّل وزير الدفاع وِزرًا كبيرًا في حلّ الجيش اليمني وتشتيت قواته؛ كون مسؤولية إعادة هيكلة الجيش كانت تقع على عاتقه، حيث افتقر نهجه العسكري إلى الواقعية والبصيرة. لقد فشل في تقييم المخاطر المحيطة بالبلاد بشكل مناسب، خلال تلك اللحظة الحرجة، حينما واجه اليمن وضعًا صعبًا، بما في ذلك فترة انتقالية عسيرة وهشاشة في مؤسسات الدولة، حيث تستلزم هذه الظروف التي لم تعهدها البلاد، قائدًا عسكريًّا قويًّا قادرًا على العبور بها إلى برّ الأمن.

في الواقع، لم تنص المبادرة الخليجية على إعادة هيكلة الجيش اليمني بصيغة مباشرة. بل طالبت اللجنة العسكرية بإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه. وبدلًا من تجنب حلّ وحدات الجيش لعدم وجود إطار متفق عليه، اتخذ الرئيس عبد ربه منصور هادي، من خلال تفاهمات جانبية لاحقة مع الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وبدعم من أحزاب اللقاء المشترك، خطوات عملية لإعادة هيكلة الجيش. في 6 أغسطس 2012، أعلن هادي قرارًا رسميًّا بإعادة هيكلة القوات المسلحة، وكان واضحًا أنّ خطة إعادة الهيكلة مرسومة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدعم من المبعوث الأممي جمال بن عمر والولايات المتحدة الأمريكية، وتؤكّد ذلك الزياراتُ المتلاحقة لوزير الدفاع إلى السعودية والإمارات، وعقد لقاءات مع الجانب الأمريكي بخصوص إعادة هيكلة الجيش اليمني.

وقد بدا لافتًا أنّه تم اتخاذ قرارات مستعجلة وغير محسوبة العواقب خلال عملية إعادة هيكلة الجيش، ولم يُلاحِظ أحدٌ المدى الحقيقي لخطورتها. فبدلًا من التركيز على تغيير القيادات العسكرية للقوات المسلحة، وتوحيد القيادة المركزية للجيش؛ لأنه كان من الممكن أن يكون ذلك أكثر فاعلية- قام الرئيس هادي، برفقة وزير الدفاع، في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2012، بحل قوات الحرس الجمهوري التي يقودها أحمد علي، نجل الرئيس صالح. وكانت هذه القوات كتلة عسكرية ضخمة مدربة بشكل احترافي وتمتلك أسلحة حديثة. وبالمثل، تم أيضًا تفكيك الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن الأحمر. 

تم نقل قوات عسكرية مدربة تدريبًا جيدًا، من مواقعها الممتدة معظمها من حرف سفيان إلى ذمار، وكانت تشكل المظلة الواقية للعاصمة صنعاء. ومن الواضح أن خطة إعادة الهيكلة تم تنفيذها على عجل وخدمةً لأهداف مشبوهة.

تمت إعادة هيكلة الجيش اليمني دون إيجاد الوقت اللازم لإجراء دراسات مستفيضة ومراحل تنفيذ واقعية، ففي نفس يوم حل قوات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع، صدر قرار بتنفيذ الهيكل التنظيمي الجديد للقوات المسلحة. لم تكن الخطة التنظيمية الجديدة ذات رؤية؛ حيث تم إنشاء العديد من الفروع العسكرية والمناصب المستحدثة، وعلى ما يبدو، من دون إجراءات إدارية مؤسسية واضحة أو إعادة توزيع للموارد البشرية والمادية بصورة سليمة. علاوة على ذلك، أعتقد أنه كان هناك نقصٌ في مراكز القيادة والسيطرة، مما جعل من الصعب تنسيق العمليات العسكرية بشكل فعّال. وفي جزء من هذه العملية غير المنظمة، تم نقل قوات عسكرية مدربة تدريبًا جيدًا، مثل الألوية 17 لقوات الحرس الجمهوري، من مواقعها الممتدة معظمها من حرف سفيان إلى ذمار، وكانت تشكّل المظلة الواقية للعاصمة صنعاء. ومن الواضح أنّ خطة إعادة الهيكلة تم تنفيذها على عجل وخدمةً لأهداف مشبوهة.

جاءت مرحلة إعادة هيكلة الجيش في توقيتٍ حسّاس للغاية، بالنظر إلى الاضطرابات الأمنية والاختلافات السياسية العميقة في ذلك الوقت. وتزامنَ ذلك مع اندلاع حركات تمرد مسلحة هنا وهناك؛ حينما توسعت جماعة الحوثي عسكريًّا في الشمال، وسيطر تنظيم القاعدة على بعض المناطق في المحافظات الجنوبية، واشتعال خلافات واتساع المسافة بين الفرقاء السياسيين خلال مؤتمر الحوار الوطني بشأن شكل الدولة في 2013. علاوة على ذلك، بدأ مسلحون مجهولون بإغلاق الطرقات الرئيسية بين المحافظات، وتخريب خطوط أنابيب النفط وخطوط إمداد الكهرباء. وتوالت هذه الأحداث جنبًا إلى جنب مع نشاط أطراف خفية عملت على تفكيك البنية التنظيمية للجيش وتقويض قدراته، ونفّذت العديد من عمليات الاغتيال التي طالت ضبّاطًا من جهاز الأمن السياسي وأفرادًا من القوات الجوية. بالإضافة إلى ذلك، تم إسقاط طائرات حربية تابعة للسلاح الجوي اليمني بشكل متكرر، تحت ستار الأعطال الفني، حيث سقطت قرابة 10 طائرات عسكرية خلال عام 2010-2012.

وبعد التفكيك وإعادة الهيكلة، كانت النتيجة المتوقعة أن يقوم الجيش بواجباته الوطنية بكفاءة، بعد إنهاء حالة انقسام الجيش، غير أنّ نكبة حدثت مع انهيار كارثي لمؤسسات الدولة في سبتمبر 2014. وانجراف البلاد نحو مزيدٍ من الفوضى والاحتراب، ما تسبّب في اجتذاب تدخل عسكري إقليمي ودولي في العام 2015.

أخفق وزير الدفاع اليمني السابق، في محاربة تنظيم القاعدة عسكريًّا واستخباراتيًّا، وشنّ تنظيم القاعدة هجمات على وزارة الدفاع اليمنية في معسكر ومستشفى العرضي في صنعاء، ممّا أدّى إلى مقتل العديد من الجنود والمدنيين.

سقوط العاصمة وتسليم المعسكرات 

على الرغم من سنوات خدمة اللواء الركن أحمد الطويلة في وزارة الدفاع، وخبرته العسكرية، ومعرفته بقدرات الجيش اليمني ومكوناته، وإدارته ميزانية عسكرية ضخمة، فإنه قد فشل في أداء واجبه في الدفاع عن الدولة ومؤسساتها، ولم يستجب لنداء الوطن ويبرّ بقَسَمه العسكري حينما وصلت البلاد إلى حافة الهاوية. 

لم تضطلع الوزارة بواجبات الحفاظ على البلاد من أخطار تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية، فقد أخفق اللواء الركن أحمد بصورة ذريعة في محاربة تنظيم القاعدة عسكريًّا واستخباراتيًّا، وشنّ تنظيم القاعدة هجمات على وزارة الدفاع اليمنية في معسكر ومستشفى العرضي في صنعاء، ممّا أدّى إلى مقتل العديد من الجنود والمدنيين. ونجا اللواء الركن أحمد نفسه من محاولتَي اغتيال من التنظيم. وسيطر تنظيم القاعدة على منطقة واسعة في جنوب البلاد، حيث استولى على مناطق في أبين وشبوة وحضرموت، الممتدة من مديرية القطن في حضرموت إلى زنجبار في أبين، واستحوذوا على معسكرات الجيش ونفّذوا اغتيالات لقادة عسكريين بارزين؛ أهمهم اللواء سالم قطن، الذي نجح في دحر تنظيم القاعدة في أبين.

تحت الضغوط الدولية لمحاربة الإرهاب، ساهم اللواء الركن أحمد، بطريقة أو بأخرى، في تسليم معسكرات الدولة بذريعة محاربة تنظيم القاعدة، وكان اللواء الركن أحمد يوجّه فعليًّا الوحدات العسكرية بالتعاون مع الحوثيين، الذين استغلوا هذه التوجيهات للسيطرة على المعسكرات ومصادرة الأسلحة. وفي تصريح هاتفي لـ(بي بي سي)، أكّد القيادي الحوثي علي القحوم أنّ اللواء محمد ناصر أحمد، وزير الدفاع اليمني، أمر وحدات عسكرية، بالتعاون مع الحوثيين، بملاحقة عناصر تنظيم القاعدة. وظهر ذلك بوضوح في الاشتباكات الأخيرة بين تنظيم القاعدة والحوثيين في مدينة رداع. ومن المهم الإشارة إلى أنّ محاربة تنظيم القاعدة لا تستدعي تسليم المعسكرات والأسلحة للحوثيين. في مثل هذه الظروف، كان ينبغي على وزارة الدفاع أن تقيل القادة العسكريين الذين فشلوا في مجابهة تنظيم القاعدة، وأن تعيد تأهيل القوات، وتشنّ حملات عسكرية للقضاء على أعضاء التنظيم بواسطة وحدات الجيش والأمن. 

مع تقدُّم الحوثيين نحو صنعاء، أمر وزير الدفاع أيضًا بحياد القوات المسلحة، وقال: "نودّ التأكيد على أنّ القوات المسلحة تسير من نجاح إلى نجاح، وأنها اليوم محايدة وتقف على مسافة واحدة من الجميع". إذ قام بتقديم تفسيرات مضللة للنص الدستوري، الذي يبيّن عدم تسخير القوات المسلحة لحزب أو فرد أو قبيلة أو طائفة من أجل ضمان حيادها وقيامها بمهامها الوطنية على الوجه الأمثل، على الرغم من أنّ هذا النص يرتبط بالخلافات المدنية، وليس النزاع المسلح على السلطة وحيازة القوة؛ كون الدستور اليمني يحظر صراحةً إنشاء أيّ تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية تتبع أشخاصًا أو أحزابًا أو هيئات.

أخذت الأمور منحنى تصاعديًّا خطيرًا بعد اغتيال اللواء القشيبي، الذي رفض تسليم محافظة عمران لجماعة الحوثيين، بعد سقوط مؤسسات الدولة ومعسكراتها في محافظة عمران. وبدا أنّ اللواء الركن أحمد منح موافقته على وقوع هذه المناطق تحت سيطرة جماعة الحوثي المسلحة، بدليل ظهوره في صورة ليست للنسيان، مع "أبو علي الحاكم" في مديرية همدان المجاورة لصنعاء، عقب الاشتباكات في عمران والجوف، والاستحواذ على ممتلكات الدولة. وهيمنَت الجماعة على المديريات المحيطة بصنعاء وتوسعت باتجاه المدينة.

تعددت الروايات حول حقيقة تسليم المعسكرات ومؤسسات الدولة إلى يد جماعة الحوثيين، لكن الثابت أنّ مسؤولية الدفاع عن هذه المؤسسات تقع على عاتق القوات المسلحة، ويتحمل وزير الدفاع حملًا وازنًا نتيجة انهيار المؤسسات وتسليم الممتلكات.

وفرضت جماعة الحوثي المسلحة حصارًا على العاصمة صنعاء بواسطة التجمهر المسلح في مداخل المدينة ومخارجها، بذريعة إسقاط "الجرعة". كان من واجب اللواء الركن أحمد استشعارُ المخاطر المحتملة، كاقتحام الحوثيين لصنعاء، وتفعيل الألوية العسكرية المجهزة تجهيزًا جيدًا للحفاظ على الدولة، وتعبئة الوحدات والتشكيلات الأخرى عند الضرورة. وكان ينبغي أن يشارك في تنسيق عمليات دفاعية لفك حصار صنعاء وردع المتمردين الحوثيين، والمشاركة في ضمان استتباب الأمن في العاصمة. 

على العكس من ذلك، احتلّ الحوثيون مواقع حيوية مختلفة تخضع لسيطرة القوات المسلحة والأمن في صنعاء، وليس فقط تلك التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين، كما كان يروّج له الحوثيون كذبًا، كالفرقة الأولى مدرع، حيث تمكّنوا من إسقاط مقرات؛ كقيادة الفرقة السادسة، والشرطة العسكرية، ومعسكر الخرافي، والكلية الحربية، ومطار صنعاء، وقيادة اللواء الرابع للحرس الرئاسي، ومعسكر الصيانة، ووزارة الداخلية، والقيادة العليا للقوات المسلحة، ودائرة التوجيه المعنوي التي يبث التلفزيون الحكومي برامجه منها، حيث سلّم أفرادُ الحراسة المبانيَ دون مقاومة. إضافة إلى سيطرتهم على البنك المركزي والبرلمان والهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد ومقر وزارة الدفاع. وبحسب المشاهدات الشخصية، فقد تم تسليم مخازن الأسلحة الخاصة بوزارة الدفاع في نُقم والحفاء وعطّان، وغيرها من المناطق الجبلية التي كانت مخازن للأسلحة الثقيلة، بما فيها الصواريخ.

تعدّدت الروايات حول حقيقة تسليم المعسكرات ومؤسسات الدولة إلى يد جماعة الحوثيين، لكن الثابت أنّ مسؤولية الدفاع عن هذه المؤسسات تقع على عاتق القوات المسلحة، ويتحمّل وزير الدفاع حملًا وازنًا نتيجة انهيار المؤسسات وتسليم الممتلكات العامة لجماعة الحوثي المسلحة. وعلى مدى عقدين من الزمن، نادى حراكٌ سياسيّ وشعبيّ بتسليم سلاح الميليشيات الموازي لسلاح الدولة، غير أنّ الأمر انتهى بتسليم سلاح الدولة لهذه الجماعات الفئوية والأصولية، وتساقطت المؤسسات الواحدة تلو الأخرى في الشمال والجنوب.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English