حملة تشويه المانجو اليمني: ما حقيقتها؟

كساد المنتج سببه الوفرة وضعف القدرة الشرائية للمواطنين
يحيى الضبيبي
May 6, 2024

حملة تشويه المانجو اليمني: ما حقيقتها؟

كساد المنتج سببه الوفرة وضعف القدرة الشرائية للمواطنين
يحيى الضبيبي
May 6, 2024
.

يقف محمد قشية، مزارع بمديرية باجل بمحافظة الحديدة، ساعات كثيرة أمام مزرعته مكلوما، على وجهه ملامح اليأس بألم الخيبة التي خلفتها حملة تشويه روجت لها بعض مواقع التواصل الاجتماعي حول إصابة ثمار المانجو اليمني بالديدان بسبب استخدام المزارعين للمبيدات الحشرية بشكل مفرط. 

يقول قشية لـ خيوط: "تكبدت خسارة تزيد عن عشرة ملايين ريال، وهي الخسارة الأولية لفارق سعر بيع المانجو، حتى الآن، منذ بداية هذه الحملة الظالمة التي لم تكن في الحسبان، والتي لا أساس لها من الصحة،" مشيرًا إلى تراجع أسعار المانجو بدرجة كبيرة. فقد كانت سلة التيمور تباع قبل الحملة بنحو 15 ألف ريال، ووصلت بعدها إلى 2000 ريال.. فيما يؤكد أن الحال وصل ببعض المزارعين في بعض الأيام إلى رمي بعض الأصناف على جانبي الطريق بسبب عزوف التجار والمصدرين والمستهلكين عن شرائها. 

كما يؤكد التزامهم بصفتهم مزارعين بكافة الإرشادات الزراعية حرصا على جودة المنتج باعتباره السلعة التي يعيشون على خيرها وعائدها، ولا يمكن تقديمه مغشوشا للأسواق والمستهلكين.

أثيرت في الأيام الماضية قضية إصابة ثمار المانجو اليمني بالديدان، روجت لها بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي عزت ذلك إلى استخدام المزارعين للمبيدات الحشرية بشكل مفرط، تزامن ذلك مع حملة مماثلة حول تهريب المبيدات الممنوعة إلى اليمن. 

جهات زراعية تصف الحملة "بالمغرضة"، تهدف إلى تدمير الاقتصاد الوطني وزعزعة الثقة في الكفاءة التسويقية لدى المزارع، فيما اعتبر الكثير من المستهلكين والخبراء ظهور مثل هذه الإشكاليات نتيجة طبيعية لإهمال الجهات المعنية وسوء إداراتها وعدم إدراك المخاطر وإدارتها منذ مرحلة مبكرة

انتشرت هذه الحملة بسرعة هائلة لتقض مضجع مئات المزارعين أصحاب الأحلام الخضراء، الذين لم يجدوا سوى جحيم الديون وعذاب الخسائر المتراكمة، فقد ترتب على هذه الحملة كساد المنتج في الأسواق المحلية، و ‏تراجع الطلب على المانجو اليمني من قبل الدول المجاورة التي تستورد كميات عالية من هذه الفاكهة المشهورة بجودتها وتميزها.

قشية كغيره من المزارعين لفاكهة المانجو الذين يمرون بأزمة اقتصادية حادة بسبب تدني الأسعار وكساد الموسم وعدم تصريف الإنتاج بالتزامن مع الحملة الأخيرة التي ترتب عليها أن العائد لم يعد يغطي تكاليف الإنتاج.

حسن قاضي، مزارع مانجو من منطقة "المراوعة" بمحافظة الحديدة، يوضح لـ خيوط أن أسعار المانجو، رغم أنها كانت زهيدة مع بداية الموسم، كانت مقبولة، حتى أشيعت هذه الحملة التي كان لها الأثر الكبير في انخفاض غير طبيعي للأسعار، وعزوف جماعي عن الشراء، إضافة إلى أن المزارع بحسب قاضي لم يعد يشغله سوى كيفية إيجاد تكاليف الإنتاج وأجور العمال، ولم يعد يفكر بالربح، محذرا من أن هذا الوضع قد يدفع بالمزارعين إلى العزوف عن الإنتاج في المواسم القادمة.

أعباء إضافية

استطلعت خيوط آراء الجهات المعنية والمستهلكين والمصدرين والمزارعين للكشف عن حقيقة الادعاءات التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي حول المانجو وانتشار "الديدان داخل الثمار،" ومعرفة دوافعها وآثارها، والأسباب الحقيقية وراء ركود محصول المانجو لهذا الموسم الذي يعد من أوفر المواسم بهذه الفاكهة.

أحمد درويش، مزارع مانجو في المنطقة الواقعة بين "باجل والكدن" بمحافظة الحديدة التي تستحوذ على النسبة الأكبر من إنتاج المانجو في اليمن، يقول لـ خيوط: "تفاجأنا بهذه الحملة التي أضافت أعباء إضافية إلى ما نعانيه، فالمزارع يحتاج إلى أربع سنوات في الاعتناء بشجرة المانجو حتى يستطيع الحصول على الثمار وبيعها في السوق، وتتطلب إنفاق مبالغ باهظة عليها عند سقيها أو أثناء استخدام الأسمدة والمبيدات."

ويضيف: "مع ظهور الثمرة نواجه استغلال التجار والدلالين للمزارعين حتى في الأوضاع العادية، وخصوصا في هذا العام، حتى من قبل حملة التشويه، ثم جاءت أخيرا هذه الحملة التي دمرت كل أحلامنا، وكانت ضربة قاصمة في قلوب كل المزارعين." يشاطره الرأي المزارع علي بن علي الفتيني الذي أكد من جانبه أن هذه الحملة ترتبت عليها نكبة كبيرة لحقت بالمزارعين، مطالبًا الجهات المعنية بمتابعة وملاحقة من يقوم بإشاعة مثل هذه الحملات دون الاستناد إلى دلائل، الحملات التي تضر بمصالح فئة كبيرة في المجتمع، والأهم من ذلك تضر بالاقتصاد الوطني وتسيء لسمعة هذا المنتج.

ويقول المزارع عادل فرج من منطقة الجراحي: "التاجر الذي يشتري ثمار المانجو يعمل على فحصها جيداً، وإذا ما وجد المزارع أي ثمار تعرضت للحشرة فإنه يعمل على إزالتها وإبعادها حتى لا تؤثر على بقية المحصول".. مؤكداً أن مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن وجود ديدان على بعض ثمار المانجو مبالغ فيها بشكل كبير.

حملة موجهة

اتهم مسؤولو وزارة الزراعة والري بصنعاء في تصريحاتهم لـ خيوط، جهات وصفوها "بالمغرضة" تهدف إلى تدمير الاقتصاد الوطني وزعزعة الثقة في الكفاءة التسويقية لدى المزارع، فيما اعتبر الكثير من المستهلكين والخبراء ظهور مثل هذه الإشكاليات نتيجة طبيعية لإهمال الجهات المعنية وسوء إداراتها وعدم إدراك المخاطر وإدارتها منذ مرحلة مبكرة.

مدير إدارة الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة، المهندس حفظ الله القرضي، يقول في هذا الصدد لـ خيوط إن الحملة التي استهدفت هذه الفاكهة، حتى وإن كانت بدايتها عفوية بقصد أو دون قصد، تحولت لحملة منظمة هدفت إلى ضرب الإنتاج لسلعة حيوية في آخر مرحلة لها، وهي مرحلة التسويق، وأحدثت أثرها في التشويه بهذا المنتج، مضيفا أن هذا هو العام الأول الذي وصلت فيه اليمن إلى مرحلة الامتياز في الإنتاج بجودة عالية.

وفيما يتعلق بحشرة ذبابة الفاكهة التي تصيب فاكهة المانجو وغيرها من الفواكه، يؤكد القرضي أن هذا العام 2024 لم تتجاوز نسبة الإصابات في فاكهة المانجو 5% مقارنة بنحو 25% في العام الماضي 2023، وهي حشرة عابرة للحدود، وتتواجد في كل دول العالم، على حد قوله.

كانت وزارة الزراعة والري التابعة لسلطة صنعاء قد بادرت بإصدار بيان نفت فيه صحة ما تتداوله بعض مواقع التواصل الاجتماعي من شائعات حول المانجو، مؤكدًة أن تلك الشائعات لا أساس لها من الصحة، وإنما تسعى لاستهداف المنتج المحلي والتقليل من جودته والتأثير على سمعة صادرات المانجو اليمني.

عضو الفريق الإرشادي، المهندس صالح العماد نائب مدير عام الإعلام والإرشاد الزراعي، الذي نفذ ضمن فريق مكلف من قبل وزارة الزراعة والري، استطلاع ميداني للتأكد من وجود دودة بفاكهة المانجو، يؤكد من جهته لـ خيوط أن الشائعات لا أساس لها من الصحة، وأنها تندرج ضمن حملة موجهة هدفها الإساءة لهذا المنتج الزراعي الوطني.

وعلى الرغم من اقتصار هذه الزيارات لأسواق محدودة في أمانة العاصمة صنعاء، وتحديدًا سوق ذهبان، فإن الوزارة وجدت نفسها في فوهة الاتهامات بالتقصير استنفرت معه كوادرها ميدانيًا ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي لخلق حملة مضادة وتحسين صورتها التي ساءت أمام المستهلك. إلا أنها كانت أضعف من الحملة العفوية التي قادها المواطنون للدفاع عن المنتج، والنزول الميداني إلى الأسواق وتصوير الفاكهة وتناولها أمام الكاميرات. 

كما نشر وغرد العشرات من النشطاء تحت وسم (نازل اشتري سلة مانجو) منتقدين هذه الحملة التي تشوه هذا المنتج الوطني. 

وفي حديث عن الحملة التي استهدفت ثمار المانجو في مواقع التواصل الاجتماعي يقول خبير التحقق وتدقيق المعلومات فاروق مقبل الكمالي لـ خيوط: "الإشاعات ليست مصادفة، وإنما عمل ممنهج تنطلق لهدف في الوقت والزمن المناسبين، والحملة التي استهدفت المانجو اليمني أُطلقت في وقت كانت قضية المبيدات تتصدر الحديث في كل وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي وجه الحديث مباشرة إلى قصة وقضية جديدة كلية، فكان المزارعون وموسم تسويق المانجو الضحية لهذه الحملة الممنهجة."

وفيما ظهرت مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن تأثر الصادرات بهذا المنتج، وانخفاض أسعاره في الدول المجاورة، فإن عددًا من المستثمرين قللوا من أهمية تأثير هذه الحملة على التصدير للخارج، وأكدوا أن تأثيرها المحلي أكبر وفق حديث المستثمر خالد معوضة لـ خيوط.

ويؤكد عدم تأثر التصدير بأي شكل من الأشكال، في ظل وعي المستهلك في البلدان التي تستقبل المانجو اليمني، موضحًا أن الأسعار منخفضة بسبب الوفرة في السوق المحلية، كما أن انخفاض الأسعار مؤخرًا في المملكة العربية السعودية المجاورة كان بسبب ظهور منتج جيزان من فاكهة المانجو وهو منتج منافس أيضًا ويظهر عادة في أبريل ومايو ويونيو، على نهاية موسم إنتاج اليمن الذي بدأ في شهر يناير.

إضافة إلى أن الكثير من الدول لديها آليات حديثة للكشف عن "الأثر المتبقي،" كما هو الحال في دبي وسلطنة عمان، في حين أن الأردن يعملون على الكشف من خلال التعقيم الحراري "التبخر،" وكل الدول تدرك أن المنتج اليمني طبيعي عضوي لا توجد فيه مبيدات ولهذا يمتاز بجودة منافسة في السوق العربية، وبمذاق خاص.

حشرة ذبابة الفاكهة تتطفل على المانجو

الحشرات وذبابة الفاكهة 

ذبابة الفاكهة هي إحدى الحشرات ثنائية الأجنحة، وهي واحدة من الآفات الزراعية. فهي تتطفل على أشجار الفواكه، وتسبّب لها الكثير من الأضرار، وبالتالي تضعف من إنتاجيتها، كما أن أنثى هذه الذبابة تقوم بوضع بيوضها داخل حفرة موجودة تحت قشرة ثمرة الفاكهة، وعندما يفقس هذا البيض تخرج اليرقات ذات اللون الأبيض المصفر، وتتغذّى على لبّ الفاكهة، وبالتالي تضعف الفاكهة وتسقط عن أمها، وعندما تكبر هذه اليرقات بعض الشيء وتدخل طور العذراء، تخرج من الثمرة وتدخل في التربة على بعد ثلاث سنتمترات من سطح التربة، ولكن عمق تواجد العذراء يعتمد على نوع التربة ورطوبتها. 

وتشير المراجع العلمية إلى أن تأثير ذبابة الفاكهة على إنتاجية المحاصيل يأتي في اتجاهين، الأول ناتج عن فساد الثمار وعدم صلاحيتها للاستهلاك بسبب التغذية الكاملة على لب الثمار وتواجد اليرقات بها وتكون الإعفان والأمراض وهذا يؤدي إلى فقد حوالي (30 %) من الإنتاج، والثاني إحداث إضرار ثانوية تقلل من القيمة التسويقية للثمار، وهذه تقدر بحوالي (5%).

على الرغم من سجالات حملة التشويه والحملة المضادة، فإن مشكلة وجود حشرة الفاكهة في ثمار المانجو لهذا الموسم واقعية، وهي إحدى المعضلات التي تواجه هذه الفاكهة وغيرها من الفواكه والمحاصيل الزراعية. إلا أن الحديث عن وجودها أخذ طابعاً مبالغاً فيه ترتب عليه آثار سلبية على المزارعين وعلى الإقبال على شراء المنتج بشكل عام.

أكد هذا الأمر بيان لجمعية المهندسين الزراعيين اليمنيين اعتبر أن الحملة جاءت في ظروف صعبة تواجهها اليمن، استهدفت تشويه هذا المنتج الوطني، ولا صحة لوجود علاقة بين استخدام المبيدات الحشرية وظهور الديدان في ثمار المانجو، مؤكدًا أن نسبة الإصابة بالديدان قليلة جداً ولا تمثل ظاهرة عامة.

وبحسب البيان، يعود سبب الإصابة بالديدان إلى ممارسات زراعية غير سليمة، مثل عدم تغطية الثمار بشبكات واقية لمنع هجوم ذبابة البحر المتوسط البيضاء، التي تضع بيضها على الثمار لتفقس لاحقاً على شكل يرقات (ديدان،) أو التخزين غير الملائم، إذ إن ظروف التخزين غير المناسبة قد تسبب في فساد الثمار وجذب الحشرات الضارة.. لافتاً إلى أنه يُمكن تمييز الثمار المصابة بالديدان بسهولة من خلال وجود ثقوب سوداء عليها.

الأمر ذاته أكده المهندس علي محرز، رئيس قسم تجارب المبيدات بالإدارة العامة لوقاية النبات بوزارة الزراعة والري بصنعاء، الذي قال في تصريح لـ خيوط: إن ما تم الترويج له بخصوص وجود ديدان في ثمار المانجو اليمني ناتج عن استخدام المزارعين للمبيدات الحشرية بشكل مفرط أمر غير منطقي، لأن سبب الدودة هي التقصير في الرش وليس العكس، لافتًا إلى أن عملية الإرشاد الزراعي للمزارعين بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لكن لا بد من وجود أخطاء وهي محدودة، وغالبًا ما يكون سببها الجهل من المزارع حول سبل المكافحة، فضلًا عن الانتشار والتوسع الكبير في زراعة المانجو.

وتطرق إلى ما ترتب على هذه الحملة من خسائر على المزارعين في ظل عزوف المستهلك عن الشراء وكساد المنتج في الأسواق، على الرغم من أن وجود الديدان على الثمار لا يوجد له أي مخاطر على المستهلك، كما أن وجود الديدان دليل على خلو الثمار من المبيدات الحشرية، مشيرًا إلى كميات المبيدات المستخدمة للمانجو قليلة جدًا مقارنة بغيرنا من دول العالم.

مانجو "التيمور" اليمني الشهير

كما يبين أنه تم بشكل مسبق تنبيه المزارعين، وتذكيرهم بموسم العام الماضي الذي شهد حالة فوران لحشرة ذبابة الفاكهة، ووصول الشكاوى إلى الجهات المعنية في آخر الموسم، الأمر الذي يعجزون أمامه في تقديم الحلول المناسبة، ولهذا السبب تم إرشاد المزارعين بنشرة استباقية تشمل آليات مكافحة ذبابة الفاكهة، والمبيدات التي يجب استخدامها في الرش، وغيرها من الإرشادات.

خلال العام 1992، ظهرت ذبابة الفاكهة على محصول المانجو في اليمن، وخلال العام 2022، ظهر أول فوران لذبابة الفاكهة على محاصيل التفاح والمانجو والجوافة والخوخ، بينما يوضح محرز أن عوائل هذه الحشرة النباتية تبلغ حوالي 80 عائلاً نباتيًا أهمها المانجو والجوافة والخوخ والبلس والحمضيات، وغيرها، وتطير باليوم من 80-100 كيلومتر، وتقوم الذبابة من خلال مؤخرتها المدببة بوضع من 7 إلى20 بيضة داخل الثمرة الناضجة اللينة يفقس البيض خلال 5 إلى 7 أيام مخلفًا الديدان.

كما أن أسباب الانتشار المتوقعة الآن يعود إلى التوسع الكبير في زراعة المانجو في اليمن، وجهل المزارع حول سبل المكافحة وارتفاع حرارة الأرض والاستخدام العشوائي والمكثف للمبيدات لأن الاستخدام العشوائي للمبيدات قد يقتل الحشرات النافعة في البيئة الزراعية وهذا بدوره يحدث خلل في التوازن فتثور آفات وتتحول إلى وباء، إضافة إلى أن مكافحة هذه الدودة، وفق محرز، يجب أن يكون قبل الحصاد (30-40 يومًا) من خلال جمع الثمار المصابة والمتساقطة والتخلص منها لمنع المزيد من التكاثر وترحيل الآفة.

ويقول الدكتور علي القاسمي أستاذ الفاكهة المساعد بكلية الزراعة بجامعة صنعاء لـ خيوط: "فصل الصيف تكثر فيه الفواكه، المانجو والمشمش والحبحب وغيرها، لأن درجة حرارة الصيف تساعد على نضج هذه الثمار، وبالتالي تكون متوفرة في السوق بشكل كبير، ومن الطبيعي أن نجد بعض الثمار مصابة وبداخلها ديدان وهذه ليست في اليمن فقط، بل إنها منتشرة في كل دول العالم، وفصل الصيف ملائم لتكاثر الحشرات ومنها حشرة ذبابة الفاكهة."

وحول تأثير هذه الدودة أو الحشرة على صحة الإنسان، يضيف القاسمي: "إذا حدث بالخطأ تناول هذه الثمار المصابة بالديدان من قبل بعض الناس الذين لا يميزون بين المصابة والسلمية من الثمار، فإنه يوجد بداخل المعدة أنزيمات هاضمة وحمض الهيدروكلوريك، التي لها القدرة على قتل الديدان وتحللها، ويمكن أن يستفيد منها الجسم، كون هذه الديدان بروتينات، فيما قد يحدث لمن لديه مناعة ضعيفة مغص أو إسهال."

التخلص من هذه الحشرة يجب أن يكون من خلال رش الأشجار قبل نضج ثمارها بالمبيدات المخصصة لذبابة الفاكهة للتخلص منها، إذ يرجع الدكتور القاسمي كساد المانجو في الأسواق اليمنية إلى أسباب متعددة منها، عدم القدرة على التسويق إلى الخارج، إلى جانب ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن بسبب انخفاض السيولة المالية نتيجة لعدم توفر الرواتب وقلة الدخل، فضلاً عن أن هذه الفاكهة تعتبر من الكماليات فيما تبحث الناس على الأساسيات والضروريات لسد حاجاتهم الغذائية.

المانجو من المنتجات التصديرية الرئيسية لليمن، فهي تساهم في تنشيط العمل في التجارة للمصدرين، وتشتهر في الأسواق العالمية بجودتها ومذاقها المميز، في حين يعتبر التيمور اليمني من أحد أشهر الأصناف المعروفة عالميًا، وكذلك قلب الثور الذي يلاقي رواجا كبيرا في العديد من دول العالم

بحسب خبراء ومتعاملين في الأسواق، فإن كساد منتج المانجو يأتي ضمن خمول غير معهود في النشاط التجاري بشكل عام ناتج عن الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ نحو تسع سنوات، فهناك تقارير اقتصادية تؤكد أن استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، وانخفاض القدرة الشرائية للأسر، وتقلص فرص العمل، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، كلها عوامل تُسهم في تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي. ويضاف إلى ما سبق إشكالية إغلاق منفذ حرض البري الذي كان يعتمد عليه المزارعون والتجار في التصدير. وهذا الأخير يعتبر من الأسباب الرئيسة في أزمة تسويق وكساد المانجو.

ويشير القاسمي إلى أن من الأسباب أيضًا أن زراعة المانجو في اليمن زادت بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، إلى جانب اتجاه المزارعين ممن كان لديهم أصناف أخرى إلى صنف التيمور بالذات، مضيفا: "قمت بتنبيه الكثير من المزارعين الذين أنشؤوا مزارع جديدة للتيمور منذ نحو عشر سنوات إلى أن هذا الصنف سينخفض سعره نتيجة للتوسع الكبير في زراعته، وأن عليهم الاحتفاظ بتنوع الأصناف، لكن المزارعين لم يستجيبوا لذلك."

من مزارع المانجو في اليمن

وفرة وفائض في الإنتاج

وتشتهر العديد من المحافظات اليمنية بزراعة أنواع مختلفة وعديدة من المانجو الذي يواصل تدفقه هذه الأيام إلى الأسواق المحلية بكميات وفيرة وأسعار زهيدة، إذ تتفاوت إنتاجية أشجار المانجو للثمار بين عشرين وسبعين كيلو غراما للشجرة الصغيرة التي يتراوح عمرها بين ثلاث وأربع سنوات، فيما يُقدر متوسط إنتاجية الشجرة التي يتراوح عمرها بين عشرة أعوام وأربعين عاماً بثمانين إلى تسعين كيلو غراما.

وبلغ إنتاج اليمن من المانجو بحسب بيانات الإحصاء الزراعي السنوي لعام 2021 نحو 401 ألف و758 طنًا، في مساحة 26 ألف و368 هكتارًا، في حين تصل الكميات المصدرة إلى نحو 90 ألف طن. وتُقدر تقارير رسمية يمنية عدد أشجار المانجو المزروعة في اليمن بحوالي 2 مليون و17 ألف شجرة.  

ويؤكد المهندس علي أحمد الهارب نائب مدير التسويق والتجارة بوزارة الزراعة والري بصنعاء لـ خيوط، أن المانجو اليمني يحظى بسمعة عالمية عالية، ويُعتبر من أجود أنواع المانجو في العالم، فهو يتميز بنكهته الفريدة وجودته العالية ومذاقة الراقي.

ويشير الهارب إلى أن المانجو من المنتجات التصديرية الرئيسة لليمن، ذلك أن هذه الفاكهة تساهم في تنشيط العمل في التجارة للمصدرين، وتشتهر في الأسواق العالمية بجودتها ومذاقها المميز، في حين يعتبر التيمور اليمني من أحد أشهر الأصناف المعروفة عالميًا، وكذلك قلب الثور الذي يلاقي رواجا كبيرا في العديد من دول العالم.

ويدعو خبراء الاقتصاد إلى أهمية استغلال الإنتاج الفائض من ثمار المانجو على الوجه الأكمل من خلال إنشاء مصانع خاصة لتعليب الثمار، وللعصائر المعلبة أو لتعليب لب المانجو، وبناء معامل خاصة لهذا الغرض، والتي ستسهم في تشغيل أياد عاملة من أفراد المجتمع، خصوصا في المناطق الريفية من البلاد، إلى جانب الاهتمام بالإرشاد التسويقي.

الجدير بالذكر أن المانجو هي شجرة مستديمة الخضرة موطنها الأصلي الهند، وتتبع العائلة الأناكاردية، وتزرع على نطاق واسع في المناطق الاستوائية وشبة الاستوائية من العالم، وتعتبر الهند وجنوب أفريقيا أكثر دول العالم إنتاجًا لها، وتنتشر زراعتها في الوطن العربي في مصر والسودان وعمان والإمارات العربية واليمن.

ويؤكد الباحث نجيب سلام في دراسته "دراسات فسيولوجية ومرضية على مرض الموت التراجعي على أشجار المانجو وطرق مكافحته، 2010،" أن زراعة المانجو أدخلت في اليمن منذ منتصف القرن التاسع عشر من الهند ومصر وبعض دول شرق أفريقيا، وبدأت زراعة أشجار المانجو سنة 1844 في قصر سلطان لحج وبستان السيركال في مدينة الحوطة، وظلت زراعة المانجو في مساحات محدودة في محافظات لحج، أبين، والحديدة، لا تتعدى عشرات الهكتارات، وتزرع للاستهلاك المحلي في المحافظات. ومنذ سبعينيات القرن الماضي أولت الدولة اليمنية اهتمامًا بهذا المحصول ضمن برامج خطط التنمية الزراعية بإدخال أصناف جديدة وأقلمتها وتحسين الإنتاج كمًا ونوعًا وإجراء التجارب البحثية في محطات البحوث الزراعية المنتشرة في الجمهورية.

•••
يحيى الضبيبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English