اليمن في معمعة صراعٍ دوليّ على البحر الأحمر

قحطان: "الغرق في وحل الانقسام، ضاعَفَ تدهور العملة ومستويات الفقر"
خيوط
February 17, 2024

اليمن في معمعة صراعٍ دوليّ على البحر الأحمر

قحطان: "الغرق في وحل الانقسام، ضاعَفَ تدهور العملة ومستويات الفقر"
خيوط
February 17, 2024
.

تستحوذ الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر وباب المندب، على اهتمامات اليمنيين وجميع دول العالم، يأتي ذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه حدة الأزمات الاقتصادية في اليمن بعد أن عاودت العملة المحلية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، تدهورَها المتسارع، حيث تشهد اضطرابًا متواصلًا، مُلقيةً بأعباء وتبعات كارثيةٍ تطال الاقتصاد الوطني ومختلف جوانب الحياة المعيشية؛ الأمر الذي دفع غرفة عدن التجارية والصناعية مناشدة دولتَي التحالف العربي؛ المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، بالتدخل لدعم الاقتصاد والعملة وإيقاف تدهورها.

وفي الوقت الذي يعيش فيه اليمن على وقع تصاعد الأحداث في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، قفز سعر صرف الريال في عدن ومناطق إدارة الحكومة المعترف بها دوليًّا -التي شهدت تغييرًا في رئاستها بعد تعيين وزير الخارجية والمغتربين أحمد بن مبارك ليخلف معين عبدالملك- ليتجاوز نحو 1600 ريال مقابل الدولار الأمريكي، في حين يستمر دون حركة في مناطق أنصار الله (الحوثيين) عند 553 ريالًا للدولار الواحد.

الخبير الاقتصاد محمد علي قحطان- أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز

في هذا الجانب، تحاول "خيوط" في هذا الحوار مع الخبير الاقتصاد محمد علي قحطان- أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، تقديمَ قراءة مكثفة لكل هذه الأحداث المتصاعدة في الممرات المائية اليمنية، والأزمات المتفاقمة، وسبب الاضطراب المتواصل للعملة وعدم استقرارها، وما تُلقيه من أعباء على معيشة المواطنين المتدهورة، وفشل مختلف الحلول لكبح جماح سعر الصرف، ومقاربة الأحداث في الممرات المائية وتأثيرها على ما يجري في الداخل اليمني.

نريد أن نبدأ مما يجري في ممرات اليمن المائية، التي لا يمكن إغفالُها باعتبارها حديث الساعة. كما تعلم، هناك جدل واسع حول ما يجري من أحداث متصاعدة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن؛ ما هي قراءتك لما يجري؟

بالطبع، إن ما يجري يتصدر اهتمام جميع دول العالم، هناك تأثيرات عديدة على الأسواق والتجارة العالمية؛ أهمها ارتفاعُ تكلفة التأمين على النقل البحري عبر باب المندب، لكني أرى، من وجهة نظري، أن ما يجري بمثابة إعطاء المبررات لتكثيف الوجود العسكري للدول الاستعمارية المنتشرة في البحر الأحمر، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إعاقة التمدد التجاري والاستثماري العالمي الذي تقوده الصين من خلال مشروعها العملاق (الحزام والطريق)، الذي تعمل على تنفيذه منذ العام 2003، حيث يستهدف هذا الطريق ربط الاقتصاد العالمي بشبكة طرق برية ومائية بالاقتصاد الصيني، وإنهاء الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.

كما يمكن للدول الاستعمارية بقيادة أمريكا، توظيفُ ما تقوم به القوات التابعة للحوثيين بتنفيذ مخططاتها الرامية لتهميش مضيق باب المندب من خلال توجيه حركة النقل التجاري البحري لطرق بديلة تكون تحت سيطرتها، مثل مشروع الطريق الرابط بين دول آسيا وأوروبا عبر البحر المتوسط (طريق الهند – أوروبا) وإعادة تفعيل طريق رأس الرجاء الصالح، ويأتي ذلك بسبب توجه دول منطقة الخليج العربي، وبخاصة السعودية نحو الشرق من خلال التعاون الثنائي مع الصين وروسيا، وانضمامها هي ودول أخرى في المنطقة لمنظمة دول (البريكس)؛ الأمر الذي من شأنه تفكيك الهيمنة الأمريكية على دول الخليج، وإضعاف قدرتها على استغلال ثروات هذه المنطقة.

التبعات على اليمن

كيف تقرّب لنا أكثر صورةَ ما يجري على المستوى الداخلي، وتأثير تبعات ذلك على اليمن؟

لا يخفى على أحد أنّ أكثر المتضررين من الأحداث المتصاعدة في الممرات المائية، هم اليمنيون، إذ إنّ اليمن تمر بظروف صعبة للغاية؛ بسبب الحرب القائمة وآثارها المدمرة على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، والأعمال التي يقومون بها لن يكون ضحيتها سوى الشعب اليمني، من خلال المزيد من صعوبة الاستيراد، وهي الدولة التي تعتبر دولة استهلاكية، إذ تعتمد بدرجة رئيسية على ما يصلها من الواردات من الأسواق الخارجية، وفي حالة التضييق على حركة المرور الدولية عبر باب المندب، سيحصل مزيدٌ من انهيار وضع التجارة الخارجية لليمن، ومن ثَمّ مزيد من التدهور الاقتصادي والإنساني. ويمكن إطالة فترة الحرب مع معوقات جديدة في مجال التجارة الدولية بين اليمن والعالم الخارجي، وتبديد أمل وضعِ نهايةٍ للحرب وتحقيق السلام وعودة الحياة الطبيعية لسكان هذه الدولة الفقيرة والمنهارة؛ بما يعني المزيد من التدهور والأزمات القائمة.

يعتبر الانقسام أهم أسباب تفاقم الأزمات الاقتصادية من نواحٍ عدة، حيث تعاني اليمن من انقسام الدولة اليمنية بين سلطتين؛ إحداهما مركزها صنعاء، والأخرى عدن، بسبب الحرب والصراع القائم منذ عام 2015، حيث خلّف ذلك آثارًا بالغة على مختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

بشكل عام أرى أنّ هناك تبعات وتأثيرات قد تطال اليمن جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة في فلسطين، حيث إنّ تمددها كما هو حاصل مؤخرًا سيكون كارثيًّا على اليمن. إذ ستتراجع المساعدات الإنسانية أكثر، ويمكن أن ترتفع أسعار المشتقات النفطية، وكذا السلع الغذائية التي سيكون لها بالغ الأثر على الجانب الغذائي، ولذا من المتوقع أن يزداد أعداد من يحتاجون للمساعدات الإنسانية. إذ يُقدّر عدد من يعجزون عن تلبية حاجاتهم الغذائية حاليًّا، بأكثر من 18 مليون نسمة، ويمكن أن يرتفع هذا العدد بصورة كبيرة جدًّا، ومِن ثَمّ فإنّ اليمن ستكون قد اجتاحتها أزمة مجاعة طاحنة.

وكل ذلك يحتم على القوى السياسية اليمنية، سواء القابضون على سلطة عدن أو القابضون على سلطة صنعاء، إلى الإسراع في وضع نهاية للحرب، وتحقيق السلام، والتوجه الجادّ لمواجهة الانقسام السياسي والاقتصادي لمواجهة الوضع القائم وما هو متوقع حدوثه.

العملة والانقسام والأزمات

يمرّ اليمن بأزمات اقتصادية عديدة وتتفاقم من وقت لآخر، هذا الأمر ترك تبعات جسيمة على معيشة وحياة اليمنيين، برأيك ما أهم أسباب ذلك؟

طبعًا يُعدّ الانقسام أهم أسباب ذلك من نواحٍ عدة؛ حيث تعاني اليمن من انقسام الدولة اليمنية بين سلطتين؛ إحداهما مركزها صنعاء، والأخرى عدن، بسبب الحرب والصراع القائم منذ عام 2015، حيث خلّف ذلك آثارًا بالغة على مختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ما أهم الآثار الاقتصادية لذلك؟

أولًا، في الجانب المالي: أدّت الحرب إلى وجود انقسام حادٍّ في الجهاز المالي للدولة، ومِن ثَمّ تعطيل العمل بكافة القوانين المالية الموحدة. حيث صار لسلطة صنعاء نظامٌ ماليّ خاص بها، ويتم تسخير كل موارد الأوعية الإيرادية التي تحت نفوذ سلطة صنعاء لما يخدم المجهود الحربي للقوات التابعة للحوثيين. ومِن ثَمّ فقد امتنعت سلطة صنعاء عن معالجة صرف رواتب الموظفين العاملين تحت سيطرتها، وتعطلت عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي الجانب الآخر؛ مناطق نفوذ سلطة عدن لم تتمكن السلطة الشرعية من إعادة بناء الجهاز المالي بعد انهياره، وسادت الفوضى والفساد في مختلف الأوعية الإيرادية التي تحت نفوذها. 

وكل ذلك قد عمّق الانقسام في الجهاز المالي للدولة، وفقدت كلٌّ مِن صنعاء وعدن القدرةَ على عمل موازنات عامة للدولة؛ الأمر الذي يصعب معه مواجهة التقلبات الاقتصادية من زاوية العمل بأدوات السياسية المالية. وأصبحت الدولة بوجه عام، في عموم اليمن، فاقدة للقدرة المالية للوفاء بالتزاماتها بوصفها سلطات حاكمة.

ثانيًا: في جانب الجهاز المصرفي، أدّى الانقسام إلى وجود بنكين مركزيَّين؛ أحدهما في صنعاء، والآخر في عدن، ومن ثَمّ انقسام الجهاز المصرفي وانقسام العملة الوطنية، وتعددت الدورة النقدية وانهارَ الجهاز المصرفي، ومع هذا الانهيار فقدت الدولة السيطرة على السوق النقدية، واضطربت هذه السوق وانهارت قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى، كما أدّى الانقسام إلى وجود سعرَي صرفٍ للريال اليمني. وأدّى ذلك إلى تعطيل الدورة الاقتصادية؛ إذ إنّ الجهاز المصرفي يعتبر مركزًا لهذه الدورة، وبانهياره تعطلت الدورة الاقتصادية، وتآكل الدخل الأسري، وتعقدت عملية التبادل في الأسواق الداخلية بين مناطق نفوذ صنعاء، ومناطق نفوذ عدن، وانهار الوضع الاقتصادي والإنساني، وأصبحت أوضاع الناس تسير من سيئ إلى أسوأ مع مرور الوقت واستمرار الحرب.

عوائد النفط ورواتب الموظفين

هناك أيضًا صراعٌ تركّزَ مؤخرًا على تصدير النفط وتقاسم العائدات لصرف رواتب الموظفين؛ وذلك بعد استهداف الحوثيين موانئَ التصدير للحكومة المعترف بها دوليًّا، بالطائرات المسيرة نهاية العام 2022، ما أبرز تداعيات ذلك؟

أثّر ذلك بشكل بالغ في ميزان المدفوعات، لذا حدث المزيد من التدهور في وضعية الاقتصاد الوطني، فقد توقفت صادرات النفط والغاز، وقد كانت تشكّل نحو 90% من إجمالي الصادرات اليمنية، ومن ثم استُنزِف كل ما هو متاح من أرصدة للدولة بالعملات الأجنبية، وصارت عاجزة عن تلبية التزاماتها الخارجية، وبالأخص تغطية متطلبات الواردات؛ الأمر الذي أدّى إلى مضاعفات عديدة للوضع الاقتصادي، منها: ارتفاع كبير للعجز في ميزان المدفوعات اليمني، وصعوبة الاستيراد، وارتهان الدولة للمساعدات والمنح الخارجية، وتدهور غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية والإنسانية، وأصبحت اليمن توصف بأسوأ حالة إنسانية على مستوى العالم.

ماذا عن الجانب الاستثماري؟

أدّى الانقسام إلى جمود الاستثمارات المحلية، وتعطيل حركة الاستثمارات الجديدة، وصعوبة عودة الاستثمارات الأجنبية، ومن ثمّ المزيد من الانهيار الاقتصادي وتدهور الوضع المعيشي والإنساني لعموم سكان اليمن. وكل ذلك قد ضاعف من نسب البطالة والفقر لمستويات عالية جدًّا. إذ تراجعت فرص العمل، وكذا الدخول الفردية والأسرية، بصورة حادة.

برأيك، كيف رَمَت المطالباتُ التي أُثيرت مؤخرًا لرفع الرواتب في سلك القضاء، حجَرًا في مياه راكدة لا تزال المطالبات فيها تقتصر على صرف الرواتب المتوقفة منذ سنوات، أو الاضطراب الحاصل فيما يتم صرفه بحسب سلّم الرواتب لما قبل الحرب في العام 2014؟

رفع الرواتب، إذا تحقق في سلك القضاء، سيكون له تداعيات في مؤسسات الدولة الأخرى. إذ سيكون من حق كل الموظفين، صرفُ علاوات وبدلات مماثلة لمواجهة الارتفاع في أسعار السلع والخدمات، وتآكل قيمة الدخل لموظفي الدولة، وغيرهم من أصحاب الدخول المحدودة، وهم الأغلبية الساحقة في المجتمع. وبرأينا أنّ اتباع سياسة لتلبية طلبات جزئية بمضمون رفع الرواتب سيكون لها آثار اقتصادية ومعيشية أسوأ.

إذ ستستمرّ معدلات التضخم بالارتفاع، بما يعني زيادة الاختلال القائم والمزيد من التدهور؛ ولذلك ندعو الحكومة إلى سرعة مواجهة تدهور سعر الصرف باتخاذ جملة من السياسات المالية والنقدية لتعافي الريال اليمني مقابل العملات الأخرى. وهناك إمكانية للسيطرة على تدهور سعر صرف العملة التي سيكون لها انعكاسات إيجابية على مختلف المستويات، ومِن ثَمّ فإن رواتب الموظفين ودخل أصحاب الدخول المحدودة، ستتحسن بنسبة تزيد على 60% عما هي عليه حاليًّا، ومن شأن ذلك تحسين معيشة كل موظفي الدولة وكل المواطنين، وسينعكس ذلك بآثار إيجابية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والخروج من حالة الركود التضخمي الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني. فهل للحكومة آذان صاغية للعمل بهذه الاتجاهات؟! بدلًا من إغراق البلاد في المزيد من المضاعفات الاقتصادية والإنسانية لما تسلكه من طرق غير واقعية تؤدّي إلى المزيد من التدهور.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English