هل سيكون حجّ اليمنيين التالي إلى تل أبيب؟

التاريخ حين يتحدث لغة مختلفة
حسن عبدالوارث
November 28, 2022

هل سيكون حجّ اليمنيين التالي إلى تل أبيب؟

التاريخ حين يتحدث لغة مختلفة
حسن عبدالوارث
November 28, 2022

ذات يوم، ظنَّ الثوارُ اليمنيّون (في أكتوبر جنوبًا، وفي سبتمبر شمالًا) أنّهم يقطعون شوطا بشكل حازم جازم في تشكيل لوحة التاريخ السياسي اليمني الحديث والمعاصر. غير أنّهم كانوا مُخطئين تمامًا.

فقد اعتقد أولئك الثوار (ومعهم محمد محسن عطروش في عدن، ومحمد البصير في صنعاء)، أنّهم دحروا الإنكليز والسلاطين وعملاءهم والإمام وآله وعياله وأذياله... إلى غير رجعة، وبالمطلق.

لكن في مكانٍ خفيّ، من كواليسه المُعتمة، كان التاريخ يتحدث لغةً لا يجيدها -بل لا يحب سماعها- كثيرٌ من البشر، ليس لجهلٍ غالبًا، بل لمُكابرة!

وهذا ما يُحتّم على المرء إذا ما أراد الخوض في الحدث السياسي أو ما يشبهه من أحوال الحياة، أن يُنهي حديثه بعبارة: "إن شاء الله"، أو: "والله أعلم"...؛ فلا يُجزم بأنّ ما يقوله قاعدة علمية مانعة لا تقبل النقض، ولا إرادة ربانيّة قاطعة لا تقبل التأويل!

وكان أستاذ المادية الجدلية والتاريخية في معهد باذيب (ومئات المعاهد مثيله في العالم) يقول كلامًا لا يقبل بعده الرفض ولا النقض ولا حتى الرأي الآخر والجدل، كمثال الزعم باستحالة سقوط الأنظمة السياسية الاشتراكية في أيّة بقعة في العالم وفي أيّة لحظة من الزمن. وأنا أتحدث هنا عن الأنظمة، لا عن الأفكار.

وكنّا مؤمنين بهذا الاعتقاد الراسخ حدّ الإيمان المطلق، حتى إنّنا كنّا نردّد دائمًا ونحن نكرع كؤوس الفودكا، واصفين هذه الخمرة الخارقة بأنّها "نقية نقاء الأفكار الماركسية، وقوية قوة السلطة السوفييتية"، قبل أن نكتشف في وقتٍ لاحق بأنّه حتى الفودكا صارت مشروبًا مغشوشًا ووارد جيبوتي، ومثلها الأنظمة الاشتراكية التي تساقطت كأحجار الشطرنج أو الدومينو في رقعة السياسة الدولية!

أمّا أستاذ التاريخ -في المدرسة أو الجامعة- فكان على الدوام يؤكّد على حتمية اندحار ظاهرة الاحتلال الأجنبي من الواقع اليمني، مُستعرضًا ما حلَّ بصنوف وجنسيّات الاحتلال الأجنبيّ المختلفة من فارسيّ وحبشيّ وبرتغاليّ وتركيّ وبريطانيّ وغيرها كثير، غيرَ أنّ هذا الأستاذ، ونحن مِن ورائه، لم نكن نعتقد يومًا -ولو من باب النكتة السوداء- أنّ اليمنيين سيتحدثون ذات يوم عن احتلالٍ سعودي أو إماراتي!

إنّما الأنكأ -في هذا الموضوع كله- أنّ عددًا من دكاترة المادية الجدلية والتاريخية ومُحاضِري التاريخ والسياسة وعلم الاجتماع والفلسفة، صاروا دكاترة في ماديّة الرِّيال وجدليّة العِقال وتاريخ الارتزاق وفلسفة العمالة، فإذا انبرى أحدٌ للهجوم اللفظي العابر على الرياض أو أبوظبي، احتشدوا له بسهامٍ مسمومة ورماحٍ مثلومة!

لم يكن اليمنيّون يومًا عملاء حقًّا ولا مرتزقة، إنّما اليمنيّ إذا ما سلكَ طريق العمالة ودرجَ في درب الارتزاق، فإنّه يغدو بالغَ الحقارة وشديد النتانة إلى درجة لا يتصوّرها الأخ إبليس شخصيًّا.

وإذا كانت شعائر الحج والعمرة -ذات زمن وذات يمن- قد انقسمت بين الحرمين واللجنة الخاصة، فإنّ الغلبة كانت في غالب الأحوال للثانية، وكان بعضُ اليمنيّين يُودّعون محمدًا في هذا الحرم أو ذاك، ليُقبِّلوا يدَ سلطان أو كمال أدهم في اللجنة! وقد صارت ثمّة لجانٍ خاصّة، لا واحدة، في معظم الأقطار الخليجية.

ولم يخسر اليمنيّون هُوياتهم قطّ ولا احترامهم لأنفسهم، وهم ينقسمون بين معسكر أمريكيّ وسوفييتيّ وصينيّ، ولا بين اتجاه تروتسكيّ وماويّ وستالينيّ، ولا بين انتماء يساريّ وقوميّ وإخوانيّ وشوفينيّ، لكنّهم اليوم باتوا مؤهّلين للانقسام الحادّ بين وطنيين وإسرائيليين، أو قوميين وصهاينة، أو بين سعوديين وإماراتيين، وهذي، لَعَمري، نهايةُ التاريخ والهُويّة والآدميّة في هذي البلاد!

أمّا الحجّ والعمرة فلن يكونا إلى الحرمين ولا حتى إلى تلك اللجان الخاصة قريبًا جدًّا، بل إلى تل أبيب!

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English