الحلقة الأخيرة من مذكرات يحيى محمد الشامي

اغتيال جار الله عمر لم يكن تدبيرًا سلفيًّا فقط، ولا يمكن عزل الحرب القائمة عن مخرجات الحوار الوطني!
April 28, 2023

الحلقة الأخيرة من مذكرات يحيى محمد الشامي

اغتيال جار الله عمر لم يكن تدبيرًا سلفيًّا فقط، ولا يمكن عزل الحرب القائمة عن مخرجات الحوار الوطني!
April 28, 2023

حاوره : سام أبو أصبع

استدراك

شاءت الظروف أن تُنشر الحلقة الأخيرة من سلسلة الحوار الطويل الذي أجراه الزميل سام أبو أصبع مع الأستاذ يحيى محمد الشامي -في الربع الأول من العام 2017- بعد رحيله، لتكون أشبه بتأبين للرجل الذي فقدناه في يناير الماضي.

سيلحظ القارئ أنّ الحوار تطرق لبعض القضايا المثارة في ذلكم الوقت، ومنها علاقة صالح بالحوثيين وغيرها.

(خيوط)

استهلال

ها نحن نصل نهاية الرحلة، رحلة في الذاكرة الوطنية، اصطبحنا عبر محطاتها الأستاذ والمناضل الكبير عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، يحيى محمد الشامي، في رحلة امتدت لأكثر من سبعين عامًا؛ بدءًا بحركة 1948م، وصولًا إلى الحرب التي تلف اليمن اليوم، عشنا فيها تفاصيل ومنعرجات الحركة الوطنية؛ بداياتها، صعودها، انتصاراتها وانكساراتها، في بحثها المضني للوصول إلى الدولة الحديثة، دولة المواطنة المتساوية، دولة تجمع الجنوب والشمال، الشرق والغرب، الشوافع والزيود، أصحاب الجبل والوادي، البحر والصحراء، جمهورية كل اليمنيين.

وكم كانت الرحلة شيقة وشاقة، ممتعة ومريرة في آن معًا، في صعودها وهبوطها في تضاريس وجغرافيا قاسية، زاد من قساوتها عودة الماضي، وقد تربع عاصمتها حاضرًا للبلد ويهدّد مستقبلها بالقدوم والاستمرار، مُوعِدًا بأيام أكثر قتامة وسوادًا؛ إمامة في الشمال، وسلطنات ومشيخات وإمارات في الجنوب والأطراف والوسط، يشبه المشهد تمامًا العودة إلى ما قبل الثورة (سبتمبر وأكتوبر) وما قبل الاستقلال.

يحدّثنا المناضل المثقل بكل تلك الذكريات والهموم، عن حياة طويلة مليئة بالكفاح وبالتضحيات، وعلى الرغم من الهزائم والخيبات التي عاشها وعاشتها الحركة الوطنية جنوبًا وشمالًا، ما زال يحلم ويؤمن بإمكانية اليمنيين في الوصول إلى الدولة المدنية الحديثة.

الذي أثار حفيظة (مقبل)

- كيف يقرأ الأستاذ يحيى، مشهدَ ما بعد حرب صيف 1994م؟

هذا سؤال مهم وكبير. بالنسبة للحزب الاشتراكي اليمني، حاول أن يلملم نفسه ويضمد جراحه، وكان انعقاد اللجنة المركزية في صنعاء، في تلك الفترة، انتصارًا حزبيًّا كبيرًا وفي قاعة كلية الشرطة برئاسة الرفيق علي صالح عباد (مقبل)، وقد تمكّنّا من عقد هذا الاجتماع بعد أن كانت قد تشكّلت لجنة للتنسيق والاتصال، ضمّت عددًا من القيادات الحزبية، وعملت هذه اللجنة على لملمة الشتات الحزبي للحزبيّين وإعادة ترتيب أوضاعهم، وكما قلت لك ضمّت اللجنة أعضاء لجنة مركزية وأعضاء مكتب سياسي وكوادر حزبية، وقد قاموا بدور فاعل من موقع شعورهم بالمسؤولية تجاه وطنهم وحزبهم، وقد التحقتُ بهم عند رجوعي من عدن.

وأتذكر في اجتماع اللجنة المركزية، أنّي تحدثت، عن ضرورة عودة اثنين من قيادات الحزب في الخارج، وهما جار الله عمر وياسين سعيد نعمان، لقدرتهم على شغل فراغ كبير داخل الحزب، ولم أنتبه أنّ طرحي هذا قد أثار الحساسية لدى الرفيق علي صالح عباد (مقبل)، وكان ردّه، في حينها: "أنا سأستقيل من منصبي وأسلّم لكم المهام"، ولكني راجعته وصعدت إلى المنصة، وقلت له: "لستَ المقصود بهذه العودة، أنت مناضل عظيم حفظ الحزب في أحلك لحظاته التاريخية، ولا يستطيع أحد أن يزايد على دورك الكبير. أنت القائد وكلّنا ملتفون حولك، لكن نحتاج ياسين وجار الله؛ لديهما بعض الإمكانيات لمساعدتنا"، وقد تراجع الرفيق (مقبل) عن كلامه في موضوع الاستقالة.

الذي أشرك الإصلاح في السلطة

- حدِّثنا عن تشكّل المعارضة بعد حرب صيف 1994م، ضدّ النظام؟

سبق اللقاء المشترك مجلس تنسيق للمعارضة، ضمّ الاشتراكي والناصري والبعث في عام 1996م على ما أعتقد، وكان الإصلاح خارجه. وبعد عودة الرفيق جار الله عمر، كانت تُجرى بعض الاجتماعات، وكان يحضرها بعض قيادات الإصلاح، مثل عبدالوهاب الآنسي، وهذا شكّل بداية إنشاء اللقاء المشترك الذي شكّل بديلًا عن مجلس التنسيق، وكان هذا على صلة بالشعور الذي ساد بعد حرب صيف 1994م، حول استحالة حكم حزب بمفرده لليمن بكلها.

ولهذا كان الحزب الاشتراكي بعد انتخابات 1993م، يطرح وجهة نظر أنّ الأحزاب المنضوية تحت قبة البرلمان يجب أن تمثّل في الحكومة، ومع الأسف الشديد لم يلاقِ هذا التوجه من قبل الحزب الاشتراكي تفهمًا لدى التجمع اليمني للإصلاح، وربما أنهم حتى هذه اللحظة، لم يستوعبوا أنّ الحزب الاشتراكي لعب دورًا مهمًا في إشراكهم بالسلطة، وأنّهم مثلوا في السلطة كنوع من الاعتراف والتسليم بهم كقوة موجودة، بينما كنا نرى أن بقاء القوة السياسية مشتتة يستحيل معها المحافظة على وحدة البلاد، ورأينا ضرورة إشراك كل القوى الفاعلة في المجتمع، للحفاظ على الوحدة بتعميق المكسب الديمقراطي الذي سيساهم في إحداث التحولات الاجتماعية، وربما كان هذا ضرب من حسن الظن بالنسبة لنا، أكثر منه قراءة دقيقة للحياة السياسية في اليمن.

متورطون باغتيال جار الله

- هل لاغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، جار الله عمر، علاقة بهذا التكتل المعارض (اللقاء المشترك)؟

أعتقد أنّ جريمة اغتيال جار الله عمر ليست مرتبطة فقط بإثارة حفيظة العناصر المتطرفة من السلفيين، وإنّما أيضًا بقلق أطراف أخرى داخل المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح كشخصية نشطة، لأنّ الرجل كان يتمتع بميزات فريدة، وهذا التعبير للرفيق علي صالح عباد (مقبل). ولم أزل أتذكر لحظة اغتياله في القاعة أثناء انعقاد المؤتمر العام لحزب الإصلاح والتغطية الإعلامية الكبيرة التي سجّلت كل تفاصيل عملية الاغتيال.

وأتذكر أنّ الشهيد جار الله عمر كان قلِقًا، وكلمني أنّه قد يتعرّض لبعض المشاكل، وخصوصًا أنّ لدينا تجربة سابقة، في بداية الثمانينيات كنت وجار الله عمر في صنعاء ممثلين للجبهة الوطنية للحوار مع نظام صنعاء، كان ذلك على ما أعتقد في 80 أو 81م، لم أعد أتذكر بالضبط.

لكني أتذكر أنّه بعد اغتيال الشهيد عبدالسلام الدميني، وصلتنا معلومات من منظمة الحزب في الشمال في صنعاء، تفيد بأن حياتنا في خطر، وأنّنا معرضان للاغتيال بصورة بشعة.

وعقدنا حينها اجتماعًا مع بعض الرفاق، وتداولنا المعلومة، وكان قرار الأغلبية ضرورة مغادرة صنعاء والعودة إلى عدن على وجه السرعة، وبالفعل رجعت أنا وجار الله إلى عدن.

ولهذا عندما اغتيل الشهيد جار الله في سنوات لاحقة، لم يكن تدبيرًا محصورًا في العناصر السلفية. أنت استثرت ذاكراتي في أسئلتك هذه، وذكّرتني بأشياء كانت قد غابت عن الذاكرة.

من الذي صفَّى الدميني؟

- دعني أستغل هذه الاستثارة أستاذ يحيى، وبمناسبة حديثك عن عبدالسلام الدميني؛ هل تتذكر أيامه الأخيرة؟

كان عبدالسلام الدميني (رحمه الله)، من العناصر النشطة في تلك المناطق الشمالية قبل 1979م، وأتذكر أنّي تعرّضت للاعتقال في عام 1979م، في الشرطة العسكرية، وأتى عبدالسلام من تلك المناطق لزيارتي، وقلت له: "ما الذي أتى بك يا عبدالسلام؟"، قال لي: "روح التحدي". وكان شجاعًا بالفعل، رغم سلوكه البسيط والمتواضع الذي لا يوحي بتلك الجسارة.

وأتذكر هنا أنّ علي عبدالله صالح تواصل مع علي عنتر بخصوص عبدالسلام الدميني وتحركاته ونشاطه في محافظات شمال الشمال، وقال له بالحرف: "اضبطوه أو بقطع رقبته".

وعندما طلعت إلى صنعاء أنا وجار الله عمر للحوار مع النظام، طلبناه والتقينا به ونبّهناه إلى ضرورة توخي الحذر في نشاطاته وتنقلاته، وأنّ هناك مخاطر على حياته، وكان شخصية ديناميكية ذكية وجسورة.

ما لا يُعرف عن علي عقيل

- بما أنّنا رجعنا قليلًا إلى الماضي، اسمح لي بأن نعود أكثر؛ بعض الرفاق في حضرموت كانوا قد طرحوا لي موضوع علاقتك بالمناضل علي عقيل بن يحيى؛ هل بالإمكان أن تحيطنا ببعض تفاصيل هذه الشخصية الوطنية؟

الأستاذ علي عقيل بن يحيى هو من مثقفي اليمن المبكرين، وكان يتمتع بروح الوطنية اليمنية النادرة رغم تأثر المجتمع في حضرموت بالنزعة المحلية، وكان ينتمي لروح العصر ومدنيته تجاه القضايا الاجتماعية. انتمى إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وصار عضوًا في القيادة القطرية للحزب، خصوصًا بعد نجاح ما كان يسمى حينها باليسار؛ وكان أيضًا عضوًا في القيادة القومية في دمشق. كان يتمتع بروح حضارية نادرة تتساءل معها: هل هذا الشخص وُلد في أوروبا أم في حضرموت؟! التحق في وقت مبكر بحزب البعث العربي الاشتراكي، وكان أحد القادة القطريين للحزب. 

- إلى متى يرجع تاريخ علاقتك معه؟

معرفتي به ترجع إلى تاريخ التحاقي بحزب البعث العربي الاشتراكي، متى بالتحديد؟ حقيقة أسئلتك تجعلني أشعر أنّ ذاكرتي قد صارت ضعيفة! لم أعد أتذكر غير أنّي التقيته في دمشق، فقط أتذكر طريقة تعامله معي وتعاملي معه توحي بأن علاقتنا كانت قديمة. هل تم التعرف عليه هنا في اليمن، هل أتى إلى الشمال أم ذهبت أنا إلى الجنوب؟ لم أعد أتذكر هذا الموضوع.

أتذكر فقط أنّي زرت دمشق كممثل لمنظمة البعث العربي الاشتراكي في الشمال عام 1968م، وكان حينها موجودًا في القيادة القطرية لحزب البعث، ولفت نظري درجة تفاعله مع ما يطرحه رفاقه من حيوية وتواضع، رغم أنّي لم يكن لديّ صفة قيادية على الصعيد القومي، كنت شخصية قيادية على مستوى اليمن، غير أنّ تواضعه الجم كان كبيرًا، وترك لي سيارته الخاصة، وكان يتدبر حاله في التنقل. وهنا أشير إلى أنّ البعث في تلك الفترة لم تظهر عليه مظاهر الترف، خصوصًا بعد صعود اليسار بعد حركة 1963م، وصعد معها إلى القيادة القومية الدكتور يوسف زعين، وصلاح جديد.

بالإضافة إلى طابعه الوطني في رؤيته لليمن، كانت لديه رؤيته القومية الناضجة، ولأنّه برز في تلك الفترة التي شهدت صعود اليسار، كان يتمتع بنظرة أو نزعة يسارية، والتي بدأت بوادرها داخل حزب البعث من خلال كتيب أصدره ياسين الحافظ، احتوى بعض المنطلقات النظرية التي كانت تمثّل تطورًا واضحًا نحو اليسار؛ في تلك المرحلة كان هناك تفاعل حركي في حزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن، وتنقلات وزيارات مستمرة لأعضائه بين اليمن ودمشق، وكانت اليمن تدعم هذا التيار، ولهذا لم يكن غريبًا أن يصعد اليمني علي عقيل إلى القيادة القومية في تلك الفترة من الستينيات. هذا كل ما عندي عن علي عقيل.

- هل توالت لقاءاتكم بعد ذلك؟

لم نلتقِ في اليمن بعد ذلك للأسف، كان قد تُوفِّي في وقت مبكر، ولكني كنت أزور عائلته باستمرار في عدن كنوع من التقدير والاحترام، تجاه شخصية قيادية بحجمه.

وقبل أن أختم حديثي عن الرجل، أقول باختصار؛ إنّه كان خلاصة للمثقف اليساري الملتزم في إطار حزب قومي، واليمنيون في الشمال والجنوب كانوا مع هذا التوجه، ويعود ذلك إلى أنّ العناصر القيادية في تلك الفترة، وعاشت في القاهرة أو دمشق أو بغداد، اختزلت مرحلة صعود اليسار، حتى إنّ المواد الثقافية كانت المنشورة في المجلات، أو موضوعات الندوات، كانت تنحو منحى يساريًّا في المدن الثلاث.

علاقة الاشتراكي بالحراك

- أين وقفتم في الحزب الاشتراكي اليمني من الحراك الجنوبي في العام 2007م؟

من الصعب ألّا يكون للحزب الاشتراكي دور، وهو الذي كان يحكم الجنوب والذي تحمل مسؤوليته في القيام بالترتيب نحو وحدة الوطن، وأن يقال إنه لا يمثل الجنوب، لكن في نفس الوقت أقول: مع مظاهر الحراك السياسي الموجودة في جنوب البلاد، سواء أخذت طابعًا مطلبيًّا أو سياسيًّا، بدأ هذا الحراك بطرحه لهذه المطالب السياسية أو الحقوقية من خلال هيئات جديدة أفرزتها الأوضاع القائمة داخل البلاد، والحزب الاشتراكي لا يدّعي بأنه من يحرك هذا الحراك، ولا ينفي أنّه يؤيّد ويساند هذا الحراك.

وحقيقة، بدأ الحزب الاشتراكي مبكرًا قبل هذا التاريخ، وبالتحديد عقب حرب 1994م، في الانخراط في نضال سلمي طويل في إطار القضية الجنوبية، وكانت قياداته وكوادره في قلب الحراك، بل ومن مقراته كانت تحضَّر وتنطلق الفعاليات السلمية للحراك.

الحرب ومخرجات الحوار

- ما هي قراءتك لما يحدث من انقسام وتشرذم وحرب أهلية؟

 في البداية، أقول لك أنا مع الشرعية، وانتخبت الرئيس عبدربه منصور هادي، لكني ضدّ عملية عاصفة الحزم.

وهذه الحرب عندما قامت لا أستطيع أن أعزلها عن مخرجات الحوار الوطني، لضربها، ولكن علينا ألّا نبالغ بهذا الأمر، خصوصًا أنّ الإعلان الذي تم عن تشكيل الستة الأقاليم لم نكن معه، وكنّا في الحزب الاشتراكي مع إقليمين. 

وعندما أُعلِن في المؤتمر عن الستة أقاليم، حدثت ضجة كبيرة من رفاقنا معترضين على ذلك الإعلان، وللأسف لم يُستمع لهم.

وأذكر هنا أنّي كنت في عمان عند دخول أنصارالله (الحوثيين) إلى صنعاء، وكنت أراقب تطورات المشهد، ولفت نظري الجهد الذي بذلته السعودية لإصدار القرار 2216، تحت الفصل السابع، وقلت إنّ السعودية ستستخدمه ذريعة للتدخل في اليمن.

لكن أقول: إنّ الصراع في عمقه لأغراض مباشرة لضرب "أنصارالله" ونفوذ إيران، والغرض غير المباشر السيطرة على اليمن.

الحوثيون بين إيران والسعودية

- وهل علاقة إيران بالحوثيين وتدخلها في اليمن وإعلان أحد مسؤوليها سيطرتهم على أربع عواصم عربية، لا يشكّل تهديدًا وجوديًّا للسعودية في خاصرتها الجنوبية؟

تحسّس البعض من تصريحات إيرانية تقول أنّ لديها أربعة جيوش في العراق وفي سوريا وفي اليمن، وهناك من قال في الداخل اليمني: ما علاقتهم، ولماذا يتدخلون بشؤوننا؟ وفي المقابل، وعلى ما يبدو أنّ هناك اتجاهًا في الداخل، ومع احتدام الصراع ودخول المملكة العربية السعودية بثقلها في المعركة، قَبِل بدورٍ لإيران، وبالنسبة للوهابية في السعودية رأت أنّ التجمع الشيعي أو الزيدي يسيطر على الأوضاع، ما أثار حفيظتها أكثر، وتعتبر أنّ إيران وراء كل هذا، وفي رأيي الشخصي أنّ هناك مبالغة سعودية.

- ما هي طبيعة الحركة الحوثية مع ظهور كل هذه الطقوس الجديدة؟ وهل لهذه الطقوس علاقة بالزيدية أم أنّنا نرى تحوّلًا في اتجاه الاثني عشرية؟

لاحظنا أنّ السلطة كانت تشجع بعض الأشخاص على تبني الاثني عشرية، وكان هناك شخص لم أعد أتذكر اسمه، فلان الأكوع من خولان، لا أعرف أين هو الآن.

مرّ الزمن، وحصلت تغيرات كبيرة في المنطقة، قامت الثورة في إيران 1979م، ومذهبها الشيعي الجعفري، وهذا يثير حفيظة دول الخليج، ومنها السعودية، نتيجة لوجود الشيعة في المنطقة الشرقية، وتأثرهم بالثورة في إيران، وبدأ التحسس لديها بشكل أكبر. وفي اليمن، يبدو لي، وهذا رأي شخصي، أن إيران مدت يدها ونفوذها المعنوي والثقافي إلى بعض المظاهر والتجمعات ذات الطابع الزيدي كشيعة.

- ألم يكن المذهب الزيدي هو من يحكم في صنعاء؟

طبعًا كان يحكم، والهادوية بشكل خاص. 

جوهر الصراع المُتناسى

- طيب أستاذ، كيف يمكن أن نفهم وقوف السعودية الوهابية قبل 1962م، مع إمام المذهب الزيدي؟

صح، سؤال جدًّا طبيعي؛ السعودية وقفت ضد الحركة الدستورية في 1948م، حتى إنّها عطلت وفد الجامعة العربية الذي جاء من القاهرة لتقصي الأوضاع في الداخل اليمني، وأتذكر هنا أني كنت طالبًا في المدرسة العلمية بعمر 15 أو 16 عامًا، وحملت السلاح دفاعًا عن الحركة.

لكن ربما كان وقوف السعودية ضدّ حركة 1948م، وحركة الثلايا في 1955م، وصولًا إلى ثورة 26 سبتمبر 1926م، كان ذا صلة بالصراع ما بين عناصر سياسية جديدة مطالبة بالتغيير ونظام ملكي، فآثرت الوقوف مع النظام الملكي القديم.

ولهذا علينا نحن -الاشتراكيين- أن نتنبه عندما تثور الصراعات الطائفية والمناطقة أنّها وسيلة للقوى التقليدية لكي يُغيّبوا جوهر الصراع بما هو صراع طبقي اجتماعي، مثلما هو حاصل اليوم إلى حدٍّ كبير، وإن كنتُ أشعر الآن ببعضها، ولكن ليست هي السائدة.

هل تعتقد بأن العلاقة بين علي عبدالله صالح والحوثيين ستستمر؟

لا أعتقد أنها ستستمر.

لماذا؟ 

لأنّ جماعة "أنصارالله" ظهروا كتجمع مذهبي متعصب، وعلي عبدالله صالح ما زال يتذكر أنه خاض ضدهم ستة حروب في صعدة، وحتى عندما قوِيَ ساعِدُهم، ليس بسبب أنهم اتخذوا تكتيكات عسكرية ناجحة، ولكن ساعدهم الصراع الذي برز بين علي عبدالله صالح وعلي محسن صالح.

وعلى الرغم من تولي علي محسن العمليات العسكرية في صعدة، فإنّ علي عبدالله صالح كان يهيئ ولده أحمد كبديل له في الحكم، وكان علي محسن يرى نفسه أنّه الشخص الأَوْلَى، ولا مانع لديه أن يكون الثاني، فما بالك وهو يرى تمكين علي عبدالله لنجله في كرسي الحكم!

واستخدم علي عبدالله صالح نفوذه في الحرب، وكان يطلب من بعض القادة أن يسلّموا أنفسهم ومناطقهم للحوثيين، وعندما كانت الحروب تتوقف، ليس بسبب أنّ علي عبدالله صالح انهزم، بل لأنّه يوحي لقادة في الجيش أن يسلّموا، وكان غرضه -وأنا أقولها الآن- إضعاف علي محسن الذي كانت تلك الألوية تحت قيادته، بحكم أنّه قائد المنطقة الشمالية الغربية، لصالح نجله أحمد.

تقييمك لميزان القوى في تحالف الحوثي وصالح.

الآن الحوثيون قد رتّبوا أنفسهم وأصبحوا أقوى من حيث التسليح والتنظيم، وصار لديهم منظمات، وعلي صالح أصبح في موقف أضعف، رغم أنّ الطرفين استفادا من بعضيهما؛ علي صالح جرهم للصدام مع علي محسن وإضعافه، وهم استفادوا من خلال تمكينهم من بعض مؤسسات الدولة، حتى حروب صعدة الستة خاضها علي عبدالله صالح ضدّ الحوثيين في إحدى وجوهها، وفي الوجه الآخر كان يستنزف فيه قوات علي محسن صالح، لصالح نجله أحمد.

وأغلب السلاح الذي حصلوا عليه في تلك الحروب لم يكن بالقوة، بل سُلّم لهم بأوامر من علي صالح، حين كان يأمر بعض الألوية بالانسحاب وتسليم مواقعها وسلاحها كذلك للحوثيين.

الإمساك بالسلطة ومغانمها

- ما فرص بقاء اليمن موحدة اليوم؟

الوضع أمامنا صعب ومعقد على الصعيد الداخلي والصعيد الإقليمي والدولي كذلك، ولديّ قلق وشكوك كثيرة حول هذا الأمر، ويجب علينا التحرك والضغط على جماعة "أنصارالله"، جماعة الانقلاب، ونقول لهم؛ للبقاء على وحدة البلاد: يجب عليكم أن تتنازلوا.

- وهل تعتقد أنّ سيكولوجية جماعة الحوثي وتشكيلها وتنظيماتها تقبل بمثل هذا التنازل؟

لا يبدو لي ذلك، فأيّ جماعة تمسك السلطة من الصعب عليها أن تتنازل، الآن الذين في عدن ماسكون جزءًا، والحوثيون ماسكون جزءًا آخر، الوضع يحتاج تعمقًا أكثر، وفي تصوري أنّ قلق السعودية ممّا يجري في جيزان ونجران قد خفّ، وخصوصًا بعد ما ضمنوا مأرب والجوف، لأني أتذكر زمان، قبل الوحدة، خصوصًا أنّ جمهورية اليمن الديمقراطية ما زالت موجودة، والمعلومات التي لدينا أنّ السعودية تريد أن تقول: أنتم يا يمنيّين، الجبال حقكم، لكن الصحراء هذه هي حقنا. 

ومن ثَمّ الهدوء الموجود في مأرب نسبيًّا، له صلة بأن مأرب صارت مضمونة بوجود سلطان العرادة والإصلاح، وبين يديه إمكانيات مختلفة.

ويمكن أن تعود إلى ذاكرة السعوديين إلى ما قبل الوحدة، عندما أرسلوا سعود الفيصل إلى عدن، وعرضوا حينها عبره 800 مليون دولار كي تتوقف جمهورية اليمن الديمقراطية عن سعيها إلى الوحدة، ورُفض ذلك العرض حينها وبحزم.

لكن الآن اختلف الوضع، وتلاحظ تواجد الإمارات في المحافظات الجنوبية وسلطان العرادة في مأرب والجوف، وهناك قوات في المهرة. وحقيقة أنا لم أعد أخشى أن يكون هناك ستة أقاليم في ظلّ نظام فيدرالي، بل أخشى أن يكون هناك ملامح لدولتين أو ثلاث دول على الأقل، على الأقل في طور التشكل، وخصوصًا أنّ مواطنينا في حضرموت يعتبرون أنفسهم ثلث البلاد، كما أن حضرموت هي المنطقة التاريخية الوحيدة في اليمن التي ما تزال تحتفظ بهُويتها الفرعية الحضرمية، ما زالوا يحتفظون بهويتهم الفرعية الحضرمية، ومع ذلك لا يجب اتهامهم بنزعتهم الإقليمية، فما زالت أتذكر أنّ أول حلقة حزبية انضممت إليها كان عضوها الثالث ربيع منيف، من حضرموت. وبعد ذلك، كان هناك علي عقيل، والثاني عبدالرحمن نعمان في عام 1958م، والتقيته بعد ذلك بسنوات بعد الوحدة في جلسة مقيل في منزل مجاهد أبو شوارب في صنعاء، وتذكرنا لقاءنا الأول، وقلت له كان أول لقاء لنا في عام 1959م، وردّ عليّ بالقول: لا لا، كان عام 1958م، في أول سنة لي في جامعة القاهرة.

- وحقيقة من عرفتهم من شخصيات حضرمية، لم يكن لديها أي نوازع محلية؟

وأتذكر هنا كلام لخالد باراس، قال لي: "هل تعرف أننا في منظمة حضرموت في إطار قيادة الجبهة القومية قبل الاستقلال، ناقشنا فكرة إعلان الوحدة اليمنية؟".

الحل لتعافي اليمن بيد هذه القوى

- ما رأيك بالقول: إنّ مشاكل اليمن سببها الصراع في المركز (شمال الشمال)، وكل مشاكل البلد يتم تصديرها من هذا المثلث الحوثي وعلي صالح وعلي محسن وحلفائهم، وبدون كسر هذا المركز وإيقافه عن احتكار السلطة والثروة ستحل كثيرًا من مشاكل البلد؟

المشكلة وحلها يعتمد على الحركة الثورية، وإذا بقيت بهذه الحالة ستظل هذه القوى هي المسيطرة، لكن إذا استعادت الحركة الوطنية حيويتها وفعاليتها، واستعادت الأحزاب المنضوية في إطارها، وخصوصًا الحزب الاشتراكي اليمني، فستستطيع هذه القوى وضع اليمن في مستقبل آخر، ولكن الصعوبات أمامها اليوم أكبر من الصعوبات التي واجهت ثورة سبتمبر وأكتوبر، هناك تغيرات كبيرة وتحولات في العالم صاحبت سقوط عددٍ من الأنظمة الاشتراكية في عددٍ من الدول، وكانت تلعب دورًا مهمًّا في دعم الحركات الثورية في دول العالم الثالث، والموجود اليوم أو ما تبقى من أنظمة اشتراكية، غيرُ قادرة ومنكفئة على شؤونها الداخلية، ولا تستطيع تقديم الدعم لمثل هذه الحركات كما كان يفعل، على سبيل المثال، الاتحاد السوفيتي. 

- حول موضوع إيقاف الحرب والدعوات إلى السلام، وهذه نقطة مهمة جدًّا، لماذا في كل محطاتنا التاريخية، وصولًا إلى سبتمبر 1962م، وانتهاء بما يحدث اليوم، كل الحروب أو أغلبها تنتهي بصلح، وعفا الله عمّا سلف، مع أنّ ذلك لم يجلب السلام يومًا إلى اليمن؟ ما الذي يجعل هذه الدعوات إلى السلام اليوم مختلفة رغم تشابهها بل تطابقها التام مع عمليات السلام السابقة التي أنتجت أسباب حروب جديدة، وهل بالإمكان أن تفضي إلى سلام عادل ودائم بوضع حدٍّ لكل سلسلة تلك الحروب، وألّا تكون استراحة محارب للقوى التقليدية والرجعية التي تحتاجها لتنظيم صفوفها والانقضاض مرة أخرى على الدولة؟

أرى أنّ النضال الشعبي في اليمن، هو صراع شعبي يمكن أن يحدث في أي بلد من البلدان، وهو نضال مستمر بين قوى تقدمية في المجتمع وبين قوى مستغلة، بمعنى أنّ الصراع في جوهره هو صراع طبقي، بغض النظر عن اتخاذه مظاهر أخرى، وإذا عدت إلى ثورة 26 سبتمبر 1926م، كان أهم أهدافها إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، وجاءت ثورة أكتوبر لتترجم هذا الهدف على أرض الواقع تقريبًا بقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

- ولكن إذا سمحت لي أستاذ يحيى، الفقراء اليوم مقسومون، ويقاتل بعضهم بعضًا في معارك لا تعنيهم؟

يعود هذا الأمر إلى ضعف الحركة الوطنية، وانتعاش النزعات المتخلفة الطائفية والمناطقية والمذهبية واستقطابها لكل القوى، بما في ذلك القوى التي ما زلت أراهن عليها مثل الاشتراكيين والناصريين.

- بماذا يحب الأستاذ يحيى محمد الشامي أن يختم به رحلته في الذاكرة الوطنية؟

عندي قلق من أن لا وثيقة اللجنة المركزية ولا وثيقة المجلس الوطني الذي عقد مؤخرًا، موجودة في تفكير أعضاء الحزب الاشتراكي. الآن المشهد السياسي معقد، ودور الحركة التقدمية ضعيف، وهي التي قامت بأدوار تاريخية في اليمن، بانتصارها لثورة سبتمبر وثورة أكتوبر ووحدة البلد.

ولديّ رسالة لشباب الاشتراكي وكيف ينظرون إلى مخرجات الحوار الوطني، وكنت تحدثت مع بعض الشباب الاشتراكي، منهم مطيع دماج؛ أن نجعل تحقيق مخرجات الحوار كهدف مرحلي، يتبعه نضالات أخرى للوصول إلى المواطنة المتساوية.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English