يحيى الشامي: فصائل اليسار تشكلت داخل جامعة صنعاء

تفاصيل مثيرة في الحلقة الرابعة من مذكراته
December 1, 2021

يحيى الشامي: فصائل اليسار تشكلت داخل جامعة صنعاء

تفاصيل مثيرة في الحلقة الرابعة من مذكراته
December 1, 2021

الحلقة الرابعة من سرديته الحوارية، نبدؤها مع القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني، يحيى الشامي، بقصة الاعتقال في سجن الشرطة العسكرية، وكيف أوقعته ساعة أحد الرفاق في قبضة الجنود. بعدها يمر بنا على علاقة اليسار في الشمال بالسلطة في صنعاء، وتجربته في عهد الرئيسين، عبدالرحمن الإرياني وإبراهيم الحمدي، وعلاقة الأخير التنظيمية بالحزب الديمقراطي الثوري- أحد الفصائل الرئيسية في الحزب الاشتراكي اليمني، وصولًا إلى حربي 1972 و1979، بين شطري اليمن، وإبعاد الرئيس عبدالفتاح إسماعيل عن رئاسة الدولة في الجنوب وتولي الرئيس علي ناصر للمسؤولية خلفًا له، وعلاقة حرب 1979، وعلي عنتر بذلك.

  • نبدأ معك أستاذ يحيى هذه الحلقة بحرب 1972، وقصة اعتقالك في الشرطة العسكرية، قبل أن نمر على ما ختمنا به حلقتنا السابقة عن علاقتكم بالسلطة في صنعاء.

أتذكر قيام الحرب في 1972، قبل تشكل الجبهة الوطنية الديمقراطية بأربع سنوات تقريبًا، وكنت حينها ما أزال في صنعاء ومسجونًا في سجن الشرطة العسكرية، بسبب أننا قمنا بتهريب رفيقين من السجن في صنعاء إلى عدن، أحدهم فلان عبدالمغني -لم أعد اذكر اسمه الأول- وهو من أقارب الشهيد علي عبدالمغني، والثاني ضابط اسمه ناجي المحمودي(1)، وهو من [مديرية] ماوية. وأتذكر أن الأول ترك ساعة عند ساعاتي في شارع علي عبدالمغني للقيام بإصلاحها، وكنت أعرف بموضوع الساعة فذهبت لاسترجاعها. وعندما طلبتها من الساعاتي، وكان واقفًا أمام المحل، استجاب لطلبي ودخل المحل ليعطيني الساعة، لكنه تأخر في الرد وأنا منتظر على باب المحل، رغم أن المحل صغير ولا يوجد فيه كثير من الزبائن، فدخلت لأسأله عن سبب تأخيره، فتحجج بالبحث عنها. وعندما خرجت من المحل، فوجئت بطقم عسكري وجنود نازلين منه واقتادوني إلى سجن الشرطة العسكرية. كان لديهم علم أن المعتقل فلان عبدالمغني ترك ساعته عند الساعاتي، فنصبوا كمينًا لمن سيأتي ليأخذها ووقعت أنا في الكمين.

  • وكيف كانت علاقتكم مع السلطة في عهد الرئيس عبدالرحمن الإرياني؟

في تلك الفترة كانت هناك حساسية من السلطة تجاه اليسار عمومًا، وتجاهي شخصيًّا بسبب نشاطي واتصالاتي ببعض ضباط الثورة لعمل ندوة للحديث عن ثورة 26 سبتمبر 1962. وبالفعل جمعت مجموعة من الضباط، منهم ناجي علي الأشوال، علي المؤيد، عبدالله المؤيد، وأحمد الرحومي، في منزل الأخير، وهذا ما أثار حساسية عند بعض الضباط في قيادة الجيش، أمثال محمد عبدالله الإرياني، إبراهيم الحمدي، وحسين المسوري، يعني مع أهم ثلاثة مناصب عسكرية: رئيس الأركان، قائد العمالقة، والقائد العام.

كان الضباط الذين تم دعوتهم على علم بالحساسية التي ولدتها فكرتي حول إقامة الندوة، وأتذكر أن أحمد الرحومي قال لي: "نحن لا نخاف على أنفسنا، بل نخاف عليك، لأن من سيعتقل هو أنت"، في إشارة لحكاية الساعة. واستكمالًا لهذه الحكاية، فبعد سنوات حصل عليها الدكتور عبدالوهاب محمود، ولم أعد أتذكر كيف وصلت إليه أو كيف حصل عليها.

  • ما هي ظروف لقائك بالدكتور عبدالوهاب محمود؟

بعد الإفراج عني عملت مستشارًا في وزارة الاقتصاد، وكان الدكتور عبدالوهاب محمود وزيرًا آنذاك، وكانت علاقتي به جيدة، حتى عندما كان طالبًا، كان يعيش حوالينا ويتعاطف مع أطروحاتنا. وللأسف صاحب الساعة تُوفّي رحمه الله، وكنت قد قابلته عند رجوعه من عدن، وقمت بإعطائه ساعته بعد أن أخذتها من الدكتور عبدالوهاب محمود، وأتذكر تعابير وجهه غير المصدقة برجوع ساعته إليه.

انتهت حرب 1972، بين الشطرين بهزيمة الشمال؛ لأن الجيش في الجنوب كان منظمًا وقويًّا، بينما في الشمال كان ينقصه التنظيم و[يغلب عليه] الاعتماد على المجاميع الشعبية
  • ما هي ظروف وملابسات حرب الشطرين الأولى في عام 1972؟

عندما قامت حرب 1972، بين الشمال والجنوب، كانت على صلة بأمور أخرى؛ وأتذكر حينها كانت قد نشأت منظمة "المقاومين الثوريين" بأفق الكفاح المسلح. ولكي أكون دقيقًا أنشئت المنظمة في 1971، والحرب قامت في 1972، وكنت في سجن الشرطة العسكرية، وقد وضعوني في غرفة الضبّاط. وأتذكر استدعائي من قبل بعض الضباط الذين أعرفهم، منهم عبدالله الواسعي -وما زال حيًّا- وبادرني بالقول: "ألف مبروك". كنت أعتقد أنه يهنئني على وصول أمر إطلاق سراحي، وأخذني إلى زنزانة أرضية، وكنت أتعمد الحديث عن الأوضاع العامة حتى مع الجنود وأكسب تعاطفهم. لم يكن الجنود قد اكتسبوا خبرة في التعذيب، وبدأت أتسقط أخبار الحرب عن طريق "الرسم" (حراس السجن) الذين أنشأت معهم علاقة طيبة. وأتذكر أني، لأول مرة، اكتشفت أن هناك قاتًا فخمًا في ذمار (القات العنسي)، وأنا مستغرب على شعبية هذا القات، وبادرني أحد "الرسم" (الحرّاس) وعرض عليَّ شراء القات العنسي: "اشترِ لك قات عنسي وباتشوف". وبالفعل كان قاتًا فخمًا، وعند سؤالي عن موضع غرس هذا القات، عرفت أنه بدأ بحول (حقل) أحد الفلاحين في ذمار قبل أن تنتشر زراعته بسرعة في المنطقة.

على العموم انتهت حرب 1972 بين الشطرين، بهزيمة الشمال، لأن الجيش في الجنوب كان منظمًا وقويًّا، بينما في الشمال كان ينقصه التنظيم و[يغلب عليه] الاعتماد على المجاميع الشعبية، ودخل جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مدينة قعطبة التابعة للشطر الشمالي.

  • كيف كانت علاقة اليسار بالرئيس إبراهيم الحمدي، وعهده في الرئاسة؟

في المرحلة الأولى تقريبًا من 1970-1971، عندما كان الحمدي ضمن لجنة عسكرية تحملت إدارة الملف العسكري للدولة، رفقة حسين المسوري ومحمد عبدالله الإرياني. انخرطت هذه اللجنة في صراع مسلح مع فصائل اليسار، لكن بعد توليه السلطة واستقالة الإرياني، بدأت تبرز بعض الملامح الأخرى في سياسته الوطنية المستقلة، وبدأ في الانفتاح حتى مع الجنوب وعقد لقاء مع الرئيس سالم ربيع علي. لم أعد أتذكر هل كان اللقاء في قعطبة أم في مكان آخر، لكن بعد ذلك تم اغتيال إبراهيم الحمدي، وكان للسفير السعودي حينها صالح الهديان، دورًا في هذا الاغتيال مع العناصر التي تولت السلطة بعد اغتيال الحمدي.

وحقيقةً أن اليسار استفاد من الحمدي عقب اغتياله، بمعنى أننا شعرنا بثقل خسارة فقدانه، وأصبحنا ننادي بالتحقيق في اغتياله وبكشف الحقيقة للشعب، وكسبنا تعاطفًا شعبيًّا كبيرًا.

  • هل فتحتم حوارًا مع إبراهيم الحمدي في فترة رئاسته؟

نعم، وكلف الرفيق عبدالوارث عبدالكريم بالحوار مع إبراهيم الحمدي لوجود نوع من العلاقات الطيبة معه واستخدام العلاقة القديمة بين الحزب الديمقراطي الثوري وإبراهيم الحمدي.

  • هل تعني أن إبراهيم الحمدي كان عضوًا في الحزب الديمقراطي الثوري؟
  • نعم، في فترة من الفترات، ولا أعلم هل أهملهم هو أم هم أهملوه؟ ربما لممارسات قام بها ضد فصائل اليسار عندما كان في إطار اللجنة العسكرية قبل أن يكون رئيسًا، وحتى عندما تولى الرئاسة استمرت المعارك ضد فصائل اليسار.
  • هل بالإمكان أن تحدثنا بقليل من التفصيل عن تجربتكم في "الجبهة الوطنية الديمقراطية"؟

أريد أن أشير هنا إلى أنه قبل نشأة "الجبهة الوطنية"، تشكلت اللجنة العليا لفصائل اليسار داخل جامعة صنعاء من مجمل العناصر الطلابية التي تنتمي لفصائل اليسار.

  • هل يمكن أن نحدد تاريخًا لنشأة هذه اللجنة؟

لم أعد أتذكر؛ الذي أتذكره أنها نشأت في بداية السبعينيات [من القرن العشرين].

  • يعني قبل حوار عدن 1973؟

لا، بعده. المهم أنها تشكلت قبل نشأة "الجبهة الوطنية الديمقراطية"، والذي ساعد على قيامها عاملان حاسمان: أولهما الميول اليسارية للفصائل، فكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، والثاني، الممارسة النضالية ضد الأوضاع في الشمال، لا سيما النظام الذي تشكل بعد أحداث أغسطس 1968، والتي حسمت فيها القوى التقليدية ازدواجية السلطة وسيطرتها على مقاليدها. عمومًا، وتتويجًا لكل الجهود والأحداث، بسلبياتها وإيجابياتها، أُعلن تشكيل الجبهة الوطنية الديمقراطية في الشمال عام 1976.

  • هل تشكلت الجبهة من فصائل اليسار فقط، أم كانت هناك مكونات أخرى؟

كانت السمة الأبرز في تشكيل الجبهة عدم اعتمادها على مكونات اليسار فقط، بل فتحت المجال للناس العاديين للانضمام، وكانت لهذه الخطوة أن أكسبت الجبهة الوطنية قوة سياسية هائلة. 

واتخذت الجبهة وسيلتين من وسائل النضال: الكفاح المسلح في بعض المناطق، والنضال السلمي في مناطق أخرى. وتشكلت القيادة السياسية للجبهة الوطنية من جميع المنظمات، بما فيها "منظمة البعث العربي الاشتراكي"- خط العراق، و"السبتمبريين" أيضًا. كذلك التَحق بالجبهة "التنظيم الناصري" في وقت لاحق، بعد فشل حركتهم في صنعاء، لكن عندما بدأ الكفاح المسلح، انسحب "البعث"- خط العراق، ومعهم "السبتمبريين"، وأعلنوا في بيان أو تصريح -لم أعد أتذكر، وعلى العموم نشر في بعض الصحف الكويتية- انسحابهم من "الجبهة الوطنية الديمقراطية" بسبب تبنيها الكفاح المسلح. وجاء انسحاب الناصريين من الجبهة في وقت لاحق، رغم أن الكفاح المسلح مورس في مناطق تواجدهم، وأتى بعد ذلك خلافهم مع عبده الجندي وغيره، وانسحبت عناصره حتى من عدن، وعادت مع وفد نزل من صنعاء، أعتقد أنه كان برئاسة عبدالعزيز عبدالغني.

التقيت في القاهرة عبدالغني علي (وزير المالية بعد قيام الثورة) وفلان الكهالي -لم أعد أتذكر اسمه الأول- وكان رد عبدالغني إيجابيًّا: تحملوا المسؤولية ونحن معكم، لكن لا تراهنوا على الشخصيات الموجودة خارج البلد. كان مشغولًا بتساؤل يشبه تساؤلات الصوفيين لم أعد أذكره الآن
  • كيف تمكنت من تشكيل هذا التكتل الواسع من مختلف القوى في الشمال؟

أريد أن أشير هنا إلى الحوارات التي كانت تهتم بإجرائها فصائل اليسار مع الناصريين، وأتذكر أني كُلفت في عام 1975، بالذهاب إلى القاهرة للحوار معهم، وبالفعل ذهبت للقاهرة من أجل لقائهم، ولقاء بعض الشخصيات الشمالية هناك لكسبهم باتجاه مشروع الجبهة الوطنية المزمع إعلانها. وأتذكر بالنسبة للناصريين، أنهم كانوا ما يزالون في طور التكوين، ولم يكونوا قد أصبحوا تنظيمًا بعد.

التقيت في القاهرة عيسى محمد سيف، وشرحت له ماهية مشروع الجبهة، وأتذكر أنه قال لي حينها، إنه متفق مع 99% من أطروحتنا، ولكنهم لم يصبحوا تنظيمًا بعد، ولاحقًا عرفت أنهم أنشؤُوا تنظيمهم خلال تلك الفترة. بينما الشخصيات الأخرى، أمثال عبدالغني علي (وزير المالية بعد قيام الثورة) وفلان الكهالي -لم أعد أتذكر اسمه الأول- وأتذكر رد عبدالغني علي رحمه الله، وكان ردًّا إيجابيًّا: تحملوا المسؤولية ونحن معكم، ولا تراهنوا علينا، نحن الشخصيات الموجودة خارج البلد. كان مشغولًا بتساؤل يشبه تساؤلات الصوفيين لكن لم أعد أذكره الآن.

خلال هذه الفترة، اشتد الصراع بين فصائل اليسار المختلفة والسلطة القائمة حينها في الشمال، واستمر هذا الصراع بأشكاله المختلفة، السياسية والعسكرية، حتى العام 1982، وجرى حوار خلال هذه المرحلة الأخيرة، كان بدأ مع إبراهيم الحمدي، خصوصًا أن بعض فصائل اليسار لمست لديه توجهًا وطنيًّا، خلافًا لما كانت تتصوره، قبل أن يتم اغتياله.

  • متى بدأت الجبهة الوطنية حوارها مع السلطة في صنعاء؟ 

منذ نشأت الجبهة الوطنية الديمقراطية، بدأت حوارًا مع السلطة في الشمال وفي الفترة الأخيرة مع العام 1982، اقتُرح أن الحوار يجب يكون أشمل وأوسع، وشُكّلت لجنة حينها عرفت بـ"لجنة الخمسين"، من جميع المكونات السياسية وكنا متواجدين فيها، وكانت برئاسة حسين المقدمي.

وفي هذه الفترة تحديدًا، بدأ الإعداد لتأسيس ما سُمي بـ"المؤتمر الشعبي العام"، ونحن في الجبهة أو في حزب الوحدة الشعبية، والحزب الاشتراكي ككل، كنا نراقب هذا التحول، وأصدرنا توجيهاتنا لأعضائنا للدخول في اللجان التحضيرية للمؤتمر على مستوى قاعدي في المحافظات. وعندما عُقد المؤتمر الأول، دُعي إليه عشرة من أعضاء الحزب الاشتراكي بصفة رسمية، وكنت أنا ومحمد الشيباني، وأعتقد سعيد الجناحي وعبدالكريم الجهمي- لم تعد تحضرني أسماء البقية، وكان هناك إضافةٌ للعشرة ممّن انخرطوا بناء على توجيهاتنا، في انتخابات اللجان القاعدية.

كانت الجبهة مسيطرة على "عتمة"، و"وصابين: العالي والسافل" غرب ذمار، وفي تعز على المناطق الشمالية- "شرعب"، وكل محافظة إب، باستثناء المدينة وجبلة، وغرب البيضاء، وجبل راس في الحديدة 
  • كيف وصل الصراع بين الجنوب والشمال إلى لحظة الاصطدام المسلح والمباشر في عامي 1972، و1979؟

كان الصراع ملتهبًا بين الشمال والجنوب، وزاد أكثر في الفترة من 72 إلى 79، وكانت قد تشكلت الجبهة الوطنية في الشمال، وتوحدت فصائل اليسار في حزب الوحدة الشعبية وتسربت الأخبار حول أن الحزب قد توحد، وكانت المعركة عنيفة مع الجبهة في إب والبيضاء وتعز والحديدة وذمار، بل وصلت المعارك إلى صنعاء، وتحديدًا في المناطق الشمالية الغربية" "بني عبد" و"عيال سريح"، ورُفع حينها من قبل صنعاء موضوع الوحدة، وعلى أساس أن دخولهم المعركة من أجل وحدة البلاد. كانت هناك محاولة عربية لإيقاف الحرب، وكان هناك تعاطف من قبل دولتين مهمتين -سوريا والعراق- مع النظام في الشمال، وهددوا حينها [الدولتين] بضرورة إيقاف الحرب ما لم ستقومان بإرسال كتائب لمساندة الشمال ضد الجنوب. وأتذكر عندما ذهبنا إلى اجتماع الكويت -لم أعد أتذكر مع من جلست؛ هل كان سلطان أحمد عمر أم جار الله عمر- جلسنا مع وزير خارجية العراق ووزير خارجية سوريا، وكان لديهم إحساس أن للجنوب قوة وثقل داخل الشمال عبر الجبهة الوطنية الديمقراطية.

  • ما هي نتائج حرب 1979؟

انتهت حرب 1979، بهزيمة الشطر الشمالي، وكانت الجبهة الوطنية مسيطرة وتخوض كفاحًا مسلحًا في مناطق كثيرة في الشمال، ومتواجدة سياسيًّا في الجوف وصعدة وحجة وصنعاء ومارب. وأتذكر في تلك الفترة أن الشهيد جار الله عمر، كان المسؤول عن ملف المناطق الوسطى، وكانت الجبهة مسيطرة على "عتمة"، "وصابين: العالي والسافل" غرب ذمار، وفي تعز على المناطق الشمالية- "شرعب"، وكل محافظة إب، باستثناء المدينة وجبلة، وغرب محافظة البيضاء، وجبل راس في الحديدة. وأتذكر أننا سيطرنا على بعدان وكنا نريد إسقاط المدينة، وكان للشهيد جار الله رأيه الوازن في عدم إسقاطها بسبب الطريق الدولي، ولم يكن أحد يستطيع المزايدة على شخص مثل جار الله.

  • هل اندلع كفاح مسلح في شمال الشمال قبل الوحدة؟

مرة واحدة في "بني عبد" أو "عيال سريح" عام 1979، حين قررت السلطة في صنعاء عمل مناورة عسكرية، فتبادر إلى أذهان رفاقنا في الجبهة الوطنية في تلك المناطق أن ذلك عمل عسكري ضدنا، وحدثت معارك عنيفة انتهت بهزيمة سلطة صنعاء.

كان لنا أيضًا تواجد في خولان وبني مطر وأرحب، وأتذكر نزول شخص من بني مطر إلى عدن اسمه الحاج ملاطف، وحمّلته منشورات لتوزيعها في صنعاء، ودار بيننا حوار حول أهمية المنشور، وقلت له: شوف السلطة في صنعاء لا تخاف من التي تحملها، بل تخاف من هذه المنشورات. وأتذكر أنه سخر مني وقال إن البندقية أكثر فعالية، وكان لديه ملاحظة أبدى فيها امتعاضه من وجود عناصر في الجبهة الوطنية من أصول متواضعة، بمعنى أنهم ليسوا من أسر [قبَلية]. على فكرة، هناك قصص عجيبة عن تلك المرحلة ولا أعرف كيف ستقوم بتجميعها!

بعد تشكيل الحزب الاشتراكي الموحد في عدن، كان لدى بعض القادة مقترحٌ وخطة عمل لمناطق شمال الشمال عبر استنهاض الروح الزيدية ضد الوهابية، وتم تكليف عبدالسلام الدميني ويحيى منصور أبو أصبع بالمهمة، لكنهما قاما بتنظيم الناس على أسس وطنية ونجحا في ذلك
  • تكلم أنت يا أستاذ، وأنا سأقوم بترتيبها وتجميعها.

بعد قيام الحزب الاشتراكي اليمني الموحد في عدن، كان عند بعض القادة مقترحٌ وخطة عمل تناسب مناطق شمال الشمال، أو هكذا كان تصور البعض، وكلف عبدالسلام الدميني ويحيى منصور أبو أصبع عام 1979، بالذهاب إلى صعدة والجوف والمناطق الشمالية، في مهمة التنظيم واستنهاض الروح الزيدية في مواجهة الوهابية، وأتذكر أن عناصر الاستخبارات السعودية كانت قد بدأت في اغتيال عناصرنا في مناطق الشمال. وأتذكر اغتيال صالح جلخة في الجوف، وكان شابًّا رائعًا (للأسف لم يعد أحد يتذكر اسمه، وعندما سألت الآن رفاقنا في محافظة الجوف، قالوا إنه غير معروف لهم).

وبالفعل، ذهب عبدالسلام ويحيى منصور لتنفيذ ما هو مطلوب منهم لاستنهاض الروح الزيدية في مواجهة الوهابية في الشمال، ولكن ذلك لم يحدث، وقام يحيى وعبدالسلام بتنظيم الناس على أسس وطنية وحققا نجاحًا في ذلك.

واكتشفنا، وخلال تقرير شفوي قدمه يحيى منصور أبو أصبع في لقاء تم في منزل عبدالواحد المرادي في منطقة التواهي في عدن، أنه نظم 50 شابًّا مع الحزب الاشتراكي اليمني على أساس وطني ولا علاقه له باستنهاض الزيدية، واتضح لنا في الحزب الاشتراكي اليمني، وحسب تقرير الرفيق يحيى، أنه من غير المجدي استنهاض الروح الزيدية طالما أن الناس مستجيبون للمشروع الوطني.

  • ما الذي أوقف الحرب في 1979؟

أوقفت الحرب بقرار من قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، عقب اجتماع لجنته المركزية انتهت بقرار إيقاف الحرب، وما أزال أتذكر الجدل في الاجتماع الذي كان برئاسة عبدالفتاح إسماعيل، وكان هناك من طرح مسألة التموين والتسليح للجيش، وكيف يمكن تدبر الأمر. وناقش الاجتماع الضغوط الدولية والإقليمية التي يتعرض لها البلد، وتحدث الرفيق علي عنتر، وكان حينها على ما أعتقد وزيرًا للدفاع: "الحَسُوك ما ينفع سُفال النقيل"، بمعنى لا ينفع الآن الحصول على شيء أثناء المعركة، ولازم نكون جاهزين قبل المعركة، وخلص الاجتماع بقرار إيقاف الحرب وتوقفت.

  • هل كان لإبعاد الرئيس عبدالفتاح إسماعيل عن البلد وانتقال السلطة إلى علي ناصر محمد، علاقة بقرار إيقاف حرب 1979؟

لك الحق في أن تعطيها هذا التفسير، وطبعًا لا تستطيع فصل المواقف عن بعضها، ولكن الإشكالية التي حصلت بين عبدالفتاح وعلي عنتر، كانت بعد هذا الاجتماع بفترة وعلى صلة بإعدام محمد صالح مطيع، وكان علي عنتر حينها غائب خارج البلد.

والخلاف داخل قيادة الحزب كان بسبب إشكالية شديدة بين عبدالفتاح وعلي عنتر، وأتذكر في لقاء مع علي ناصر، اتفقنا على إرسال جار الله عمر إلى عبدالفتاح إسماعيل ليطلب منه الرحيل، وبالفعل رحل عبدالفتاح وتحمل المسؤولية علي ناصر، ولم تكن غير فترة بسيطة ودب الخلاف بين علي عنتر وعلي ناصر. أتذكر في لقاء لي مع علي عنتر، أنه قال: إذا كان هناك من نقطة سوداء في تاريخي، فهي خلافي مع عبدالفتاح إسماعيل، لأن علي عنتر، وبالرغم من أسلوبه الشعبي في تعاطيه مع القضايا المختلفة، وبحكم نشأته وهو عامل في الكويت في إطار حركة القوميين العرب، كان طابعه الشعبي واليساري وانحيازه الاجتماعي للشعب واضح ولا لَبْس فيه، ولا أستطيع أن أتهم علي ناصر والآخرين بأنهم كانوا بعيدين عن مصالح الشعب، ولكن كانوا يفكرون بشكل معتدل.

  • حديثك أستاذ يحيى، فتح لنا ملفًا مهمًّا للصراع في الجنوب، بداية بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، ثم انتقال الصراع إلى داخل الجبهة القومية وبين أجنحتها بداية 1969، وبعدها الحزب الاشتراكي، وصولًا إلى أحداث يناير الدامية عام 1986؛ نريد منك أن تقف بنا على كواليس الصراع ومآلاته الدامية؟

وبهذه المناسبة أتذكر عام 1973، وبعد انتهاء الحوار، أني طلبت اللقاء مع سالمين وعرف عبدالفتاح إسماعيل بطلبي لقاء الرئيس سالمين، فطلب اللقاء معي، وحكيت له بوضوح ما نريد، وفاجأني بإبداء ملاحظات خاصة بهم كجبهة قومية. بعدها تكلمت مع الرفاق في الطليعة الشعبية: أنيس حسن يحيى وآخرين، مبديًا لهم استغرابي من ملاحظات عبدالفتاح على سالمين وعلي ناصر، وكان قلقًا على مصير التنظيم كتنظيم، ومهتمًا بإقامة التنظيم الموحد على مستوى اليمن.

مبادرة التقارب بين سالمين والحمدي كانت شخصية، ولم يكن تنظيم الجبهة القومية على اطلاع كافٍ بفحوى المبادرة حسب ما هو معمول به في عمل الجبهة القومية، وهذا خلق تحسسًا شديدًا في قيادة الجبهة القومية
  • هل بالإمكان معرفة ملاحظات عبدالفتاح إسماعيل؟

لم أعد أذكر منها سوى شيء بسيط، لكن الذي أفهمه المسألة التنظيمية، وكان يعطيها اهتمامًا كبيرًا عندما كان يطرح فكرة الحزب الطليعي، وسالمين كان رجل دولة ديناميكي جدًّا، لا ينتظر، ويقوم بتشكيل لجان شعبية، وأحيانًا تكون هذه اللجان بعيدة عن أشكال التنظيم، سواء التنظيم الموحد للجبهة القومية أو في إطار الحزب الاشتراكي اليمني. وكانوا يأملون خيرًا في علي ناصر، لكنه تبيّن أنه إداريًّا تمام، لكن فكريًّا وتنظيميًّا، يعني!

وحقيقةً، فاجأني كلام عبدالفتاح إسماعيل الصريح معي، ولم أتفهمه إلا في وقت لاحق وقد رحل، وأن أمله القوي لقيام تنظيم موحد على مستوى الوطن جنوبًا وشمالًا، دفعه للحديث معي مباشرة عن أوضاعهم الداخلية في الجبهة القومية، لأني تكلمت مع رفاقي في "الطليعة الشعبية" أنيس حسن يحيى وأحمد الخضر.

  • قبل أن نختم حلقتنا، وكي نترك الصراع في جنوب الوطن للحلقة الخامسة، ماذا تحب أن تقول في نهاية هذه الحلقة؟

عشت تفاصيل الصراع في الشمال والجنوب، وصراحة كنت قبل ذهابي إلى عدن، وإلى حدٍّ ما، كان لدي نوع من الاحتراز والتحفظ على الرفيق عبدالفتاح إسماعيل، بينما كنت منفتحًا على سالمين عندما كنت في صنعاء، ولكن بعد نزولي إلى عدن، اكتشفت العكس؛ كان عبدالفتاح شخصًا صريحًا، وسالمين رجلًا ديناميكيًّا وشخصية شعبية. وأتذكر أن أحدهم، طلال عبده، وكان مقرر حوار عدن 1973، قال لي: "أيش رأيك نشوف سالمين"، قلت له: "خلّينا هكذا أحسن، فسالمين شخص عاطفي، وإذا لم ألتقه خلال أسبوع، ربما اعتبر ذلك مني موقفًا ضده، فأفضل أن تقتصر لقاءاتي به خلال اللقاءات الرسمية، التنظيمية أو من خلال الحوار".

وعندما بدأ الصراع، لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني قد أنشئ بعد، وزرت عبدالفتاح إسماعيل في مستشفى باصهيب، وكان لديه تحفظ من تحركات سالمين مع إبراهيم الحمدي.

  • ما أوجه تحفظ عبدالفتاح إسماعيل على تحركات سالمين والحمدي؟

ربما أفهمه الآن بعد كل تلك السنوات، أن المبادرة كانت شخصية؛ سالمين بادر كرئيس وكذلك فعل الحمدي، ولم يكن تنظيم الجبهة القومية على علم أو اطلاع كافٍ بفحوى المبادرة حسب ما هو معمول به في عمل الجبهة القومية. وهذا خلق تحسسًا شديدًا في قيادة الجبهة القومية. بعدها حدث، كما قيل، توتر بين حراسة سالمين وقيادة الجبهة القومية، وسمعت أن بعض أفراد الحراسة من الذين يتمتعون بنفوذ كبير، تعاملوا مع المتحسسين في قيادة الجبهة القومية من خطوات سالمين، باستهتار وصل حد التهديد بضربهم، وفي اجتماع للمكتب السياسي للجبهة في مقر لجنته المركزية، تم ضرب المقر. وتمكن أفراد حراسة اللجنة المركزية من صد هذه المحاولة، وهُزم فريق سالمين، وكان هذا قبل قيام الحزب الاشتراكي.

  • يتبع...

هامش:

(1) كان ناجي المحمودي ضابطًا في الشرطة العسكريةبعد ثورة 26 سبتمبر، وشارك في حرب الثماني سنوات التي انتهت بالمصالحة بينالجمهوريين والملكيين، ثم عُيّن نائبًا لقائد سلاح الحدود، قبل أن يُنقل إلى القضاءالعسكري. كما كان عضوًا في حزب الطليعة الشعبية، وأحد قيادات الجبهة الوطنيةالديمقراطية في محافظة تعز. (المحرر)


•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English