"خيوط" تنفرد بنشر مذكرات المناضل يحيى محمد الشامي

سلسلة حوارية عن تجربته السياسية لأكثر من 75 سنة
October 27, 2021

"خيوط" تنفرد بنشر مذكرات المناضل يحيى محمد الشامي

سلسلة حوارية عن تجربته السياسية لأكثر من 75 سنة
October 27, 2021

حوار/ سام أبو أصبع


"ما أشبه الليلة بالبارحة"؛ يكاد هذا المثل ينطبق حرفيًا على ما يشهده اليمن في زمننا، مقارنة بما شهده في منتصف القرن العشرين الماضي، مع القليل من الفوارق ومستويات الشدة في الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية... إلخ.

ليس هذا ما نقوله نحن، جيل الألفية الثالثة، بل ما يقوله أحد أبرز ثوار 26 سبتمبر المخضرمين؛ عاصر العقدين الأخيرين لنظام الحكم الإمامي في شمال البلاد، والاستعمار الإنجليزي لجنوبها، وكان مشاركًا فاعلًا في الثورتين التوْءَمين، سبتمبر وأكتوبر، وفي النظام الجمهوري الذي وُلد مطلع ستينيات القرن الماضي.

    وُلد المناضل والسياسي المخضرم يحيى محمد الشامي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، في العام 1933، بقرية "بيت الأشول" مديرية السدّة التابعة لمحافظة إب. بدأ تعليمه في المدرسة العلمية بصنعاء مطلع الأربعينيات، ثم انتقل للدراسة في مدينة جبلة، وبعدها إلى القاهرة في 1956، لدراسة الحقوق.

  في ظروف الحرب التي تطحن اليمن، شمالًا وجنوبًا، ولأخذ العِبَر من التاريخ القريب قبل البعيد، تنشر منصة "خيوط" هذه السلسلة من مذكراته الحافلة بأحداث شكلت اليمن الحديث على مدى ما يقارب 75 سنة، وصولًا إلى وضعه الراهن، وهي مذكرات حوارية سيتم نشرها على حلقات، أسبوعيًّا.

المحرر


  • نرحب بك أستاذ يحيى ونشكر لطف قبولك لنا في مرافقتك أدوارك ومواقفك في الذاكرة الوطنية، ونبدأ رحلة الذكريات من نقطة بداية وعيك بالعمل السياسي والتحاقك بالحركة الوطنية وإرهاصات ثورة 26 سبتمبر 1962، ونتمنى أن تحدثنا باستفاضة.
  • يمكنني أن أستخدم عبارة متى بدأ اهتمامي بالعمل السياسي، وحقيقة يعود هذا الاهتمام في العمل السياسي والشأن العام إلى قبيل العام 1948، عندما كانت تتسرب إلينا أخبار الأحرار الذين يعارضون الإمام يحيى، وصادف أن سافرت إلى صنعاء للالتحاق بالمدرسة العلمية فيها، وزاد اهتمامي أكثر بالناحية السياسية، وكنت أقوم بزيارات لبعض الشخصيات الوطنية التي من عندنا من المناطق الوسطى، مثل الشهيد حسين الكبسي، أحد شهداء حركة 48م، والذي كان يسكن في منطقة بستان السلطان، وكان يزوره في منزله بين وقت وآخر، شخصيات عربية، منهم الفضيل الورتلاني.

 كنا نعيش كطلاب في المدرسة العلمية، أوضاعًا معيشية صعبة، نعيش فيها على خمس كدم في اليوم، وكنا نعبر عن سخطنا على الأوضاع عندما يمر أحد الأمراء، وبالذات المترفين منهم، لأن هناك أمراء بسيطين.

  • على سبيل المثال؟

يعني مثلًا أولاد الحسين كانوا يعيشون معنا وفي مثل ظروفنا، ويفرحون إذا ما حصلوا على الكدم، وكان يمر علينا الأمراء المترفون ونحن جالسون على الأحجار بالقرب من المدرسة العلمية (مدرسة سيف بن ذي يزن) في التحرير، ويبادروننا بالسلام وهم على متن عرباتهم أو خيولهم ونرفض مبادلتهم السلام؛ في نوع من السخط على الأوضاع من قبلنا.

  • هل كان لطلبة المدرسة العلمية دور في حركة 48م؟

التحقت بحركة 1948، وحملت السلاح مع مجموعة من الطلبة، وأتذكر هنا عندما زارنا إلى المدرسة العلمية، شخص مهم جدًّا، يحثنا على حمل السلاح، أتذكر أن اسمه كان محمد أو أحمد المطاع، وكان كبيرًا في السن ويتكئ على عصا. نعم، الشهيد أحمد المطاع، وكان سمينًا وبطنه ممتلئًا قليلًا، وكان هناك من أفراد أسرتي من وقفوا ضد الحركة وكان منهم من يرعانا؛ أنا وبعض الأيتام في المدرسة، فنهانا عن حمل السلاح وأمرنا بتركه، فتركناه وغادرنا صنعاء إلى البلاد.

وبعد فشل الحركة تعرض الأحرار لإعدامات عديدة، وشملت هذه الإعدامات جميع الطوائف والطبقات الاجتماعية، وهذه مسألة مهمة ينبغي علينا أن نتذكرها، رغم أنه كان هناك بعض المشاعر الانعزالية على النحو الدائر الآن.

  • تعرفت على حميد بن حسين الأحمر في تعز، ولأول مرة أقرأ كتابًا معه عند القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي كان يسكن في صالة، وكان كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" لسيد قطب، ولم نكمل قراءته
  • هل تقصد الانكفاء على الذات؟

لا، أقصد نزعات ذات طابع سلالي وطائفي وجهوي، غير أنها كانت خفيفة وأقل حدة ممّا يحدث اليوم؛ لهذا عندما عاد الإمام أحمد بعد انتصاره على حركة 48، أعدم الكثير من الشخصيات؛ منهم: الشهيد حسين الكبسي، الشهيد الوزير، والشهيد أحمد المطاع، والشهيد العراقي جمال جميل الذي سمّي الشارع باسمه عرفانًا لدوره في الحركة، وغيرهم كثير لا أتذكرهم الآن، ولكن كان عدد من تم إعدامهم كبيرًا.

  • ما الذي تتذكره عن مقتل الإمام يحيى، وعن الشهيد جمال جميل؟

أتذكر أنني كنت ومجموعة من زملائي خارج المدرسة، نتمشى إلى صنعاء القديمة وبالقرب من مقبرة خزيمة، وتحديدًا المسجد الكائن في شارع الشوكاني، ولمحنا من صرح المسجد سيارة خرجت من باب اليمن وتبعتها شاحنة كبيرة "مطربلة" (صندوقها مغطى)، وعرفنا فيما بعد أن السيارة كانت سيارة الإمام يحيى، وأن الشاحنة التي لحقتها كانت تُقلّ الأشخاص الذين قاموا بإطلاق الرصاص عليه، (القردعي وآخرين) في منطقة سواد حزيز.

وعند عودتنا إلى المدرسة، رأينا جمال جميل العراقي يخرج من الكلية الحربية (العُرْضِي)، وكنا نستظل في سور صنعاء القديمة الممتد إلى مكان البنك المركزي حاليًّا (الآن السور لم يعد موجودًا)، وكنا ننتظر منه التحية. أتذكر أنه حيّانا بكل رباطة جأش، رغم أنه كان يعرف ما يحدث في تلك اللحظات، وكان يمشي على قدميه نازلًا من المدرسة الحربية أمام الحصان، وهناك شخص خلفه يقوده في طريقه إلى منزله الكائن في شارع جمال. سلّم علينا وكنا فرحين بأن جمال جميل العراقي سلم علينا.

عمومًا، في تلك الفترة كان هناك عدد كبير من طلاب المدرسة العلمية، الذين التحقوا أو عبروا عن تأييدهم للثورة وحملوا السلاح، وكان آخر من انسحب من أسوار صنعاء هم بعض طلاب المدرسة العلمية، وأتذكر أن أحدهم كان اسمه صالح الأشوال[] من منطقة "السَّدَّة"، قد تُوفي الآن.

  • ما الذي تعرفه عن حركة 1955؟

توجهت إلى تعز لمساعدة أخي الذي كانت معه شريعة (قضية في المحكمة)، وأتاحت لي هذه الزيارة التعرف على الأوضاع القائمة في تعز بشكل أكثر دقة، وتعرفت حينها على أحمد الثلايا قائد حركة 1955، وكان شخصية متواضعة يميل إلى الحديث مع الشباب، إذا وقفوا وسلموا عليه أو سألوه عن شيء. كان لديه استعداد كبير للوقوف والحوار معهم.

كما تعرفت على الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في تعز قبل قيام حركة الثلايا، لكن معرفتي كانت أقوى بأخيه حميد، وكان لدي شقيق تحمل مسؤولية شق طريق (تعز- دِمنة خدير- الراّهدة)، وكان معه غرفة في مبنى من عدة غرف ملحق بقصر صالة. كان يسكن تلك الغرف شخصيات من مناطق مختلفة، منهم حسين الأحمر والد حميد وعبدالله، وفي إحدى المرات جرى حوار بيني وبينه ونحن واقفون في طابور أمام الغرف، وتبين لي أنهم لم يشاركوا في حركة 48، وعندما سألته عن سبب عدم اشتراكهم، قال لي: "ما حَدْ كلمنا". بعدها تعرفت على حميد أكثر، ولأول مرة أقرأ كتابًا معه عند القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي كان يسكن في صالة، وكان كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" لسيد قطب، ولم نكمل قراءته. كان هذا تقريبًا في نهاية 1955 إلى بداية 1956، وكان حميد عندما يستأذن من الإمام للعودة إلى "حاشد"[] يضع أخاه عبدالله رهينة مكانه لحين عودته، بسبب خوف الإمام من تمردهم.

  • متى كان نزولك إلى تعز؟

كان نزولي إلى تعز تقريبًا في عام 1954، (لم أعد أتذكر جيدًا) قبل حركة الثُّلايا التي كانت عبارة عن انتفاضة للجنود. أنا أتذكر جيدًا مجموعة من الجنود ذهبوا إلى "الحَوْبان" للبحث عن حطب، وقام بعضهم بأخذ أغنام من بعض الفلاحين، وغضب الفلاحون وقدموا شكوى للإمام.

وأتذكر أنني ومجموعة من الشباب، دخلنا إلى الثكنة العسكرية، للتحدُّث مع الجنود ومناقشتهم حول ما حدث. في نوع من التحريض، قلنا لهم: "لماذا تصطدمون بالفلاحين المساكين وتأخذون أغنامهم؟! الذي خلّاكُم تصطدمون بالفلاحين وتأخذون أغنامهم، هو الوضع القائم في البلاد بسبب الإمام وظلمه"، وأخبروا الثلايا بأنهم يخططون للقيام بانتفاضة على الإمام، واختاروه لقيادتهم، وقد قبل الثلايا وأبدى استعداده لقيادة الحركة، وكان يتمتع بمكانة مرموقة في نظام الحكم الإمامي.

بعد حركة 1955، عرفت بأن هناك إمكانية للسفر والدراسة في الخارج، عن طريق واحد من بيت الإرياني اسمه عبدالكريم، وهو غير عبدالكريم الإرياني السياسي المعروف. كان معه أمر من الإمام بالخروج للدراسة، وجلست أراجع، أنا وبعض زملائي من أهلي، ونبعث بالرسالة تلو الرسالة للإمام كي نسافر إلى الخارج للدراسة.

وفي الأخير جَوَّب (وافق) الإمام، وأبرق للخارجية بـ"لا مانع مع الكفال"، يعني ننفق على أنفسنا، وتحركنا بعدها إلى القاهرة، والتقينا هناك المرحوم محمد جباري وقدم لنا يد المساعدة، وكنا نعرف جباري من مدينة جبلة، حيث درسنا هناك لمدة عام، وسافر قبلنا للدراسة في القاهرة.

  • في أي عام كانت دراستكم في جبلة؟

بعد عام من حركة الثلايا، أي في العام 1956، وأتذكر حينها أنه صادف العدوان الثلاثي على مصر بينما كنا نتحضر ونجهز أوراقنا للسفر.

وفي القاهرة بدأت أتلمس توجهات فكرية تطرح نفسها على الطلاب اليمنيين، منها البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب والتيار الماركسي، وتوقفت أمام هذه التيارات الثلاثة، أتأملها جيدًا وأعطي لنفسي فرصة. وحقيقةً وجدت أفكاري قريبة جدًّا من تيار البعث العربي الاشتراكي؛ لأنه حركة قومية من ناحية، وكانت تواجه بعض المصاعب في تلك الفترة، وفي الوقت نفسه، يحمل توجهًا اجتماعيًّا ذا طابع اشتراكي، بغض النظر عن أنه لم يكن اشتراكيًّا رادكاليًّا (الاشتراكية العلمية)، وفي جامعة القاهرة احتككت بأعضاء حركة القوميين العرب واليمنيين الموجودين في الجامعة.

في العام 1958، جاءتني رسالة شفوية من صالح الحِبْشي مفادها: "سنقوم بثورة، تابعوا الموضوع"، وحملت الرسالة إلى محسن العيني، فقال: "إن شاء الله ما يكونش عندنا عقدة ذي يزن"؛ يقصد الاستعانة بالخارج
  • هل تتذكر أسماء بعضهم؟

مثلًا؛ من اليمنيين، كان محسن العيني، وكان شخصية تثير اهتمامي؛ لأنه أُبعد من عدن بعد إكماله الدراسة في فرنسا وعودته إلى هناك، ومن حركة القوميين العرب الذين حاولوا الاحتكاك بي، فيصل عبداللطيف الشعبي وسلطان أحمد عمر العبسي، ومن التيار الماركسي كان أبوبكر السقاف، ومحمد عمر حسن وهو من "الوَهْط"، وكان من أبرز العناصر ذات التوجه الماركسي، أيضًا هناك محمد ميّاس من ذمار وفي التوجه نفسه، وهناك شاب صغير، لكنه ذكي (من عندنا في المنطقة)، اسمه أحمد الخِربي، وكان نشيطًا جدًّا؛ الآن قد هدأ وما زال حيًّا ويعيش في صنعاء.

عرض علي الأستاذ محسن العيني الانضمام لحزب البعث العربي الاشتراكي ووافقت، وكان أول حلقة جمعتني بعبدالرحمن النعمان، ابن الأستاذ أحمد النعمان، في العام 1958. وكان من أبرز الطلاب الذين ينتمون لهذا التيار من اليمنيين، فتحي الأسودي وفلان (من بعدان) نسيت اسمه للأسف الشديد. عمومًا، كانت أول حلقة جمعتنا (وصحح لي تاريخ لقائنا عبدالرحمن النعمان في وقت لاحق حين التقينا في بيت مجاهد أبو شوارب في صنعاء؛ قلت له كانت أول حلقة يا أستاذ في 1957، قال لي: لا، كانت في 1958). وكان الشخص الثالث من حضرموت، اسمه ربيع أو منيف، لم أعد أتذكر اسمه، واستمر نشاطي في الحلقة تحت القيادة التنظيمية لواحد من لبنان. ومرة كانت قيادة الحلقة لواحد من البحرين، وأستطيع أن أقول دون افتخار مني وتنطع، أن قادة الحركة كانوا يفضلون أن أمسك أنا الحلقة، وكان الذي يتحمل المسؤولية التنظيمية من اليمنيين صالح الحبشي وما زال يعيش إلى اليوم. كان شخصية عجيبة ودرس في سوريا وبعدها في القاهرة قبل عودته إلى صنعاء، وأتذكر أن رسالة شفوية جاءتني منه ذات طابع حزبي مع أبو جلال العبسي، الذي كان يقود التنظيم الشعبي في ثورة 14 أكتوبر، وكان يقول في الرسالة: "سنقوم بثورة، تابعوا الموضوع".

حملت هذه الرسالة إلى محسن العيني في مكتبه بمقر اتحاد العمال العرب، وكان حينها قد عمل في عدن وأرسله المؤتمر العمالي كممثل له في اتحاد العمال العرب، ولا أدري هل كان لديه فكرة عن موضوع الثورة في صنعاء حينها، لكنه علق حينها قائلًا: "إن شاء الله ما يكونش عندنا عقدة ذي يزن"؛ يقصد الاستعانة بالخارج.

 كنت أعتمد على المرحوم عثمان عبدالجبار راشد، الذي كان يمتلك راديو في متابعة الأخبار القادمة من اليمن، وكان عثمان -رحمه الله- شخصية وطنية تقلد عددًا من المناصب وكان عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني.

وذات يوم كانت حلقتنا الحزبية مجتمعة في منزلي، في حي المنيل، وجاءنا بواب العمارة يقول لنا: "يا يمنيين عندكم مشاكل في صنعاء، ثورة أو حاجة زي كذا". تحركت فورًا مع مجموعة من العناصر الحزبية وقمنا باحتلال السفارة اليمنية في القاهرة، وأعلنا تأييدنا لثورة 26 سبتمبر 1962، وأذيع البيان في إذاعة صوت العرب، وشكلنا لجان اتصال.

  • هل تتذكر أسماء الطلبة الذين اقتحموا السفارة؟

لا، لم أعد أتذكر، لكن جميع الطلبة الذين كانوا في القاهرة شاركوا في اقتحام السفارة، وكان لتنظيم البعث صلة بالثورة في صنعاء، وكان متواجدًا بقوة في إطار الحركة الطلابية في القاهرة، أتذكر منهم قاسم سلام، وسيف أحمد حيدر، وعبدالجليل سلمان، وزين السقاف... وآخرين.

 بعدها عُين محسن العيني وزيرًا للخارجية، وقمنا بفتح باب التطوع والذهاب إلى صنعاء لمساندة الثورة، لمعرفتنا أن ثورة 26 سبتمبر تعتمد على عدد محدود من الضباط والجنود. وصادف ذلك وجود طائرة خاصة ستقل محسن العيني، وهو في إطار البعث في تلك الفترة، إلى صنعاء، فتحركنا معه أنا وسيف أحمد حيدر وعبدالجليل سلمان وقاسم سلام وصالح العولقي- ابن السلطان عيدروس، وكان وطنيًّا وقام بحركة مناهضة للاستعمار البريطاني في العوالق. كان معنا من التسعة الطلبة العائدين، محمد الرعدي، وعبدالمجيد الزنداني، وتعرفت على عبدالمجيد الزنداني وميوله الإخوانية في تلك الرحلة.

عقدنا اجتماعًا للطلبة في القناطر الخيرية شمال القاهرة، وكتبنا رسالة إلى عبدالناصر نشكو فيها بالدكتور عبدالرحمن البيضاني، وأنه يقوم بتحريض "الشافعية" ضد "الزيود" و"القحطانيين" ضد "العدنانيين"، وقلنا إن الإمام يستفيد من هذا الخطاب
  • متى عدتم؟

عدنا بتاريخ 3 أكتوبر 1962، بعد أيام قليلة من قيام الثورة. وصلنا صنعاء وكان أحمد المروني قد عُين وزيرًا للإعلام، وقام باستصدار أمر من الرئيس السلال بتعييني مديرًا لإذاعة صنعاء، وتوليت إدارة إذاعة صنعاء، بينما تطوع زملائي الذين كانوا معي في الحرس الوطني.

 حدث في تلك الفترة أن "تحسس" منا الدكتور عبدالرحمن البيضاني، نحن الطلبة القادمين من القاهرة؛ لأنه كان هناك جدل دائر بيننا وبينه قبل قيام ثورة 26 سبتمبر. كان يتكلم من إذاعة صوت العرب، (هو مش طائفي ولا سلالي، هو تربية مصر)، لكنه تأثر ببعض ملاحظات الأحرار اليمنيين الذين كانوا ذوي ميول مختلفة.

  • هل تتذكر أسماءهم؟
  • لا، لم أعد أتذكر، كانت لديه علاقات (أفترض هكذا).

بالعودة إلى موضوع الجدل مع الدكتور عبدالرحمن البيضاني، عقدنا اجتماعًا للطلبة في القناطر الخيرية شمال القاهرة، وكتبنا رسالة إلى عبدالناصر نشكو فيها بالدكتور عبدالرحمن وأنه يقوم بتحريض "الشافعية" ضد "الزيود" و"القحطانيين" ضد "العدنانيين"، وقلنا إن الإمام يستفيد من هذا الخطاب، وأن "الزيود" سيكونون معه وكذلك "العدنانيين". وعندما عرف الدكتور عبدالرحمن بهذا الاجتماع، طلب الاجتماع بي وذهبت إليه، وتحدثت معه وأنا أعرف أنه ليس مناطقي ولا طائفي، لأنه وُلد وعاش في مصر، لكنه كان متأثرًا ببعض الأفكار التي كانت موجودة عند بعض المعارضين للإمام.

  • من على سبيل المثال؟
  • معظمهم كانوا متأثرين بتلك الأفكار، ليس عن قناعة، ولكن كتكتيك سياسي في مواجهة الإمام. 

على العموم، قلت له: يا دكتور نحن كطلبة بمختلف التيارات القومية البعثية واليسارية ضد الأسلوب الذي تنتهجه، ولا نؤمن بهذه الأفكار الانعزالية. أتذكر أنه كان يسكن في حي المنيل وأنا كنت أسكن في المنيل أيضًا، فأجابني: "تعال لنتحالف مع بعض"، قلت له: "أيش من تحالف؟ أنت زعيم وأنا مجرد طالب يا دكتور"، وطلبت الإذن بالانصراف وخرجت من عنده بعد أن شكرته على طلبه اللقاء بي.

ظل الدكتور البيضاني يتذكر موقفي معه، وحدث بعد رجوعنا، وعملي في الإذاعة، أن التقيت ذات يوم بالشهيد محمد محمود الزبيري، وبادرني بالحديث قائلًا: هل تعرف ما ناقشناه اليوم في مجلس الوزراء؟ قلت له: لا أعرف؛ أنا عملي في الإذاعة ولا أعلم ما دار من نقاش في مجلس الوزراء، فقال لي حينها إن الدكتور البيضاني قال في الاجتماع إن الطلبة القادمين من مصر يريدون أن يستولوا على الثورة، وأدركت أن الدكتور ما زال يتذكر جدلنا الدائر معه في مصر قبل قيام الثورة.

وأتذكر حينها أننا كنا قد أخرجنا أمرًا من السلال يقضي بعودة الطلبة الكبار من مناطق اليمن المختلفة -شمالًا وجنوبًا- لمساندة الثورة، لكن الدكتور البيضاني قام بإلغاء القرار، واستصدر قرارًا بديلًا يقضي بعودة الطلاب القادمين من مصر إليها لاستكمال دراستهم، وهذا ما تم.

قبل مغادرتنا إلى القاهرة، التقينا الرئيس السلال -رحمه الله- وقال لنا: "سافروا أنتم واستكملوا دراستكم ولا تقلقوا على الثورة، فهي في أيادٍ أمينة"، وخرجنا من مكتبه في القصر الجمهوري. 

 كان في الغرفة الوسطى وخرجنا من باب جانبي، كنا دائمًا نخرج عبره إلى غرفة أخرى في الصالة الخارجية، وكان فيها الدكتور عبدالرحمن البيضاني، وطلب منا أحد موظفي الرئاسة -لا أتذكر اسمه؛ هل كان الأحمدي أم شعلان- طلب أن نرى الدكتور البيضاني، وبالفعل التقيناه، وقال لنا: "ما رأيكم نتفق وأضمن لكم الجلوس وعدم العودة إلى القاهرة"، لكننا رفضنا عرضه لأنه، حسب تقديراتنا، يريد أن يبقينا تابعين له.

  • ألم يكن هناك تدخل من طرف ما، بينكم وبين الدكتور عبدالرحمن؟

عبدالله جزيلان -رحمة الله عليه- التقيته وكان قد بدأ يحس بوجود مشكلة بيننا (الطلاب) وبين الدكتور البيضاني.

دخلت ثورة 26 سبتمبر في نفس المشاكل ونفس القوى التي تتصارع على اليمن الآن (ثورة فبراير)، مع فارق أن ثورة سبتمبر قامت بوجود ملامح إيجابية في الحياة السياسية القومية والإقليمية والدولية
  • متى كان لقاؤك الأول بالضباط الاحرار؟

عندما وصلت من القاهرة، ذهبت لزيارة الرئيس السلال في المدرسة الحربية في العرضي، وكان على يساره عبداللطيف ضيف الله وعلى يمينه عبدالله جزيلان، وللعلم جزيلان كان مستقلًّا تنظيميًّا، وكان أكثر من تعرفت عليه. فقد كنت أسمع عنه وكان يسمع عني، وكان يقف أمامهم شاب صغير ونحيف، سألني الواقف بجواري: "هل تعرف هذا الشاب؟ قلت له: طبعًا هذا علي عبدالمغني، وكنت أسمع عنه كذلك، وكان لحظة دخولنا يهمّ بالاستئذان للعودة إلى الجبهة في صرواح مارب. للأسف تعرفت عليه لحظات قليلة قبل انصرافه، وكان يسمع عني وأسمع عنه كقائد لتنظيم الضباط الأحرار، وكنت أتصور أن له صلة تنظيمية بالبعث العربي الاشتراكي، لكن، وبعد سنوات طويلة اكتشفت أنه كان على علاقة طيبة مع كل التنظيمات الوطنية الحديثة آنذاك، وكان لديه علاقات شخصية مع جميع قيادات تلك التنظيمات، لهذا كثير من التنظيمات كانت تقول إنه معها.

وبعد استشهاده بسنوات، سألت أحمد ضيف الله، الذي كان حينها يعمل وكيلًا لوزارة الخارجية، عن الانتماء التنظيمي لعلي عبدالمغني، فقال لي إنه لم يكن منضمًّا إلى أي تنظيم، وكانت علاقته الشخصية طيبة وقوية مع الجميع، وكان أكثر قربًا من الأستاذ أحمد جابر عفيف، سفيرنا في بيروت آنذاك.

  • ما تقييمك لما حدث وللثورة في بداياتها؟

دخلت ثورة 26 سبتمبر في نفس المشاكل ونفس القوى التي تتصارع على اليمن الآن (ثورة فبراير)، مع فارق أن ثورة سبتمبر قامت بوجود ملامح إيجابية في الحياة السياسية القومية والإقليمية والدولية؛ كانت موجودة مصر وعبدالناصر، والاتحاد السوفيتي والاشتراكية، الشعب هنا في اليمن كان متحمسًا للثورة، رغم اعتمادها على عدد محدود من الضباط، لكنها احتُضنت شعبيًّا.

  • بماذا نختتم حلقتنا الأولى، أستاذ يحيى؟

عمومًا، انتسبت مبكرًا إلى البعث العربي الاشتراكي، ومارست نشاطي من خلاله، سواء في الإسهام في الدعاية ضد الإمام والإعداد للثورة، أو دفاعًا عن ثورة 26 سبتمبر، منذ عام 1958 حتى عام 1972.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English