استهداف المرأة والغناء والمناسبات

عن القناعات الفقهية المدججة بالسلاح والتأله
عبدالرشيد الفقيه
August 1, 2021

استهداف المرأة والغناء والمناسبات

عن القناعات الفقهية المدججة بالسلاح والتأله
عبدالرشيد الفقيه
August 1, 2021

من غير اللائق مواصلة حراسة الخطايا التي تُرتكب تجاه الناس بالمخالفة للقانون برفع المقولة الفارغة "أخطاء فردية"؛ فأي سلطة تحترم نفسها وتحترم الناس تتحمل المسؤولية عن سلوك مأموريها وتتصدى لأخطائهم بالمراقبة الدائمة لسلوكهم أثناء خدمتهم، وبالمحاسبة عند ارتكابهم لأي خطأ، وبالمبادرة لخلق ضمانات حقيقية تمنع تكرار تلك الأخطاء، ثم المكاشفة مع الناس لإحاطتهم علمًا بكل الخطوات المتخذة باستمرار إزاء تلك الأخطاء.

الاعتداءات على أفراح الناس ومناسباتهم وعلى حرياتهم الشخصية وغيرها من الممارسات العبثية والخرقاء ليست أخطاء فردية، بل هي وجه سلطة الأمر الواقع في صنعاء وعلى ذمتها ومسؤوليتها طالما بقيت دون ردع ودون مواقف واضحة تؤكد على مضامين ومحددات حقوق الناس وحرياتهم المكفولة قانونًا ودستورًا، وقبل ذلك وبعده مقتضى الفطرة السوية، وطالما لم تضبط هذه السلطة سلوكها وخطابها بتلك المضامين والمحددات.

تتصور سلطة الحوثيين أن البقاء في منطقة رمادية إزاء وقائع الاعتداء على الحريات العامة، التي تُباشر وفق أمزجة متطرفة ورثت خطاب وممارسات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سيعفيها من مسؤولية الآثار الكارثية لهذه الممارسات، وأن إيكالها مهمة تصدير فرية الممارسات الفردية لأتباعها وقياداتها عقب كل واقعة اعتداء كافٍ لصرف النظر عن مسؤولية الجماعة عن كل مساعي إعادة برمجة حياة الناس وفق تصورات أيديولوجية شمولية، قد يحدث أن تعتنقها جماعة أو مكون في ظرف ما، لكن من المستحيل إعادة برمجة مجتمع بأكمله قسرًا عليها تحت أي ظرف، وهذه سنة كونية يثبتها التراكم الإنساني للمجتمعات في مشارق الأرض ومغاربها.

إن تتبع أثر واقعة واحدة تنال من ملذات الحياة والبهجة التي يكابد الناس لخلقها وسط الحرب، كافٍ لإدراك خطورتها في زعزعة إيمانهم بفرص العيش المشترك في هذه البلاد، في ظل كل هذا العبث بخطوط وعناصر المشتركات الإنسانية والوطنية العابرة للأطر والرؤى الضيقة

طيلة الفترة الماضية تكررت في صنعاء وغيرها من المحافظات الخاضعة لسلطة الحوثيين، وقائع الاعتداء المسلح على الحريات العامة في مناسبات متنوعة؛ حفلات التخرج الجامعية، والأعراس، ورُصدت العديد من التوجيهات الخطية في غير مؤسسة ومرفق، جلها تدور حول الغناء، المرأة ولباسها وحضورها في الفضاء العام، والاختلاط، مترافقة مع خطب منفلتة من أي ضوابط تستهدف النساء وتحرض عليهن وتتغذى من ذات المضامين الأيديولوجية والفقهية المتطرفة، بالتوازي مع عدد من الغزوات الشهيرة على عدد من الأسواق لاستهداف الملصقات والمجسمات والمنتجات.

ويوفر تواتر تلك الوقائع في أوقات متفرقة وأماكن ومناسبات مختلفة، نموذجًا مكثفًا لصورة الانحراف الوظيفي الذي أصاب أجهزة الضبط ومأموريها تحت سيطرة الحوثيين حيث تصادف قوة أمنية أو عسكرية تقتحم حفل تخرج جامعي، أو حفل زفاف، مستندة إلى قُصاصة فتوى، أو تسجيل لخطبة، وهو أحد أبسط مظاهر السلطة الثيوقراطية، التي يُراد رهن اليمن لبراثنها؛ لإبقائه رهن التخلف والموات.

في ظل تلك الممارسات يعلق الناس وسط حالة من اللا يقين بشأن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأمزجة الفقهية المهيمنة على مختلف السلطات، كيف يقيمون حفلاتهم ومناسباتهم بلا ضمانات تمنع غزوات إفسادها؟ كيف يذهبون إلى المقاهي والمطاعم في ظل مخاطر النيل من كرامتهم فيها؟ فمن قبيل حرق خيوط المعاطف النسائية وتدمير دُمى عرض الأزياء، توالت خلال فترة وجيزة سلسلة من مشاهد الكوميديا السوداء بممارسات لم تخطر ببال أكثر الخيالات تشاؤمًا وغرائبية وفكاهية.

إن تتبع أثر واقعة واحدة تنال من ملذات الحياة والبهجة، التي يكابد الناس لخلقها وسط الحرب، كافٍ لإدراك خطورتها في زعزعة إيمانهم بفرص العيش المشترك في هذه البلاد في ظل كل هذا العبث بخطوط وعناصر المشتركات الإنسانية والوطنية العابرة للأطر والرؤى الضيقة.

وفي التدقيق حول سلوك السلطات واختلالاتها، فإن طريقة تعاملها مع ما يبدو أنه أبسط الأدوار، مؤشر على حال أعمقها.

في ذات السياق، وبدلاً من أن تتستر الجماعات الدينية بما في ذلك الحوثيين خلف عذر "الأخطاء الفردية"، لقد بات لزامًا عليها فتح نقاش حول الكثير من القضايا، وعلى رأسها الحقوق والحريات العامة والمرأة والفنون المختلفة، مع إدراك أن قناعات وتصورات الجماعات، بغض النظر عن الموقف منها، مجالها التبشير والإقناع والوعظ بوسائلها الخاصة، وليس الإكراه والفرض بوسائل الدولة والمجتمع، والتي يُفترض أن تحكمها نصوص القانون. وعلى هذا، يتأسس واجب علاج معضلة الالتصاق بين أدبيات وخلاصات الجماعة الفقهية والأيديولوجية وأدواتها ووسائلها، وبين المؤسسات العامة التي أصبحت تحت سيطرتها وتدير من خلالها شأن الناس وتحكمهم بها.



•••
عبدالرشيد الفقيه

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English