يمنيات يتسولن القوت المسلوب

يتعرضن للمضايقات والمنع من العمل
مبارك اليوسفي
January 30, 2021

يمنيات يتسولن القوت المسلوب

يتعرضن للمضايقات والمنع من العمل
مبارك اليوسفي
January 30, 2021

الفقر والجوع وعدم توفر الأعمال وتردي الوضع الاقتصادي والمعيشي والإنساني، جعل أروى (42 سنة) (اسم مستعار)، تلجأ إلى التسول والبحث عن فتات الأطعمة مما يتركه الناس في المطاعم والأسواق، بحرقة تقول لـ"خيوط"، إنها لم تعد تملك شيئًا في المنزل وليس لها ولعائلتها أي مدخل رزق؛ الأمر الذي دفعها إلى التسول كي تعول أبناءها الخمسة بعد أن فقدوا والدهم مطلع العام الماضي ورفض الجميع من الأهل أن يمد يد المساعدة لهم، فكان التسول هو الحل الوحيد من أجل إطعام أبنائها الصغار.

لم يتجاوز طفلها الأكبر عامه الثالث عشر؛ لذا فإنه من الصعب أن يعمل بسهولة، تطوف أروى الشوارع و"الجولات" وعند بوابات المطاعم -التي منعت النساء من العمل فيهن- بصنعاء الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، وذلك مع أبنائها؛ تارة تمسح السيارات، وتارة أخرى تبيع الحلوى، وباقي الوقت تتسول من المارة قوتها المسلوب، لم تلتحق أروى في صغرها بأي مدرسة؛ لذا فإنها لا تستطيع الكتابة ولا القراءة، وهذا السبب الأولي الذي وقف عائقًا أمامها في العمل، بالإضافة إلى قلة فرص العمل، حسب حديثها، إذ تحرص على صرف جزء مما تحصل عليه من الناس من مبالغ بسيطة على تدريس أطفالها، من أجل ضمان مستقبل أطفالها، حد قولها.

بعد نحو ست سنوات من الحرب الدائرة في البلاد أنهكت المواطن اليمني وتسببت بالقضاء على مختلف فرص العيش المتوفرة، أصبحت اليمن، وفق تصنيف الأمم المتحدة، مرشحة لتكون الدولة الأفقر في العالم، إذا استمرت الحرب حتى العام 2022، بالإضافة إلى أن أكثر من 80% من السكان البالغ عددهم حوالي 20 مليون مواطن يواجهون انعدام الأمن الغذائي بما فيهم 14 مليون مواطن بحاجة إلى تدخل إنساني عاجل، حسب المفوضية السامية الأممية لشؤون اللاجئين.

الدكتور عبدالكريم العوج أستاذ الاجتماع في جامعة صنعاء يعتبر أن الحرب وتردي الأوضاع الإنسانية وزيادة نسبة الفقر والبطالة وعدم صرف رواتب موظفي الدولة المتوقفة منذ 2016، من أهم الأسباب التي زادت من عدد المتسولات في الشوارع 

تشكو أروى، وغيرها من النسوة اللاتي دفعتهن الحاجة إلى الشارع، من سوء معاملة بعض المارّة واحتقارهن بشكل كبير، تقول إن هناك من يتعامل معها بعين الرحمة، فيما ينظر إليها آخرون بنظرة احتقار.

هذا الاحتقار يتخذ أشكالًا متعددة لا يتوقف عند حدود المارّة وأساليب التحرش والمضايقات، بل كذلك لدى السلطات المعنية التي تضيق الخناق على المرأة وتمنعها من العمل في بعض المهن والأعمال، كما هو حاصل في صنعاء الخاضعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين) التي قررت منع عمل الفتيات والنساء في بعض الأعمال التي كانت بدأت تستقطبها، كالمطاعم ومختلف المنشآت العاملة في تقديم الوجبات والمأكولات، ودفعهن إلى خارج هذه المنشآت ليتكدسن أمامهن يمارسن التسول ومد اليد لزبائن هذه المنشآت، كما يلاحظ ذلك في كثير من مطاعم منطقة حدة جنوب صنعاء. 

مضايقات

على امتداد رصيف شارع الزبيري في صنعاء، تشاهد مئات النساء يتسولن في منظر مؤلم يعكس واقع الحياة وإلى ما وصل إليه المواطن اليمني من فقر وعجز عن توفير لقمة العيش.

مريم (20 سنة) (اسم مستعار)، هي الأخرى تجوب الشوارع وأسواق القات، بحثًا عما تعود به إلى المنزل من أجل إطعام إخوانها الصغار، تقول لـ"خيوط"، إن والدها توفي إثر مرض مزمن قبل أعوام، وهي وأسرتها نزحوا من محافظة الحديدة في العام 2018، وليس لهم أحد هنا؛ الأمر الذي دفعها إلى التسول. تضيف أن الأمر كان صعبًا في البداية، ولم تكن تستطيع أن تطلب من أحد شيئًا، لكنها الآن تعودت على هذه الظاهرة وتعلل ذلك إلى حاجتها التي دفعتها إلى ممارسة التسول.

تتعرض مريم للكثير من المضايقات في الشوارع، وتؤكد أن الكثير ممن تطلب منهم الحاجة يحاولون ابتزازها والتحرش بها، فيما يعرض عليها آخرون ممارسات غير أخلاقية مقابل المال، دون أن يحميها أحد مما تتعرض له من مضايقات.

وتعتبر الحرب، وتردي الأوضاع الإنسانية، وزيادة نسبة الفقر والبطالة، وعدم صرف رواتب موظفي الدولة المتوقفة منذ 2016، من أهم الأسباب التي زادت من عدد المتسولات في الشوارع، حسب قول الدكتور عبدالكريم العوج، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء.

ويضيف العوج لـ"خيوط"، أنه لا توجد إحصائيات دقيقة بعدد المتسولات في الشوارع ومدى زيادتهن أثناء فترة الحرب، ولكن النسبة زادت بشكل كبير جدًّا تصل إلى نحو 500%.

قانون مع وقف التنفيذ

يجرم قانون العقوبات اليمني التسول، حيث نصت المادة 203 من القانون على، "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر من اعتاد ممارسة التسول في أي مكان إذا كان لديه أو في إمكانه الحصول على وسائل مشروعة للتعيش، وتكون العقوبة الحبس الذي لا يزيد عن سنة إذا رافق الفعل التهديد أو ادعاء عاهة أو اصطحاب طفل صغير". 

لكنه نصّ قانوني مع وقف العقوبات، حتى عندما كان هناك مشروعٌ لمكافحة التسول، وهو المشروع الذي أنشأته أمانة العاصمة صنعاء في العام 1999، بمنطقة "صَرِف" شرق صنعاء، لمكافحة التسول وتأهيل المتسولين. أغلق المشروع أبوابه في العام 2012، وفي حين كان من المفترض أن يكون مركزًا لإيواء وتأهيل المتسولين، كان مركزًا "للرعاية الأسرية" طيلة فترة عمله.

ويرى المحامي عبدالحكيم الدبعي في حديثه لـ"خيوط"، أن تطبيق هذا القانون في مثل هذه الظروف غير ممكن، وذلك لعدم قدرة الدولة على توفير الأعمال والوظائف للمواطنين بالإضافة إلى أن البلاد تمر بحالة اقتصادية سيئة، وأغلب المتسولين أجبرتهم الظروف القاسية إلى التسول. ويشير الدبعي إلى أن مكافحة التسول في مثل هذه الظروف أمرًا صعبًا للغاية.

وتنعدم كافة الحلول الهادفة إلى مكافحة ظاهرة التسول التي تزداد يوما بعد آخر، من قبل الجهات المعنية بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي تمر به اليمن، حسب ما أدلى به الدكتور كامل الرشاحي، رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء.

الدكتور الرشاحي يؤكد لـ"خيوط"، أن الحل الوحيد هو استغلال الأراضي الزراعية الواسعة التابعة للدولة، وتشغيل هذه الفئة المتوسعة من الناس في المجتمع، بحيث يقسم المحصول على الدولة وعلى القوى العاملة، بالإضافة إلى تخصيص مبالغ مالية من عائدات الزكاة التي يتم جمعها سنويًّا من المواطنين، ويتم شراء سلال غذائية وتوزيعها على هذه الفئة ومساعدتها في توفير قوتهم الأساسي.

بإمكان مثل هذه الحلول، وفق رئيس قسم الاجتماع بجامعة صنعاء، أن تساعد الكثير من الفقراء والمعدمين، إضافة إلى أن تقديم الحلول المساعدة قد يسهل، فيما بعد، للجهات المعنية ضبطَ الأشخاص الذين أصبحوا يمارسون هذه الظاهرة من باب الاحتيال وكسب الرزق بدلًا من العمل.


تحرير/ "خيوط"

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English