اليمنيات بين الحرمان من التعليم والزواج القسري

العنف الذي يباركه المجتمع
محمد النمر
March 9, 2023

اليمنيات بين الحرمان من التعليم والزواج القسري

العنف الذي يباركه المجتمع
محمد النمر
March 9, 2023

قضت الشابة ريهام سعيد (19 سنة)، عمرَها في المنزل بين أربعة جدران، بعد أن أجبرتها أسرتها على ترك مدرستها وتعليمها؛ بحُجّة أنّ التعليم ليس ضروريًّا للمرأة، بل إنّ مواصلة الفتاة تعليمها قد يرتقي لمرتبة العيب في أوساط أسر عديدة، تتحدث ريهام لـ"خيوط" عن هذه القضية، قائلة: "يتعامل المحيط مع المرأة باعتبارها كتلة من العيب! كنتُ في الصف الرابع الابتدائي في سن العاشرة، حين سحبني أخي بشعري من المدرسة للمنزل، صارخًا بوجهي بأنّ مكاني هو المنزل لمساعدة زوجته، إذ لا طائل من تعليم البنات، برأيه، مهدِّدًا إياي بالقتل في حال حاولت الذهاب مجدَّدًا للمدرسة، فما كان منّي إلّا الرضوخ لقراره، وتنفيذ عقوبة الحبس؛ لأنّي يتيمة وهو ولي أمري الوحيد".

تضيف قائلة: "لم تتوقف مأساتي عند حرماني من التعليم، بل مُنعتُ من الخروج مدةَ شهر كامل، وحُرمت من مقابلة حتى صديقاتي. تداعيات هذا التعنّت ما تزال آثاره عالقة في نفسي حتى اللحظة، تسكن الحسرة نفسي كلّما شاهدت زميلاتي يقرأن ويكتبن، فيما تستوطنني الأمية، لقد بُترت حياتي التعليمية، وبقيت معاقة تمامًا". 

الجدير بالذكر، أنّ الكثير من هذه الممارسات المعنفة للمرأة، تحظى بغطاءٍ قبَليّ واجتماعيّ مساند يتعامل مع حقوق المرأة في التعليم والاختيار، بوصفها متطلبات ثانوية وغير ضرورية. 

بل إنّ بعض هذه العادات والتقاليد والأعراف القبَلية تنظر لتعليم الفتاة بوصفه عيبًا؛ تعبّر عن هذه النظرة الكثير من الأمثال الشعبية المتداولة التي تعكس هذا المزاج الاجتماعي العام من قبيل: "ما للبنت إلّا الزوج وإلّا القبر". 

 الزواج بدلًا عن التعليم 

"نفس السيناريو، وذات التعليمات اليومية: "ممنوع الخروج، ممنوع أن تذهبي للمكان الفلاني، ممنوع أن تلبسي كذا، ممنوع أن تتدخلي في كذا، المفروض أن تتزوجي وتكوّني أسرة بدل ضياع الوقت في الدراسة". هذا هو الكلام والصراخ المعتاد الذي أسمعه من أبي، وإخواني كل يوم"؛ تقول سارة سرحان (20 سنة)، لـ"خيوط"، واصفة الانكسار والمرارة التي تشعر بهما كونها امرأة. وتتابع سرحان الحديث قائلة: "أكملتُ دراستي الثانوية تحت تعنيفٍ كنتُ أتلقّاه من أبي الذي لم يكن راضيًا عن دراستي، والذي كان يصرّ على أن أترك التعليم وأجلس في البيت إلى أن أتزوّج".

وتتابع سرحان: "بعد انتهائي من الثانوية، كنتُ أتهيّأ لدخول الجامعة لدراسة الشريعة والقانون، لكن أهلي أجبروني على الزواج عنوة، ولم ينقضِ سوى أسبوعٍ حتى قام زوجي بالاعتداء عليّ وضربي بسبب الدراسة، التي كان قد تعهَّدَ قبل الزواج بأنّه سيسمح لي بإكمالها، لكنه قوّض أحلامي ونزع ثقتي به وبنفسي، وحطم طموحي، لأجد نفسي بعدها قد انتقلت من سجن الأهل وظلمهم إلى سجن الزوجية الأشدّ ظلمة وتعنيفًا".

بدأت معاناتي وأنا في سن الـ16 سنة، حين تلقيت أول صفعة على وجهي، وركلتين في ساقي، متلقية أقذع الألفاظ وأبشعها من قبل أخي الأكبر؛ بسبب إصراري على إكمال دراستي ورفضي الزواج برجل يكبرني بحوالي 15 سنة، ضُربت حينها ضربًا مبرحًا، لم ينقذني أحدٌ في القرية، رغم صراخي واستنجادي، باعتبار أنّ هذا الأمر شأنٌ أسريّ".

دُفنت سارة وهي ما تزال على قيد الحياة، ودُفنت معها كرامتها وطموحاتها، وحده الاكتئاب والمرض والتحطيم النفسي من تعيش معه وبه في ظلّ عادات وتقاليد لا تعترف بحقوق النساء لا في تعليم، ولا في اختيار، ولا في حماية، واقع ترزح تحت مقصلته آلاف اليمنيات من مختلف الخلفيات والطبقات والأعمار.

وإلى جانب هذه الأسباب المتعلقة بالعادات والتقاليد البالية، التي يختلط فيها العرف بالعيب بالشرع، هناك مصفوفة أخرى من التحديات التي تواجه النساء، تحديدًا في الأرياف والمناطق النائية؛ أمل أحمد (22 سنة) تنحدر من إحدى القرى الصغيرة في محافظة عمران، تتحدث لـ"خيوط" حول شغفها وحبّها للدراسة: "أملك شغفًا شديدًا بالدراسة، ولكن لا يوجد في قريتنا صفوفٌ متقدمة للبنات، مثل الذكور الذين تتوفر لهم صفوف تعليمية حتى الصف الثالث الثانوي".

وتقول أمل: "الأدهى والأمَرّ؛ أنّ إيجاد صفوف للبنات ليس في حسبان أيّ جهة، سواء كانت حكومية أو أهلية، ولا حتى جهات خارجية داعمة، فيما يلتزم أولياء الأمور الصمت، مستفيدين من البنات في المهام والأعمال المنزلية والزراعية، ففي كلّ الأحوال لديهم قناعة أنّ مكان البنت الأول والأخير هو البيت لخدمة الذكور، سواء كان أبيها وإخوانها، أو زوجها وأبناءها". 

"لا يهمّ إن كان للمرأة احتياجات أو متطلبات، ولا يهم إن كانت بخير، أو مصابة بأمراض نفسية وعقلية نتيجة الإهمال والتمييز والمعاملة الدونية لها كإنسانة مثلها مثل الرجل"، تنهي أمل حديثها.

تداعيات نفسية 

يتحدّث الدكتور فهمي حسان فاضل، طبيب علم نفس، لـ"خيوط"، عن انعكاسات التعنيف بحقّ النساء على صحتهن النفسية، وتشكّل العقد النفسية والاجتماعية، قائلًا: "إنّ تعرّض أيّ شخصٍ للاضطهاد المستمر، يشكّل خطرًا على حياته النفسية وعلى استقراره النفسي والعائلي، خاصة النساء الفئة الأكثر تعرضًا للاضطهاد والضغوطات، إذ قد يتطوّر الاكتئاب والضغط النفسي إلى اضطراب نفسيّ وقلق مرضي وفصام في الشخصية". 

الجدير بالذكر، أنّ هناك اعتبارات أخرى تساهم في خلق الاضطرابات النفسية لدى النساء متعلقة بطبيعة التربية، والعلاقات الاجتماعية، والأسرية ومدى توافر الدعم النفسي الاجتماعي، إضافة إلى بعض السمات الشخصية، وتوقيت حدوث الصدمة، علاوة على الخبرة والعمر، وعوامل أخرى كثيرة.

العنف كشأن داخلي

"احمدي الله، أنتِ امرأة معزّزة مكرّمة"؛ تقول سماح فايز -اسم مستعار- لـ"خيوط"، وتتابع: "هكذا ضحكوا علينا طويلًا بهذه الجمل الخادعة، فيما تعاني المرأة في اليمن منذ نعومة أظافرها حتى شيخوختها من انتهاكات جسيمة، إذ تتزوج قاصرة، وتحرم من حقّها في التعليم والاختيار، والمشاركة، فوق تحملها مهامًا وأعمالًا ومسؤوليات تفوق قدرتها الجسدية، علاوة على ذلك تتعرّض للعنف الجسدي والنفسي والمعنوي من قبل المجتمع".

وتسرد سماح معاناتها لـ"خيوط"، كنموذج على ما يواجه المرأة اليمنية، بالقول: "بدأت معاناتي وأنا في سن الـ16 سنة، حين تلقّيت أول صفعة على وجهي، وركلتين في ساقي، متلقية أقذع الألفاظ وأبشعها من قبل أخي الأكبر، بسبب إصراري على إكمال دراستي، ورفضي الزواج برجل يكبرني بحوالي 15 سنة، ضربت حينها ضربًا مبرحًا، لم ينقذني أحد في القرية، رغم صراخي واستنجادي، باعتبار أنّ هذا الأمر شأنٌ أسريّ". 

من الناحية القانونية، تؤكّد المحامية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، في حديث لـ"خيوط"، أنّ العنف القائم على النوع الاجتماعي، هو نتاج ثقافة دينية عُرفية تستحقر بعض الفئات من حيث الجنس أو المهنة أو المنطقة أو غيرها من الاعتبارات التمييزية". وتتابع الصراري: "إنّ استمرار هذه الثقافة ناتجٌ عن غياب الوعي، حيث تعتبر اليمن من البلدان العربية المحافِظة التي تكتظ بالعادات والتقاليد المتشدّدة التي تتعامل مع المرأة في الغالب وفقَ نظرة ذكورية خاصة في المناطق الريفية والقبلية"، وتستطرد الصراري: "وبالرغم من الشوط الكبير الذي قطعته الحركة النسوية قبل اندلاع النزاع المسلح في 2014، وحصولها على الحدّ الأدنى من المكتسبات المطالبة برفع مستوى المرأة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، وحثّ الدولة على تطبيق التزاماتها الدولية تجاه المرأة، خاصة المرأة الريفية، إلى جانب سنّ تشريعات ملائمة ومتوافقة مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، الملزمة لليمن باحترام حقوق الإنسان عمومًا، وحقوق المرأة على وجه الخصوص، وتنفيذ سياسات دعم برامج تعليم المرأة الريفية، وتشجيع القبائل والأُسَر على تعليم بناتهم وَفقَ خططٍ تنموية مدروسة كبناء المدارس الابتدائية والثانوية في الأرياف والمناطق الوعرة التي لا تصلها خدمات المواصلات بيسر، وتنفيذ برامج دعم الأُسَر الفقيرة لضمان استدامة تعليم الفتاة الريفية، وتوجيه المنظمات الدولية لتنفيذ مشاريعها التوعوية، إلّا أنّ الحرب أتت على الكثير من هذه الجهود والمكتسبات".

هذا، وكانت دراسة صادرة عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، في 30 أغسطس/ آب 2022، حول ظاهرة العنف الذي تتعرّض له النساء والفتيات في المجتمع، فيما يُعرف بـ(العنف الأُسَريّ)، أشارت الدراسة إلى أنّه يتم التعامل مع هذا النوع من العنف باعتباره شأنًا داخليًّا، ولا يجوز أن يتدخل الآخرون فيه؛ لأنّ العنف يمارسه أفراد الأسرة، مثل الأب أو الزوج أو الأخ، الذين يملكون السلطة الممنوحة لهم من قبل المجتمع الذكوري في اليمن. هذا الأخير، تحكمه العادات والتقاليد الذكورية، خاصة أنّه لا يوجد قانون خاصّ بالعنف الأسري. وبدلًا من ذلك، تخضع حوادث العنف الأسري لأحكام عامة في القانون الوطني، والتي تتضمّن العديدَ من الأحكام التمييزية التي تسمح بالعنف ضدّ المرأة وتتغاضى عنه.

تحرير خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English