"مُغنيات الأعراس" في اليمن.. النظر بعين الانتقاص

سيطرة ثقافة العيب في فنّ المرأة
شهاب العفيف
October 9, 2022

"مُغنيات الأعراس" في اليمن.. النظر بعين الانتقاص

سيطرة ثقافة العيب في فنّ المرأة
شهاب العفيف
October 9, 2022

تواجه المرأة اليمنية العامِلة في مجال الغِناء أو "تنسيق أغاني أعراس النساء الحديثة" (دي جي)، بقاعات الأفراح، صعوباتٍ تَحُوْل دون ظهورها كـ:فنانة يمنية أو صاحبة موهبة، فيتم النظر إليها بعين الانتقاص.

وعلى الرغم من امتلاك هذه المرأة الصوتَ والموهبة في إحياء مراسيم الزفاف النسائية بقالبها الحديث، فإنه دائمًا ما يتم ربطها بالعادات والتقاليد من قبل الأسرة والمجتمع وسيطرة ثقافة العيب في مجال فنّ المرأة.

إصرار على الغِناء

"أهلي غير متقبّلين أن أُصبِح فنّانة أغانٍ بسبب العادات والتقاليد بمجتمعنا، كانت تلك أبرز الصعوبات العائقة أمامي عن التقدّم بمجال الغِناء". تتحدث رغد -اسم مستعار- (28 عامًا) من مدينة تعز، عن إصرارها في التغلب على نظرة المجتمع السلبية نتيجة عملها في أغاني الأعراس الحديثة، وكيف واصلت مسيرتها في هذا المجال.

حيث تروي خطواتها الأولى مع الفنّ قبل عامين، قائلة: "كنتُ أُغنّي بين الحين والآخر في المنزل بشكل اعتيادي، وعندما أردت تقديم مفاجأة لرفيقتي المُقبِلة على الزواج أغنيةً خاصة بصوتي، بدأت بالبحث عن إستوديو بمدينة تعز لتسجيل الأغاني، إلى أن عثرت على أستديو، وكان حينها أحد مهندسي الصوت بجانبي، وهو أول من شجّعني على مواصلة هذا المجال".

من ذلك المكان، بدأت رغد مشوارها الفنّي بتسجيل أغاني الزفاف لصديقاتها المقربات، ونشر أعمالها على صفحتها "فيسبوك"، إذ حظيت بتفاعل وتشجيع واسعَين من المتابعين.

وأغنية الزفاف المسجّلة يتم تشغيلها بداية مراسيم طقوس الزفاف عند دخول العروس القاعة (زفة استقبال) لتُشعِرها بالفرحة، ومن أنواع الأغاني التي تتميّز بها الفنّانة رغد: "زفات خليجي، أغانٍ مصرية، أغاني الفنان أيوب طارش عبسي"، فيما تغنّي بشكل مباشر في القاعة بأوقات قليلة لأعراس صديقاتها.

توسّع أغاني رغد

لم يقتصر عمل رغد في مواقع التواصل الاجتماعي فقط، فسرعان ما تم التواصل معها عبر صفحتها بالفيسبوك، التي تحمل اسمًا مستعارًا -بسبب ضغوطات الأهل والبيئة المحيطة بها- لتسجيل زفات أعراس لفتيات خارج اليمن، وهو ما دفعها للمواصلة.

أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتور محمود البكاري: "المضايقات التي تواجه المرأة اليمنية نتيجة عملها في أغاني الأعراس، لربما يكون ذلك من منظور التمايز الاجتماعي، حيث يعمد البعض إلى تحقير بعض المهن الحديثة على غِرار تحقير مهن قديمة، كونها لا تتناسب مع وضع اجتماعي معين".

وتضيف في حديثها لـ"خيوط": "بدأت أسجّل أغاني أعراس زفة سعودية، لفتيات في السعودية، شريطة عدم ذكر اسمي في الأغنية، أو كتابته بالفيديو المسجل، فتخوُّفي من الأهل والمجتمع دفعني إلى أن أفعل ذلك".

المرأة اليمنية و(دِيْ جي) الأعراس

يعرف الـ(DJ) بأنه منسق الموسيقى، ويقوم باختيار وتنسيق ومزج مجموعة أغانٍ مسجّلة ومقاطع موسيقية بحيث تكون بسرعة إيقاع ثابتة، مع إمكانية إجراء تحريفات وإضافة مؤثرات صوتية إليها، ويبثّها للجمهور، وذلك لزيادة المتعة والإثارة ولتحفيزهم على الرقص عليها.

منذ عشرات السنين، والمرأة اليمنية حاضرة في إحياء مراسيم الزواج الشعبية، وبدأت مؤخرًا بالعمل في تنسيق موسيقى وأغاني الأعراس الحديثة بقاعات الأفراح النسائية، ومشاركة العروس فرحتها وإدخال السرور بين الحاضرين.

تقول الفنانة هديل منصر (26 عامًا)، في حديثها لـ"خيوط"، إنّها بدأت في عمل (DJ) الأعراس بعد إنهاء مرحلتها الجامعية، كهِواية وشغف بهذا المجال، إذ تمارس عملها أثناء طقوس الزفاف في قاعات الأفراح، ومشاركة العروس يوم فرحتها، بَدْءًا باستقبال العروس عند دخولها القاعة بإشعال جوٍّ حماسي فرائحي، إلى دخول العريس، ويستمر عملها نحو 5 ساعات.

وعن اختيار أغاني الأعراس التي تُبَثّ عبر مكبرات الصوت الموزّعة في القاعة، توضح أنّه يعود لذائقة الضيوف الغنائية؛ فبعضهم يفضّل اللَّحْجِيّ، وبعضهم الصنعانيّ، أو الخليجي، والمصري، والأجنبي.

لا تختلف طريقة التواصل مع هديل عن رغد، فمواقع التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأساسية، بعد ذلك يتم الاتفاق على الرسوم المالية، ومكان إقامة الزفاف.

أبرز الأسباب التي جعلت هديل تتمسك بهذا المجال، حبُّها وهِوايتها لفنِّ الـ(دي جي)، ومساندة والدتها، ومحاولة مشاركة العروس الفرح في يومها المفضل. لم يقتصر عملها الفنّي والطرب في الأعراس داخل مدينة تعز فقط، بل يتم طلبها إلى مناطق خارج المدينة، كمنطقة الحوبان شرقًا، ومدينة التربة جنوبًا، ومحافظة إب شمالًا، للمشاركة في إحياء الأعراس هناك.

أغاني الأعراس والمجتمع

تؤكِّد هديل أنّها رغم تلقيها مضايقات -سواء أثناء عملها في القاعة، أو عند ممارسة حياتها الاجتماعية- لا تنزع فرحة العروس بمغادرتها القاعة؛ فالعمل في مثل هذا المجال والبيئة، يحتاج -بحسب هديل- إلى صبر وإصرار للنجاح وتوسيع الحلم.

أما الانتقادات التي تتلقّاها من بعض أشخاص المجتمع، فتستقبلها بروح مرنة، ولا تدعها تُؤثّر في مشروعها، قائلة: "لأنّي أعلم أنّه مهما كانت موهبتك أو مشروعك الخاص، فسيظهر من يعيبه، كما يحدث للمشاريع الجديدة بمدينة تعز".

من جانبه، يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتور محمود البكاري، أنّ المضايقات التي تواجه المرأة اليمنية نتيجة عملها في أغاني الأعراس، لربما يكون ذلك من منظور التمايز الاجتماعي، حيث يعمد البعض إلى تحقير بعض المهن الحديثة على غِرار تحقير مهن قديمة، كونها لا تتناسب مع وضع اجتماعي معيّن.

ويقول البكاري، إنّ تقديم الأغاني في الأعراس عملٌ فنّي بحت، وليس فيه ما يعيب، فالفنّ هو ثقافة المجتمع المتوارَثة منذ القدم، زد على ذلك أنّ الأعراس في اليمن لها طابع خاص، يتمثل في اعتماد الكثير منها على الفقرات الفنية، كالغناء والرقص والطرب والبَرَع.

وبحسب البكاري، فإنّه لا يكتمل الفرح إلا بهذه الأهازيج، حتى لو لم يكن صاحب الزفاف راغبًا بذلك، إلا أنّه يساير هذه العادات والتقاليد الاجتماعية حتى لا يُنظر إليه على أنه مخالف لها.

في السياق ذاته، يقول الناشط الإعلامي والمجتمعي، سام البحيري، لـ"خيوط"، إنّ فكرة عمل المرأة اليمنية في إحياء الأعراس وإضافة الطابع الفرائحي من خلال الشدو بالأغاني، ليست وليدة اللحظة، ابتداء من الضرب على الدف أو الصحن والطار، وصولًا إلى العزف على العود -الغناء الشعبي- ثم الـ(دي جي)، أشياء ليست بحديثة بل قديمة قِدمَ الأفراح اليمنية.

ويضيف البحيري: "بدوري، أحيي هذا الموروث الفنّي وأدعو للمحافظة عليه بطابعه التقليدي، ولا بأس في التطوير، أما بالنسبة للنظرة السلبية من المجتمع، فربما لأنّ العمل بهذه المهنة سابقًا، كان مقتصرًا على طبقة محددة من فئات المجتمع، وهذا ما كان يتجذر بفرض التمييز الطبقي، وربما أوشك أن يختفي، كون المرحلة الحالية تشهد حراكًا فنيًّا وثقافيًّا وإبداعيًّا في كل المجالات، وهذا الحراك الفنّي سيعزّز القيم لدى المجتمع وسيسهم بطريقة أو بأخرى في تثقيفه ووعيه".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English