الحرب تُوسِّع ظاهرة تعنيف اليمنيّات

ظروف تفرض حياة جديدة أشدّ قسوة
عبدالكريم عامر
December 30, 2022

الحرب تُوسِّع ظاهرة تعنيف اليمنيّات

ظروف تفرض حياة جديدة أشدّ قسوة
عبدالكريم عامر
December 30, 2022
Photo by: Shohdi Alsofi - © Khuyut

أدّى الصراع الدائر في اليمن مُنذ أكثر من ثماني سنوات، إلى تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء على مستويات مختلفة بشكلٍ لافت، ودفعت الحرب كثيرًا من اليمنيّات للانخراط في أعمال محفوفة بمخاطر تهدّد حياتهن، لأجل عَيْش أسرهن، وما تلاه من تضاعف لمسؤولياتهن في مجتمعٍ تسوده قيودٌ صارمة تجاه النساء تحديدًا. 

واقع ضدّ المرأة

فيما يكافح العالم العنفَ ضدّ النساء، تعاني معظم اليمنيّات من تضييق وتعنيفٍ متواصل، الأمر الذي يتطلب تسليط الضوء على معاناتهن باستمرار، بخلاف الحملات والمناسبات الدولية.

في هذا الصدد، تقول الناشطة الاجتماعية، بشرى العولقي، لـ"خيوط": "ازدادت حالات العنف تجاه النساء والأطفال بصورة مفرطة وبوسائل متعددة، خاصة في سنوات الحرب، أعتقد أنّ اليمنيّات هن أكثر نساء العالم تعنيفًا خلال الأعوام الأخيرة". 

تواجه اليمنيات، في مناطق متفرقة من البلاد، معتركَ حياةٍ جديدة أشدّ قسوة، تحكمه عدة ظروف طارئة؛ كالنزوح والتشرّد، والتفكك الأسري، والأعمال الشاقة والمضاعفة.

النازحة الأربعينية، أم سالي الشميري، من محافظة الحُديدة الساحلية، فقدت قبل عامين عائل الأسرة الوحيد، نتيجة إصابته بمقذوف أثناء تواجده بمقر عمله، تسرد لـ"خيوط" الحكاية التي أودت بها للعمل الشاق والمضني بصنعاء: "زوجي راح ضحية داخل ورشته، وهو يعمل في صيانة السيارات، بعدها نزحتُ إلى صنعاء وتحمّلت لوحدي مسؤولية معيشة أطفالي الثلاثة، حيث أشتغل في الصباح عاملة نظافة في مدرسة خاصة، وبعد الظهر أقوم بتجميع علب المياه المعدنية الفارغة وأبيعها، الحياة كلها عذاب". 

تتعرّض بعض النساء للعنف بطرق مختلفة، يبدأ بالتحرش، سواء كان لفظيًّا أو جسديًّا، ثم الضرب، والزواج المبكر، ومشاكل عش الزوجية، إضافةً إلى حرمانهن من التعليم، ومؤخرًا صار النزوح والتشرّد سببين إضافيين لتعرض قطاع كبير منهن لعنف مضاعف.

ثمّة الآلاف من النساء اليمنيات اللواتي كُنّ عرضة للعنف والمعاناة خلال الظروف الراهنة، ألقت عليهن سنوات البؤس ثقلها السيِّئ كله دون رحمة، حيث يواجهن مصائرهن الحتمية بشجاعة وصمود منقطع النظير.

عُنف متنوّع

تنوّعت أساليب العنف ضدّ المرأة اليمنية في الآونة الأخيرة، نتيجة الاضطرابات والصراعات الدائرة، كما أنّ غياب مراكز البحث المتخصصة في هذا المجال، وعدم توفر وسائل الرصد والمراقبة، لمعرفة كل البيانات الخاصة بظاهرة العنف ضد النساء، أدّى إلى تفاقم ظاهرة العنف. 

الناشطة الحقوقية، تيماء ناشر، تتحدث لـ"خيوط"، عن أشكال مختلفة للعنف قائلة: "تتعرض بعض النساء للعنف بطرق مختلفة، يبدأ بالتحرش سواء كان لفظيًّا أو جسديًّا، ثم الضرب، والزواج المبكر، ومشاكل عش الزوجية، مرورًا بحرمانهن من التعليم، ومؤخرًا صار النزوح والتشرّد سببين إضافيين لتعرض قطاع كبير منهن لعنف مضاعف، حيث اضطررن للاشتغال في أعمال شاقة تتنافى مع طبيعة المرأة وما يصاحب هذه الأعمال من امتهان لحقوقهن وكرامتهن الإنسانية". 

بعض العادات تعنيف 

في السياق، تضيف ناشر: "تتحكم بعض العادات والتقاليد المتوارثة في المجتمع اليمني باختلافه وتنوعه، في تفاصيل كثيرة في حياة النساء اليمنيات، بعض هذه العادات تعتبر تعنيفًا بحدّ ذاتها، كونها منافية لقيم الحرية والعدالة".

انتهاكات كثيرة بحق النساء تظلّ طي الكتمان اجتماعيًّا، كونها انصهرت وباتت طقسًا اجتماعيًّا متبعًا بصرف النظر عن أضراره ومساوئه بحق النساء، إجبار الفتيات على الزواج المبكر، الختان، دفعهن للتسول، منعهن من أدنى حقوقهن بحجة القوامة؛ كلها أمور مسكوت عنها اجتماعيًّا وحتى قانونيًّا. تقول المواطنة الثلاثينية خلود القاضي، لـ"خيوط": "حرمني إخواني الذكور من الميراث، حاليًّا أنا منفصلة عن زوجي ومعي طفلان، لجأت للعمل في مسح السيارات والتسول، بالرغم أنّي كنت أستطيع أن أعيش معزّزة مكرّمة".

أزمة مبادرات

في ظل هذا الوضع، لا مؤشرات حقيقية لمبادرات رسمية أو مجتمعية تحد من تفشي ظاهرة العنف ضد النساء، أو مكافحة بعض وسائلها المستخدمة، وإن وُجدت بعض هذه المبادرات يكون حضورها باهتًا ولا يرقى للمستوى، ما يجعل العنف ضدّ النساء يبقى تحديًّا أساسيًّا في حياة اليمنيات يواجهن مخاطره بلا حماية ولا دعم ولا مساندة إلّا من استثناءات لا تذكر، خاصة في ظل تنصّل مؤسسات الدولة المعنية من القيام بواجباتها المحتومة، وتزامنًا مع توسع سطوة حكم الجماعات الدينية المتطرفة.

على صعيد متصل، تتحدث الباحثة الاجتماعية أماني ياقوت، لـ"خيوط"، حول مضارّ تعرّض النساء للتعنيف، بالقول: "إنّ تعرّض النساء اليمنيات للعنف بصورة مستمرة، يخلق منهن نساء مضطربات، غير متعافيات، يعانين من مشاكل صحية ونفسية جسيمة، ينعكس أثرها على المجتمع ككل، خاصة الأطفال".

وبالرغم من محاولة إشراك النساء في مراكز صناعة القرار، وتبنّي خيارات تخدم المرأة وتحفظ حقوقها، عبر المصادقة على كل التوصيات والقرارات الأممية التي تحفظ للنساء حقوقهن، وتساوي بينهن وبين الذكور في الحقوق والواجبات والحماية، إلّا أنّها تبقى محاولات خجولة ومحدودة الأثر والنتائج، في مقابل استمرار تصدّر العنف الذي يزداد ضراوة ضد اليمنيات.

في الحرب، تنتهك أطرافُ الصراع المنتهَكَ أصلًا، وتفاقِم من أسبابه وتداعياته وآثاره. مواطن يمنيّ خمسينيّ، فضّل عدم الكشف عن هُويته لاعتبارات تهمّه، لأنّ ابنته محتجزة في أحد السجون، بدأ يتحدث لـ"خيوط"، بصوتٍ متهدّج: "حتى اليوم لا نعلم ما أسباب اعتقال ابنتي، نحن نلتزم الصمت خوفًا من كلّ العواقب، لأنّي تعرضت للتهديد بالحبس عندما تابعت قضية ابنتي".

وتحضر النساء والفتيات اليمنيات خلال فترة الحرب كضحايا فقط، برغم إسهاماتهن الفاعلة في مواجهة الظروف المعقدة، إذ لا تدابير مناسبة لحمايتهن واحترام حقوقهن.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English