المأساة والملهاة في الحرب اليمنية

تاريخ مشوَّش مليء بالمهازل والمواجع!
د. عبدالله عوبل
July 21, 2023

المأساة والملهاة في الحرب اليمنية

تاريخ مشوَّش مليء بالمهازل والمواجع!
د. عبدالله عوبل
July 21, 2023
.

الزمن لا يتكرر، لكن الأحداث يمكن أن تعود بشكلٍ مختلف في زمن آخر؛ ويوصف بالزمن (تكرار الأحداث في زمن ما)، لذلك يوصف الزمن أنه يعود إمّا على شكل مأساة أو على شكل ملهاة، الملهاة تعود على شكل مأساة والعكس صحيح. لا أدري كم من أحداث في التاريخ قد حملت المأساة والملهاة معًا، لكن أقول في البداية أنّ هذه الحرب هي مأساة كبيرة، وهي ملهاة كبيرة في ذات الوقت. إذن، في ثنايا الملهاة تتخلق المأساة، وفي ثنايا المأساة تتخلق الملهاة، ويكفي أن يطل المرء على المشهد اليمني الراهن ليرى بأم عينه أنّ المأساة والملهاة ملفوفتان في طي واقع الحرب والأزمة، والتدخلات، ووجوه أمراء الحرب والسياسيين من كل حدب وصوب.

المأساة

الحرب مأساة، وكل مفردة من مفرداتها مأساة النزيف اليوميّ للدم والأشلاء والنزوح الداخلي والخارجي والبيوت المهدّمة وانقطاع الأرزاق والفقر والجوع وانهيار الخدمات والتعليم والصحة، كلها مأساة. عناصر المأساة يصعب حصرها، أمّا الفنون الحديثة من مسرح وسينما فقد ودّعناهما منذ أن فُرضت على الشعب اليمني قائمة من المحرمات، أهمّها تحريم الفنون وشطب الحريات. 

منظومة الأعراف القبَلية تُكرَّس بقوة من أجل أن تحمي القبيلة وجودها واستمرارها، ولكي تكون هذه المنظومة حاسمة، أضفت عليها قداسة بإكسابها مشروعية دينية عبر تلفيق الأحاديث والأخبار التي تتناقض مع النص الديني. ومع العقل الذي كرّم الله الإنسانَ به من أجل أن يتأمل ويكتشف ويخترع ويحسّن شروط حياته. 

إنّ المأساة تكمن في السلوك الغريب لأمراء الحرب الذين أصبحوا سلطات الأمر الواقع، وأصبح المواطن بجوعه وفقره وحياته البائسة مصدرًا لإثرائهم، هم يكدّسون الثروات ويؤسّسون الشركات والبنوك ومعارض السيارات والمولات، والمواطن يزداد جوعًا وبؤسًا وشقاء. نُهب راتبه، وصُودرت كرامته، وسُفكت دماؤه، وزُرع فيه الخوف من الغد. كل هذه السلطات الطاغية قائمة على نهب المواطن وحقوقه وممتلكاته، أمّا إيرادات الدولة والجبايات غير الشرعية، ومضاعفة أسعار السلع التي يفترض أن تشرف عليها الدولة، كالغاز المنزلي وغيره، فهناك نسب في دَبّة الغاز ولتر البترول لكلّ مكون عسكري ومسؤول في السلطات العسكرية في كلٍّ من صنعاء وعدن، بل ومن خارج النسق الرسمي ميليشيات وبلاطجة. 

المأساة تكمن في أنّ أسرًا تعاني من الجوع حتى الموت. وإنّ قصصًا لضباط كبّار غير مرضيّ عنهم وأساتذة جامعات يمارسون أعمالًا بعيدة عن تخصصاتهم في المطاعم والأسواق. المأساة في مصادرة الحقوق والحريات، وإقفال الصحف والمواقع الإلكترونية وطغيان الصوت الواحد. 

الملهاة 

قامت هذه الحرب على ملهاة، من أجل تخفيض سعر الدبة البترول وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني! والقضاء على الفساد. عجبي! في الشهر الأول، ارتفع سعر الدبة البترول إلى ٢٤ ألف ريال، بعد أن كان بـ٢٥٠٠ ريال. وارتفع سعر الدولار في السنة الثانية إلى ٣٥٠ ريالًا، بعد أن كان ٢١٥ ريالًا، إذ تم تثبيته في حكومة الوطني الكبير الأستاذ محمد سالم باسندوة. فأين أوصلتنا تلك الملهاة؟ 

الملهاة أن تكون للجمهورية اليمنية حكومتان وثلاثة رؤساء وعملتان وخمسة بنوك وسبعون وزيرًا. تدخّل الخليجيّون تحت شعار إعادة الشرعية وقطع يد التمدّد الإيراني، بعد ثماني سنوات حرب مدت اليد لمصافحة إيران. ليس هذا سلبيًّا، ولكن كان يمكن من البداية بأقل الخسائر. 

الملهاة أن تصادر رواتب الناس، وتفرض عليهم الجبايات، وتحمّلهم عبء الخدمات. 

الملهاة أن تضع قائمة أسعار الخمس الصلوات في الجوامع. 

الملهاة أن يعاد إنتاج النظم اللاهوتية وحكم القبيلة ذات العصبية الأقوى حتى وإن كانت صغيرة، وأن يكون الحكم بالغلبة أو وفق نظرية الحق الإلهي في القرن الـ٢١. 

الملهاة أن يطلب مأموري المديريات إتاوات على أصحاب الجواري، وإتاوات على المولدات الكهربائية لأصحاب الدكاكين الصغيرة. وعلى حفلات الأعراس والعزاء في عدن، المدينة الأقدم مدنيةً في الإقليم كله. 

الملهاة أن يصور زعيم سياسي قبيلته أنها من المهاجرين، لهم الحق في السطو على الوظيفة العامة، وباقي المواطنين من الأنصار. 

الملهاة أنّ الأحزاب السياسية أصبحت جزءًا من الاحتلال الداخلي، ومستقطبة بين دول التحالف وبين الأطراف الداخلية. 

الملهاة تنصيب الثمانية في حالة نادرة لم تحصل في العالم. هم أمراء حرب وكلٌّ منهم لديه مشروعه الخاص. 

الملهاة في حجم الجبايات غير القانونية التي تجاوزت حدود المنطق. 

الملهاة أن تُقام حربان بين الشرعية والانتقالي، ليكتشف الطرفان أنّ الحرب ليست لإسقاط حكومة بن دغر ٢٠١٨ أو حكومة معين ٢٠١٩، بل لتقسيم الجنوب إلى جنوب غربيّ وجنوب شرقيّ. 

التاريخ في هذه الحرب التي لا يعلم أحد كيف تدار باعتبارها من أفلام هوليوود، تاريخ مشوش مليء بالمآسي والمهازل.

الشعب اليمني المفترى عليه في هذه الحروب الداخلية والخارجية، سيبعث يومًا من تحت ركام الحرب ويقول كلمته، هذه الحالة اليمنية ليست أبدية ولن تدوم.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English