تعثرت حين اتجهت لإنهاء حالة الشراكة

غياب الدولة يفتح المجال لتهديد كافة المكتسبات وليس الوحدة فقط!
علي سعيد الأحمدي
May 23, 2023

تعثرت حين اتجهت لإنهاء حالة الشراكة

غياب الدولة يفتح المجال لتهديد كافة المكتسبات وليس الوحدة فقط!
علي سعيد الأحمدي
May 23, 2023

لعل مما يتفق عليه اليمنيون شماليون أو جنوبيون وحدويون أو انفصاليون هو أن الوحدة اليمنية هي أكبر منجز تحقق لليمن في العصر الحديث بعد قيام الجمهورية، وبرغم كل ما شهدته الفترة الانتقالية التي تلت إعلان الوحدة في ٩٠ من مشاكل وحوادث وخلافات بين قيادة الشطرين، وما تلى ذلك من إندلاع الحرب في أبريل ٩٤ فقد بقي للوحدة اليمنية ألقها وحضورها في أوساط قطاع واسع من الجنوبيين، وبقيت الآمال معقودة على أن يتم الحفاظ على كل المكتسبات التي تحققت مع الوحدة والبناء عليها للوصول ليمن مستقر ومزدهر. 

ولكن مع مرور الأيام كانت تضيق تلك الآمال وتقل شيئاً فشيئاً جراء الممارسات الممنهجة للنظام المنتصر والتي اتجهت بوضوح لانهاء حالة الشراكة السياسية،  والسعي الحثيث لتكريس نظام سلطوي مستبد بيده الثروة والقوة لم يكتف بالاستئثار بها له ولحاشيته، بل تعدى ذلك للإضرار المباشر بالمواطن الجنوبي بشكل أخص عن عموم المواطنين لظروف وملابسات توحد نظامين مختلفين، ولما أعقب الحرب من قرارات ظالمة بتسريح عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين واحالتهم للتقاعد، وبقاء رواتبهم في ذلك الحد رغم التقلبات الاقتصادية ورفع رواتب عموم موظفي الجمهورية.

 عدم إيجاد معالجة حقيقية لآثار الحرب وغياب رؤية اقتصادية حقيقية تحقق الاستقرار الاقتصادي لأبناء الشعب اليمني والجنوبيين بشكل أخص وهم من ظلوا معتمدين على الدولة، وما حصل من إفقار للشعب يقابله اثراء من طبقة أغلبها شمالية متحكمة بمفاصل الاقتصاد والأعمال والمقاولات داخل المحافظات الجنوبية كل ذلك كان يقود البلاد إلى اهتزاز صورة الوحدة لدى كثير من أبناء الجنوب  .. 

شكلت كل هذه العوامل بيئة لاندلاع احتجاجات الحراك الجنوبي والتي تصاعدت شيئاً فشيئاً بعد بدايتها كقضايا حقوقية للجنوبيين، ليقابلها النظام بأسلوب البطش والتنكيل فأقدم على قتل المحتجين في ساحات الاحتجاج، كما تم اعتقال قيادات من الحراك وزجهم في سجون الأمن السياسي وعمل محاكمات صورية لهم، ولجأ كثير منهم لاحقا للهروب والتواري والبعض نقل نشاطه للخارج مما فتح المجال لاستقطاب الكثيرين لتشكيل وتفعيل معارضة جنوبية من الخارج ساهمت في تأجيج الشارع ورفع مطالبه إلى الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية السابقة .. 

برغم الزخم الذي أوجده الحراك الجنوبي خصوصا ما بعد ثورة ٢٠١١ وبروز عدد من الكيانات والرموز القيادية، الا انه لم ينجح في تشكيل مشروع مطلبي واضح أو رؤية واقعية أو حتى قيادة موحدة، وهذا ما فتح المجال أمام الرئيس عبدربه منصور لإدخال القضية الجنوبية ضمن أجندة مؤتمر الحوار الوطني اليمني الذي انعقد للخروج باليمن من الفترة الانتقالية إلى مرحلة قادمة من الاستقرار تعالج فيها كافة القضايا الرئيسية في البلاد .. 

خلص مؤتمر الحوار الوطني لوضع حلول ضمانات للقضية الجنوبية من خلال مشروع الدولة المدنية الاتحادية لبت أهم ثلاثة مطالب مختلفة للجنوبيين وهي:

أولا: معالجة أخطاء إدارة الوحدة التي انتهجها نظام صالح بعد حرب 1994، حيث أعادت مخرجاتُ الحوار الوطني الجنوبَ الى قلب الشراكة الوطنية بالمناصفة مع الشمال في كافة سلطات الدولة العليا.

ثانيا: منح المحافظات الجنوبية - من خلال نظام الأقاليم المتعدد- حقها في الشراكة في الثروة والسلطة الذي حرمت منها منذ 1967‬

ثالثا: معالجة مشكلة الإقصاء وآثار الصراعات الجنوبية المتراكمة. من خلال إقرار المؤتمر لمبدأي المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، ووضع أسس بناء نظام مدني تعددي في مختلف مستويات الحكم الولائية والإقليمية والمركزية.

وللأسف مرة أخرى لم تلق حلول مخرجات الحوار الوطني طريقها الى التطبيق، حيث قام الحوثيون بدعم من ايران وتحالف مع الرئيس السابق صالح بانقلاب عسكري على مخرجات الحوار الوطني، وأسقطوا مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وسيطروا على معظم مناطق الشمال وصولا الى مدينة عدن الجنوبية التي نكلوا بأهلها وتسببوا لها بدمار كبير، الأمر الذي واجهته القيادة الشرعية بدعم المقاومة الشعبية واستدعاء تحالف عربي واسع بقيادة المملكة العربية السعودية في أذار/مارس 2015. وخلال أربعة أشهر نجحت المقاومة الشعبية بدعم التحالف من طرد مليشيات الحوثي صالح من مدينة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى.

مع دخول اليمن في مرحلة الحرب بقيت شرعية الرئيس هادي ومرجعيات الحل _ومنها مخرجات الحوار الوطني _ دليلاً ومخرجاً للحفاظ على وحدة البلاد بشكلها الاتحادي، ولكن مع طول أمد الحرب ووصولها لثمان سنوات تشكل واقع جديد وظهرت انقسامات داخل الشرعية وصل الأمر فيها لنقل صلاحيات الرئيس هادي لمجلس رئاسي يضم كافة التشكيلات المتناقضة التي تشكلت داخل الشرعية ..

الخلاصة ..

شعبياً بقيت الوحدة حاضرة كمكتسب وطني كبير في ضمير الشعب اليمني شمالاً وجنوباً، ولكن الأخطاء المتكررة من النخب الحاكمة أو الساعية للوصول للسلطة فتحت المجال لقوى الخارج والداخل لاستغلال كل ماجرى من أخطاء والدخول من خلاله وتبني مشاريع مختلفة .. 

إن غياب القيادة القوية للبلاد وضعف أو تلاشي مؤسسات الدولة وسيادتها يفتح المجال لتهديد كافة المكتسبات الوطنية وليست قضية الوحدة فقط ..

ولايزال أبناء اليمن يتساءلون هل تعي النخب السياسية ما يجري في المحيط العربي وما ينعكس على واقعنا اليمني من تجاذبات وصراع مصالح وكيفية الحفاظ على بلادنا وسط كل هذا، أم يستمر النظر للبلاد من منظور المصالح الضيقة حزبية أو مناطقية أو شخصية لتطول هذه الأزمة الكارثية إلى أجل غير مسمى ؟

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English