مقدمات آلت إلى نفسها

الكمين الذي تأسّست عليه الوحدة
المحامي/ عبدالعزيز البغدادي
May 20, 2023

مقدمات آلت إلى نفسها

الكمين الذي تأسّست عليه الوحدة
المحامي/ عبدالعزيز البغدادي
May 20, 2023
الصورة: لـ عبدالرحمن الغابري

من المعلوم أنّ المقدمات تؤدّي إلى النتائج، هذه القاعدة أو المبدأ، تحتم علينا إعادة قراءة المنظور العام للنظام السياسي الحاكم قبل الوحدة في كلا دولتَي الشطرين (الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب)، للتعرف على عوامل تحريكهما باتجاه الوحدة في 22 مايو 1990، على ذلك النحو الدراماتيكي المتسارع.

كان النظام السياسي في الجمهورية العربية اليمنية قبل وحدة 1990، قائمًا على الحكم الفردي البوليسي، ونظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية محكوم بنظام ديكتاتورية الحزب الواحد. وتمهيدًا للوحدة، جرى الترتيب السريع ليكون نظام دولة الوحدة قائمًا نظريًّا على التعددية السياسية والحزبية التي فرضتها اتفاقية الوحدة في 22 مايو 1990، وبذلك انتقلت ممارسة العمل السياسي المجتمعي والحزبي في الشمال شكليًّا من حالة المنع والسرية إلى العلن، وانتقل الحزب الحاكم في الجنوب (الحزب الاشتراكي) إلى شريك للمؤتمر الذي أعلن عن قيامة في أغسطس 1982، ليكون مظلة سياسية للجميع كما كان يطلق عليه، في إشارة إلى أنّ فكرة (مبدأ التعددية السياسية والحزبية) سيكون في خطر، ولهذا كانت عملية تقاسم سلطة دولة الوحدة بين الحزب الاشتراكي والمؤتمر محاطةً بتربص أصحاب المصالح الشخصية، والالتفاف على المصلحة العليا للشعب المتمثلة في وحدة تقوم على اتفاقية واضحة تغلب المصلحة الوطنية العليا لليمن، ولم يكن حسَنو النية على دراية كاملة بما يُرتب.

وأبرز الأخطاء التي بُنيت عليها الوحدة، في اعتقادي، عدمُ تضمين دستور دولة الوحدة نقطتين أساسيتين:

أولًا: أن يكون من بين مواد دستور دولة الوحدة مادتان جوهريتان، هما: 

1- مادة تمنع ترشح رئيس الجمهورية لأكثر من فترتين انتخابيتين. 

2- مادة تحدّد بشكلٍ دقيق، صلاحيات رئيس الجمهورية، لا يُسمح له بتجاوزها.

ثانيًا: أن يتضمن الدستور كذلك مادةً إجرائية تمنع بشكلٍ دائم وقاطع تعديل أو المساس بالمادتين السابقتين.

هذا الخطأ ساعد رأس النظام الموحد المستبد على سرعة استبدال الوحدة السلمية التي بالغ ذوو الأحلام الوردية بالاحتفاء بها، بحرب دامية أُسميت بغباء وخبث: "حرب تعميد الوحدة بالدم"، ليتبيّن أنّ الكمين أو الطعم الذي تأسّست عليه الوحدة يتمثّل في استمرار الخلط بين السلطة والمعارضة، وتغييب عملية التنافس بين سلطة ومعارضة سلمية، تؤدّي إلى تداول سلمي للسلطة، ينهي حالة الصراع الدموي عليها. ولهذا، كان همّ بعض رموز السلطة من الكيانين (المؤتمر والحزب) هو البحث عن آلية لتوحيدهما، ليبقى تقاسم السلطة والتسابق عليها باستخدام السلاح هو ما يقوم عليه الدمج السلطوي الذي جاء إلى الوحدة أو جيء به من بيئة صراع على السلطة بخلفيات متعددة، بعد دورات عنف في الشطرين لا مجال لسردها، وما زال الحال مستمرًّا حتى يوم الناس هذا... 

كلُّ مَن في الوجودِ يطلبُ صيدًا * غير أنّ الشِّبَاكَ مختلفات 

وكان النظامان بشكلٍ أو بآخر، يعانيان من حالة التبعية لطرفي الحرب الباردة، كما كان يطلق عليها؛ فالنظام في الجنوب واقع تحت هيمنة الاتحاد السوفيتي، وفي الشمال تحت هيمنة الإمبريالية العالمية والرجعية السعودية بصورة فجّة، إلّا أنّ واجب الإنصاف يقتضي ألّا نتجاهل عاطفة الجنوبيّين الجامحة شعبًا وسلطة نحو الوحدة بأيّ ثمن، قد ساعدت على التغاضي عن التدقيق في أسس وقواعد دستورية وقانونية تضمن عدم افتيات طرف من أطراف مشروع الوحدة على الآخر!

وقد اعتبر بعض الحالمين من شرفاء اليمن أنّ الوحدة كما كانوا يردّدون، فرصةٌ للهروب إلى الأمام من ويلات الظلم والاستبداد الداخلي والفساد وكل أشكال التبعية للخارج في نظامَي الشطرين!

النتيجة: 

هذا الهروب أو الاندفاع ساعدَ التحالف غير المعلن لقوى الفساد من العناصر المؤثرة في كلا الكتلتين على الانتقال من التبعية لطرفي النظام العالمي إلى التنافس على خطب ودّ أمريكا التي كان انهيار الاتحاد السوفيتي يصب في مصلحتها، لتتفرد إلى حدٍّ كبير في تسيير ما يسمى بالشرعية الدولية، بدلًا من التخلص من حالة التبعية المزرية، لتضيع فرصة ذهبية في بناء دولة تعيد لليمن كرامته واستقلاله وسيادته ومكانته اللائقة بموقعه وإمكاناته وحيوية شعبه، ولتتحول الوحدة من عامل قوة إلى عامل ضعف (وحدة مشبوهة ومشوهة) عمّقت الرغبة في الانفصال، وخاصة عند ذوي النفوس والمدارك الضعيفة الذين لا يدركون ما يحيكه المعادون لليمن!

هذه المقدمات أدّت بنظري إلى ما تعيشه اليمن من تفكُّك مريع وانقسام بين أمراء حرب تم تصنيعهم وفق سناريو يزداد انكشافه كل يوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) نائب عام أسبق.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English