الوحدة اليمنية.. مراكمة للإخفاقات

أمين العباسي
May 24, 2023

الوحدة اليمنية.. مراكمة للإخفاقات

أمين العباسي
May 24, 2023

في الحقيقة أنّ الوحدة نشأت متعثرة في الأصل، بفعل الإرث الثقيل الذي راكمه النظامان، شركاء الهروب إلى الوحدة، بغية التخلص من محمولات ذلك الإرث. النظامان التشطيريّان اعتقدا أنّ الوحدة ستكون بمثابة ملجأ يفران إليه لتجاوز إخفاقاتهما، وقارب نجاة يقيهما حالة الانهيار الوشيكة التي كانت تحدق بكليهما، ولذلك عبروا الواقع إليها بخُطَى غير مدروسة، مثقلين بجل العوائق والصعاب وكل الفشل الذي صاحب حكميهما لدولتَي ما قبل الوحدة، أضف إلى ذلك أنّ كلا النظامين كانا متربصين ببعضيهما، وهذا كله كان كفيلًا بأن يفجرها من الداخل، ويتوجها بحرب ضروس، شكّلت بابًا للولوج إلى الفرقة والشتات الذهني والوجداني لليمنيّين، نتيجة عملية الضم والإلحاق التي أعقبت الحرب من أحد أطراف الوحدة، الذي حاز الانتصار، وأثبتت سنوات ما بعد الحرب أنّه كان يتسنّم ركام المؤامرة على الوحدة، من يومها الأول، يوم إعلانها، حيث لجأ إلى ممارسات أقرب ما تكون إلى التنكيل والانتقام، فاستباح وأباح الجنوب كله، أرضًا وإنسانًا وإرثًا ماديًّا ومعنويًّا، بعد أن استباح دماء رجال الوحدة، وطاقات بنائها، في سلسلة من الاغتيالات، قبل تعميد ذلك بالحرب.

إنّ تعثّرات وإخفاقات ما قبل الوحدة شكّلت أرضية متينة لما بعدها من عثرات وإخفاقات على مختلف الصعد. كان للإخفاق السياسي الذي رافق عملية إجراءات إعلان الوحدة، الدورُ الأبرز في مجمل الإخفاقات والتعثرات على كافة المستويات الأخرى، باعتبار أنّ السياسة وكلّ ما يرتبط بها من إجراءات تتعلّق بتهيئة الوضع العام وترتب مناخات الانتقال السليم والموضوعيّ إلى فضاء الوحدة، تعمل على صياغة نظام إدارة الدولة بمقتضى الإصلاحات التي يجب أن تكون منطلَقًا وأساسًا راسخًا لبناء نظامها السياسي، الذي بدوره سيحوز مجمل قواعد الفعل السياسي اللازمة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتنموي الشامل وغيرها، على قواعد التوازن متعددة الأبعاد والأطر كتوازن السلطات، مثلًا، وتوازن القوى، التي تبدأ من مستوى التوازن الاجتماعي القائم على توازن أدوات القوة ذاتها، المتمثّلة بقوة السلاح، تساويًا، أو تجريدًا للجميع. هذا بديناميكيّته، سيؤسّس لتوازن فوقيّ على المستويين الاقتصادي والسياسي؛ كفاية وعدالة في الإنتاج والتوزيع للأول، ومطلق الحق للجميع مشاركة في السلطة والمسؤولية بمستوياتهما المختلفة، من مجلس القرية، وحتى رئاسة الدولة للثاني.

أما ما يتعلق بمستقبل هذه الوحدة، فهو في اعتقادي مرهون بمقدماتها كنتيجة، والتي أضحت تشير إلى حالة سديمية، غير معلومة المآلات، خصوصًا أنّه قد صار الفعل ومردوداته، وكذا كافة أوراق اللعب، وخيوط المبادرة بيد القوى الإقليمية، التي غدت تحكم وتتحكم بخطوات اليمنيّين، وترصد حركتهم وكل إجراءاتهم وهم منقادون لذلك كقطيع.

وعلى هذه الخلفيات والمقدمات، فلا مخرج يلوح في الأفق، وصولًا إلى أيّ صيغة من صيغ الدولة، ولو في شكلها البدائي، خصوصًا عقب تلغيم مؤتمر الحوار، وإفراغ مخرجاته من مضامينها، شبه المنتصرة لحق اليمنيّين، في دولة يمنية موحدة، يبنونها بأيدهم، ويصوغون نظامها بإرادتهم، تماشيًا مع تطلعاتهم ومصالحهم الجمعية، والواقع أنّ تلك المضامين تم تبخيرها في وضح نهار التوق إليها. قد أكون متشائمًا لكن هذا ما استقرَأتُه، على قاعدة حراك اليمن الحديث من أوائل الستينيات وحتى اليوم، في محطاته المختلفة والمتعدّدة، والتي كانت المؤتمرات، وبالذات مؤتمرات المصالحة، جزءًا منها، ابتداء من مؤتمر حرض، وانتهاء بمؤتمر الحوار الوطني الشامل. واحدة من نتائج ذلك الاستقراء، أنّ تلك المؤتمرات لم تكن لتعالج أوضاع اليمن وحال اليمنيين، بقدر ما كانت ترتّب أوراق الإقليم السنيّ، فما هو الحال الآن وقد غدت اليمن مسرحًا للعراك الإقليمي بكارثتَيه "الشيعي والسني" على حلبة رخوة، قد تودي بالجميع.

والحقيقة الثابتة أنّ الوحدة اليمنية راكمت سلاسلَ من الإخفاقات والتعثّرات، أكثر ممّا حقّقت إصلاحات ومنجزات، ولهذا كله أسبابٌ صنعته، ودفعت به إلى واجهة المشهد، تحتاج دراسة متقصّية، مستفيضة.

•••
أمين العباسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English