السعودية والإمارات وتجزئة اليمن

أين يلتقي مشروعَا التفكيك في مخططات دولتَي التحالف؟
عبدالرحيم باوزير
May 31, 2023

السعودية والإمارات وتجزئة اليمن

أين يلتقي مشروعَا التفكيك في مخططات دولتَي التحالف؟
عبدالرحيم باوزير
May 31, 2023

يبدو أنّ بعض جيران اليمن، وإلى جانبهم بعض الدول ذات التأثير الواضح في الشأن اليمني، إما حريصة على انفصال جنوب اليمن عن شماله، أو على الأقل لا تمانع، أو لنقُل ترحب به، ولكن في ظروف محددة.

كيف؟ ولماذا؟ 

لنعد قليلًا ونقرأ التاريخ القريب بشيء من التمعن:

معظم جيران اليمن (دول الخليج)، لم تكن سعيدة بوحدة اليمن، والسبب هو خوفها من تأثير قوة اليمن إن أصبح موحدًا وبمؤسسات قوية وواحدة ومركزية، تستند على الخصوصية الجمهورية في محيط كله عائلي؛ ويخشى هذا المحيط من تفشي الأفكار الجديدة بداخله، منطلقين في ذلك من خبراتهم التاريخية والسياسية مع دولة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" بتوجّهها الاشتراكي وانحيازها لسياسة المحور السوفيتي، والمعروف بمعاداته المطلقة للرأسمالية وسياسات الغرب التي يتبنّاها الحلفاء من حكام الخليج.

اليمن الجنوبي ومنذ استقلاله عن بريطانيا أواخر شهر نوفمبر 1967، انتهج سياسات تقاربية مع المحور الاشتراكي، ابتداء من تعاونه مع مصر في أواخر عهد جمال عبدالناصر، ولاحقًا مع ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي، ثم دعمه لثورة ظفار في سلطنة عمان التي عجزت السلطنة عن إخمادها، ونجح السلطان قابوس بذكائه أن يحتويها لاحقًا حين تفاهم مع الثوّار واستجاب لبعض مطالبهم. 

بهذه الظروف رأى الجيران، وبعين مكبرة، اليمنَ الجنوبي بوصفه تهديدًا لاستقرار المنطقة في سنوات الحرب الباردة، بسبب تحالفاته السياسية. رأوه هكذا وهو شطر واحد من اليمن، وليس دولة موحدة وقوية.

لكن لماذا لم تمانع دول الجوار (الخليج) من قيام الوحدة اليمنية مطلع التسعينيات، وقد صار اليمن أكبر جغرافيًّا، وسكانيًّا، ومتعدّد الموارد؟

الإجابة ببساطة، أنّ اليمن الجنوبي وبعد انهيار حليفه الأبرز الاتحاد السوفييتي، صار لا يمثل خطرًا عليها، والأهم بسبب خروج سلطة النظام متضعضعة بعد أحداث يناير 1986، وأنّ دخوله الوحدة كان هروبًا من استحقاقات كبيرة (سياسية واقتصادية) كما يرى البعض، وبالمقابل كانت هذه الدول لم تزل ترى في نظام الشمال (الجمهورية العربية اليمنية) حليفًا موثوقًا ويمكنه، بحكم خبراته، ترويض ما ليس مروضًا في بقايا النظام الاشتراكي الذي ذاب في الوحدة.

كان قبول الخليجيّين بالوحدة أشبه بتكتيك مرحلي فقط وليس هدفًا استراتيجيًّا للتكامل الإقليمي، والدليل على ذلك أنّ السعودية في حرب صيف 1994، وبعض حلفائها المقربين دعموا قرار علي سالم البيض (أمين عام الحزب الاشتراكي) بفك الارتباط في 21 مايو 1994، وهو ما يتجلى اليوم بشكل واضح، ليس في الخطاب الإعلامي، وإنما بالممارسات على الأرض، والمتمثلة بدعم الاتجاهات الانفصالية (المجلس الانتقالي) بشكل صريح.

لنأخذ رأي بعض المقربين من دوائر صنع القرار في الخليج، مثل "محمد الرميحي"، الذي كتب ذات مرة في صحيفة الشرق الأوسط السعودية: "قد يكون الحل في اليمن يمنَين"، والمقال في مجملهِ كان يدافع عن فكرة انفصال الجنوب عن الشمال.

وفي نفس الشهر، كتب "عبدالرحمن الراشد"، القريب من دوائر الحكم السعودي، تحت سؤال: لماذا لا يكون اليمن أكثر من يمن؟! بمقال عنونه بـ"الجنوبيون ومؤتمر جدة"، وقال فيه إنّ أكثر النخبة السعودية يرون أنّه من مصلحة السعودية أن يكون هناك أكثر من يمن، وليس يمنَين فقط، وأشار إلى تجربة السعودية المريرة مع اليمن الموحدّ.

أما الكاتب الذي يحظى بتقدير، لا يخفى على أحد، في دوائر السلطة بالإمارات: عبدالخالق عبدالله، كتب في أكثر من تغريدة عن نفس الفكرة، وقال بإحداها: "لن يكون هناك يمن واحد موحد بعد اليوم".

وقال وزير الإعلام الكويتي السابق "سعد العجمي" في صحيفة الإندبندنت عربية: "علينا أن نقرّ بأن الجنوب يختلف عن الشمال". وكان مقتنعًا بهذهِ الفكرة وادّعى أنّ اليمن الشمالي والجنوبي مختلفان ولا يصلحان لأن يكونا تحت سقف واحد أو سلطة دولة واحدة. 

والأمثلة كثيرة في هذا المنحى، وكل هؤلاء الكتّاب يعبرون عن توجهات بلدانهم غير المعلنة. وهؤلاء لا يتحدثون في قضايا حساسة تمسّ الأمن القومي الخليجي دون موافقة من دوائر صنع القرار ببلدانهم.

عندما انفجرت أحداث أغسطس 2019 في عدن، وحاولت الحكومة الشرعية بقواتها الدخول إلى عدن، والتي تضم في قوامها قوات من حزب الإصلاح المدعومة من السعودية، قامت الإمارات بضرب هذه القوات بطيرانها وهي على أبواب عدن الشرقية، حتى تحمي قوات حليفها المجلس الانتقالي، متحججة بأنّها قامت بضرب تكوينات إرهابية مغروسة في جسم القوات الحكومية.

لهذا دائمًا ما نرى علَم الإمارات وصور قاداتها حاضرة في فعاليات المجلس الانتقالي وأنشطته السياسية، حتى داخل المكاتب المغلقة؛ لأنّها الراعي الرسمي للمجلس، وداعمه الأول ماليًّا وإعلاميًّا وعسكريًّا.

للإمارات مطامعها الكبيرة التي لم تعد خافية على أحد، فتوسيع نفوذها الإقليمي بالسيطرة على الممرات المائية والجزر والموانئ الحيوية؛ أحد أهدافها الاستراتيجية التي لا يمكن أن تتحقّق إلا من خلال يمن مجزأ، وحلفاء قريبين يعملون لتنفيذ هذا المخطط تحت شعارات استعادة دولة الجنوب.

ماذا عن السعودية؟!

مشكلة السعودية في اليمن، مركبة، فلديها أولويات متناقضة، فهي لا تمانع من انفصال الجنوب وترحب به، ولكن "ليس الآن"، وليس في هذا التوقيت وهذا الظرف، ولكن عندما يزول خطر "الحوثي" عنها، ويتراجع نفوذ إيران التي عقدت معها اتفاقًا برعاية صينية خلال شهر مارس الماضي، يهدف إلى تقاسم النفوذ في البلد الذي تعصف به الفوضى. السعودية في النهاية، ستمضي في نفس مشروع الإمارات التجزيئي، بدليل أنّها صارت بأدواتها داخل بنية المجلس الانتقالي، منذ مؤتمر التشاور الجنوبي الذي انعقد في عدن مؤخرًا، وصار بعده صوت المجلس مرتفعًا، وهي في نهاية الأمر بحاجة إلى حلفاء وتابعين ضعيفين في اليمن (شماله والجنوب)، حتى وإن كان هذا اليمن مفككًا!

أما المستفيد الأكبر من المضي في هذا المشروع فسيكون إيران، لأنه سيتيح لحليفها "الحوثي" الاستحواذ على الأجزاء الحيوية من شمال اليمن، ولهذا ستعمل بكل إمكانياتها، تحت غطاء اتفاقها مع السعودية، لتمريره على حساب اليمنيين جميعهم.

•••
عبدالرحيم باوزير

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English