اليمنيّون وسط كماشة صراعٍ مصرفيّ محتدم

قرارات تُضاعف معاناة المواطنين وتُعمّق الانقسام النقدي
خيوط
April 7, 2024

اليمنيّون وسط كماشة صراعٍ مصرفيّ محتدم

قرارات تُضاعف معاناة المواطنين وتُعمّق الانقسام النقدي
خيوط
April 7, 2024
.

يعيش اليمن على وقع قرارات متواصلة تهز القطاع المصرفي، في ظلّ انقسام خطير ومؤثر، ألقى بتبعات وخيمة تطال الاقتصاد الوطني والعملة المحلية، ومعيشة اليمنيين في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أكبر أزمة إنسانية، بحسب تصنيف أممي، مع فقدان غالبية سكان البلاد مصادرَ دخلهم المتاحة. 

منذ مطلع مارس/ آذار الجاري، والقطاع المصرفي في اليمن يشهد صراعًا مستمرًّا بين البنك المركزي في عدن، والبنك المركزي في صنعاء، الخاضع لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إذ أثار قرار البنك المركزي اليمني في عدن، الصادر في 20 مارس/ آذار الماضي، حول إيقاف التعامل مع بعض البنوك ومنشآت الصرافة، ومن قبله قرار إطلاق شبكة التحويلات الموحدة، تساؤلات وتخوّفًا لدى اليمنيين وخبراء الاقتصاد، في ظل تردٍّ معيشيّ يطال غالبية سكان البلاد، وأزمة إنسانية واسعة بفعل الصراع الاقتصادي والانقسام المؤسسي والنقدي وتدهور العملة المحلية وتجزئتها.

يأتي ذلك وسط دعوات تطالب بضرورة تحييد المؤسسات المالية والنقدية عن الصراع الدائر بين الأطراف، وكذا تحييد السلطة النقدية لليمن (البنك المركزي)، والعمل على تسخير الموارد السيادية للوفاء بالالتزامات المشتركة، مثل: صرف مرتبات الموظفين في كل المحافظات، ونفقات تشغيل مؤسسات الدولة المركزية والمحلية، وإدارة الاحتياطيات الدولية، بهدف استقرار سعر الصرف وتخفيض التضخم.

تسبّبت قرارات البنك المركزي في عدن قبل التراجع عنها، بصعوبة التحويلات المالية لدى المواطنين، من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، إلى مناطق سيطرة "الحوثيين"، والعكس، في حين تستمر تلك القرارات الصادرة من المؤسسات النقدية المنقسمة بصورة تصاعدية منذ منتصف مارس/ آذار الماضي 2023، حيث أعلنت سلطة صنعاء في 30 مارس/ آذار، عن طرح عملة معدنية من فئة 100 ريال، بهدف استبدال العملات الورقية التالفة من الفئة نفسها، ولن يكون هناك إضافة لأي كتلة نقدية معروضة.

يأتي ذلك في الوقت الذي يُلاحظ فيه اختفاء كليّ للعملة المعدنية التي كانت متداولة من فئة 10 و20 ريالًا، مع وصول الأمر إلى تلاشي واندثار العملة الورقية من الفئات الصغيرة؛ 50 و100 و200 و250 ريال. بينما ترفض سلطة صنعاء منذ العام 2020، قبول تداول الأوراق النقدية المطبوعة من الحكومة المعترف بها دوليًّا، في الوقت الذي يتم فيه تداول أوراق نقدية تالفة لم تعُد صالحة للتداول والاستخدام.

بعد ظهور مثل هذه التجاذبات بين مركزي عدن وصنعاء من حينٍ لآخر، خطورةً كبيرة في زيادة الانقسام النقدي، وتجزئة العملة الوطنية، ونظام التداول النقدي؛ إذ تعمل على زيادة تدمير القطاع المصرفي والبنوك اليمنية من جهة، وزيادة تفاقم معاناة المواطنين من جهة ثانية.

بالمقابل، حذّر البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن، من التعامل بما قال إنّها "عملة مزوّرة"، وإحلالها محل عملة قانونية، باعتبار ذلك إجراء غير قانوني، إذ أبدى استعداده للقيام بمسؤولياته القانونية في استبدال أيّ عملة تالفة، مهما كان حجمها ومكان وجودها، والتخلص منها وفقًا للآليات المحددة قانونًا.

في حين أصدر قرارًا آخر في 2 أبريل/ نيسان، بشأن نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر من صنعاء إلى عدن- العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، حيث أمهل القرارُ البنوكَ 60 يومًا للتنفيذ. مؤكّدًا أنّه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يتخلف، طبقًا لأحكام قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب النافذة، ولائحته التنفيذية .

جدل واسع وإشكاليات قانونية

بحسب خبراء قانونيين ومسؤولين مصرفيين، فإن مثل هذا القرار لا يستند إلى أي حيثيات اقتصادية أو مبررات قانونية، محذرين من مثل هذه القرارات المتكررة التي تدفع البنوك لنقل مراكز نشاطها إلى مواقع أخرى.

المختص القانوني أحمد الحيدري، يوضح لـ"خيوط"، أنّ أي اضطراب في وضعية البنوك اليمنية، ستكون له عواقب كارثية؛ فهي الأساس الذي يستند عليه الاقتصاد الوطني، لافتًا إلى أن قرار تحديد المركز الذي تمارس فيه نشاطها يعود للبنوك وليس لجهة أخرى.

ويؤكّد أنّ هناك قوانين منظمة للعمل المصرفي في اليمن، وقانون إنشاء البنك المركزي هو الذي يحدد صلاحياتها، ومهامه، ومسؤولياته، وهي لا تتضمن فرضه المكان الذي تمارس فيه البنوك عملها، إضافة إلى أن هناك محددات للطباعة النقدية في حال تم اللجوء إليها للضرورة القصوى.

يرى قانونيون أن طرح عملة معدنية جديدة لعملة من فئة ورقية صغيرة تالفة بنفس حجم الكمية التالفة، إجراء ارتبط بنفس هذه المحددات؛ بسبب وجود مشكلة ومعضلة كبيرة في تداول عملة ورقية تالفة.

ويتكوّن القطاع المصرفي اليمني من 17 بنكًا، منها أربعة بنوك إسلامية، ويتسم السوق المصرفي بالتركز، حيث تسيطر ثلاثة بنوك على أكثر من 50% من إجمالي أصول وودائع البنوك، وهي: بنك اليمن الدولي، وبنك التضامن الإسلامي، وبنك التسليف التعاوني الزراعي. وتمتلك خمسة بنوك حوالي 73% من إجمالي فروع البنوك في البلاد.

يعتبر خبراء اقتصاد أنّ الصراع المحتدم خلال الفترة الماضية، قد يزيد تعميق الانقسام النقدي بين شمال اليمن وجنوبه، في ظل وضع اقتصاديّ متردٍّ وتدهور معيشيّ يطال معظمَ سكان اليمن، وعملة منهارة ومجزَّأة بين طرفي الصراع.

أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، الدكتور محمد قحطان، يوضح في حديثه لـ"خيوط"، أنّ هناك العديد من السلبيات والإيجابيات لقرارات البنك المركزي في عدن، تتمثّل بأنه في حالة التقيد بتنفيذ القرار الذي اتخذه البنك المركزي في عدن، بخصوص منع التعامل مع بعض البنوك ومنشآت الصرافة، والعمل من خلال الشبكة الموحدة للجهاز المصرفي، سيمكنه ذلك من الهيمنة على السوق النقدية من خلال الرقابة على حركة التدفقات النقدية.

يضيف قحطان أنّ هيمنة بنك عدن على السوق النقدية، سيُمكّنه من الكشف عن حجم النقود المتداولة وسرعة دورانها، وبناء عليه يستطيع البنك المركزي وضع السياسات النقدية المناسبة لمواجهة التقلبات الاقتصادية.

وتتمثل أبرز السلبيات في تعميق الانقسام في الجهازين، المصرفي والمالي، بين مناطق الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًّا، الأمر الذي من شأنه تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإطالة أمد الصراع، وزيادة التدهور في الأوضاع الاقتصادية، فضلًا عن كونه سيعمل على تعميق تدهور البيئة الاستثمارية، وهروب ما تبقى من الاستثمارات الوطنية التي صمدت طيلة سنوات الحرب الماضية.

من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، الدكتور سامي نعمان، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ الأحداث الأخيرة والقرارات التي تم اتخاذها من الطرفين -في إشارة إلى مركزي عدن وصنعاء- ألقت بتأثيراتها على المواطنين، وخلقت صعوبات عديدة في المعاملات والتحويلات المالية بين مناطق الطرفين.

خطورة اشتعال الصراع

يرى خبراء اقتصاد ومصرفيين أنّ البنوك ومنذ سنوات الحرب الأولى، هدفٌ للاستحواذ الكلي، أو عبر تملك حصص ملكية فيها من أطراف سياسية نافذة تدفعها نحو التعثر المتعمد عبر قرارات وقوانين (مثل قانون منع التعاملات الربوية، الصادر عن سلطة الحوثيين في صنعاء العام الماضي) أو تدخلات أغلبها خارج إطار أو موافقة أو قناعة من يُصدر هذه القرارات والقوانين.

الباحث المصرفي علي التويتي، يوضح في هذا السياق، أنّ ما يحدث يمثّل فصلًا للنظام المصرفي والاقتصادي دون أيّ مراعاة لوحدة اليمن، ولوضع البنوك التي تعتبر واجهة البلاد المصرفية، لافتًا إلى أنّ ما يمس البنوك تدميرٌ لاقتصاد البلاد؛ إذ إنّ كلا البنكين في صنعاء وعدن، ينظرون لمصالحهم الشخصية ولا يراعون أصحاب رؤوس الأموال ولا المواطنين، فبدلًا من الحوار وتوحيد العملة، وتحييد الاقتصاد والعملة، تم وضعها كمحور رئيسي في الصراع الدائر.

ويقف البنك المركزي، بحسب قانون إنشائه، على الإشراف وإدارة الجهاز المصرفي، وهو المسؤول عن إصدار التشريعات والقوانين والتعميمات المنظِّمة للعمل المصرفي، وعن الرقابة المصرفية على البنوك التجارية والإسلامية وبنوك التمويل الأصغر وشركات الصرافة.

ويعد ظهور مثل هذه التجاذبات بين مركزي عدن وصنعاء من حينٍ لآخر، خطورةً كبيرة في زيادة الانقسام النقدي، وتجزئة العملة الوطنية، ونظام التداول النقدي؛ إذ تعمل على زيادة تدمير القطاع المصرفي والبنوك اليمنية من جهة، وزيادة تفاقم معاناة المواطنين من جهة ثانية.

وعن أبرز السلبيات الناتجة عن التجاذبات الحاصلة بين مركزي عدن وصنعاء، يؤكّد قحطان أنّها سوف تؤدّي إلى تعميق الانقسام في الجهازين، المصرفي والمالي، بين مناطق الحوثيين والحكومة اليمنية، الأمر الذي من شأنه تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإطالة أمد الحرب، وزيادة التدهور في الأوضاع الاقتصادية.

إضافة إلى أنه سيعمل على خلق بيئة استثمارية أكثر سوءًا ممّا هي عليه، وهروب ما تبقى من الاستثمارات الوطنية التي صمدت طيلة سنوات الحرب الماضية، بحسب قحطان.

ويقول نعمان، إنه عندما اتخذ البنك المركزي في عدن قرارَه بإيقاف البنوك والشبكات المالية، شعر البنك المركزي في صنعاء بالخطر، وبعد مرور بعض الوقت، قدّم مركزي صنعاء تنازلات؛ مقابل تنازلات من البنك المركزي في عدن. وهو مؤشر إيجابي -كما اعتبره نعمان- على إمكانية إيجاد حلول وسط للانقسام النقدي في البلد، وإيجاد أرضية مشتركة بين الطرفين.

كما أنّ البنوك العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين، تعاني الأمرّين للاستمرار في عملها في ظلّ القرارات التي تكبّل عملها، سواء من مركزي عدن أو صنعاء، والتي أدّت إلى فقدان المودِعين الثقةَ فيها، وجعل الكثيرين يلجؤون لشركات ومحال الصرافة بدلًا من البنوك؛ كما يؤكد نعمان.

شظايا تطال معيشة المواطنين

يرى خبراء اقتصاد ومصرفيين أنّ هناك انعكاسات سلبية قد تنتج عن هذه القرارات؛ ستعمل على تعقيد الوضع الصعب للقطاع المصرفي، وستتأثر هذه البنوك من خلال التعاملات المالية الخارجية واستقبال التحويلات بالعملة الأجنبية.

بعد إصدار مركزي عدن قرارات إنشاء الشبكة الموحدة، وقرار إيقاف التعامل مع بعض البنوك ومنشآت الصرافة، عمد البنك المركزي في صنعاء، إلى إيقاف التعامل مع ما يسمى (الشبكة الموحدة)، وأي بنوك غير مرخصة من البنك المركزي في صنعاء، إضافة إلى إيقاف التعامل مع شركة "البسيري" للصرافة، وشركة "القطيبي" للصرافة (التي مقراتها في عدن)، دون ذكر تفاصيل سبب الإيقاف، قبل أن يتراجع عن هذا القرار في 26 مارس/ آذار الجاري.

في حين أصدر البنك المركزي في عدن، بيانًا أكّد فيه تراجعه عن قراره، وإعادة التعامل مع البنوك التي قرر إيقاف التعامل معها، وبعض شركات ومنشآت الصرافة التي سبق أن أوقف التعامل معها، قبل أن يعلن "بنك صنعاء" الخاضع لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، عن طرح عملة معدنية للتداول من فئة 100 ريال، التي يسري تداولها منذ 31 مارس/ آذار الماضي، في مناطق نفوذ "الحوثيين".

في خضم الحرب وتصاعد معدلات التضخم وتغيّر المناخ، يأتي انعدام الأمن الغذائي ليكون التحدي الأكثر إلحاحًا الذي يواجه اليمن في وقته الحاضر؛ فعدد اليمنيين الذين يعانون الجوع كل يوم، ارتفع من 10.6 ملايين إلى 17 مليونًا.

ورفض البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن، هذه العملةَ المعدنية الجديدة، التي قالت سلطة صنعاء إنها بديلة للتالف من الأوراق النقدية لنفس الفئة، إذ تشهد مناطق نفوذ جماعة أنصار الله (الحوثيين) أوراقًا نقدية تالفة من الفئات الصغيرة 50 و100 و200 و250 ريالًا، في حين تواصل رفضها قبول النقد الجديد المطبوع من الحكومة المعترف بها دوليًّا.

كما حذّر البنك المركزي في عدن من التعامل مع هذه العملة المعدنية الجديدة، قبل أن يصدر قرارًا صادمًا أمهل فيه البنوك 60 يومًا لنقل مقراتها الرئيسية حيث تمارس عملها، من صنعاء إلى عدن؛ ليستمر الصراع في الاشتعال، منذرًا بتبعات وخيمة وقاسية، لن تقف عند حدود القطاع المصرفي والاقتصاد الوطني، بل ستصل إلى معيشة اليمنيّين، التي تسبَّبَ هذا الصراعُ طوال سنوات في تدهورها بمستويات تفوق قدرات معظم المواطنين على تحملها.

المواطن عبدالغني سالم، من سكان صنعاء، يقول لـ"خيوط"، إنه بصفته موظفًا حكوميًّا راتبه منقطع منذ سبع سنوات، ويعاني الأمرّين بسبب ذلك، في حين تمضي جميع الأطراف المسؤولة عن معاناة المواطنين في صراعها دون الالتفات لأحد. ويشير المواطن، محمد جمال، إلى أنّ الناس حاليًّا في معمعة توفير ما أمكن من متطلبات الحياة اليومية الضرورية مع اقتراب العيد، حيث يبحث الكثير عن كيفية مواجهة متطلباته التي لم يكن باستطاعة أحد تحملها؛ لذا لا يأبه المواطنون بما يدور؛ لأنّ صعوبة الحياة المعيشية التي يتحمّلونها تشغلهم عن مثل هذا الصراع الذي لا نهاية له.

ويشير تقرير صادر مؤخرًا عن البنك الدولي، اطلعت عليه "خيوط"، إلى أنّه في خضم الحرب وتصاعد معدلات التضخم وتغير المناخ، يأتي انعدام الأمن الغذائي، ليكون التحدي الأكثر إلحاحًا الذي يواجه اليمن في وقته الحاضر؛ فعدد اليمنيّين الذين يعانون الجوع كل يوم ارتفع من 10.6 ملايين إلى 17 مليونًا، منذ بدأت الحرب في عام 2014.

ويتوقع البنك الدولي أن يحمل العام 2024، معه الكثيرَ من عدم اليقين بشأن المشهد الاقتصادي اليمني؛ بسبب القيود المفروضة على صادرات النفط، والمفاوضات السياسية الجارية.

ويعتمد استقرار الوضع الاقتصادي على استدامة تدفقات العملة الأجنبية والتطورات السياسية، حيث يمكن تسريع وتيرة النمو الاقتصادي إذا كانت هناك هدنة دائمة أو تم التوصل إلى اتفاقٍ للسلام. 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English