غير مأسوف عليه!

هل يستفيد العالم الجاهل مما حصل؟
عبدالرحمن بجاش
January 3, 2021

غير مأسوف عليه!

هل يستفيد العالم الجاهل مما حصل؟
عبدالرحمن بجاش
January 3, 2021

في العشرين من هذا الشهر يناير 2021، سيذهب ترامب إلى غير رجعة. سيكون الرئيس الأمريكي -حسب علمي- الذي يخرج من البيت الأبيض ويظل يلتفت إلى الوراء حتى يغيب عن ناظريه! رجل مهووس بأن يظل السيد الأول حتى لو أدى الأمر إلى إعلان أحكام عرفية لن يستطيع فرضها، لأن لا أحد سيوافقه على أن يهدم المعبد بما فيه!

أستغرب جدًّا عندما تتحدث وسائل إعلام كثيرة عن توقعات بأن يرفض تسليم البيت الأبيض إلى خلفه، وهي تعلم علم اليقين أنه دستوريًّا لا يستطيع، وقانونًا ربما تأتي الشرطة وتخرجه كأي متسلل عنوة إلى داخل البيت.

لو كان بإمكانه، كأي ملك عربي أو رئيس عربي، قلب الطاولة لفعلها من لحظة إعلان وسائل الإعلام الكبرى الأمريكية فوز بايدن، لكنه يعلم أن الدستور بالذات يقف له بالمرصاد، ولن ينفذ أي مسؤول أوامره طالما وهي مخالفة للدستور. وها هم ضباط البنتاغون يجبرونه على التراجع عن التصعيد بسحب حاملة الطائرات إلى خارج مياه الخليج، لتهدئة الأجواء المتوترة، ويقولون بالفم المليان: موظفو البيت الأبيض يبالغون في تصوير الخطر الإيراني.

هناك كثيرون من الناس مقتنعون بأن ترامب عمل خلال أربعة أعوام منذ العام 2016، على أن يحقق منجزات كبيرة تصب في مصلحة أمريكا، وعندما كان يتصرف، كأي بلطجي ويطالب بثمن كل ما يقدمه للآخرين، انبرى كثيرون قائلين: "جذع يعمل لصالح بلاده".

فماذا حقق ترامب خلال أربعة أعوام؟

حوّل أمريكا إلى دولة صغيرة، بل إلى مجرد عصابة قطاع طرق؛ "ادفع وإلا"، ومن دفع هم العرب وحدهم! لم يستطع أن يظهر كرئيس دولة عظمى، بل هي الأعظم، بل ظهر كأي رئيس من العالم الثالث، لكن رئيس عالمٍ ثالثيًّ هو الرئيس الكوري الشمالي، كان أذكى منه، واستطاع أن يظهر كوريا أكبر من أكبر دولة في العالم.

خسر ترامب أوروبا ولم يكسب بريطانيا، برغم أن أمريكا عملت على دفع الإنجليز للخروج ليحولوها إلى شوكة في حلق أوروبا العجوز، حسب وصف رامسفيلد وزير الدفاع في إدارة بوش الابن، لكن أوروبا استطاعت أن تخرج بـ"البريكست" لمصلحة الطرفين.

ألغى بتهور، الاتفاق النووي من جانب واحد مع إيران ولم يحقق أي شيء من العقوبات وراء العقوبات التي فرضها تباعًا. هنا أكد ترامب ما قاله ذلك الجنرال الفيتنامي العظيم "جياب" عندما قال: "تظل الإمبريالية الطالب الفاشل، لا تتعلم الدرس أبدًا". وما أقدم عليه ترامب أهان أمريكا أكثر مما أضر بإيران.

ظل عنصريًّا، ولم يستطع إكمال إنشاء الجدار العازل مع المكسيك. لم يستطع عمل شيء غير الجعجعة مع فنزويلا، بل بالعكس، هبطت القاذفات الاستراتيجية الروسية في مطار كاراكاس، في تحدٍّ واضح لم يفعل إزاءه شيئًا!

أخرج أمريكا من اتفاقية المناخ واليونسكو ومن منظمة الصحة العالمية، وبرغم التهديد والوعيد، فلم يستطع تحريك شعرة في رأس الصين، وحتى موضوع تايوان، أو الروهينجا، ظل يجعجع بشأنهما في "تويتر" وفي الواقع تمضي الصين غير آبهة بما يفعله.

روسيا هي المستفيد الأكبر منه، وكان بوتين يتمنى أن يستمر ترامب أربع سنوات أخرى ليكون غورباتشوف أمريكا، الذي يقودها إلى ما وصل إليه الاتحاد السوفيتي على يد غورباتشوف!

استطاعت قطر في الأربع السنوات التي قضاها في البيت الأبيض، أن تظهر أكبر من سياسته وتحولت إلى ناصح أمين للرجل، لكيلا يزج الدجاجة التي تبيض ذهبًا في حرب ستكون أمريكا أكبر من سيخسر فيما لو اندلعت في خليج النفط، لتخرج دول الخليج متفرقة، حتى وإن قبلوا اللحى في القمة الخليجية.

وفي المحيط الهادئ، ونتيجة تخبطه استطاعت الصين أن تهيمن على ثرواته، وأمريكا تتفرج لا حول لها ولا قوة. الحلف الصيني الروسي، أو التكتل المواجه، كان الفضل في ظهوره للسيد ترامب.

سيظن البعض أن إسرائيل هي التي استفادت منه، وإسرائيل تستفيد من كل الرؤساء؛ لأن قوتها ومصلحتها ضمن الاستراتيجية الأمريكية، والدليل أن الصوت اليهودي ذهب إلى بايدن 77%، بينما كنا نظن أن الصوت اليهودي الأمريكي سيذهب لصالحه. وما فعله من ضغط في اتجاه التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، هو لم يفعل غير نقل ما كان يدور تحت الطاولة إلى فوقها! وهذا التطبيع لن يؤدي إلى شيء، فقد تم التسريع به محاولة لإنقاذ ترامب في الانتخابات وليهرب بنتنياهو قدمًا، خوفًا من الذهاب إلى المحكمة. فأمريكا ليست هي العالم برغم عظمتها، العالم لا يعترف بما حصل، وستعود القضية الفلسطينية إلى النقطة التي كانت عندها.

اجتماع الكونجرس في السادس من الشهر الحالي، سيؤكد المؤكد، سينصّب بايدن، وسيذهب ترامب وسيتذكر الناس أنه كان أسوأ من سكن البيت الأبيض، وستنتصر ديمقراطيتهم لهم وليس للعالم

والقشة التي قصمت ظهر البعير -كما يقال- "كوفيد-19"، فقد أظهر ترامب أمريكا أصغر من اليونان ولن نقول اليابان، وتصرف كأحمق من خلال "تويتر"، ولن ينسى تاريخ رؤساء أمريكا إدارة ظهره لرئيسة مجلس النواب ولا تمزيقها لخطاب الاتحاد!

سيخرج هذا الرجل بالفعل وعلاقته بكل الأطرف سيئة، والغريب أن الحزب الجمهوري ظل صامتًا، لكنه لم يقل إنه سيعيد ترشيح ترامب في الانتخابات القادمة. وهنا برزت خلال أربع سنوات سيئته الأكبر؛ "عنصريته" التي أدت به إلى إلغاء ما حققه أوباما من إنجازات، فقط لكونه أسود، وليس ببعيد مقتل جورج فلويد، ذلك الأسود على يد الشرطة، وردة فعله كرئيس أفقدته أصوات الملونين، ونبهت المنظومة الحاكمة إلى خطورة ما يفعله.

أما ما حصل في الانتخابات والاتهامات التي روجها وبلا دليل، فأظهرت -لولا قوة القانون وهيمنة الدستور- أمريكا كأي دولة في العالم الثالث، وحتى اللحظة لا يزال كما يقول "يقاتل"، في الوقت الذي تخلى عنه وعن قتاله أعضاء كبار من الحزب الجمهوري في "النواب" و"الشيوخ" بعد أن حسم المجمع الانتخابي الأمر بإعلان فوز بايدن وبفارق في أصوات المجمع كبير جدا.

لن يستطيع ترامب فعل شيء خلال الأيام القادمة حتى العشرين من هذا الشهر، برغم تهييج وسائل الإعلام للنار! اجتماع الكونجرس في السادس من الشهر الحالي، سيؤكد المؤكد، سينصّب بايدن، وسيذهب ترامب وسيتذكر الناس أنه كان أسوأ من سكن البيت الأبيض، وستنتصر ديمقراطيتهم لهم وليس للعالم.

على أن أهم درس يفترض أن نستفيد نحن المتخلفون منه، هو أن الدستور الضامن الأكبر لاستمرار العقد الاجتماعي الذي يتوافق الناس عليه، وحتى القوة تحتكم للدستور ولا يستطيع المزاج الشخصي إنزال الجيش إلى الشوارع ولا حتى الزج به في الشارع مواجهًا له بديلًا أو "داعمًا" للشرطة. ورأينا رأي العين أن ترامب لم يستطع إنزال الجيش؛ أنزل الحرس الوطني بطلب من حكام الولايات.

عندما يلتزم الجيش دستوريًّا بعدم الاقتراب من الحياة السياسية، فاعلم أنك كدولة تسير في الاتجاه الصحيح. هل نستفيد؟

كان العام 2020، سيئًا بكل المقاييس، لكنه كان أسوأ بوجود هذا الرجل ترامب، الذي حاول إشعال العالم، وما زال يحاول، وآخر المحاولات، وهي فضيحة بكل المقاييس، إجبار نائب الرئيس "بنيس" تغيير نتيجة الانتخابات التي أقرها المجمع الانتخابي، في سابقة لم تحصل إلا في عهد هذا النرجسي الذي أسمته الديمقراطية أيضًا "رئيسًا"، غير نيته المضحكة محاولة إطلاق اسمه على أحد مطارات أمريكا تيمنا بريغان وربما بكينيدي، حسب "النيويورك تايمز"، بينما الواقع يقول إن ترامب رجل متغطرس معتوه. قال بنس: "لا أريد أن يرتبط اسمي بخرق قواعد الدستور".

من يتعلم في العالم الجاهل؟

سيكون على بايدن ترميم الأضرار، ويلزمه الكثير من الوقت. على أنني متأكد من أن العرب وقضاياهم ستظل في ذيل القائمة؛ لأن المشكلة فيهم وليست عند الآخرين.


•••
عبدالرحمن بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English