الوساطة القبلية بديل للقانون في تعز

هل يسود القانون في قضية الاعتداء على الجامعة؟
المعتصم الجلال
June 24, 2021

الوساطة القبلية بديل للقانون في تعز

هل يسود القانون في قضية الاعتداء على الجامعة؟
المعتصم الجلال
June 24, 2021

أفرزت الحرب الدائرة في البلاد، منذُ ما يزيد عن ست سنوات، واقعًا جرف ما كان توطن عليه الناس من إعلاءٍ للقانون والخوف من المصير المحتوم في حال أقدم أحد على فعلٍ تجرِّمه القوانين النافذة. 

ومع انتشار السلاح بمختلف أنواعه في المدن الرئيسية، باتت يوميات مدينة تعز الواقعة في الجنوب الغربي لليمن لا تخلو من مشكلة طرفها مسلح فرض قانونه الخاص "الاحتكام للقوة".

قصصٌ كثيرة شكلت تجلياتها منعطفًا خطيرًا لمستقبل المدينة، في ظل تفاقم هذه الظاهرة وعجز الجهات الحكومية المعنية عن السيطرة عليها، ووضع حدٍّ لبداية عنيفة تعيشها تعز، التي لم تعد تحلم بغير الأمن والاستقرار.

هل تعطل دور الجهات الضبطية؟

سلسلة اعتداءات طالت مؤسسات وأسواقًا وأفرادًا، نفّذها مسلحون معظمهم ينتمون لمؤسستي الجيش والأمن، التابعَين للحكومة المعترف بها دوليًّا. بعض هذه الاعتداءات ذهبت دون محاسبة، لتضع المواطن في تعز يواجه الأمرّين دون معرفة مآلات المستقبل القريب، ناهيك عن البعيد. هذا الوضع أفرز بدوره غضبًا شعبيًّا متزايدًا من أداء السلطة المدنية والعسكرية.

الناطق باسم القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا في تعز، العقيد عبد الباسط البحر، يقول إنه "لا يوجد تعطيل للجهات الضبطية"، واصفًا ما يحدث في المدينة بـ"التحديات القائمة"، وهي بتقديره تحديات أفرزها الدمار الذي أصاب "كل المؤسسات الضبطية والمراكز الشرطية" بسبب الحرب، وأن القوات الحكومية أعادت بناء هذه المؤسسات من الصفر.

واستطرد البحر في حديثه "لخيوط": "أصبح بعض الذين ينتسبون بالبطاقة للجيش وليس لهم مهام قتالية يثيرون المشاكل، لكن يجري التعامل معهم، وخفّت الظواهر الخارجة عن القانون خلال المرحلة الماضية."

وأرجع ناطق محور تعز العسكري اللوم على ما وصفها بـ"المناكفات الحزبية والمماحكات والمزايدات السياسية، وتصفية الحسابات على حساب تعز والوطن من كثير من الاتجاهات"- وفق تعبيره.

وبالنسبة للعُرف القبَلي، الذي دخل خلال سنوات الحرب ليحل محل قانون الدولة، في حل الكثير من القضايا في تعز، أوضح العقيد البحر أنه "نوع معترف به" من القوانين، وأن العرف القبَلي محكّم في بعض القضايا.

ويضيف: "حتى في الشرع فهو يُراعى، فالأعراف والأسلاف الحميدة غير مصادمة للشريعة الإسلامية، وللقوانين والأنظمة المرعية يعمل بها في حال تراضي الطرفين، وحتى القضاء يعرض الصلح قبل النطق بالحكم". ويقلل البحر من أهمية معارضة الاستعانة بالأعراف القبلية لحل القضايا، لافتًا إلى أن الناس "قد يلجؤون إليها في بعض الحالات"، وأن هذه الأعراف "تمارس من سابق ومن لاحق، لكن الأصل الإجراءات القانونية، مع إمكانية الصلح العرفي إذا أجمع عليه واختاره الطرفان".

الوساطة القبلية كأبرز الحلول

 في مجتمعٍ مدني كتعز، حضرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الحلول القبليّة لفض النزاعات التي يتسبب بها غالبًا الانفلات الأمني. وهي ظاهرة أثارت سخرية واسعة لدى النخبة المثقفة، مقرونة بتذمر من تجاوز القانون في قضايا واضحة وتمس تعطيل الحياة اليومية، علاوة على تكريسها مبدأ "الحلول الترقيعية" التي قد تشجع على استمرارية أعمال الفوضى، وتغييب مقتضى الحلم بالسير نحو الدولة المدنية.

يقول الدكتور حلمي الشيباني، عميد كلية التربية في جامعة تعز: "علماء الاجتماع والقانون حدّدوا الفرق بين مجتمع الدولة والمجتمعات القبلية والعشوائية بشيء اسمه القانون، على أن يكون هناك دستور تشتق القوانين منه، وتكون هناك جهات ضبطية يخول لها تطبيق مواد القانون على المذنبين، أمّا حل القضايا عن طريق الصلح القبلي فهذه مسألة ما قبل القانون والدولة".

السبب الرئيس في استمرار الانفلات الأمني في تعز، هو "تساهل إدارة الأمن في القبض على المجرمين، وشرطة المحافظة تعجز عن القبض على المتهمين الذين ينتمون لمحور تعز

وتابع الدكتور الشيباني حديثه لخيوط: "في تعز كانت الثورة انتصارًا للقانون والبعد عن المجاملات والمحسوبيات، أُجهضت الثورة، وكان يفترض أن تكون تعز نموذجًا للدولة المدنية، دولة القانون الذي يطبق على الجميع، على أن يكون المحك في إرجاع الحق لأصحابه". ويبدي الشيباني أسفه لكون من سماها "بعض القيادات المشيخية والأمنية" تتدخل "بحكم القرابة المناطقية"، في قضايا "تمس دماء وأراضي ويحولونها لصلح وتهجير، بينما كان الأصل أن يتم الضرب بيد من حديد حتى يصبحوا عبرة لغيرهم".

اتهامات لهرم السلطة العسكرية

يكثر الحديث عن ضرورة إصلاح مؤسستي الجيش والأمن كحلٍّ رئيسي للمشاكل التي تعاني منها تعز، على اعتبار أن تدخلها في كافة الشؤون العامة، سيما الجانب المدني، بات سمة المرحلة مع تأكيد قيادة المحور أن التصرفات "الفردية" التي يمارسها بعض المنتمين له، هي محل رفض من قبله ولا تمثل العمل العسكري.

الناشطة الحقوقية أروى الشميري، قالت لـ"خيوط" إن "الحلول القبلية كارثة؛ لأنها تقتل روح القانون"، ملقية اللّوم على  قادة حزب الإصلاح، الذين يُتهمون من معارضيهم بأنهم يدعمون هذا النهج من خلال سيطرتهم على معظم قوات الجيش والأمن في تعز. وتستدل الناشطة الشميري على ذلك بقضية الاعتداء على مصانع الشيباني، التي تم حلّها بتحكيم قبَلي وذبح ثور، داعية ألّا يتم حل قضية الاعتداء على حرم جامعة تعز بحل قبلي.

انفلات أمني زاد عن حده

وترى أروى الشميري أن السبب الرئيس في استمرار الانفلات الأمني في تعز، هو "تساهل إدارة الأمن في القبض على المجرمين"، وقالت إن شرطة المحافظة تعجز عن القبض على المتهمين الذين ينتمون لمحور تعز.

واتهمت الشميري أشخاصًا يتبعون محور تعز العسكري بالاعتداء عليها، ووصفت هذا الاعتداء بالتفصيل قائلة: "تعرضت لانتهاكات تتضمن اعتداءً جسديًّا ولفظيًّا من قبل أشخاص يتبعون محور تعز، حيث تم الاعتداء عليَّ جسديًّا في مظاهرة الخميس 3 يونيو 2021، من قبل القيادية حورية وابل، وبتحريض من القيادية خديجة عبدالملك، المواليتين للمحور، كما حاول المجند صدام العديني مد يده عليَّ، وتم منعه من قبل بعض الحاضرين، بعدها تعرضت للاعتداء اللّفظي في مظاهرة يوم السبت 12 يونيو 2021، من قبل مسلحين تابعين لمحور تعز، وأحدهم قطع لوحتي لأني كتبت فيها عن فساد المحور".

نافذون فوق القانون

انفرد الجانب العسكري بتعز منذُ نشأته عام 2015، بتشكيلات تتبع جهات وقيادات برزت أسماؤها بقوة في مواجهة جماعة أنصار الله (الحوثيين) مع ذروة القتال على أطراف المدينة. بعض هذه التشكيلات لم تُضم إلى قوام حور تعز وبقيت تشكل أجنحة مسلحة لهذه الأسماء، جعلت حال المدينة متخثرًا وأعاقت عودة الحياة لكامل طبيعتها.

يقول الصحفي عمران فرحان: "مشكلة تعز الأساسية في السلاح غير النظامي. بدأت هذه الإشكالية حينما سُمح "بقصد" لكل من حصل على قطعة سلاح أن يحولها لملكية شخصية، وتنامت هذه الإشكالية بتشكيل كيانات عسكرية موازية تعمل مناطقيّا وقبليًّا، وإن كانت تحت مظلة قيادة محور تعز بالاسم فقط، لكن كتنظيم وترتيب لا يوجد".

وتابع فرحان حديثه "لخيوط": "ما يحدث هذه الأيام من انفلات أمني واعتداءات تطال مؤسسات مختلفة وآخرها الاعتداء على القائم بأعمال رئيس جامعة تعز، هو امتداد لهذه الإشكالية التي تكررت بالمدينة؛ لأنهم يعرفون أنه لا أحد يستطيع ردعهم، وإلا لكان قائد المحور والشرطة العسكرية والأمنية غاروا على الاعتداء على أكبر فاعل أعاد روح الحياة لتعز، وهي الجامعة، رغم أن المدينة كان يعرفها العالم في ذلك الوقت بؤرة إرهاب وجماعات ذبح، وهو ما نفته جامعة تعز بحضورها وعودة الطلاب الذين أعادوا الروح للمدينة".


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English