الاتجاه شرقًا

شراكة العالم الجديد هل تبدأ من الصين؟
زيد الفقيه
December 22, 2022

الاتجاه شرقًا

شراكة العالم الجديد هل تبدأ من الصين؟
زيد الفقيه
December 22, 2022

لعل العالم قد وصل إلى حدِّ التشبع بل (القرف) من النظام الاقتصادي الرأسمالي الإمبريالي الغربي، الذي يقوم على مبدأٍ غير معلن، هو "أقتلك من أجل أخذ حقك"، هذا الشعار الذي يستشفه المتأمّل جيدًا لرأس المال الغربي، إذ تعمل الدول الرأسمالية الغربية على أخذ ثروات الدول الفقيرة بواسطة إشعال الحروب ضدّها، من قبلهم بالاحتلال الذي كان حاصلًا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وهو ما أسماه أحد الجنرالات الإسرائيليين بالحرب الغبية، أو بالحرب الذكية التي تدار اليوم داخل الشعوب العربية نفسها، وهي الحرب الداخلية من خلال إشعال الفتنة بين طوائف تلك الشعوب وبمساندة مجنديها الاستخباراتيين، وتوصيلها إلى حدّ الحرب الداخلية تحت أيّ ذريعة من الذرائع، المهم أن تُدَمّر الشعوب نفسها حتى تستطيع السيطرة على مقدراتها، وخير دليل على ذلك ما حصل في العراق وليبيا واليمن وسورية ولبنان، وقد كتب أحد الجنرالات الإسرائيليين عن الحرب الذكية والحرب الغبية، وقال: إنّ الحرب الغبية هي تلك الحرب التي كانت أوروبا تخوضها في الشرق الأوسط، إذا تأتي بجيوشها وعتادها ومالها لاحتلال البلدان، وتظل في صراع مع هذه الشعوب، دون أن تحقق الأهداف المرجوة، وفي نهاية المطاف تخرج تلك الجيوش مهزومة مدحورة بعد أن خسرت جيشها ومقدراتها، أمّا الحرب الذكية فقد قال عنها: إنّها الحروب التي تديرها إسرائيل في الشرق الأوسط اليوم، وقال: "لقد استطاعت إسرائيل أن تهزم العرب دون أن تطلق طلقة واحدة من (تل أبيب)".

"أقتلك من أجل أخذ حقك" شعار غير متداول في وسائل الإعلام، لكنه يمارس بالعمل اليومي الذي يشهده المواطن، هذا الشعار لم يعد سرًّا فقد فضحتها الحروب التي شنّتها على بلدان الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، بدءًا من حرب أفغانستان إلى العراق وليبيا وسوريا واليمن، والبقية تأتي، وتحت مبررات إنسانية وشرعية و... وغيرها.

هذه الأجندة الرأسمالية والتحكم الاقتصادي عن طريق إخضاع الشعوب باتت مكشوفةً وممجوجةً من قبل العالم، بَيدَ أنّ العالم لم يقف عاجزًا عن البحث لصياغة نظام اقتصادي تشاركي جديد، شعاره "كلنا رابح"، بمعنى أنّ البلد الذي يمتلك الثروة وليس لديه القدرة على استغلالها، تقوم الدول القادرة على إنتاجها بالشراكة مع البلد الذي يمتلك الثروة، بكل تقدير واحترام ومنفعة، بدلًا عن ذلك النظام الذي شعاره "أنا الرابح"، وهو شعار الرأسمالية القائم على فلسفة "أقتلك للاستيلاء على ثروتك"، ولعل البلدان العربية قد وصلت مؤخرًا إلى فهم المخطط الغربي؛ لذا بدأت بالاتجاه شرقًا نحو دول "البريكس"، المتمثلة بــ: الصين، روسيا، الهند، كوريا، ودول شرق آسيا، متخذةً من طريق الحرير الجديد جسرًا يربط العالم بنظام اقتصادي ديمقراطي يحقّق رغبات ومصالح الأطراف المنتفعة من الشراكة الاقتصادية بين البلدان، وقد أُطلق على هذا النظام: "العولمة النظيفة" التي تولي الشراكة الحقيقية جُلّ اهتمامها.

بعكس ما كان يفعله البنك الدولي الذي يتكوّن رأس ماله من مساهمات هذه الدول الرأسمالية المستغلة والتي -دائمًا- ما يتدخل في الدول ذات الاقتصاديات المنهارة، والذي هو "سبب انهيار اقتصادها" بحجة الإصلاح الاقتصادي، فيقدم اقتراحات تزيد من ربط هذه الدول وتقييدها وجعلها تسير في نفس المنحى الذي يجعلها ضحية لهذه الدول المنتفعة، بل ويجبر الدول على فعل ما يريد لا على ما ينفع تلك الدول، فقد كان يفرض على البلدان التي تريد منه المساعدة رفع قيمة السلع حتى وإن كانت سلعًا محلية مثل النفط، بحجة موازاة السعر العالمي، ولشدة حاجة الدول للبنك توافق على تلك الشروط، لكنه -في الحقيقة- يهدف إلى تركيع الشعوب، وتجويعها من أجل أن تظل بحاجة دائمة إلى قبول شروط الدول الرأسمالية المهيمنة، كما يقول المثل: "جوِّع كلبك يتبعك".

النظام الاقتصادي الجديد أو العولمة النظيفة تقوم على تنمية الشعوب واستنهاضها، من أجل الارتقاء بها للوصول إلى شراكة ندّية بين الدول مالكة الثروة ومنتجتها، وهذا نوع من الشراكة التي تخلق الودّ والسلام والتعايش، واستغلال الثروة الاستغلال الأمثل، من أجل إشاعة الحب والوئام والسلام بين بلدان الثروة ومنتجها.

هذا النظام الاقتصادي بالتأكيد سيحظى باهتمام الفكر العالمي، وخاصة الأدب الذي منبته: قيم المحبة، والسلام، والحرية، والمشاركة الفاعلة، وسيكتب كبار الأدباء والكتاب عن هذا النظام، لأنّه يقوم -في الأساس- على استنهاض الدول الفقيرة وتحويلها إلى شريك حقيقي، وليس تابعًا كما كانت الرأسمالية المقيتة تعمل، في سياستها المالية، عليه. ولعل المؤتمر العربي الصيني الذي انعقد خلال هذا الأسبوع في السعودية، أولى الخطوات العربية نحو هذا التحول. 

نبارك ونؤيّد هذا التوجه الاقتصادي الجديد، وتبًّا لاقتصادٍ يهيمن، ويقتل العالم من أجل استغلال الثروة.

•••
زيد الفقيه

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English