أوهام الاحتلال وخرافاته

كل طرح عنصري تدحضه الحقائق ومنطق التاريخ
رانيا عون
March 17, 2024

أوهام الاحتلال وخرافاته

كل طرح عنصري تدحضه الحقائق ومنطق التاريخ
رانيا عون
March 17, 2024

في 2017 صدر كتاب بعنوان "عشر خرافات عن إسرائيل" للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابلي، عمل الكاتب من خلاله على التصدي للخرافات الرائجة في الخطاب الإسرائيلي السائد. وقال في مقدمة كتابه "تستند الرواية التاريخية الصهيونية بشأن الطريقة التي أصبحت فيها الأرض المتنازع عليها دولة إسرائيلية إلى جملة من الخرافات التي تلقي، بصورة ماكرة، ظلالاً من الشك على الحق الأخلاقي للفلسطينيين في الأرض. وغالباً ما تقبل وسائل الإعلام السائدة والنخب السياسية في الغرب هذه المجموعة من الخرافات بوصفها حقيقة مسلما بها، علاوة على كونها مبررًاً للممارسات الإسرائيلية على مدى الستين عاماً الماضية أو نحوها." 

فلسطين كانت أرضاً خالية 

تعد خرافة "شعب بلا أرض" من أهم الأدبيات الصهيونية، وتفترض أن فلسطين كانت أرضاً خالية، وقد روج لها عدد من زعماء الحركة الصهيونية . وينسب العديد مقولة "شعب بلا أرض" إلى إسرائيل زانجويل. إلا أنها تعود لكُتاب مسيحين من القرن التاسع عشر.

أشار إيلان بابلي في كتابه أن "الحقبة الأهم لفهم وضع فلسطين وإسرائيل في العصر الحالي هي فترة حكم العثمانيين،" فقد حكم العثمانيون فلسطين  منذ 1517 حتى 1917، أي 400 عام. ووفقاً للسجلات العثمانية حينها فإن 87 % من السكان كانوا من المسلمين، 11 % من المسيحين، 3 % من اليهود. وذكر الكتاب أن "المسيحيون بصفة رئيسة هم الذين أرادوا، ولأسباب كنسية، أن يقيم اليهود في فلسطين بشكل دائم، وذلك قبل ظهور الصهيونية."

وعلى الرغم من ترويج الحركة الصهيونية لعبارة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" أساسا لها، باعتبار أن فلسطين لم تكن يوماً أرضا لأي شعب، فإن موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية نشر في صفحته الرسمية منشورا عن "الحكم الأجنبي في أرض إسرائيل" تحدث فيه عن تاريخ الأراضي الفلسطينية منذ الحكم البيزنطي (313-636) مروراً بالحكم العربي (636-1099)، وعهد الصليبيين (1099-1291)، وحكم المماليك (1291-1516)، والحكم العثماني (1917-1517)، وصولا إلى الحكم البريطاني (1918-1948)، وهو ما يثبت أن أرض فلسطين لم تكن يوماً أرضاً بلا شعب. بل إن منشور موقع وزارة الخارجية أشار إلى أن أرض فلسطين خلال فترات الحكم المذكورة لم تكن يوماً أرضاً ذات أغلبية يهودية ولم تكن أرضاً لليهود! 

اليهود جماعات تاريخية متفرقة  يفتقرون لمثل هذه القواسم المشتركة، ذلك أن ارتفاع نسبة التحول في العصور القديمة أفقدهم وجود نسب "إثنية" مشتركة
  1. "اليهود كانوا شعباً بلا أرض" 

تكتمل خرافة "أرض بلا شعب" بـ "لشعب بلا أرض". وفي ملخص لكتاب "اختراع الدولة اليهودية" لـ شلومو ساند الذي تحدث في فصله الأول عن تغير المصطلحات والمفاهيم عبر الأزمنة واختلاف دلالته، وبحث عن صحةأو عدم صحة وجود شعب أو أمة يهودية . إذ إن كلمة شعب تشير الى مجموعة من الأفراد أو الأقوام تجمعهم قواسم مشتركة تتمثل باللغة والثقافة والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك، ولا تنظر للدين بقدر اهتمامها بالأصل العرقي. إلا أن اليهود جماعات تاريخية متفرقة يفتقرون لمثل هذه القواسم المشتركة، ذلك أن ارتفاع نسبة التحول في العصور القديمة أفقدهم وجود نسب "إثنية" مشتركة. كما أن اللغة العبرية لم تكن لغة مجتمع بل لغة تستخدم في الصلاة فقط، وأما الصهيونية فهي حركة سياسية يهودية. والحركات السياسية ليست بقاسم مشترك لتكوين شعب. وعليه فلا وجود لأمة يهودية أو شعب يهودي عبر التاريخ، وفقاً للتفسير العلمي.

فاليهود المعاصرون هم جماعات تاريخية متفرقة لم تشترك معاً بالعرق والمكان والدم، وعليه فإذا لم يكن هناك وجود لأمة يهودية أو شعب يهودي عبر التاريخ، وفق التفسير العلمي، فمن أين جاءت أساطيرهم؟

وتحدث الكاتب عن اتخاذ اليهود كتابهم المقدس "تناخ" مرجعاً وحيداً لجميع رواياتهم وادعاءاتهم، وهي روايات وادعاءات قائمة على معلومات لا تملك أصلا وتوثيقا تاريخيا وعلميا. واعتبرت المعايير العلمية أن المؤلفات اليهودية تستند على منهجية ساقطة لاعتمادها على مصدر وحيد لرواياتها. 

  1. الصهيونية هي اليهودية 

الصهيونية حركة سياسية سعت لإنشاء دولة تجمع اليهود، وفي ما بعد أصبحت حركة أيديولوجية هدفها دعم وحماية دولة إسرائيل. أما اليهودية فهي ديانة إبراهيمية توحيدية تستمد تعاليمها من التوراة. ويمكن إبراز التباين بين اليهودية والصهيونية عند الحديث عن الفرق بين "معاداة السامية" و"معاداة الصهيونية". فمعاداة السامية تشير إلى معاداة اليهود بوصفهم جماعة دينية، وإلى التحيز والكراهية ضدهم، في حين أن معاداة الصهيونية موقف مضاد للصهيونية، أي موقف معارض لوجود دولة إسرائيل. ويعتبر ما حدث لعمدة لندن السابق، كين ليفنغستون، أبرز مثال على معاداة الصهيونية لأسباب سياسية. فقد تم تعليق عمله في حزب العمل في 2017 لمدة عامين بسبب حديثه بأن هتلر، قائد الحزب النازي الألماني الذي كان مسؤولاً عن جرائم إبادة جماعية لليهود في حادثة محرقة الهولوكست، كان يدعم الصهيونية بالرغم من معاداته لليهود بصفتهم جماعة دينية.

أما معاداة الصهيونية لأسباب دينية فهي موقف يتخذه العديد من اليهود. حيث تحدث الحاخام ديفيد رايس، أحد رجال الدين اليهود، عن أن وجود دولة لليهود يعارض معتقداتهم الدينية في كتابهم المقدس "التوراة"، وأن إسرائيل التي نتجت عن الحركة الصهيونية هي معاداة لله، وأن مؤسسي الحركة الصهيونية كانوا غير متدينين وقد تركوا الديانة اليهودية، وأن الصهيونية هي اختراق لليهودية، لأن كتابهم المقدس قد نص على عقوبة الله لليهود بالتشرد في الأرض.

  1. الصهيونية ليست حركة استعمارية 

الاستعمار وفقاً لتعريف ناشونال جيوغرافيك "سيطرة قوة واحدة على منطقة أو شعب تابع، ويحدث ذلك عندما تقوم دولة أو جماعة بإخضاع دولة أخرى، وقهر سكانها واستغلالهم ...." وفي الرواية التاريخية الشهيرة أن وفودا من الصهاينة أرسلوا برقية إلى قادتهم في أواخر القرن 19 بعد وصولهم الى فلسطين جاء فيها: "العروس جميلة لكنها متزوجة من رجل آخر،" ما يعني أن فلسطين كانت أرضاً جميلة إلا أنها لم تكن خالية من السكان. وقد هاجم الكثير صحة هذه العبارة واعتبروها ادعاءات تفتقر إلى مصدر حقيقي وأنها حكاية ناتجة عن معاداه الصهيونية

وعلى الرغم من اعتراف إسرائيل بأن فلسطين لم تكن أرضاً خالية عند وصولهم إليها، فإنهم يتمسكون بأنها أرضهم المقدسة، وأن ذهابهم إلى فلسطين ما هو إلا عودة إلى أراضيهم باعتبارهم يهودا، في حين أن التاريخ يثبت أن فلسطين لم تكن أرضاً لليهود. وينكر متدينو اليهودية وجود دولة لليهود. وبذلك فإن الحركة الصهيونية حركة استعمارية استيطانية منذ لحظة وصولهم الأولى. 

  1. الفلسطينيون غادروا وطنهم طوعاً عام 1948 

تحدث الكاتب إيلان بابلي في كتابه "عشر خرافات عن إسرائيل" عن وجود قضيتين مرتبطتين بخرافة أن الفلسطينيين غادروا وطنهم طوعاً عام 1948 وهما: هل كانت هناك نية لتهجير الفلسطينيين؟ وهل طُلب من الفلسطينيين عشية حرب 1948 مغادرة بيوتهم طوعاً كم تزعم الميثولوجيا الصهيونية؟ وللرد على هذه الأسئلة ودحض هذه الخرافة قام الكاتب بإيراد اقتباسات مهمة:

ورد في رسالة كتبها ديفيد بن غوريون، المؤسس الوطني الرئيس لدولة إسرائيل ورئيس وزرائها الأول، لابنه عاموس في 5 أكتوبر 1937: "في حال قابلتك في تل أبيب، عند عودتي، فسوف أشرح لك مسألة عضويتي في اللجنة التنفيذية، أما هنا فأريد فقط أن أوضح لك التضارب بين تفكيرك وبين أحاسيسك في ما يتعلق بقضية الدولة. إن الأمور السياسية لا تخضع للأحاسيس .علينا فقط أن نأخذ بعين الاعتبار ما نرغب فيه وما هو جيد لنا، والطريق المؤدية إلى الهدف والسياسات التي من شأنها أن تنجحنا أو أن تفشلنا. 

أعتقد أنني أملك أحاسيس أيضاً، فبدون هذه الاحاسيس لم أكن لأستطيع تحمل عقود من عملنا الشاق. كما أنني لا أشعر إطلاقاً بالإهانة من إقامة دولة يهودية حتى وإن كانت صغيرة. أنا بالتأكيد لا أرغب في تقسيم الأرض. ولكن هذه الأرض التي تقسم ليست في حوزتنا بالفعل. إنها في حوزة العرب والإنكليز. ونحن نملك منها جزءا صغيرا فقط، أصغر من الجزء المقترح لإقامة دولة يهودية عليه. لو كنت عربيا لشعرت بإهانة كبيرة. في اقتراح التقسيم هذا سوف نحصل على أكثر مما نملك، علما أنه أقل، وأقل بكثير، مما نستحقه ومما نريده. إلا أن السؤال المطروح هو هل سنحصل بطريقة أخرى غير اقتراح التقسيم على أكثر من هذا، وإذا ما بقيت الأمور كما هي عليه الآن، فهل هذا من شأنه أن يرضي مشاعرنا؟

نحن لا نريد لهذه الأرض أن تبقى كاملة  وموحدة، بل نريدها أن تكون أرضا يهودية كاملة وموحدة. فأنا لا أشعر بأي رضا عندما تكون أرض إسرائيل كاملة ولكن عربية."

وورد في الرسالة أيضاً: "سوف نحشد في الدولة أكبر عدد ممكن من اليهود، فوفق اعتقادنا الراسخ يمكننا حشد أكثر من مليونين. سوف نبني اقتصادا يهوديا متفرعا، في الزراعة والصناعة والنقل البحري. سوف ننظم قوة دفاعية متفوقة، جيشا متميزا – ولا أشك في أن جيشنا سوف يكون واحدا من أكثر الجيوش تميزا في العالم، وعندها أنا متأكد بأنه ما من شيء سيمنعنا من الاستيطان في كل الأجزاء المتبقية من الأرض، إما عن طريق الاتفاق والتفاهم المتبادل مع جيراننا العرب، وإما بطرق أخرى."

وكتب أيضا:" علينا طرد العرب وأخذ مكانهم. إن كل طموحنا قائم على فرضية -تم تأكيدها من خلال كل نشاطاتنا في البلاد- أن هناك مساحة كافية لنا وللعرب في البلاد، ولكن إذا ما اضطررنا لاستخدام القوة-ليس لأجل سلب العرب النقب أو شرق الأردن، وإنما من أجل ضمان حقنا في الاستيطان فيهما- فسوف تمكننا قوتنا من ذلك."

وفي نسخة مسربة من مذكرات رابين، جنرال عسكري سابق في الجيش الإسرائيلي وخامس رئيس وزراء لإسرائيل، سُربت لصحيفة نيويورك تايمز في 23 اكتوبر 1979، عزا رابين القرار النهائي بشأن طرد 50000 من المدنيين الفلسطينيين من منزلهم قرب تل أبيب في حرب 1948 إلى بن غوريون . 

بدأت رواية روبين باجتماع ضم السيد بن غوريون وإيغال ألون، لواء في جيش الدفاع الإسرائيلي أصبح لاحقاً وزير خارجيتها: "بينما كان القتال لا يزال مستمرا، كان علينا أن نتصدى لمشكلة مزعجة، لم نتمكن من الاستفادة في حلها من أي تجربة سابقة: مصير السكان المدنيين في اللد ورامي، البالغ عددهم حوالي 50000."

"حتى بن غوريون لم يستطع تقديم أي حل، وخلال المناقشات في المقر التشغيلي، التزم الصمت، كما كانت عادته في مثل هذه المواقف. من الواضح أننا لم نتمكن من ترك سكان اللد العدائيين والمسلحين في مؤخرتنا، فذلك كان يمكن أن يعرض طريق الإمداد إلى يفتاخ [لواء آخر]، الذي كان يتقدم شرقا، للخطر."

"مشينا إلى الخارج، بن غوريون يرافقنا. كرر ألون سؤاله: «ما الذي يجب فعله مع السكان؟» لوح ب. لوح بيده في لفتة قالت: «أخرجوهم!»

"ألون وأنا أجرينا استشارة. وافقت على أنه من الضروري طرد السكان. أخذناهم سيرًا على الأقدام نحو طريق بيت هورون، على افتراض أن الفيلق سيكون مضطرًا لرعايتهم، وبالتالي تحمل الصعوبات اللوجستية التي من شأنها أن تثقل كاهل قدرته القتالية، مما يسهل الأمور علينا."

"من الناحية النفسية، كان هذا أحد أصعب الإجراءات التي اتخذناها. لم يغادر سكان اللد عن طيب خاطر. لم تكن هناك طريقة لتجنب استخدام القوة والطلقات التحذيرية من أجل جعل السكان يسيرون من 10 إلى 15 ميلاً إلى النقطة التي التقوا فيها بالفيلق."

"قد شاهد سكان رامي وتعلموا الدرس. ووافق قادتهم على الإخلاء طوعا، بشرط أن يتم الإخلاء بالمركبات. نقلتهم الحافلات إلى اللطرون، ومن هناك تم إجلاؤهم من قبل الفيلق."

ولن ينسى التاريخ مجزرة دير ياسين التي حدثت في يوم الجمعة 9 أبريل/نيسان 1948، عندما هاجمت مليشيا صهيونية قرية دير ياسين التي كان يقطنها 700 فلسطيني وقتلت 107، والتي تسببت بقتل مئات من الأطفال والنساء والرجال وطرد من بقوا على قيد الحياة. ويروى عن المجزرة أن المليشيا الصهيونية قتلوا الفلسطينيين بطرق وحشية، فقد تم ربطهم بالأشجار، حرقهم حتى الموت، إطلاق الرشاشات عليهم، تجريد النساء والأطفال من ملابسهم وقتلهم. 

وجاء في مقال نُشر في  صحيفة الجارديان بعنوان " تذكر الألم، جروح الشفاء": "يقول المدافعون عن المجزرة إنها كانت محاولة لكسر حصار القدس الغربية، وإن دير ياسين لم تكن قرية صغيرة نائمة بل بريدا عسكريا عربيا مدججا بالسلاح. يشير آخرون إلى أنه، في ذلك الوقت، تم تعيين دير ياسين قرية مسالمة، قد أبرمت اتفاقية عدم اعتداء مع مستوطنة جيفات شاؤول اليهودية المجاورة، وأن ترسانتها الرائعة بلغت بعض البنادق التركية القديمة ومدفعين رشاشين."

"وسارع القادة اليهود إلى إدانة الهجوم. أرسل رئيس الوزراء، ديفيد بن غوريون، اعتذارا إلى الملك عبد الله ملك الأردن، بينما وصفها اللاهوتي والفيلسوف اليهودي مارتن بوبر بأنها «وصمة عار سوداء على شرف الأمة اليهودية» و «تحذير لشعبنا بأنه لا توجد احتياجات عسكرية عملية قد تبرر مثل أعمال القتل هذه.»"

من ناحية أخرى، قال مناحيم بيغن، في مذكراته عام 1952، إنه لولا دير ياسين لما كانت هناك إسرائيل، وإنه بعد ذلك أمكن للقوات الصهيونية «التقدم مثل السكين الساخن في الزبدة». وتحت النصيحة، أزال هذه الكلمات من الطبعات اللاحقة.

وفي 2017 قامت المخرجة الإسرائيلية نيتا شوشاني بتصوير فيلمها الوثائقي "ولد في دير ياسين" لتوثيق مجزرة دير ياسين، وقد صرحت المخرجة بأنه لم يكن أحد يريد فتح الملف في إسرائيل. قالت: "مركز الأرشيف المركزي الإسرائيلي لم يوافق بالطبع على السماح لي بفتح الملفات والنظر إلى الصور القديمة، وتوجهت إلى المحكمة العليا في إسرائيل وكنت أحاول الحصول على قرار يتيح لي فتح الملفات والنظر إلى الصور، وطبعاً في النهاية لم يسمحوا لي بالحصول عليها." 

  1. حرب يونيو1967 كانت حرباً لابد منها 

تحكي هذه الخرافة أن القوات الإسرائيلية أُجبرت على احتلال قطاع غزة والضفة الغربية في عام 1967 بعد أن قام الاتحاد السوفيتي في 13 مايو 1967 بإعلام مصر في فترة رئاسة جمال عبد الناصر عن وجود 11-13 كتيبة إسرائيلية محتشدة في نية لضرب سورية. وفي استجابة مصر لتقرير الاتحاد السوفيتي، قامت في تاريخ 16 مايو 1967بحشد جيشوها في منطقة سيناء وطالبت الأمم المتحدة بسحت قواتها الموجودة في سيناء، وفي 22 مايو 1967 قامت مصر بإغلاق مضيق تيران في البحر الأحمر وما لحقه من بدء تحركات عسكرية لكل من الأردن والعراق وسورية والسودان وإعلان السعودية استعدادها لأي عمليات عسكرية لمواجهة إسرائيل، وهو ما اعتبرته إسرائيل إعلاناً للحرب عليها. وبذلك ادعت إسرائيل أنها كانت حرباً لا بد منها، وأن احتلالها لغزة كان اضطرارا.  

تحدث الكاتب إيلان بابلي في كتابه "عشر خرافات عن إسرائيل" أنه "من أجل إعادة تقييم حرب 1967، علينا في البداية أن نعود إلى حرب 1948، فقد اعتبرت النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية هذه الحرب فرصة ضائعة، إذ إنها شكلت لحظة تاريخية كان يمكن لإسرائيل فيها، بل كان يجب عليها، أن تحتل كامل فلسطين التاريخية من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. والسبب الوحيد وراء عدم إقدامها على ذلك هو وجود اتفاق مع جارتها الأردن. وقد تم التفاوض على هذا التواطؤ خلال الأيام الأخيرة للانتداب البريطاني، وبعد التوصل إلى صيغته النهائية، تم بموجبه تقليص المشاركة العسكرية للجيش الأردني في المجهود الحربي العربي العام في حرب 1948. في المقابل، تم السماح للأردن بضم الأراضي الفلسطينية التي أصبحت الضفة الغربية. ووصف ديفيد بن غوريون، الذي حافظ على الاتفاقية التي أُبرمت قبل عام 1948، القرار بالسماح للأردن بالاستئثار بالضفة الغربية بـ bechiya ledorot  (مرثية الأجيال)، وهي عبارة بالعبرية تعني حرفياً أن الأجيال المستقبلية ستندم على هذا القرار، وقد تميل بصيغة أكثر مجازية إلى ترجمة العبارة بأنها ’خطأ تاريخي قاتل‘." 

لم يكن تقرير الاتحاد السوفيتي في 1967 بوجود احتشاد عسكري إسرائيلي لدخول الأردن هو الأول، فقد كان هناك إبلاغ سابق عام 1960 بتقارير مصورة عن وجود احتشاد عسكري إسرائيلي للهجوم على الأردن، وهدد حينها جمال عبدالناصر بإرسال قواته الى شبه جزيرة سيناء ومنع مرور السفن إلى مدينة إيلات، ونشب بين الطرفين تبادل نيران المدفعية ومعارك جوية انتهت بإحلال هدوء مضطرب حتى اندلاع حرب 1967. 

أما الاحتكاكات السابقة لحرب 1967 بين إسرائيل وسورية فكانت ناتجة عن إنشاء إسرائيل مشروع "مشروع المياه الوطني" الذي هدف الى تحويل الموارد المائية من الأردن ولبنان إلى المدينة الساحلية ثم إلى النقب.

وفي صباح يوم الإثنين 5 يونيو / حزيران 1967 اندلعت الحرب بعد هجوم القوات الإسرائيلية على القوات المصرية والقوات الأردنية والسورية والعراقية. استمرت الحرب ستة أيام حتى تاريخ 10 يونيو /حزيران، وأسفرت عن احتلال إسرائيل لغزة والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء والقدس الشرقية.

يقول إيلان بابلي "ثمة طريقة أخرى لنحكم بها على حقيقة النوايا الإسرائيلية منذ العام 1967، ألا وهي النظر إلى هذه السياسات من وجهه نظر الضحايا الفلسطينيين. فبعد الاحتلال وضع الحاكم الجديد فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة في معضلة مستحيلة: فلا هم لاجئون ولا هم مواطنون، فهم كانوا لا يزالون سكان المنطقة، ولكن بلا مواطنة. كانوا ولا يزالون في جوانب كثيرة نزلاء في سجن كبير لا يملكون فيه حقوقاً إنسانية ومدنية، ولا يد لهم في رسم مستقبلهم، والعالم يغض الطرف عن هذا الوضع لأن إسرائيل تدعي-وهو ادعاء لم يتم دحضه إلا مؤخراً- أن الوضع مؤقت، وسيظل قائماً فقط إلى أن يصبح هناك شريك فلسطيني لتحقيق السلام." 

وخلص إيلان إلى أن احتلال قطاع غزة والضفة الغربية جاء استكمالاً لمهمة بدأت منذ 1948، ما يؤكد أنها كانت حرباً مخططا لها، ولم تكن حرباً لا بد منها. 

إن الاختبار الحقيقي لأي دولة ديموقراطية يتمثل في مستوى التسامح المتاح لديها إزاء الأقليات التي تعيش في كنفها. في هذا الخصوص فإن إسرائيل أبعد ما تكون عن دولة ديموقراطية حقيقية.
  1. إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط 

في مقال لـ ديفيد كرامر، المدير التنفيذي لـ مركز بوش الرئاسي بعنوان "عندما يتعلق الأمر بالتحولات الديمقراطية، فإن الشرق الأوسط صحراء"، أشار إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة "الحرة" في منطقة الشرق الأوسط وفق تصنيفات فريدوم هاوس، مع تصنيف عدد من دول الشرق الأوسط بأنها "حرة جزئيا،" والغالبية منها تُصنف بأنها "غير حرة."

وفي مقابلة مع "نفتالي بينيت، "رئيس وزراء إسرائيل السابق، قال إن إسرائيل هي الدولة الديموقراطية في الشرق الأوسط، والتي توجد فيها جماعات وتنظيمات تهدف لتدمير إسرائيل. 

يقول بابلي "إن الاختبار الحقيقي لأي دولة ديموقراطية يتمثل في مستوى التسامح المتاح لديها إزاء الأقليات التي تعيش في كنفها. في هذا الخصوص فإن إسرائيل أبعد ما تكون عن دولة ديموقراطية حقيقية." 

أبرز الكاتب في كتابه أهم الأمثلة التي تؤكد أن إسرائيل أبعد ما تكون عن دولة ديموقراطية حقيقية ومن ذلك:

تمرير إسرائيل لقوانين عديدة تكرس وضعا متفوقاً لليهود مثل قانون أملاك الغائبين الذي يخول السلطات الإسرائيلية الاستيلاء على أملاك المهجرين الفلسطينيين الذين هاجروا أو نزحوا أو تركوا حدود فلسطين المحتلة حتى عام 1947، وقانون العودة الذي يعطي حق نيل الجنسية الإسرائيلية والمواطنة والاستقرار في إسرائيل لكل يهودي في العالم بغض النظر عن مكان ولادته. وفي المقابل ترفض إسرائيل رفضاُ مطلقاً تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم149 بـ "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاَّجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات، بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعَوَّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".

ولا حاجة لإضافة المزيد من وقائع وممارسات الحكومة الإسرائيلية في ما يتعلق بالديموقراطية. فالواقع المشاهد في الوقت الحالي كاف تماما لخلق وقائع داعمة لتاريخ إسرائيل الأسود عند التحدث عن الديموقراطية والحرية والحقوق.

  1. خرافات أوسلو 

تحدث الكاتب عن خرافتين متعلقتين بعملية أوسلو، "الأولى أنها عملية سلام حقيقية، والثانية أن ياسر عرفات تعمد تقويضها بإشعال الانتفاضة الثانية، وهذه كانت عملية إرهابية ضد إسرائيل." 

اتفاقية أوسلو هي أول اتفاقية رسمية تم توقيعها بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 13 أيلول الأول/ سبتمبر1993. تم توقيعها في البيت الأبيض في واشنطن، وأطلق عليها أيضاً "إعلان مبادئ ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت"، واعتُبرت حينها نجاحاً دبلوماسياً ومساعي حميدة للسلام نتج عنها فوز ياسر عرفات، ممثل الحركة الفلسطينية في اتفاقية أوسلو، واسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل وممثلها في الاتفاقية، بجائزة نوبل للسلام في 1994.

جاء نص البند الأول من الاتفاقية الذي بعنوان "هدف المفاوضات" كما يلي:

 "إن هدف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ضمن إطار عملية السلام الشرق أوسطية هو، إلى جانب أمور أخرى، تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية. المجلس المنتخب "للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية لا تتعدى الخمس سنوات وتؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338. ومن المفهوم أن الترتيبات الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من العملية السلمية الشاملة وأن المفاوضات حول الوضع النهائي ستؤدي إلى تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و 338."

وتم الترحيب باتفاقيه أوسلو ، على انها ستمثل نهاية الصراع. ومن هنا نشأت خرافة، بل وهم، أن اتفاقية أوسلو هي اتفاقية سلام حقيقية، في حين يتمثل الجانب الاخر من الوهم في أن ياسر عرفات تعمد تقويضها في إحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية . 

أما عن أن اتفاقية أوسلو هي اتفاقية سلام حقيقة، فقد جاء في مقال تحليلي على صحيفة واشنطن بوست، للكاتب إيشان ثارور، بعنوان "الفشل الذريع في اتفاقيات أوسلو": "لكن بعد ثلاثة عقود، يستحضر استدعاء «أوسلو» في سياق الشرق الأوسط شعورًا بالهزيمة. تبدو الدولة الفلسطينية القابلة للحياة غير محتملة الآن أكثر مما كانت عليه في عام 1993. في انتهاك للقانون الدولي، توسعت المستوطنات الإسرائيلية في معظم أنحاء الضفة الغربية، وقطعت الأراضي الفلسطينية بطرق وولايات قضائية جديدة للمستوطنين اليهود. تحت الأرض، يتم تحويل طبقات المياه الجوفية إلى المستوطنات، مما يفرض نقصا مزمنا في المياه على الفلسطينيين. أصبحت القدس الشرقية، العاصمة المفترضة لدولة فلسطينية مستقبلية، موطنًا لأكثر من 200000 مستوطن يهودي؛ يواجه العديد من السكان الفلسطينيين هناك حملة ضمنية لطردهم من الأحياء التي عاشوا فيها لأجيال. لا يظهر الحكم العسكري الإسرائيلي الراسخ على ملايين الفلسطينيين سوى القليل من الدلائل على التراجع، وقد دفع منظمات حقوق الإنسان الرائدة في العالم في السنوات الأخيرة إلى تحديد أن ظروف الفصل العنصري تسود الضفة الغربية المحتلة." 

"لقد كسبت إسرائيل بالتأكيد من ما بشرت به اتفاقات أوسلو أكثر من الفلسطينيين. أدت الاتفاقيات إلى تدفق الاستثمار الأجنبي إلى البلاد، مما ساعد على بدء الازدهار التكنولوجي الذي دفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل فوق نصيب معظم الدول الأوروبية. وفي الوقت نفسه، وفي ظل وهم عملية ثابتة للسلام، رسخت إسرائيل سيطرتها الفعلية على الأراضي الفلسطينية."

وجاء في مقال نُشر حديثاً على صحيفة تايمز الإسرائيلية "لماذا فشلت عملية أوسلو للسلام - وماذا تعني للمفاوضين المستقبليين" أن اتفاقيات أوسلو كانت مقنعة ومنطقية على الورق، أما واقعياً فكان لا بد للطرفين منذ البداية من توضيح النتيجة النهائية للاتفاق وما سيسفر عنه لاحقاً. يقول المقال نصًا: "بالنسبة للفلسطينيين، كانت تلك النتيجة النهائية دولة مستقلة وعاصمتها القدس. بالنسبة للإسرائيليين، كان يتقرر أو يترك لـ ’في ما بعد‘ ليتم تحديده. ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ولا خليفته شمعون بيريز، بدافع من السياسة الداخلية ومن شكوكهم حول قدرة الفلسطينيين على إقامة دولة، ومما قد يعنيه ذلك للأمن الإسرائيلي، مستعدين للالتزام بأي نتيجة متفق عليها، حتى ولا باعتبارها رؤية طموحة." 

"في اتفاقية أوسلو، اتخذ رابين قرارا تاريخيا في ما يتعلق بالفلسطينيين. لكن ترجمة ذلك إلى مؤسسة بيروقراطية وأمنية إسرائيلية تحمل المفتاح لجعل الحياة أفضل للفلسطينيين على الأرض أثبتت أنها أصعب بكثير. بحلول عام 1993، أصبحت سياسات الاحتلال الإسرائيلي راسخة بعمق في السياسة الإسرائيلية والعلاقات اليومية مع الفلسطينيين."

"أما بالنسبة لعرفات، فلم أكن متأكداً قط من دوافع قبوله لاتفاقية أوسلو. لقد أجبروه، على الأقل في الوقت الحالي، على الاعتراف بإسرائيل من دون تحقيق أي من مطالب الفلسطينيين – لا تقرير المصير، ولا إقامة الدولة، ولا القدس الشرقية عاصمةً لفلسطين، ولا حق العودة للاجئين الفلسطينيين. أفضل تخمين هو أن أوسلو، بالنسبة لعرفات، كانت بمثابة إقرار إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لنفسه ولمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارهما السبيل الشرعي الوحيد للتعامل مع الفلسطينيين. لقد تحمل عرفات العملية الانتقالية، لأن العالم كله، في جوهره، اعترف به باعتباره العنوان الحصري لكل الأمور الفلسطينية. لقد كان انتصاراً للأنا الشخصية على المصلحة الوطنية." 

أضحت حياة الفلسطينيين بعد اتفاقية أوسلو أسوأ بكثير مما كانت عليه قبلها، ولم تكن لهذه الاتفاقية أن تكون اتفاقية تحقيق سلام، وهذا ما خطط له أحد الجانبين، وأدركه الأخر في وقت مبكر لكنه تغافل عن الإقرار بذلك.

أما في ما يتعلق بخرافة "أن الانتفاضة الثانية كانت هجوما إرهابيا رعاه ياسر عرفات وربما خطط له"، فقد جاء في موقع "مكتبة إسرائيل الافتراضية بعنوان "انتفاضة الأقصى: خلفية ولمحة عامة"، أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو ما عُرف بـ"انتفاضة الأقصى" كانت تمرداً عنيفاً انخرط فيه الفلسطينيون في 28 أيلول/ سبتمبر 2000 بسبب دخول أرييل شارون إلى القدس ، برفقه 1500 شرطي إسرائيلي. 

في اليوم التالي كانت القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 750 فلسطينياً، بينهم 150 طفلاً، بينما قتل الفلسطينيون أكثر من 150 إسرائيلياً، بينهم 30 طفلاً، وفق تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية بعنوان "حياة محطمة - عام انتفاضة".

وعلى الرغم من ذكر "مكتبة إسرائيل الافتراضية"، في مقالها السابق، أن انتفاضة الأقصى كانت تمرداً فلسطينياً بسبب زيارة أرييل شارون للقدس الشريف التي اعتبرها الفلسطينيون تدنيسا لمكانهم المقدس، فإن الموقع نفسه عاد ليتمسك بخرافة أن الانتفاضة الثانية كانت أمراً مخططاً له من ياسر عرفات من قبل تاريخ وقوعها. فقد رد الموقع نفسه على حقيقة أن «اندلاع العنف في أواخر عام 2000، الذي أطلق عليه العرب اسم انتفاضة الأقصى، أثارته زيارة أرييل شارون إلى الحرم القدسي الشريف»، بأن وزير اتصالات السلطة الفلسطينية قد اعترف بأن عنف الانتفاضة كان مخططاً له في يوليو، منذ رفض ياسر عرفات لشروط أمريكية في كامب ديفيد . إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا تأويلا إسرائيليا آخر. 

إسرائيل مؤهلة لتُصَنَّف جماعةً إرهابيةً بدرجة أكبر من حماس، نظراً لأن انتهاكها، وتخويفها، وتهديدها وأعمال العنف التي ارتكبتها على مدار تاريخها، تسبق وجود حماس. وما حماس إلا ناتج من نتائج وجود الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية

  1. خرافات غزة

تتمسك إسرائيل بثلاث خرافات أساسية في ما يتعلق بقطاع غزة، هي: 

-حماس منظمة إرهابية، لا حركة تحريرية. 

-انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من قطاع غزة بعد أربعين عاماً من الاحتلال  كان بادرة سلم قوبلت بالعداء. 

-أفعال إسرائيل منذ العام 2006 كانت جزءاً من حرب دفاعية ضد الإرهاب.

  • خرافة أن حماس منظمة إرهابية، لا حركة تحريرية.

حماس هي حركة مقاومة إسلامية، تأسست عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وهي جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين جاء في المادة 2 من ميثاق حركة حماس. وتدير قطاع غزة منذ العام 2007 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006 . 

أقرت حماس بأنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين. وجاء في المادة 9 من ميثاق حماس، المادة المتعلقة بالأهداف "أما الأهداف فهي منازلة الباطل وقهره ودحره، ليسود الحق، وتعود الأوطان، وينطلق من فوق مساجدها الأذان معلناً قيام دولة الإسلام، ليعود الناس والأشياء إلى مكانها الصحيح، والله المستعان"، وفي ظل انتشار الإسلاموفوبيا، أدى ذلك الى تعزيز شيطنة الفلسطينيين بوصفهم عربا متطرفين. وكما يقول بابلو.... فقد "تم شيطنة الفلسطينيين من خلال عقد مقارنات مع النازيين."

في ظل غياب تعريف موحد دولياً للإرهاب، دعت المفوضة السامية لحقوق الإنسان "الدول إلى الاسترشاد بالعناصر الأساسية لأعمال الإرهاب المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 1566 (2004)، وبالتعريف النموذجي الذي وضعه المقرر الخاص. يتضمن الإرهاب، وهذه حدوده الدنيا، تخويفا أو إكراها للسكان أو الحكومات، من خلال التهديد، أو ارتكاب العنف، أو التسبب في الوفاة، أو الإصابة الخطيرة، أو أخذ الرهائن."

إذا ما طُبق هذا التعريف فإن إسرائيل مؤهلة لتُصَنَّف جماعةً إرهابية بدرجة أكبر من حماس، نظراً لأن انتهاكاتها، وتخويفها، وتهديدها، وأعمال العنف التي ارتكبتها على مدار تاريخها، تسبق وجود حماس. وما حماس إلا ناتج من نتائج وجود الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. 

في الواقع، فإن إطلاق مسمى الإرهاب على جماعة دون أخرى متروك لتقدير وإرادة الدول التي غالباً ما تستخدمه لأغراض سياسية في محاربتها لجماعة معينة، أو لتبرير انتهاكاتها المرتكبة ضد هذه الجماعة.

  • انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من قطاع غزة بعد أربعين عاماً من الاحتلال، كان بادرة سلم قوبلت بالعداء.

في 2005 انسحبت القوات الإسرائيلية من قطاع غزة بعد هدنة مع حماس في ما سمي بـ "فك الارتباط الأحادي"، وتم تفكيك 21 مستوطنة إسرائيلية وإجلاء المستوطنين من داخل قطاع غزة بعد 38 عاماً من الاستيلاء عليه. وتمت تسوية حوالي 4 ألف مبنى سكني بالأرض أثناء الحملة العسكرية. تسبب ذلك في تدمير البنية التحتية . ولجأ بعض المستوطنين إلى سياسية الأرض المحروقة عبر تدمير كل شي يتركونه خلفهم. 

لكن ماذا يقف خلف قرار الانسحاب وإجلاء المستوطنين؟  يقول بابيه "في عام 2004 طلب أرييل شارون دعم كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا لاستيطان الضفة الغربية مقابل الانسحاب من قطاع غزة." وأضاف: "دعم الرئيس بوش خطة فك الارتباط في جوهرها. لكن ما وجد مستشاروه صعوبة في استيعابه هو الرسالة التي طلب شارون من بوش أن يوقع عليها باعتبار التوقيع جزءا من التأييد الأمريكي. وتضمنت الرسالة وعداً أمريكياً بعدم الضغط على إسرائيل في المستقبل بشأن تحقيق تقدم في عملية السلام، وإقصاء حق العودة من أي مفاوضات مستقبلية."

آنذاك ورد في صحف أخرى أن أسباب الانسحاب من قطاع غزة رغبة شارون في إنهاء الاحتلال في الإجابة عن سؤال "لماذا تنسحب إسرائيل من غزة وأربع مستوطنات في الضفة الغربية؟" حيث جاء فيها أنه "وفي خضم أعمال العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الترويج لفك الارتباط باعتباره أفضل وسيلة لإسرائيل لتخليص نفسها من الصراع وتقليل تعرضها للإرهاب. وقد أيد السيد شارون وجهة النظر التي دافع عنها اليسار الإسرائيلي لسنوات عديدة: إن التواجد في بعض أجزاء الأراضي المحتلة كان بمثابة مسؤولية أمنية أكثر من كونه مصدر قوة. وللمرة الأولى على الإطلاق، قال شارون في عام 2003 إنه يريد إنهاء الاحتلال. وقال لأعضاء الليكود في مايو/أيار 2003: "ليس من الممكن الاستمرار في احتجاز ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص تحت الاحتلال. ربما لا تعجبكم هذه الكلمة، لكن ما يحدث هو احتلال. وهذا أمر فظيع بالنسبة لإسرائيل، لأنه أمر فظيع للفلسطينيين وللاقتصاد الإسرائيلي."

وعلى تعدد تلك الأسباب لمحاولة فهم الأسباب الكامنة وراء هذا الانسحاب فإن التصرفات الممارسة آنذاك تثبت أن فك الارتباط لم يكن بدافع السلم وإنما لارتباطه بضغوطات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وأن دوافع السلم لا تأتي من رد ما كان محتلاً، واستمرار حصار إسرائيل لغزة منذ حينها يناقض تلك الادعاءات.

  • أفعال إسرائيل منذ العام 2006 كانت جزءاً من حرب دفاعية ضد الإرهاب. 

إن هذا الخرافة ما زالت متداولة حتى اللحظة التي أصبحت فيها واضحة أمامنا اليوم بصفتها واقعا نشهد حدوثه كل يوم، في ظل رفض عالمي اليوم لاستغلال حق الدفاع في تبرير الجرائم التي ترتكب اليوم في فلسطين، وما يحدث اليوم كافٍ لإثبات أن السياسة الإسرائيلية لم تكن يوماً بسياسة دفاعية، بل سياسية إبادة وتدمير كلي وشامل. 

نشهد اليوم دعوى مرفوعة من جنوب أفريقيا في مواجهه إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، فقد قالت عديلة هاشم، ممثلة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، "عرَّضت إسرائيل غزة لما وصف بأنه أكثف حملة قصف في تاريخ الحروب المعاصرة. الفلسطينيون في غزة يقتلون بالقنابل والقصف والغارات جوا وبحراً وجوا وهم معرضون لخطر الموت نتيجة الجوع والعطش والأمراض بسبب الحصار المستمر من إسرائيل.

أقف أمامكم اليوم وقد قتل 23210 فلسطيني على يد قوات الجيش الإسرائيلي خلال الهجمات على مدى ثلاثة الأشهر المنصرمة، على الأقل 70 % من هؤلاء من النساء والأطفال. وحوالي 7000 من الفلسطينيين ما زالوا في عداد المفقودين، ويفترض أنهم ماتوا تحت الأنقاض.

يتعرض الفلسطينيون في غزة لقصف لا يتوقف أينما ذهبوا، يقتلون في منازلهم، في الأماكن التي يلجؤون إليها، في المستشفيات، في المدراس، في المساجد والكنائس، وأثناء محاولتهم لإيجاد الغذاء والمياه لعائلاتهم. يقتلون إن لم يخلوا المكان، ويقتلون في الأماكن التي لجؤوا إليها، وحتى في محاولة فرارهم على الطرق التي تدعي إسرائيل أنها آمنة."

هل تمثل الحرب الدفاعية لإسرائيل إنهاء وإبادة  الفلسطينيين؟ 

كيف سيتم حل الدولتين وإسرائيل تمثل كيانا احتلاليا ما زال يحتل أجزاء واسعة من الضفة الغربية ويفرض حصاراً على قطاع غزة مع سيطرته الكاملة لأراض فلسطينية تاريخياً؟

  1. حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدماً 

كثيراً ما يتم ترويج أن الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتمثل في حل الدولتين، وهذا هو الكذبة التي قد تحظى فعلاً بمباركة دولية، إلا أن تحقيقها مستحيل.

في عام 1988 أعلن ياسر عرفات، في ما عرف بإعلان الاستقلال، قيام دولة فلسطين في ممارسةً للشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي، وأعلن القدس عاصمة لفلسطين. مثل إعلانه اعترافا بوجود كيان آخر في فلسطين استدعى إعلان الاستقلال السياسي وإعلان قيام دولة. وهو الاعتراف الذي عارضته حماس التي لا تعترف بوجود إسرائيل وتتمسك بحق فلسطين في كافة الأراضي الفلسطينية تاريخياً.

إن اعتبار حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدماً يخلق العديد من التساؤلات، فكيف سيتم حل الدولتين  وإسرائيل تمثل كيانا احتلاليا ما زال يحتل أجزاء واسعة من الضفة الغربية ويفرض حصاراً على قطاع غزة مع سيطرته الكاملة لأراض فلسطينية تاريخياً؟

كل يمكن حل دولتين إذا كانت القضية الفلسطينية ليست قضية خلاف سياسي مع إسرائيل باعتبارها دولة أو كيانا يمتلك ذلك الحق من ذلك الإقليم أو الأرض، بل قضية وجود كيان احتلالي خلق قضية نضال فلسطيني عربي تاريخي ومستمر في مواجهته؟

وكيف يمكن حل الدولتين بعد أن اخُتصرت فلسطين إلى عشر مساحتها التاريخية؟!

يقول إيلان بابيه :"إن حل الدولتين اختراع إسرائيلي لم يكن الغرض منه تحقيق المستحيل، بل الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية إبقاء الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية دون دمج السكان الذين يعيشون هناك. لذا تم اقتراح أن تكون الضفة الغربية شبه دولة تتمتع بالحكم الذاتي. بالمقابل، سوف يتعين على الفلسطينيين التخلي عن كل آمالهم في العودة، وفي حصول الفلسطينيين في إسرائيل على حقوق متساوية، وفي شأن مصير القدس، وفي قيادة حياة حرة في وطنهم باعتبارهم بشرا." 

أما اليوم، فنحن نشهد تخلي السلطات الإسرائيلية عن خرافة حل الدولتين بوصفها سبيلا وحيدا للمضي قدماً. فقد قالت سفيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة لشبكة سكاي نيوز إن بلادها لن تقبل حل الدولتين عندما تنتهي الحرب في غزة. وفي مقال نشرته صحيفة تايمز أوف الإسرائيلية بعنوان "إسرائيل تحث الولايات المتحدة على عدم التحدث علنا عن حل الدولتين" ورد ما يلي: "وحث القادة الإسرائيليون إدارة بايدن سرا على الامتناع عن الحديث علنا عن حل الدولتين في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، حسبما قال أربعة مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين لتايمز أوف إسرائيل هذا الأسبوع." 

وقال مسؤول أمريكي إن الرسالة لا يعبر عنها فقط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أصبح صداه محدودا لأن واشنطن مقتنعة بأنه شارك في "حملة ذات دوافع سياسية" في هذا الشأن. كما أعرب أعضاء آخرون في حكومة الحرب، بما في ذلك بيني غانتس والرئيس إسحاق هرتسوغ وحتى رئيس المعارضة يائير لابيد، عن انزعاجهم من خطاب إدارة بايدن المتجدد في ما يتعلق بالحاجة إلى حل الدولتين منذ اندلاع الحرب، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين.

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين "إن حل الدولتين بعد ما حدث في 7 أكتوبر هو مكافأة لحماس،" في إشارة إلى الهجوم الصادم الذي نفذته الحركة، والذي قُتل فيه 12000 شخص واحتجز حوالي 240 رهينة في غزة." 

وجاء في المقال "أكد مسؤول أمريكي لتايمز أوف إسرائيل أنه كانت هناك بالفعل جهود متعددة الجبهات لإقناع إدارة بايدن بتخفيف حدة الخطاب العام في ما يتعلق بالحاجة إلى حل الدولتين، لكنهم قالوا إن واشنطن ليس لديها أي نية للتزحزح."

•••
رانيا عون

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English