قبور متنقلة في صعدة

قصة فتيات منطقة تعشر
خيوط
October 21, 2021

قبور متنقلة في صعدة

قصة فتيات منطقة تعشر
خيوط
October 21, 2021
Photo by: Albara'a Mansoor - © Khuyut

تعتبر منطقة تعشر الجبلية، بمديرية حيدان محافظة صعدة، إحدى البؤر التي تتعرض فيها النساء لصنوف من المعاناة والانتهاكات ذات الطابع الاجتماعي. 

ويحد هذه المنطقة من الشرق سلسلة جبال مرايب، ومن الشمال قرية جهور، ومن الجنوب بكير المير محافظة حجة. ويقدر عدد سكانها بـ4 آلاف نسمة تقريبًا، ومع ذلك لا وجود لأي شكل من الخدمات فيها مطلقًا، إذ يبعد أقرب مركز صحي ومدرسة عن المنطقة مسافة 13 كيلو مترًا.

ينحصر التعليم في المنطقة، للذكور فقط، إلى الصف السادس أساسي؛ أما الفتيات فالأمر يمثل بالنسبة لهن مجرد حلم؛ أن يتعرفن فقط على الحروف الأبجدية. لكن لكونهن فتيات، لا شيء آخر، حرمن من هذا الحق، وأصبحن يمتهن الرعي.

في "تعشر" لا تسمع شيئًا سوى ثغاء الماعز على رؤوس الأشجار وهي تلتهم أوراقها، وشكل من الحياة البدائية. كل الطرق هناك عبارة عن مسارات ضيقة للمشي على الأقدام، أما السيارة فلا تحلم بالوصول إلى هناك.

ويلاحظ أن المياه تجلب على ظهور الحمير والجمال، من منطقة تسمى غدران، وأقرب مسافة تقطعها خمس ساعات تقريبًا، تتولى هذه المهمة الشاقة النساء أيضًا، أما الرجال فمن مهامهم التسوق، وجلب احتياجات الأسرة الأخرى.

أغلبهن بتن يفضلن الموت في منازلهن على الولادة المتعسرة التي تجبرهن على البقاء في النقالات، ناهيك عن متاعب إنجاب طفل، بسبب صغر وزنه وعدم وجود حاضنات كهربائية تساعده على الاستمرار، والرعاية الطبية

حياة شاقة

تعاني الفتيات في هذه المنطقة حرمانهن من التعليم، إذ لا سبيل لهن في تحقيق حلمهن في التعليم، فمجرد بلوغهن سن ما بعد العاشرة، تخطب الفتاة هناك وتتزوج، وعادة يتم ذلك وهي لم تبلغ الخامسة عشرة بعد، لتبدأ بعدها رحلة متاعب أخرى، من سوء التغذية لها ولطفلها، ولا تنتهي عند الولادة المتعسرة. 

اطلعت "خيوط"، على قصص معاناة عديدة في هذا الجانب والتي تبدأ من فترة الولادة والتي يجب أن تنقل المرأة التي تصل إلى هذه المرحلة بأيام، على ظهر حمالة من سيقان الأشجار إلى أقرب مركز صحي، لا تتوفر فيها أدنى معايير الرعاية الصحية، باستثناء مادة التروبين المضادة لسموم العقارب والثعابين التي تنشط ليلًا بسبب حرارة الجو.

وتصارع المرأة الحامل، وأغلبهن فتيات صغيرات في السنّ، الموت محمولة على أعناق زوجها وأقاربها، حيث لا تستطيع أي عربة الوصول إلى هذه المنطقة والتي من وعورة طبيعتها يمكن للسائر إذا سقط من إحدى حوافها ألّا يستقر إلا في منطقة بكير المير، محافظة حجة.

يؤكد عدد من سكان المنطقة ممن التقتهم "خيوط"، وفضّلوا عدم ذكر أسمائهم، وفاة عدد من النساء وهن يصارعن ألم الولادة والخوف من السقوط أثناء حملهن على النقالات.

لذا أغلبهن بتن يفضلن الموت في منازلهن على الولادة المتعسرة التي تجبرهن على البقاء في النقالات، ناهيك عن متاعب إنجاب طفل، بسبب صغر وزنه وعدم وجود حاضنات كهربائية تساعده على الاستمرار، والرعاية الطبية.

وأدّى استمرار الصراع والحرب إلى زيادة في معدلات زواج الصغيرات، حيث تسعى العائلات إلى الاستفادة من المهر لمواجهة الصعوبات المرتبطة بالحياة المعيشية الصعبة وحماية بناتهن من العوَز. 

وتؤكد العديد من الدراسات والبحوث التي اطلعت عليها "خيوط"، على تصاعد معدلات زواج الأطفال إلى نسبة تقدر بنحو 66%، كما أن أكثر من 65% من الفتيات يتزوجن قبل سن الثامنة عشرة، مقارنة بـ50% قبل الحرب، وهذا يعني أن الصراع والحرب الدائرة أدّت إلى ارتفاع عادة الزواج المبكر نتيجة للفقر وانعدام الأمن الاجتماعي.

يرصد تقرير اطلعت عليه "خيوط"، صادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي استنادًا إلى بيانات الأمم المتحدة، أن 32% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا في جميع أنحاء اليمن تزوجن لأول مرة أو كنّ متزوجات، منذ سن 18 أو أقل.

ومن المشاكل التي تواجهها النساء أيضًا وتسبب لهن اضطرابات ومشاكل صحية، الزواجُ في سن مبكر (زواج الصغيرات) والذي يمثل وسيلة لطلب الحماية من المجتمعات المضيفة ولتخفيف الأعباء المالية. وتلعب العواقب الصحية والاقتصادية ونقص التعليم لزواج الصغيرات، دورًا رئيسًا في نشوء العنف القائم على النوع الاجتماعي في البلاد. ولا يزال هذا مصدر قلق كونه آلية تكيف سلبية يتم تطبيعها من قبل المجتمعات.

مخاطر مقلقة

يترتب على تزويج الأطفال في السياقات غير المستقرة والإنسانية نتائج سلبية متعددة للفتيات والنساء، من أبرزها أنه يقوض صحتهن، بما في ذلك الصحة والحقوق الإنجابية، ويزيد من خطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وبالتالي ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والوفيات لدى الأطفال دون الخامسة من العمر.

أثّرت الحرب والصراع في اليمن على الوضع الصحي للنساء، والذي يتمثل بالمعدلات المتزايدة لسوء الرعاية الصحية والتغذية. وأصبحت النساء في سن الإنجاب، ولا سيما الحوامل والمرضعات، يحظين بإمكانية محدودة أو معدومة للحصول على خدمات الصحة الإنجابية

يسود الإحباط والبؤس كثيرًا من الفتيات والنساء في هذه المنطقة (تعشر)، كغيرها من مناطق محافظة صعدة ومختلف المناطق اليمنية الريفية مع تعدد أشكال المعاناة القاسية التي لا تحصى، وأصبح بعضهن يؤمنّ بأنهن خلقن للعذاب والموت فقط، فإن نجت إحداهن من لدغة ثعبان أو عقرب، وخاصة في أيام الصيف شديدة الحرارة، فلن تنجو من الزواج المبكر ومتاعبه، هذا إذا لم تصِر إلى جثة هامدة أو مجرد أشلاء سقطت من منحدر ساحق، واستقرت في محافظة حجة.

ويشاهد الزائر لهذه المنطقة، جرافة تقوم بشق طريق، قيل إنه بتنفيذ من الصندوق الاجتماعي للتنمية. كان أهل القرية يسيرون أمامه وخلفه، يحرسونه ليل نهار، ولا يريدون مفارقته من كثرة فرحتهم به، وفرحتهم أنهم سيحصلون أخيرًا على طريق. لقد عاشوا على هذا الأمل، حتى إنه شاع في ذكرهم المثل: "يا جبل قبلك تعشر". يحلم أهالي تعشر، خصوصًا الفتيات منهن، في الحصول على مياه صالحة للشرب، ومدرسة وقابلة تخفف من آلامهن، وتسهل تعسّر نتائج زواجهن وهن صغيرات.

تبعات الصراع

مع استمرار الصراع والحرب عادة ما تكون الوفيات غير المباشرة أكثر من المباشرة، والتي تتركز في الفئات الضعيفة، التي تكون في الأغلب بين النساء والأطفال، إذ إن النزاعات قد تؤدي إلى ازدياد عدد الوفيات في أوساط النساء أكثر من الرجال.

وأثّرت الحرب والصراع في اليمن على الوضع الصحي للنساء، والذي تتمثل بالمعدلات المتزايدة لسوء الرعاية الصحية والتغذية. وأصبحت النساء في سن الإنجاب، ولا سيما الحوامل والمرضعات، يحظين بإمكانية محدودة أو معدومة للحصول على خدمات الصحة الإنجابية، بما في ذلك رعاية ما قبل الولادة والولادة الآمنة ورعاية ما بعد الولادة وتنظيم الأسرة والرعاية التوليدية الطارئة وحديثي الولادة.

وتشير وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية في اليمن إلى أن تدمير أو إغلاق المرافق الصحية وتناقص العاملين في المجال الطبي، خاصة من النساء، أدّى إلى معاناة حوالي 9.9 ملايين من النساء والفتيات في الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، والتي تعتبر من أكثر الفئات السكانية المتضررة حيث تشمل الفئات الضعيفة الأسر التي تعولها نساء، والنساء الحوامل والمرضعات، بالإضافة إلى الأسر الأكثر فقرًا والأطفال دون الخامسة من العمر وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة أو خطيرة، والناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتحتاج ما يقارب 5 ملايين امرأة إلى المساعدة الصحية.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English