المدارس إذ تتحول لثكنات عسكرية

طلاب تعز.. دراسة في العراء، وتحت خطوط النار
سكينة محمد
January 13, 2022

المدارس إذ تتحول لثكنات عسكرية

طلاب تعز.. دراسة في العراء، وتحت خطوط النار
سكينة محمد
January 13, 2022

أُغلقت في وجه صفوان مهدي (طالب بالمرحلة الثانوية) مدرسة الحي (سبأ الجديدة للبنين) منذ سبع سنوات، اضطر على إثر ذلك إلى الانتقال لمدرسة خاصة بمبلغ يفوق قدرة عائلته على تحمله، وهو ما حرمه من مواصلة دراسته، على الرغم من حبه للتعليم هو وأشقاؤه، وشغفه بمادتي الرياضيات والفيزياء.

تسببت الحرب بحرمان صفوان من الالتحاق بمدرسة (سبأ) التي سيطرت عليها قوات محور تعز العسكرية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، وقيامها بإغلاق أبوابها في وجه الطلاب؛ الأمر الذي دفع صفوان وإخوته للانتقال إلى مدرسة خاصة، لكن رفع أقساط الرسوم الدراسية، بالإضافة إلى إيجار باص المدرسة، حالَا دون أن يكملوا تعليمهم. 

مدرسة سبأ ثكنة عسكرية 

تقع مدرسة "سبأ الجديدة للبنين" في حي الضربة "المسبح" وسط مدينة تعز، في المربع السكني الأكثر كثافة سكانية على مستوى أحياء مدينة تعز، وكانت من أشهر مدارس تعز للبنين، بقدرة استيعابية تفوق 3600 طالب كل عام دراسي، إذ تحولت المدرسة لثكنة عسكرية طوال السبع السنوات الماضية. 

كانت السلطة المحلية في محافظة تعز قد دعت سنة 2018، لإخلاء المدرسة من المظاهر المسلحة، لكن دعوتها قوبلت بالرفض، تحت مبرر عدم وجود مقر لقيادة القوات العسكرية المستولية على المدرسة بعد تدميره بسبب الحرب الدائرة، بالرغم من ترميم مقر "نادي الضباط" وتقديمه لقيادة محور تعز، كمقر بديل عن المدرسة ورفضه ذلك. 

استمرت الدعوات من قبل المنظمات المدنية ومن التكتلات والطلاب في تعز لإخلاء المدرسة، فاستمرار احتلالها حرم نحو 25 ألف طالب من مدرستهم في هذا الحي.

يقول عبدالرحمن المقطري، أمين عام نقابة المعلمين في محافظة تعز لـ"خيوط"، "سعينا مع آخرين لإخلاء كل المدارس من المظاهر العسكرية، تم إخلاء بعض المدارس، لكن هناك بعضها ما تزال عليها إشكاليات، من ضمنها معاهد التعليم الفني".

يقول أحد سكان الحي الذي تقع فيه مدرسة سبأ: "إذا أي أحد مشى بجانب المدرسة، وشكّ العسكر أنه يصور، فإنهم يُمسكونه ويحققون معه، ومرات كثيرة اتهموا ناسًا بأنها تصور (للحوثيين)"

وقامت النقابة بنقل طلاب مدرسة سبأ من المبنى البديل غير المهيأ، إلى مدرسة نعمة رسام القريبة للدراسة في الفترة المسائية، إذ تم نقل طلاب المرحلة الابتدائية فقط، فيما ظل طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية في المبنى البديل عن مدرسة سبأ.

تؤكد النقابة أنها قامت بحل مشكلة الدراسة في المبنى البديل، والقيام بنقل الطلاب إلى مدرسة الشهيدة نعمة رسام القريبة للدراسة خلال الفترة المسائية.  

استأجرت السلطة المحلية في مديرية المظفر بتعز، المبنى البديل لمدرسة سبأ الجديدة للبنين في الحي نفسه، بمبلغ 400 ألف ريال شهريًّا؛ أي بمعدل 4.8 مليون ريال سنويًّا، لمبنى لا تزيد طاقته الاستيعابية عن 350 طالبًا، عدا عن كونه غير صالح للتعليم. 

ويتعجب مصدر مسؤول في السلطة المحلية في مديرية المظفر -فضل عدم ذكر اسمه– في حديث لـ"خيوط"، تعنت القيادة العسكرية لمحور تعز وعدم قبولها تسليم مبنى المدرسة. ويضيف: "نتحمل ميزانية ضخمة تستقطع على حساب قطاعات وخدمات أخرى، وندفع إيجارًا لمبنى يعتبر غير صالح لاستخدامه كمدرسة، فيما المدرسة موجودة".

ويستوعب المبنى البديل حوالي 20% من طلاب المدرسة، بينما بقية الطلاب موزعون على المدارس الخاصة لمن يملك المال، في حين أن الكثير منهم تسربوا من التعليم. 

المدرسة معتقل

يقول خالد اليماني، من سكان حي الضربة الواقعة فيه مدرسة "سبأ"، لـ"خيوط": "داخل المدرسة معتقلات للسجناء، يتم فيها تعذيب السجناء، نستطيع بسهولة سماع أصوات المعذبين، ونرى كيف يُدخِلون أناسًا معصوبي العينين ليلًا".

ويضيف اليماني: "إذا أي أحد مشى بجانب المدرسة، وشكّ العسكر أنه يصور، فإنهم يُمسكونه ويحققون معه، ومرات كثيرة أتهموا ناسًا أنها تصور (للحوثيين)"، وفق حديثه. 

من جانبه يقول أيمن الوهباني، لـ"خيوط": "تم اختطاف أخي في 27 نوفمبر 2017، وقادوه إلى مدرسة سبأ مقر "محور تعز" (قوات عسكرية تابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا)، لكنهم لم يسلموه لأبي إلا جثة بعد 25 يومًا من اختطافه وعلى جسده أثر تعذيب".

يتابع: "طالبنا حينها بإجراء تحقيق عن سبب وفاته، رافضين تسلم الجثة، فأصدر "المحور"، بيانًا يقول فيه إنه تم احتجازه لقضايا أمنية، ويتبع جماعات متطرفة". "لقد قتل أخي، ولم يُسلّم قاتِلوه لمحاكمة أو مساءلة قانونية عادلة"، أنهى الوهباني حديثه. 

بلغ عدد المدارس المدمرة بشكل نهائي في تعز، 40 مدرسة، و100 مدرسة مدمرة جزئيًّا، بالإضافة إلى عشرات أخريات تحت قبصة العسكر تم تحويلها لثكنات عسكرية كمدرسة الحياة والميثاق في مديرية التعزية، كما أن هناك مدارس لا تستقبل طلابها، نتيجة موقعها على خطوط التماس كمدرسة عمر بن عبدالعزيز في مديرية صالة، التي تعتبر الأولى من حيث عدد الملتحقين بالتعليم في المحافظة. 

البندقية بدلًا للنشيد الوطني

في السياق، أصيب مدير مدرسة عمر بن عبدالعزيز، المدرسة المُطلة على تبة سوفتيل والواقعة على خطوط التماس شرق تعز، بطلق ناري في فترة سابقة، ما استدعى نقل الطلاب إلى مبنى بديل، تتبع ملكيته أحد مواطني منطقة النجد بمديرية صالة، كان هو الآخر قد ترك منزله خوفًا من الحرب، فُتح المبنى من قبل الطلاب والمعلمين، وبدؤوا الدراسة فيه كحل مؤقت، ومع ذلك طالت المدة لسنين. 

يتنقل طلاب وطالبات عُمر للدراسة وأرواحهم على كف عفريت، وفي كل مرة تتجدد الاشتباكات يتم إيقاف الدراسة لأسابيع وقد يصل الإيقاف لشهور، إذ إن المبنى البديل في منطقة غير آمنة تمامًا أيضًا، يقول المعلمون لـ"خيوط": "نحن نعمل فقط بالعزيمة والإصرار، وإلا فأرواحنا مهددة على الدوام"، محملين قناصة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وإدارة التربية والتعليم بتعز -التي لم تقدم أي حلول- المسؤولية.

جميلة مرعي، تعمل معلمة في مدرسة عمر، تؤكد لـ"خيوط"، أن المبنى البديل غير آمن، ولو وصلت قذيفة "يمكن أن نموت جميعًا" وفق حديثها، وتضيف: "لا أحد يعرف حجم الذعر الذي نصاب به بمجرد عودة الاشتباكات". 

في مديرية صالة، ليست مدرسة عمر وحدها التي تطل على خطوط التماس، بل هناك خمس مدارس تعاني من المشكلة نفسها. 

الحياة ..لا حياة للتعليم فيها!

مدرسة الحياة الواقعة في حي المطار بمديرية التعزية، إحدى المدارس التي قصفها طيران التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات سنة 2015، إذ تم دك المبنى الحديث منها بصواريخ الطيران بعد استيلاء قوات أنصار الله (الحوثيين) عليها وتحويلها لمركز تحقيق وتعذيب لسكان الحي. بعد عام واحد تم احتلال المبنى الجديد من قبل معسكر الإسناد أو كما يطلق عليه (معسكر الشيخ حمود)، هذا ويبلغ عدد طلاب المدرسة للمرحلتين الأساسية والثانوية 1000 طالب. 

أحمد عبدالله، مدير مدرسة الحياة، يقول لـ"خيوط، إن المبنى الحديث للمدرسة تم قصفه من قبل الطيران، وقد تحول لمعسكر، والمبنى القديم آيل للسقوط وغير صالح بالمطلق للدراسة فيه، حيث لا نوافذ ولا أبواب، ومع ذلك يتم المخاطرة بالعمل لعدم توفر البديل، في ظل انعدام مساعدة الجهات المعنية. ويلخص الوضعية الراهنة قائلًا: "الآن بوابة يدخل منها طلاب المدرسة، والبوابة الأخرى يدخل منها جنود".

تجدر الإشارة أن هذا الجزء المتهالك من المدرسة يعمل بدوامين، صباحي ومسائي، إذا تستقبل مساءً طالبات مدرسة الميثاق الواقعة على خطوط التماس في الجبهة الغربية من تعز حيث تحتدم المواجهات بين جنود تابعين للحكومة المعترف بها دوليًّا، وبين مقاتلي جماعة أنصار الله (الحوثيين).   

الجدير بالذكر أن مديرية التعزية أكبر مديريات محافظة تعز من حيث كثافة الطلاب، إذا يبلغ عدد المدارس بها حوالي 130 مدرسة، وعدد معلميها 4205 معلمين ومعلمات.


•••
سكينة محمد

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English