الطقوس الصوفية في تعز؛ إرثٌ مهدّد بالاندثار

الحرب والجماعات المتشددة تسبّبت في تهجير مشايخها!
محمد عبده سعيد
October 5, 2022

الطقوس الصوفية في تعز؛ إرثٌ مهدّد بالاندثار

الحرب والجماعات المتشددة تسبّبت في تهجير مشايخها!
محمد عبده سعيد
October 5, 2022
Photo by: Hamza Mustafa - © Khuyut

لقرون مضت، ظلت الصوفية وطقوسها وشعائرها في تعز، رفيقَ أبناء المحافظة ريفًا ومدينة، تنشر المحبة والألفة في المجتمع، بعيدًا عن تأثيرات السياسة وتجاذباتها، والمشترك بين الجميع في عرفها هو: طقوس المحبة.

تعتبر الموشحات الصوفية أحد مظاهر الاحتفاء بالمناسبات الدينية أو حفلات الزواج والسكن في البيوت الجديدة، ويتجمع الناس لتردديها في دواوين كبيرة أو في المساجد أو في البيوت التي تقام فيها المناسبة، المذكورة سابقًا، ويُردّد الحاضرون تواشيحَ وأناشيدَ دينيّة مع قرع الدفوف. وتُعدّ ليلة النصف من شعبان (ليلة الشعبانية)، وذكرى مولد الرسول (ص)، وذكرى الإسراء والمعراج، وذكرى ليلة القدر، أبرزَ المناسبات الدينية التي تُقام فيها مثل هذه الطقوس الصوفية.

وتشتهر مناطقُ عديدة في تعز بإقامة مثل هذه المناسبات، ويُعدّ "جبل صبر" و"جامع الجند" و"مناطق الحجرية" و"جامع ابن علوان" في يفرس بجبل حبشي، أبرزَ تلك المناطق إضافة إلى جامع النور وسط مدينة تعز، وكذلك تُقام هذه التواشيح في بعض المنازل وسطَ المدينة.

في مديرية سامع الواقعة في ريف محافظة تعز، يقوم الحاجّ قائد إسماعيل عبدالرحمن بتجهيز ديوانه ليلة 27 من رمضان في كل عام، لإحياء هذه المناسبة، ويتجمع الأهالي من كل قرى مركز المديرية في منزله، ويكون قد أحضر المنشدين لإحياء المناسبة، حيث تبدأ الجلسة بعد صلاة (التراويح)، وتنتهي ما بعد منتصف الليل، حيث يكون الحاضرون قد ردّدوا في ليلتهم هذه الأهازيج والتواشيح الصوفية بكل حماسة وحبّ بمعية المنشدين.

في السنوات الأخيرة التي رافقت الحرب، قلّت الأنشطة والفعاليات الصوفية في تعز، وتخلّى أغلب مشايخها عن ممارسة شعائرهم، ولعبت الجماعات المتشددة دورًا كبيرًا في تقليص دور الصوفية ونشاطها، حتى أصبحت مهدّدة بالأفول والزوال، حيث أثرت الحرب تأثيرًا كبيرًا على التعايش الذي كان يعيشه اليمنيون، وتجسده الصوفية في مناطق المحافظة واليمن عمومًا.

تقول المصادر التاريخية، إنّ الصوفية انتشرت في اليمن بشكل مبكر، غير أنّ الظهور الحقيقيّ لها كان في القرن السابع الهجري، واشتهر خلال الفترة تلك شيخ الصوفية أحمد بن علوان، الذي قطن منطقة يفرس بجبل حبشي، ودفن فيها، وله فيها ضريح ومسجد تقام فيه الطقوس الصوفية في المناسبات، حيث يُعدّ ابن علوان إمامَ الصوفية وشيخها الأكبر في اليمن، بحسب مؤرّخين وباحثين، وله العديد من المؤلفات الصوفية، شعرًا ونثرًا، في محبّة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكان الرجال والنساء من مختلف مناطق تعز (يحجّون) إلى ضريحه للتبرك به وتوسل كراماته.

وبحسب الدكتور سعيد إسكندر- متخصص في التاريخ الإسلامي في كلية الآداب جامعة تعز، فإنّ "الصوفية في العالم الإسلامي، واليمن وتعز على وجه الخصوص، ظهرت في القرن الخامس الهجري، وانتشرت في السادس الهجري بشكل كبير، وكان من أعظم شخصياتها: الشيخُ أحمد بن علوان، وظهرت تحديدًا في تعز أيام الدولة الرسولية، تقريبًا خلال حكم الملك المظفر، وكان الملك المنصور متصوفًا وبالوقت نفسه معارضًا لتصرفات بعض أركان النظام وحالة البذخ التي يعيشونها. والدولة الرسولية تبّنت التصوُّف بشكل كبير، وهناك حكايات كثيرة في المخيال الشعبي حول تأسيس الدولة نفسها، وأنّها كانت مستندة على كرامات، بما يعني أنّ التصوف أخذ في الانتشار أيام الدولة الرسولية، التي اهتمّت بالمتصوفة وعلماء الصوفية، وكانت الصوفية وقتَها، مهتمّة بالشريعة والعِلم بشكل كبير". 

وساعدت الصوفيةَ في الانتشار عواملُ كثيرةٌ، تحدّث عنها الدكتور سعيد إسكندر، بالقول: "بالعادة، ينشأ التصوُّف في ظل فراغ سلطة عندما ينتقل من حكم لآخر، والصوفية عندها تملأ فراغ غياب الدولة ويقوم المتصوِّفون بدور المصلحين الاجتماعيين، وأحيانًا قد يكون الصراع على الحكم في اليمن وتغيُّر الحكم من ضمن العوامل التي ساهمت في ظهور الصوفية، حيث استطاع شيوخها أن يلعبوا أدوارًا داخل المجتمع واستطاعوا حلَّ مشاكلَ كثيرة، وكان الناس يستأنسون بآرائهم، وكذلك للصوفية والمتصوفة باعٌ كبير داخل المجتمع، وأحيانًا في التواصل مع السلطة، فكانوا يشفعون للناس وحتى لبعض الأمراء السياسيين أو غيرهم والذين كانت تصدر بحقهم أحكامٌ معينة"، كذلك من العوامل التي ساهمت في انتشار الصوفية، قربُهم من الناس وتواضعهم وزهدهم وتقديم الخدمات للمحتاجين منهم، بحسب سعيد إسكندر أيضًا.

وظلت قبور وقباب الصوفية في تعز محلَّ تقدير واحترام الجميع لتاريخ تواضع أصحابها وزهدهم وتقديم الخدمات للناس، حتى أولئك الذين يختلفون مع فكرهم، غير أنّه، وخلال سنوات الحرب التي شهدتها تعز، والبلاد بشكل عام، ومع سيطرة الجماعات المتشددة على المدينة، تعرّضت بعض تلك المعالم للهدم، ونبش قبور مشايخ الصوفية، وتعرّض في العام 2018، ضريح الشيخ الصوفي صادق بن عبدالله في عزلة المقارمة مديرية الشمايتين للنبش من قبل مجهولين، إضافة إلى تفجير قبة مسجد الشيخ الصوفي عبدالهادي السودي في العام 2016 في مدينة تعز، وتعرّضت مكتبة الصراري الصوفية في صبر للقصف من قبل جماعات مسلحة متشدّدة، إلى جانب اقتحام منزل الشيخ الصوفي عبدالباري الجعدي ومنازل أولاده، كان ذلك في العام 2011، كما أقدمت جماعاتٌ متشدّدة على هدم ضريح الولي الصديق في حارة الشاذلي، وضريحٍ آخر للسيد حاتم العلوم، وذلك في مدينة المخا منتصف العام 2017.

وكغيرها من محافظات الجمهورية اليمنية التي سيطرت عليها، في أوقاتٍ مختلفة، جماعاتٌ جهادية متشدّدة، هاجرَ أغلب مشايخ الصوفية المحافظةَ متجهين خارج البلاد، وآخرون اتّجهوا إلى مناطق سيطرة الحركة الحوثية، وأمّا من بقيَ منهم في مدينة تعز وأريافها، فلَزِمَ الصمتَ وترك ممارسة الطقوس الصوفية التي تعوَّد عليها لسنوات.

في السنوات الأخيرة التي رافقت الحرب، قلّت الأنشطة والفعاليات الصوفية في تعز، وتخلّى أغلب مشايخها عن ممارسة شعائرهم، ولعبت الجماعات المتشدّدة دورًا كبيرًا في تقليص دور الصوفية ونشاطها، حتى أصبحت مهدّدة بالأفول والزوال، حيث أثّرت الحرب تأثيرًا كبيرًا على التعايش الذي كان يعيشه اليمنيون، وتُجسّده الصوفية في مناطق المحافظة واليمن عمومًا.

وبالنسبة للعوامل التي عملت على تحجيم الصوفية ونشاطاتها في تعز، تحدث رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتور ياسر الصلوي، عن ذلك؛ حيث قال: "طبيعة الأوضاع بدرجة أساسية، ساهمت في تقليص دور الصوفية في تعز، حيث سيطرت الجماعات الدينية المتشدّدة على أجزاء كبيرة في المحافظة، وهذه الجماعات ترى أنّ الصوفية نمطٌ مغاير لأهل السُّنّة والجماعة، وأنّ التصوُّف قريب من الزيدية؛ ومن ثَمّ فإنّ هذه الجماعات عملت على تحجيم دور الصوفية في تعز، كذلك المتصوفة قلَّ نشاطهم وقلّت ممارساتهم للطقوس الصوفية خوفًا من هذه الجماعات، بالمقابل الصوفية لم تختفِ، بل قلّ نشاطها وحراكها داخل تعز بسبب الأحداث التي شهدتها المدينة".

•••
محمد عبده سعيد

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English