تسرب الطلاب من المدارس في اليمن

ظاهرة تفخخ الحاضر والمستقبل
عبدالكريم عامر
August 24, 2022

تسرب الطلاب من المدارس في اليمن

ظاهرة تفخخ الحاضر والمستقبل
عبدالكريم عامر
August 24, 2022
© Khuyut

تكالبت مجموعة من العوامل الطارئة على مستقبل وحياة كثير من أطفال اليمن، أدّت جميعها إلى مضاعفة معدلات التسرب من المدارس، في مناطق متفرقة من البلاد بمن فيهم أطفال العاصمة صنعاء، حيث شكّلت المبالغ المالية الشهرية المفروضة على طلاب المدارس الحكومية، عائقًا كبيرًا لبعض الأسر العاجزة عن الدفع، إضافةً إلى الزيادة المهولة في أسعار المستلزمات المدرسية؛ من حقائب، ودفاتر، وكتب، وزي مدرسي وغيرها من متطلبات الدراسة. 

عدد من أولياء الأمور في صنعاء، أبدو سخطهم الشديد حيال القرارات التي اتخذتها سلطة صنعاء متسائلين: "الذي معه خمسة أطفال ويريد تعليمهم، من أين له حق الرسوم الشهرية في ظل انقطاع المرتبات وانعدام الفرص البديلة؟!".

وقال بعض أولياء الأمور لـ"خيوط": "حتى التعليم العام، تحول إلى الخاص، وبالتالي عجزت أسر كثيرة عن توفير الأكل لأطفالها، ما بالك بدراستهم التي تضاعفت متطلباتها أمام عجز مادي تام من قبل الناس" .

إلى جانب ذلك، ساهمت موجات النزوح القسرية في زيادة معدلات تسرب الأطفال من المدارس، إضافة إلى تعرض معظم المنشآت التعليمية ومرافقها لقذائف المتحاربين أو للقصف المباشر من طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.

تبعات قاسية

تنامي ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس، في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إذ حرم آلاف الطلاب من الالتحاق بالمدارس، لتضج الشوارع بأطفال في عمر الزهور يبحثون عن فرص عمل تساعدهم على الاستمرار في العيش والبقاء على قيد الحياة.

يتعرض الأطفال العاملون الذين تسربوا من التعليم لعدة أمراض؛ أبرزها الإصابة بالاكتئاب، مقارنة بأصدقائهم الذين لا يعملون، إضافة إلى التشتت الذهني وعدم التركيز، وضعف الثقة بأنفسهم

واتجه هؤلاء الأطفال صوب الجولات والأرصفة لممارسة أي عمل مقابل مردود زهيد قد لا يحظون به، متحملين ألوانًا من المعاناة والمصاعب والمسؤوليات التي تتعدى سنّهم وقدرتهم وإمكانياتهم الجسمانية. 

الباحث التربوي خالد المشرقي، يحذر في حديث لـ"خيوط"، من خطورة تعاظم ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس، ولجوئهم إلى سوق العمل، مؤكدًا تصاعد معدلات التسرب خلال سنوات الحرب بشكل مفزع، نتيجة تحويل هذا القطاع إلى مورد للجباية عبر خصخصة التعليم، إلى جانب سوء الحالة المادية لدى معظم الأسر، التي أصبحت عاجزة أمام تعليم أبنائهم وبناتهم، وهو ما أجبر كثير من الأطفال على العمل في الشوارع، أو الوقوع فريسة سهلة للاستقطابات.

منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة والمختصة بالطفولة، أشارت في تقرير سابق لها، بأنّ "أكثر من مليوني طفل يمني في سن التعليم منقطعون حاليًّا عن الدراسة، بسبب زيادة معدلات الفقر واستمرار النزاع وانعدام الفرص".

الطفل عادل الحرازي (12 سنة)، يسرد معاناته الأليمة التي دفعته لترك التعليم والانضمام لقائمة الأطفال المتسربين من المدارس، قائلًا لـ"خيوط": "نحن ثلاثة إخوة، لم نسجل هذه السنة في المدرسة، المدرسة تريد رسومًا وزيًّا ودفاتر (كراسات)، وأبي لا يستطيع توفير كل هذا، لأنه بدون عمل، ولهذا خرجنا نبيع هنا في الشارع (بائعين جائلين)، لتوفير مصروف للبيت".

ويواجه الأطفال الذين تسربوا من المدارس، مزيدًا من التعقيدات المعيشية المختلفة، كونهم تحملوا المسؤولية باكرًا وحُرموا من أبسط الحقوق في الحياة، إضافةً إلى تضرر مستقبلهم التعليمي بشكلٍ فادح، سواءً كانوا ذكورًا أو إناثًا".

الطفلة تغريد سنان (11 سنة)، واحدة من الفتيات اللواتي تركن تعليمهن بسبب ضيق العيش الأسري، وزيادة النفقات الدراسية، إذ أجبِرت بسبب هذه الظروف إلى عدم التسجيل في المدرسة لهذا العام والخروج إلى أحد الشوارع في صنعاء لبيع مناديل ورقية؛ والدها الذي يعمل كذلك كبائع متجول على عربة بالكاد يوفر قيمة الأكل والإيجار.

رسوم مستحدثة

يتعرض الأطفال العاملون الذين تسربوا من التعليم لعدة أمراض؛ أبرزها الإصابة بالاكتئاب، مقارنة بأصدقائهم الذين لا يعملون، إضافة إلى التشتت الذهني وعدم التركيز، وضعف الثقة بأنفسهم، وبحسب طبيب متخصص في طب الأطفال أنّ هناك نوعين من التغيب عن المدرسة الأطفال؛ تغيّب جسديّ، وتغيُّب ذهنيّ، والأول يشكّل خطرًا أكبر ومباشرًا على الطفل".

الباحث الاجتماعي نبيل الحسام يقول لـ"خيوط"، إنّ الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، أدّت إلى تنامي الفقر في البلاد، وتراجع مستوى التعليم بشكل كبير؛ وبالتالي، تزايدت معه حالات تسرب الطلاب من المدارس، وتفشي البطالة، وانتشار الأمية والجهل في أوساط المجتمع.

حرمان الأطفال من التعليم يضعف فرص تطور وتقدم أي بلاد أو مجتمع على حدٍّ سواء، إذ لا يمكن للدول أن تنهض وتصنع منجزات عملاقة، إلا من خلال الاهتمام بقطاع التعليم وتقديم كافة وسائل الدعم اللازمة للطلاب.

رسميًّا تنعدم مؤشرات مكافحة الظاهرة والحد من انتشارها، حيث تخلت كافة الجهات المعنية عن مسؤوليتها في مواجهة ظاهرة تسرب أطفال اليمن من المدارس؛ الأمر الذي سيفخخ مستقبل البلاد بالعنف وبانتشار الجهل.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English