سبتمبر المكلوم والمجزوء

عن القوى التي أعاقت مشروع بناء الدولة
أمين العباسي
October 11, 2023

سبتمبر المكلوم والمجزوء

عن القوى التي أعاقت مشروع بناء الدولة
أمين العباسي
October 11, 2023
.

سبتمبر أو أيلول، هو الشهر التاسع في السنة حسب التقويم الغريغوري، يسمى أيلول في العراق وبلاد الشام، وشتنبر في المملكة المغربية، وشتمبر في موريتانيا، وسبتمبر في تونس والجزائر، وغيرها الكثير من بلدان المشرق العربي. يعود مصدر الاسم إلى اللغة اللاتينية، ومعناه "الشهر السابع" مشتق من "Septem" والتي تعني سبعة باللاتينية. كان قدماء الرومان يعدّون شهور السنة ابتداءً من شهر مارس قبل إضافة شهرَي يناير وفبراير للتقويم الغريغوري، الذي يعدّ الأساس التطبيقي لكل ما لحقه من تقويمات، سواء أُخذت عنه أو صممت بموازاته. في التقويم الغريغوري، سالف الذكر، وما تبعه أو أُخذ عنه من تقويمات، هناك لوحة مرسومة خاصة بكل شهر، صممت جميعها لاحقًا، تعبر عمّا استوحاه الرسام من مدلولات وجدانية وجمالية خاصة بكل شهر. اللوحة الخاصة بشهر سبتمبر، هي عبارة عن لوحة، تتضمن قلعة بافارية قديمة من القرن الخامس عشر الميلادي، بجوارها مزرعة ويمر بجانبها نهر صغير، شمال اللوحة، في واجهة اللوحة وأمام القلعة مباشرة تمتد مزرعة ورد متوسطة، عامرة بالورود والأزهار، يتوزع على أرضها عددٌ من العاملين لجناية الورد ذاك. تلك اللوحة تقريبًا لرسامَين ألمانيين من المدرسة الانطباعية، من الأراضي المنخفضة، كما هو في التعريف، هما: جيرارد هورينبوت ولد في العام 1465م، وتُوفي في العام 1541م، وسيمون بينينج ولد في العام 1483م، وتوفي في العام 1561م، حسب الموسوعة الألمانية، وهما رسامان ومزخرفان اشتهرا بعمل المنمنمات التاريخية.

أما سبتمبر اليمن فهو مكلومٌ مجزوءٌ مخموسٌ، يا ولدي. قامت فيه ثورة وطنية قادها عدد من أحرار اليمن، عُرفوا رسميًّا وفي وثائق الثورة فيما بعد بـ"الضباط الأحرار" وهم إلى جانب العسكريين الذين قادوا وخطّطوا عسكريًّا لقيام الثورة، مجموعة من القيادات المدنية ساهمت بصورة فاعلة في إنجاح خطط الثورة وقيامها، مساهمة في التخطيط والإعداد والتمويل والحركة. وكان دورهم فاعلًا، بل وحاسمًا حيال قضايا عدة، أقلها تذليل الصعاب وانتزاع العراقيل من طريق الثورة، حتى قامت. غير أنّ مسارًا بينيًّا بيانيًّا شائكًا -في محطات جمهوريات الثورة المتعاقبة- أعاق، بل وكاد -في محطات مختلفة- أن يفرغ الثورة من مضمونها، ويحيلها إلى أثرٍ بعد عين، كما يقال. 

قامت حركة 13 يونيو 1974م، بقيادة إبراهيم الحمدي وحاولت خلال فترة بقائها -كجمهورية ثالثة- أن تعيد للثورة المسلوبة اعتبارها، من خلال عدد كبير من البرامج والأفكار والمشاريع والخطط، التي وجهت لبناء الدولة ببعديها المادي والبشري، مؤسسات وكوادر.

سبتمبر السلال كان فتيًّا، يحاول أن يتلمس طريقه عبر طرقات وسراديب معيقة من عهد الإمامة، كان هدف المرحلة تلك هو بناء جيش وطني قوي -كما اتضح من وثائق المرحلة- بالتوازي مع خط مسار بقية الأهداف الستة للثورة، وإن بوتيرة أقل. لم يتم الفصل أو تتضح بالأصل الفوارق ولا حتى الملامح بين السطات الثلاث، وإنما انتقلت السلطة من أسرة الأئمة بيت حميد الدين، إلى أسر مشيخية تريد حيازة النظام الإمامي بكل إرثه.

لم يتمكن السلال من المضي قُدمًا بمشروع الثورة وبرنامجها التنفيذي لأسباب مختلقة ومختلف عليها، منها: أنّ السلال كان يمثل الوجود المصري في اليمن ويأتمر بأمره، وأن قراره كان مرهونًا لهم كلية، وهذا محل شك ورفض. عامل آخر من عوامل إعاقة مسار السلال، هي القوى التقليدية التي التحقت بالثورة طمعًا في غنائمها، وسعيًا وراء الفوز بالسلطة لتعويض ما فاتهم أيام الأئمة. تكاتفت المشايخ وبعض القوى الحزبية، ومعهم البعض من فئات الطبقة الوسطى والقوى السياسية المناهضة لعبدالناصر ضد السلال وأطاحوا به في انقلاب نوفمبر 1967م، وكان لهم ذلك، وجاؤوا بالقاضي الإرياني، الذي كان قراره مرتهنًا للقوى التي جاءت به قولًا وفعلًا وفكرًا، من حيث يعلم أو لا يعلم. بعد فترة غائرة ومغيرة، من الفساد والإفساد في عهد القاضي الإرياني، قامت حركة 13 يونيو 1974م، بقيادة إبراهيم الحمدي، وحاولت خلال فترة بقائها -كجمهورية ثالثة- أن تعيد للثورة المسلوبة اعتبارها، من خلال عدد كبير من البرامج والأفكار والمشاريع والخطط، التي وجهت لبناء الدولة ببعديها المادي والبشري، مؤسسات وكوادر. بدأت ملامح أبرز العناوين في التشكل، مشروعي الإصلاح المالي والإداري "التصحيح" والتعاونيات "التنمية المحلية أو الريفية" التي أضحت برنامجًا على كل تراب اليمن، بمسمى هيئات تطوير التعاون الأهلي بصورة رسمية، جنبًا إلى جنب وبسياقين متوازيين مع حركة التصحيح. تبلورت مع هذين السياقين -كضرورة- نماذج مهمة للمؤسسات الوطنية المدنية الحديثة، على المستويات الإدارية والمالية الإيرادية والأمنية والعسكرية والتنموية الاقتصادية، جعلت من المرحلة تلك -بحد ذاتها- ثورة موازية لثورة سبتمبر، بل ومتقدمة عليها بما حقّقته من إنجازات وإعادة الاعتبار لليمن واليمنيين داخليًّا أمام أنفسهم وخارجيًّا أمام الغير. لم يرُق كل هذا لقوى كثيرة مضادة لتوجهٍ كهذا داخليًّا وخارجيًّا، فالتأمت معًا وخططت لضربه والسير في جنازته، ونجحت حد اللامعقول. عقب الإطاحة بنظام حركة 13 يونيو التصحيحية كما وصفت، جاء المطيحون بمن أطاح بكل منجزات الحركة والثورة تباعًا على مدى أربعين عامًا، قضي فيها على الأخضر واليابس لهذا البلد كما يقال. كانت هذه القوى معولًا لكل مقومات الدولة، بل والإنسان في اليمن، حتى مزقته وجعلته نموذجًا للتشرذم والتشتت والفرقة حد اللاعودة. وصولًا إلى 2011 و2014 وما تلاهما إلى الآن. هناك كمّ مهول من التفاصيل، غير أن المقام هنا محدود لاعتبارات عدة ومتعددة، وربما نغوص في بعض تفاصيله لاحقًا في تناولة مركزة مكثفة.

•••
أمين العباسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English