في الحوار الجنوبي

ما المطلوب؛ الحوار السياسي أم المناطقي؟
د. أحمد سنان
July 22, 2022

في الحوار الجنوبي

ما المطلوب؛ الحوار السياسي أم المناطقي؟
د. أحمد سنان
July 22, 2022

كلمة أولى:

منذ البداية كانت كثير من الأصوات تنادي بتوحيد فصائل الحراك الجنوبي. فمنذ 2007 ساد الاعتقاد أنّ هناك هدفًا رئيسيًّا واحدًا يجمع كل الفصائل، وأن ما يفرّقها مجرد تفصيلات فرعية. وكان كثير من المتابعين يرون أنّ التفصيلات مهما تعددت وتشعبت لا يمكن أن تكون حائلًا أمام توحيدها.

لكن الأحداث اللاحقة بيّنت أنّ ذلك الاعتقاد كان مبنيًّا على مجرد عاطفة يُغذّيها التوهم، وأنّ هناك حقائق كانت غائبة عن الملاحظة. فقد برهنت -مثلًا- ثورة الشباب عام 2011، أنّ فصائل الحراك هي نقائض لا تلتقي على هدف واضح المعالم، والأدهى من ذلك أنّ كلّ طرفٍ من أطراف الصراع المناطقي والسياسي له فصيل حراكي خاص به يمثل مصالحه.

كما أنّ تعدد هذه الفصائل لم يكن تعددًا سياسيًّا بقدر ما كان مناطقيًّا، الأمر الذي يجعل من الاستحالة بمكان جمعها على صعيدٍ واحد، وهذا ما بيّنته بجلاء الحربُ المستعرة منذ أكثر من سبعة أعوام.

دعوات الحوار الجنوبي:

لم تتوقف الدعوات للحوار الجنوبي، خاصة منذ مؤتمر القاهرة عام 2011. وتكمن الإشكالية في أنّ الجنوبيين، ومثلهم الشماليون، كلما اجتمعوا خرجوا أكثر تشتُّتًا مما كانوا عليه. فلم يفلح مؤتمر القاهرة في جمع المتناقضات الجنوبية، ولم يستطع أن يُلغي أو يتجاوز طبيعة تلك التناقضات، لأنّ القائمين عليه تجنبوا البحث في أسباب مشكلات الجنوب الذاتية وألقوا باللائمة على مبني للمجهول، لم يقل أحدٌ من عجائز الجنوب أنه وتياره مسؤولان عمّا حلّ بالجنوب والشعب فيه. البعض قال كلامًا مواربًا فضفاضًا لا يفضي إلى حقيقةٍ ما. 

هل القول بأن (الجميع أخطأ أو الكل يتحمل مسؤولية ما حدث) كافٍ لِلَملمة كل تلك الجراح؟ وهل ما كان يحدث خطأ أم خطيئة أم جريمة؟ وهل يتحمل الجميع وزر ما حدث بنفس القدر؟ 

لا يتساوى القاتل والقتيل إلا بقدر ما يحرص كلاهما على الفتك بصاحبه أولًا. لكن ما بال الذين غُدروا من كل الاتجاهات؟

ما المطلوب؟ الحوار السياسي أم المناطقي؟

الحوار السياسي يعني في الأساس الحديث عن الدولة وعن مؤسساتها. وهو يعني أنّ هذا الحوار هو جدل حيوي بين برامج سياسية قابلة ليس فقط للتحقيق في الواقع، ولكن قابلة للنقد والتعديل والحذف والإضافة والتصحيح. ويعني كذلك أنّ المتحاورين هم أطراف نِدّية تتكئ على فلسفات ورؤى وقواعد شعبية مدنية.

بتقديري أنّ مشروع التصالح والتسامح قد وضع في مأزق منذ اليوم الأول. فلم يكن اختيار 7 يوليو موفقًا كيوم للتصالح والتسامح في الجنوب بنفس القدر لو أنه تم اختيار 13 يناير لأنه في كلا الحالتين يجعل أحد الأطراف في موقع المنتصر الذي يحق له إملاء شروطه على الآخر الجاثم في موقع المهزوم على قبول تلك الشروط

بينما يعني الحوار المناطقي البحث في جذور الصراع بين مناطق معلومة حول وَهْم الحق في الهيمنة والتفرد بالسلطة والاستئثار بالثروة، ويعني بتفنيد الإقرار بحق هذه المناطق بالفيد وممارسة جزء من السلطة حسب وزنها النوعي وما تحت تصرفها من ميليشيات وسلاح وموارد مالية على حساب غالبية مناطق البلاد. 

هل سيكون على الفرقاء الاختيار والمفاضلة بين هذين النوعين؟

حصان الحوار المناطقي الهائج

أصوات كثيرة تتعالى لإجراء حوار مناطقي، كقول البعض: "حاوروا المنطقة الفلانية والفلانية"، طيب حاضر، لكن من سيحاور المنطقة الفلانية والفلانية؟ للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن يتوفر نظير مناطقي آخر مقابل يقوم بالحوار.

ليس ذلك فحسب، بل هناك من يدعو لحماية حدود محافظته وممتلكات قريته خارج تلك الحدود.
وحماية حدود المحافظة تعني بالضرورة أنّ هناك محافظة أخرى تمثل العدو الافتراضي الذي يتربص بهذه المحافظة.

بهذه الصورة تشعر أنّ المنادين لهذا الحوار لا يتحدثون عن دولة. لأنّ الدولة هي الوحيدة المعنية بوضع حدود للمحافظات والأقاليم والمدن، وهي صاحبة الحق الحصري في إلغاء أو تعديل تلك الحدود.

كما أنّ الحديث عن ممتلكات هذه المحافظة أو تلك خارج إطارها الجغرافي يعد انتهاكًا لحق الدولة وممتلكاتها، فهذا الحديث إنما هو عودة للزمن الإقطاعي وصراع الدويلات حول ممتلكات بعضها البعض، وبالتالي فإنّ المحافظات الأخرى في هذه الحالة تصبح هدفًا مشروعًا للغزو والنهب والفيد.

لماذا ينزلق الجنوب نحو الخطاب المناطقي؟

ما كان ينبغي للخطاب المناطقي أن يعلو بصورة صارخة على الخطاب السياسي فيما لو وُجدت نخب سياسية واعية فعّالة وقادرة.

يمكن الجزم بعدم وجود نخب سياسية حقيقية، شمالًا وجنوبًا، حتى وإن اتخذت من المدنيّة لباسًا لها.
لا تستطيع النخب السياسية العمل بغير الأدوات السياسية التي أنتجتها وراكمتها خلال خبرتها الطويلة.
كما لا تستطيع القوى المناطقية العمل بغير أدواتها المناطقية التي تليق بها وتتقنها.

 بعد القضاء على التعددية السياسية التي تشكّلت في عدن قبل الاستقلال، اكتسبت خبرات عملية ثرية من خلال ما سمي بـ(توحيد فصائل العمل الوطني)، وكأن العمل الوطني لا يستقيم إلا بساق واحدة، وَفقًا لمنهج ستالين الذي أنتهجه في الاتحاد السوفيتي منذ عام 1927، وقبل ذلك الحين كانت الحياة السياسية متعددة. 

لاحقًا تحول الحزب الاشتراكي اليمني إلى واجهة سياسية خارجية لصراع مناطقي متعدد المراحل، ولم يستطع الخروج من متاهة صراع القبائل المتحزبة. وهو بهذا لا يختلف إلا شكلًا عن بقية الأحزاب اليمنية صغيرها وكبيرها. فالمؤتمر مثلًا نشأ على قاعدة قوى متنفذة متعددة (كبار الضباط، كبار التجار، مشايخ القبائل، رجال الدين، كبار الملّاك) ثم مع تركز السلطة أصبح تعبيرًا عن هيمنة عائلية ومناطقية. ومثله الإصلاح بعد انسلاخه عن المؤتمر بفتوى من الرئيس صالح للقيام بمهمة وظيفية محددة، أغراه الوضع الجديد وجعله أقرب من تحقيق هدف التمكين الذي يسعى له الإخوان منذ الفضيل الورتلاني. ومع أنّ الإصلاح جماعة عقائدية إلا أنه كان ولا يزال، يعبر عن هيمنة عائلية وقبائلية محصنة ومستمرة لعقود.

وأحيانًا كثيرة تجد كيانات (تطلق على نفسها أحزابًا) تطغى المناطقية على بنيتها التنظيمية بالكامل حتى وإن تجملت ببعض الرتوش من المحافظات والمناطق الأخرى، فإن ذلك لا يغير من جوهرها.

أكبر مشكلة تواجه العمل السياسي الجنوبي على وجه الخصوص أنه لم يتم استيعاب الدروس والعبر من التجارب الماضية. لقد كانت أحداث 13 يناير 1986، هي الريح العاصفة التي هتكت عورة التوازن المناطقي الذي بُني عليه النظام السياسي، ومع ذلك لم تحظَ هذه الأحداث، على فداحتها، بتحليل عميق لأسبابها ودوافعها ونتائجها والمخاطر المترتبة عن تكرار استخدام نفس الأدوات والآليات السابقة لإنتاج منظومة سياسية جديدة. لقد كانت 13 يناير، حسب رأي الكاتب منصور هايل، "أكبر عملية انتحار جماعية وعلامة فارقة وصارخة على الإخفاق في إدارة الخلاف والاختلاف، وعلى الخفة والانزلاق إلى تصفية الخصوم والقتل، وبالأحرى تصفية شرط الحياة والوجود الإنساني القائم على الاختلاف أصلًا"، (منصور هايل، أطياف عدن، هذيان الحطب، ص 12).

مشكلتنا أننا نواصل اجترار الماضي بكل أدواته. نحن لم نتعلم من ذلك الماضي ولم نتعظ. يبدو أننا نعاني مشكلة عصية على الفهم. 

لماذا نصر على نفس المسلك؟

بالنسبة لي عانيت مشكلةً في فهم ماهية المجلس الانتقالي منذ 4 مايو 2017، وفهم مرامي الائتلاف الجنوبي منذ إشهاره. فالقائمون على الأول قالوا إن المجلس "ليس تنظيمًا ولا حزبًا ولا جمعية ولا منظمة ولا لجنة ولا سلطة ولا مكونًا سياسيًّا"، بما يعني أنه إما يكون كل ذلك أو أنه شيء فوق ذلك. والآن فقط بدأ بعض ناشطيه بالحديث الخافت بأنه مكون جنوبي.

أحد قيادات المجلس ذهب إلى الدعوة لأن يكون المجلس الانتقالي أساسًا لقيام تنظيم سياسي جنوبي جامع يضم كل المكونات الجنوبية. والثاني ظهر مع الدولة الاتحادية ومع استعادة الجنوب بدون الانتقالي ومع الإصلاح وضد المؤتمر، وأن يكون الائتلاف الأساس لبناء تنظيم سياسي جنوبي واحد، أو هكذا فهمت. مع أنّ كلا الطرفين يستندان في وجودهما على أغلبية مناطقية وليست جنوبية، بل إنك تجد فيهما دوائر بكامل هياكلها وموظفيها تنتمي لمنطقة وربما لقرية واحدة. 

ألم أقل أننا نهوى تكرار الماضي بكل مآسيه؟ أليس إلغاء الآخر هو ما أوصل الجنوب إلى تلك الكوارث، النار تأكل نفسها في نهاية المطاف. نفس النتيجة وصلها الشمال من باب آخر لكن المآسي لم تكن مختلفة كثيرًا.  

مأزق التصالح والتسامح

بتقديري أن مشروع التصالح والتسامح قد وُضع في مأزق منذ اليوم الأول. فلم يكن اختيار 7 يوليو موفقًا كيوم للتصالح والتسامح في الجنوب، بنفس القدر لو أنه تم اختيار 13 يناير؛ لأنه في كلا الحالتين يجعل أحد الأطراف في موقع المنتصر الذي يحق له إملاء شروطه على الآخر الجاثم في موقع المهزوم على قبول تلك الشروط والإذعان لها. بالفصيح: نحن إزاء طرفين غير متساويين، كان يمكن اختيار يوم 14 أكتوبر أو 30 نوفمبر كمناسبة جامعة لتكون يومًا للتصالح والتسامح في الجنوب. 

شعار "التصالح والتسامح الجنوبي" نفسه لم يكن دقيقًا في التعبير عن حقيقة الوضع في الجنوب.
فهذا الشعار يصور الجنوبيين وكأنهم جماعة من المراهقين شاركت في مباراة كرة قدم -كتلك المباريات التي كنا نخوضها صغارًا ثم تنتهي المباراة بشجار وصياح و(مجادلة بالحجار والقوارير)- هذا الأمر لا يستقيم مع واقع الحال. 

ما جرى من خراب واحتراب لم يكن الشعب كله شريكًا فيه.

هناك طرف قام بفعل، وطرف آخر قام بردّ فعل مساوٍ أو متجاوز لذلك الفعل. وهناك طرف ثالث هو الشعب الذي تضرر دون أن يكون له ناقة فيه أو جمل.

لا بد لنا من مغادرة الاعتقاد أنّ "المصالحة يمكن أن تتحقق عبر أكثر من جلسة "مجابرة، ومؤانسة"!، وتربيت على الأكتاف والدعوة إلى النسيان، أو حتى (الاعتذار) والتعاهد والالتزام بقَسَم (يمين)، وفي ذلك مغالطة كبيرة وإضمار لحروب وتصفيات مؤجلة"، كما يقول الصحفي المعروف منصور هايل، في مؤلفه المذكور (ص 69)، وهو محق في ذلك.

لا يمكن إنجاز تصالح وتسامح إلا على صفحة بيضاء نقية لا تخالطها شائبة، لكن من أين لنا بهذه الصفحة البيضاء؟

ملزمٌ الجميع بصناعة هذه الصفحة. الحقيقة والعدل والحق والشجاعة في إبرازها هي المواد الخام الضرورية لإنتاج صفحة المستقبل. 
لماذا الحوار؟

خطرَ هذا السؤال في بالي عشية مؤتمر موفينبيك. كنت في خيفة من هذا الحوار الذي لا يتضمن قواعد أخلاقية أو سياسية أو معايير والتزامات تقيد أطرافه. مبعث هذه الخيفة هي نفسها التجربة التاريخية للبلد.

أي حوار سياسي لا يقوم على قواعد وأسس والتزامات متبادلة لا يمكن أن يخلق وضعًا مستقرًّا. هذا ما تخبرنا به تجربتنا منذ ستين عامًا

لقد كانت مؤتمرات الحوار جميعها تقوم على نفس القانون منذ البداية: (حرب- حوار= حرب)، أو (حوار- حرب= حوار)، وفي كل ذلك تتكرر النتيجة نفسها. وهكذا برز السؤال أمامي: لماذا الحوار إذا كنا نكرر نفس المدخلات ثم نوهم أنفسنا بالحصول على نتائج مختلفة؟

مقومات الحوار المثمر 

إذن، هل يريد الجنوبيون أو الشماليون حوارًا مثمرًا ينهي حالة التشظي؟

وهل يريدون حوارًا سياسيًّا أم مناطقيًّا؟

في تقديري أننا نحتاج إلى النوعين في الحوار.

نحتاج إلى الحوار المناطقي بين تلك المناطق المتناحرة والمتصارعة، بحيث ينهي بواعث ذلك الصراع، ويردم الفجوة ورأب الصدع. حتى وإن كانت الأسباب الظاهرة لهذا الصراع والتناقض هي السلطة والنفوذ، إلا أننا نعتقد بوجود أسباب كامنة هي الأكثر خطورة تقف خلف هذا الصراع المناطقي الدموي المتجدد.

وهنا الشجاعة والمنطقية ستكون مطلوبة في البحث عن الأسباب الكامنة والحديث عنها بصراحة وموضوعية بما يؤمن الوصول لحل حقيقي يعالج تلك الأسباب وليس أعراضها.

ولكن إدارة حوار من هذا النوع يجب ألا يخلق لدينا وهمًا كاذبًا بأننا في ختامه سنبني دولة. لأننا لو توهمنا ذلك، فإنما نعيد إنتاج أزماتنا بصورة أكثر كارثية. نحن ننتظر من الحوار المناطقي أن يفضي إلى خلق قاعدة للاستقرار الاجتماعي في تلك المناطق ويحل جملة التناقضات في العلاقة بينها بالطرق العرفية المتوارثة، وتأسيس مداميك للثقة فحسب. 

هنا يجب على المتحاورين التخلي نهائيًّا عن فكرة تقاسم النفوذ في البلاد ككل على أساس مناطقي لصالح ترسيخ قيم السلام، والعمل على بناء جسور العلاقة والانتقال بها إلى ميدان العمل السياسي العام المتكافئ، ويحتاج الشماليون كما الجنوبيون، إلى الحوار السياسي على نفس القواعد، والانتقال من الخاص إلى العام الذي يجمع ويؤطر ويوسع مفهوم الشراكة الوطنية.

هذا الحوار هو الوحيد المعني ببناء دولة حقيقية تضمن ليس فقط حقوق المواطن كأحد الفاعلين الرئيسيين في بنية هذه الدولة بل ويضمن حقوق القوى السياسية نفسها.

حقوق الجانبين لا يمكن صونها وحفظها بمقولات وهمية أو مبادرات مطاطة من هنا وهناك أو "الشخط على الوجوه"، فهذه الأمور كلها لا تنتج دولة.

أي حوار سياسي لا يقوم على قواعد وأسس والتزامات متبادلة لا يمكن أن يخلق وضعًا مستقرًّا.
هذا ما تخبرنا به تجربتنا منذ ستين عامًا.

ولكي يتم الحوار فإننا ملزمون بتوفير الظروف المناسبة التي تضمن نجاحه. ومن هذه الظروف: 

  1. وجود قوى سياسية تستند في عملها على هيئات تنظيمية غير مناطقية أو فئوية أو مذهبية أو طائفية، وتمتلك برامج سياسية تحاجج بها بعضها بعضًا.
  2. أن تتمثل جميع فئات المجتمع في هيئات هذه القوى بصورة فعّالة ومتناسبة، بحيث لا تشكل أي مجموعة فيها أغلبية خارج السياق السياسي المتعارف عليه.
  3. الالتزام القاطع بسيادة الدستور والقانون، وعلوهما على ما عداهما من تفاهمات، فلا يمكن أن تحل المصطلحات الثورية محل الأسس الدستورية القانونية.

٣- أن تكون هذه القوى قادرة على تحييد (عناصرها المسلحة) عن العمل السياسي والتدخل في مجرياته أو التدخل في شأن إدارة مؤسسات الدولة أو عرقلتها، وأن تُحضّر هذه العناصر لتكون جاهزة لإعادة تربيتها عسكريًّا وفقًا لعقيدة وطنية محضة، ولاؤها للدستور والقانون. 

  1.  أن تكون هذه القوى قادرة على قبول التنوع الداخلي في هيئاتها ومراتبها التنظيمية والسياسية وقادرة (ولا أقول منفتحة) على قبول الآخر المختلف عنها وتقبل النقد وتؤمن بالحريات جميعها كلٌّ لا يتجزأ.
  2. أن تكون عاصمة الدولة ميدانًا للعمل السياسي السلمي الحر والمتكافئ وليس مسرحًا للعمليات العسكرية المحتملة.

مرجعيات الحوار:

وإلى ذلك يحتاج الحوار إلى مرجعيات مفهومة ومقبولة وطنيًّا واجتماعيًّا. من شأن هذه المرجعيات أن تشكل حائلًا ومانعًا لانبعاث الأزمات التي عصفت بالبلاد بصورة دورية، وأهم المرجعيات التي نرى من الواجب توفرها:

  1. مبادئ العدالة الانتقالية (المساءلة القضائية العلنية، حفظ الذاكرة، ضمان عدم تكرار انتهاكات الحقوق والحريات والتعدي على الحياة والممتلكات، ضمان عدم عودة المنتهِكين لواجهة العمل السياسي). مع ضمان التعويض العادل لضحايا دورات العنف وخاصة للضحايا المحايدين، الذين لم يكونوا أصلًا ضمن أطراف الصراعات.
  2. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1949.
  3. منظومة التشريعات الوطنية (المتفق عليها).
  4. الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالمواطنة والحريات والحقوق الإنسانية (حق الحياة الآمنة، والحريات الاقتصادية والسياسية، وحرية التعبير بكل أشكالها).

من المؤكّد أنّ حوارًا يدور وفقًا لهذه المرجعيات، ينتج مشروعًا سياسيًّا متوازنًا يراعي جوهر الشراكة الوطنية والعدالة الاجتماعية، ويضع أسسًا متينة لتناغم الحقوق والواجبات، سواء تلك المناطة بالأفراد أو بالقوى السياسية.

أمر نجاح الحوار برمته مرتبط بالقدرة على الدخول في القضايا الجوهرية مباشرة دون المراوغة بشعارات زائفة (من قبيل: الوطنية والمصلحة العامة والمشتركة). يحتاج الحوار الذي يعول عليه إلى هجران المناورات واللف والدوران، والشعارات التي تعبر عن نوايا، بينما تبطن أضدادها.

ختامًا:

يحتاج الجنوبيون إلى الاعتراف بأنّ حل القضية الجنوبية ليس مرتبطًا فقط بطبيعة الحل للوضع اليمني. بمعنى أنّ هذا الحل ليس محصورًا بفك الارتباط أو الانفصال (كما يقول شركاء 7 يوليو)، ولا بالدولة الاتحادية ولا بدولة من إقليمين فقط، لأنه حتى لو تحقق أيٌّ من هذه الخيارات فإنّ المشكلة ستظل ماثلة؛ لأن حل القضية الجنوبية في جزء كبير منه مرتبط بترتيب البيت الجنوبي نفسه وليس ببيت الجيران. 

•••
د. أحمد سنان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English