نفوق غامض لـ"الروبيان" في حضرموت

مشكلة تركّزت في ساحل "شُحير" المغلق بوجه الصيّادين
ناصر بامندود
April 18, 2024

نفوق غامض لـ"الروبيان" في حضرموت

مشكلة تركّزت في ساحل "شُحير" المغلق بوجه الصيّادين
ناصر بامندود
April 18, 2024
.

أثار نفوق "الروبيان" -الجمبري- في سواحل حضرموت (جنوب اليمن)، الكثيرَ من التساؤلات والمخاوف حول ما إذا كانت أسباب النفوق الذي حصل في مارس/ آذار الماضي، ‏نتيجة تلوث بيئيّ يعود لرمي السفن للمخلفات في المياه الإقليمية اليمنية.

في حين هناك من يُرجع سببَ حدوث هذه المشكلة الخطيرة التي تركّزت بشكلٍ كبير في ساحل "شحير"، بمديرية غيل باوزير في محافظة حضرموت، الذي يبعد عن مدينة المكلا بحوالي 34 كيلومترًا مربعًا، إلى الصيد الجائر وما يسببه من تبعات مدمرة للبيئة البحرية، أو أنه ناتج عن تغييرات طبيعية في مياه البحر. 

الصيّاد الخمسيني في منطقة شحير، خالد الشبيبي، يوضح لـ"خيوط"، أنّ نفوق "الروبيان" تزايد بشكلٍ كبير منذ مطلع العام الحالي 2024، لافتًا إلى أنّ إغلاق ساحل شحير أمام الصيّادين بسبب الحرب في اليمن منذ العام 2015، أدّى إلى تكاثر الأسماك، ونسبة نفوقها كذلك.

أمّا الصياد عوض فرج (46 عامًا)، من مدينة المكلا، فيروي لـ"خيوط"، أنّ ظاهرة نفوق الروبيان (الجمبري) حصلت أيضًا خلال الفترة الماضية في سواحل المكلا، مثل ساحل "خلف"، لكنها بشكلٍ أقلّ بكثير؛ لأنّ سواحل المكلا مفتوحة للصيد، على عكس ساحل "شحير"، الذي بسبب أوضاع الحرب أصبح منطقة محظورة وممنوعًا الصيد فيها؛ لذا أصبحت غنيّة بالأسماك المنوّعة، ومنها "الروبيان".

أكبر نفوق لهذا النوع من الأسماك الجمبري "الروبيان" -بحسب الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية، فرع حضرموت- حصل في "شحير"، الذي يعتبر ساحلًا صغير الحجم، يتراوح طوله الكلي 5-4)) سنتيمتر، بما يؤكد أنه ما يزال في مراحل النمو، في حين غطّى النفوق مساحة تتراوح بين 1 و1.5 كيلومتر مربع، وأثبتت فحوصات الجمبري النافق تعرّضه إلى إجهاد وضغط.

هذه ليست الظاهرة الأولى لنفوق هذا النوع من الجمبري الأحمر صغير الحجم، فقد حصلت بشكل متكرر في مايو/ أيار من العام 2019، في ساحل "الستين" بالمكلا، وكذا في شهر مارس/ آذار 2022، في الريدة الشرقية، إضافة إلى حصول ذلك في محافظة المهرة خلال العام الماضي 2023، بينما حصل خلال شهر مارس/ آذار المنصرم 2024، في ساحل شُحير التابع لمديرية غيل باوزير.

تشير نتائج المسح والفحص النظري للعينات من الجمبري النافق، الذي قامت به الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية- فرع حضرموت، إلى أنّ النفوق حصل بسبب الإجهاد الذي تعرض له الجمبري نتيجة الاختناق الناتج من قلة الأوكسجين، الذي قد يكون سببه عوامل بيئية ناتجة عن تعرضٍ لتغيرات طارئة ومفاجئة في درجات الحرارة.

يرجع ذلك، بحسب مسؤول في الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية، إلى التغيرات "الأشينوجرافية" والمناخية المتصاعدة في الآونة الأخيرة في المحيط الهندي وخليج عدن والبحر العربي؛ بسبب الظروف البيئية الناتجة عن الأعاصير والمنخفضات الجوية، حيث يتوقع أن تتكرّر مثل هذه الظواهر مستقبلًا.

نفوق الروبيان " الجمبري "في ساحل شُحير-حضرموت

هل هي أسباب غير بيئية؟

في الوقت الذي تشير فيه عديدٌ من التحليلات إلى مشكلة التغيّرات المناخية؛ يستبعد خبراء ومسؤولون أن يكون سبب نفوق "الروبيان" الجمبري ناتجًا عن ثلوث مياه البحر، والبيئة البحرية.

صبري لجرب، مدير الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية- فرع حضرموت، يؤكّد في تصريح لـ"خيوط"، أنّ فحص عينات الجمبري النافق بيّنت عدم وجود أيّ آثار أو اختناق قد يكون حاصلًا بسبب طحالب أو ملوثات أخرى، إضافة إلى أنّ مياه البحر صافية ولا تنبعث منها أيّ روائح قد تكون سببًا لتلوثها، فضلًا عن كونه يستبعد أن يكون ذلك بسبب الصيد الجائر.

يضيف لجرب أنّ هذه ليست الظاهرة الأولى لنفوق هذا النوع من الجمبري الأحمر صغير الحجم، فقد حصلت بشكل متكرر في مايو/ أيار من العام 2019، في ساحل "الستين" بالمكلا، وكذا في شهر مارس/ آذار 2022، في الريدة الشرقية، إضافة إلى حصول ذلك في محافظة المهرة خلال العام الماضي 2023، بينما حصل خلال شهر مارس/ آذار الماضي 2024، في ساحل شُحير التابع لمديرية غيل باوزير.

أستاذ الأحياء البحرية في كلية العلوم البيئية والأحياء البحرية بجامعة حضرموت، الدكتور جعفر بن عمر باعمر، يتفق في حديثه لـ"خيوط"، مع الطرح السابق لمدير الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية، مدللًا على ذلك بالعديد من الاستنتاجات التي تشير إلى أنّ نفوق الروبيان الذي حدث الشهر الماضي في ساحل منطقة شحير كان طبيعيًّا، بالنظر إلى عدم وجود أية أعراض مرَضية سطحية على عينات الروبيان النافق.

إضافةً إلى أنّ المنطقة خالية من مصادر التلوث بالمخلفات المنزلية والصناعية، كذلك مواصفات مياه البحر كانت طبيعية، كما يشدّد باعمر على عدم وجود أصناف أخرى من الكائنات البحرية، نافقة مع الروبيان على الساحل أثناء حدوث النفوق.

الدكتور أحمد بلقدي، أستاذ استزراع اللافقاريات المساعد بقسم الأحياء البحرية- كلية العلوم البيئية والأحياء البحرية في جامعة حضرموت، يرجح في حديث لـ"خيوط"، أن يكون هذا النفوق حصل بسبب انقطاع "المسيال" مع البحر، وعدم السماح للروبيان (الجمبري) بالدخول إلى المياه "المويلحة" المهمة لهذه المرحلة بالتحديد.

فضلًا عن أنّ النفوق يحدث لأسباب متنوعة، منها التغيّرات المفاجِئة في المناخ، كدرجة الحرارة والأكسجين المذاب والملوحة، خاصة أنّ هذا النوع من الأنواع الأكثر حساسية لهذه الظروف، وبالذات الأطوار اليرقية وبعد اليرقية، إلا أنه لا مؤشرات -كما يفيد بلقدي- تدل على حدوث تغيرات مناخية، وذلك من خلال فحص الأطوار النافقة، إذ لم يتأثر بها أيّ أنواع أخرى من الأسماك أو القشريات، عدا هذا النوع، وهذا الطور بالتحديد.

خطر الأسماك الكبيرة والطيور

يعيش الروبيان ويتكاثر على بُعد (40 – 50) ميلًا من الساحل، حيث يستقر بين الصخور قبل أن يصعد إلى الأعلى، مبتعدًا عن هذه المسافة بسبب درجة الحرارة والأجواء الداخلية المحيطة به، وهو ما يجعله معرضًا لخطر الأسماك الكبيرة التي تداهمه من كافة النواحي، والطيور التي تأتيه من الأعلى، كما أنّ الضغوط التي يتعرض لها من كافة النواحي، تجعله يختنق وتقل عليه نسبة الأكسجين، فينفق إلى ساحل البحر.

يرى صيّادون أنّ النفوق الحاصل لسمك "الروبيان"، ظاهرةٌ طبيعية، تحدث بشكلٍ شبه سنوي في "شحير، والروبيان هو في الأصل -وفق الصيّاد الشبيبي- عبارة عن (طُعم) لعدة أنواع من الأسماك الكبيرة، مثل: "الشروي"، و"الدبانة"، و"الزينوب"، فتتغذى عليه هذه الأنواع من الأسماك. 

من جانبه، يقول بلقدي: "ما دامت ظاهرة طبيعية ولا مؤشرات تدل على وجود ملوثات في البيئة البحرية للساحل، فهي ظاهرة صحية، وقد حصلت في عدة مناطق، خاصة مناطق مصبات السيول مثل "الريدة الشرقية"، التي حصلت في فترة تكاثر "الروبيان" الجمبري. بينما يرى صبري لجرب أنّها ليست ظاهرة صحية؛ لأنّها تستهدف صغار الروبيان في مراحلها الأولية التي تسمى (الطور اليرقي)، وهي في مفهوم المخزون السمكي الإمداد أو ما يسمى (Recruitment) ومِن ثَمّ فهي ظاهرة مؤثرة على مخزون هذا النوع من الروبيان حتى لو كان النفوق طبيعيًّا.

توصيات لرصد الظواهر والتغيرات 

يوصي مسؤولون وخبراء في علوم الأحياء والبحار، برصد وتسجيل الظروف والتغيرات البيئية للبحر عبر تقنية (GAC)، والاستشعار عن بعد، لمعرفة وتسجيل أيّ تغيير في الظروف الكيميائية يمكن أن تؤدّي إلى إثراء غذائي يؤثر في حدوث هذه الظاهرة، وفتح قنوات بين "المسيال" والبحر -بحسب بلقدي- تسمح بجريان المياه بين البحر و"المسيال"، وتوفر مياه "مويلحة" لهذه المرحلة اليرقية.

وحمل تقرير هيئة أبحاث علوم البحار في حضرموت حول نفوق الجمبري، الذي حدث في ساحل شحير، مجموعةً من التوصيات؛ أهمّها ضرورة قيام وزارة الثروة السمكية والسلطة المحلية، بإصدار تعميم للمؤسسات والمرافق ذات العلاقة بالإشعار الفوري لهيئة أبحاث علوم البحار بخصوص حدوث أيّ ظاهرة من الظواهر في البحر، حتى يتسنى لها التوجه في الوقت المناسب إلى المكان الذي حصلت فيه أي ظاهرة من الظواهر المرصودة، وأخذ العينات، ورفع التوصيات العاجلة.

وكذا أهمية قيام هيئة المصائد السمكية في البحر العربي بدورها الرقابي و"الاستعلاماتي" على طول السواحل في نطاقها الجغرافي، والتنسيق مع هيئة أبحاث علوم البحار بوجود أي ظاهرة طبيعية أو بشرية على الساحل عند وقوعها مباشرة، فضلًا عن الحاجة الماسة لإجراء دراسة علمية موسعة لـ"هيدرولوجية" مياه البحر في هذه المنطقة بالتحديد في ظلّ تكرار ظواهر النفوق فيها.

فضلًا عن دعم الهيئة في حضرموت بمختبر بيولوجي وكيميائي لإجراء الفحوصات المختبرية الكيميائية والبيولوجية للمياه والأسماك، إلى جانب دعم الهيئة بكوادر متخصصة في إجراء الفحوصات الكيميائية والبيولوجية، وتوفير ما تحتاجه الهيئة من معدّات تمكّنها من تغطية الشريط الساحلي الكبير في نطاق عملها.

•••
ناصر بامندود

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English