شبوة وإعادة رسم خريطة المصالح

الأحقاد المدفونة تعود للاشتعال
رانيا محمد
August 11, 2022

شبوة وإعادة رسم خريطة المصالح

الأحقاد المدفونة تعود للاشتعال
رانيا محمد
August 11, 2022
Photo by: Shohdi Alsofi - © Khuyut

ظلت القبائل اليمنية تلعب دورًا محوريًا في النظام السياسي اليمني، فمن حكم اليمن طوال العقود الماضية عمد إما إلى إضعافها وتهميشها، أو الاستقواء بها لبناء سلطته، و في النموذج الأول  تبرز سلطة الإمام يحيى وسلطة نجله أحمد باستخدامهما جميع الوسائل لضمان ولاء القبائل ومشائخها وعلى رأسها استخدام نظام الرهائن، إلى جانب سياسات التفقير بتكبيلها بالزكاة والجبايات؛ وفي الثاني يتجلى نظام صالح الذي مكن حلفائه القبليين من مفاصل الدولة، حتى ألقت بتأثيراتها على المؤسسات الحكومية والمؤسسة العسكرية بما عرف (تسيس القبيلة).

البنية القبلية التي ضعفت لعقدين في المحافظات الجنوبية – 1967- 1986، عادت إلى الواجهة في أحداث يناير 1986، وفي حرب صيف 1994 من خلال تحالفاتها مع أطراف الصراع ، وبقيت شبوة نموذجًا حيًا لهذا الاستخدام حتى اليوم، مع ما تشهده من مواجهات مسلحة تقوم على مفاعيل قبلية واضحة وإن بأردية سياسية  بين  "قوات الأمن الخاصة" بقيادة العميد عبدربه لعكب، وقوات دفاع شبوة الموالية للمجلس الانتقالي.

 فما هي الأسباب وراء هذا الصراع الدائر الذي راح ضحيته العديد من الجرحى والقتلى المدنيين؟

الصراع القبلي الذي سيطر على المشهد السياسي ابتداء عام 1986 في المناطق الجنوبية خلق صراعًا جهويًا بين منتصري يناير و مهزوميه الذين غادروا إلى الشمال ليعودوا في حرب صيف 1994،  كحلفاء لنظام صالح الذي استطاع استقطاب القيادات التي ستصير مع الأيام جزء من بنية السلطة التي تتغذى على صراعات الماضي.

ما تعيشه اليمن منذ دخولها في دوامة الصراع في العام 2015، وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات القائم على استعادة شرعية النظام السياسي، عبارة عن مخطط معدٍّ مسبقًا يعمل على خلق وتغذية الصراعات القائمة على الهُويات والانتماءات

منذ العام 2019، تحديدًا، يلاحظ عودة هذه الأحقاد القبلية مرة أخرى للاشتعال في الجنوب، ولكن هذا المرة بواسطة أدوات داخلية لأطراف خارجية. هذه الأحقاد المدفونة تبرز بشكل رئيسي فيما يدور في شبوة من صراع طاحن منذ ثلاثة أعوم بين القوات الحكومية وما يسمى النخب الشبوانية التي انتهت بطرد الأخيرة من المحافظة، وقد وصف الكاتب عوض كمشيم في مقال له في عدن الغد، جزء مما يحدث، بالقول؛ "أن قبائل شبوة تمثل الثقل الاجتماعي ولن تسمح بأي قوات تأتي من خارج قوات شبوة، إضافة تحشيد الصراعات ذات الطابع القبلي في شبوة من خلال استحداث واستجلاب قوى من خارج المحافظة لخلق كيانات توازن القوى القبيلة في شبوة وتعمل على جعل المحافظة تحت سيطرة الإمارات"، وإعادة تكرار سيناريو عدن وسقطرى التي سقطت تحت أيادي المجلس الانتقالي الذي خاض حروبًا مع القوات الحكومية في عدن وسقطرى إلى أن جاء اتفاق الرياض لشرعنه تلك القوى وجعلها مكون في الدولة.

عكست أحداث سبتمبر/ أيلول2001، نفسها على الساحة الدولية وطريقة تعامل الولايات المتحدة الأمريكية في السياسة الخارجية التي اتبعتها ورفعت فيها شعار: "من ليس معنا فهو ضدنا"، وبدأت تتوعد الدول التي اتهمتها بدعم الإرهاب أو التي تحتضنهم بالردّ العنيف، مما اضطر العديد من الدول ذات الأنظمة الاستبدادية إلى اتباع النهج الأمريكي الديمقراطي ومحاربة التيارات الإسلامية ومنع وصولهم إلى السلطة. وأصبحت دولة الإمارات من أبرز الدول العربية المناهضة للتيارات الإسلامية بعد أن كانت أحد الداعمين الرئيسين لها قبل 2011، لتعيد تصدير نفسها في المنطقة كمناوئ أول لهذه التيارات.

ما تعيشه اليمن منذ دخولها في دوامة الصراع في العام 2015، وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات القائم، كما هو معلن، على استعادة شرعية النظام السياسي، عبارة عن مخطط معدٍّ مسبقًا يعمل على خلق وتغذية الصراعات القائمة على الهُويات والانتماءات. كان أحد تلك الصراعات الأشد شراسة، الهدف الذي تعمل عليه الإمارات، وهو التخلص من حزب الإصلاح على الأرض اليمنية واستهداف قيادته، التي وصلت مؤخرًا إلى إقالة نائب الرئيس السابق علي محسن الأحمر، في ذات التغيير الذي شمل الرئيس السابق المعترف به دوليًّا.

ظلت عين الإمارات مصوبة على شبوة بصفتها صارت تشكل مع مارب حاضنة حيوية لحزب الإصلاح عسكريًا وقبليًا، خصوصًا  بعد أن تفوقت القوات الخاصة بقيادة العميد عبدربه لعكب على النخب الشبوانية الممولة إماراتيًا  في جولة صراع سابقة وبسط نفوذها على شبوة التي نحت منحى تنمويًّا واستقرارًا في عهد المحافظ السابق محمد صالح بن عديو، إلا أنه تم إقالته بعد مطالبته بفتح ميناء بلحاف الخاص بتصدير الغاز الطبيعي المسال في شبوة، والذي يقع تحت سيطرة قوات عسكرية إماراتية.

لم يستقر الوضع في شبوة منذ نهاية العام الماضي 2021، عندما تم تعيين عوض ابن الوزير محافظًا جديدًا للمحافظة بدلًا عن المحافظ السابق محمد صالح بن عديو، يهدأ تارة ليعود مرة أخرى للاشتعال كما يحدث منذ السابع من أغسطس/ آب الحالي 2022، بعد فشل اغتيال العميد لعكب، وقرار محافظ شبوة عوض بن الوزير بإقالته مع اثنين آخرين يتم تصنيفهم محسوبين أو متحالفين مع الإصلاح، متجاوزًا بذلك، كما يرى مراقبون، صلاحيات الجهات السيادية المعنية (وزارة الداخلية).

السيناريوهات المتوقعة:

هناك عدة سيناريوهات متوقعة لما يجري في شبوة؛ أن يتم تهدئة الوضع وانسحاب قوات الأمن الخاصة إلى محافظة مأرب، ووقوع شبوة تحت سيطرة الأطراف الموالية للإمارات، أو عودة القوات الخاصة إلى مواقعها السابقة، مع العمل على معالجة وضعها بما يتناسب مع تحجيم نفوذ حزب الإصلاح في المناطق المحسوبة على الحكومة المعترف بها دوليًّا.

وإجمالًا لن تهدأ الأوضاع في شبوة حتى في حال سيطرة أحد الأطراف على الآخر، قد يتوسع كما يتوقع كثيرون، ليشمل محافظات عدة في إطار ينفذه التحالف بقيادة السعودية والإمارات، يستهدف تفكيك اليمن.

•••
رانيا محمد

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English