رجال ونساء اليمن يكافحون الحرب بالإبرة

زيادة ملحوظة في الإقبال على الخياطة المحلية
أديب الأديمي
July 10, 2021

رجال ونساء اليمن يكافحون الحرب بالإبرة

زيادة ملحوظة في الإقبال على الخياطة المحلية
أديب الأديمي
July 10, 2021

في أحد أيام مارس/ آذار 1998، وصل شاب في الـ18 من عمره إلى شارع الخياطين المتفرع من شارع 26 سبتمبر وسط مدينة تعز، قادمًا من إحدى قرى مديرية ماوية، شرق المدينة. كان عيد الأضحى على الأبواب وللشاب هدف واحد من تلك الزيارة هي شراء ثياب العيد. بعد 23 سنة من ذلك اليوم، لا يزال محمد غالب الشماري، يتذكره: "كانت بداية لشغف حدد مستقبلي إلى حد كبير"، يقول محمد لـ"خيوط"، مستعيدًا لقاءه بأحد شباب قريته مصادفة في محل للخياطة مرتديًا بدلة كانت تظهره شديد الأناقة. ويضيف: "تلك المصادفة لم تسهّل علي المهمة التي قدمت من أجلها، بل قادتني لأكون الشخص الذي أنا عليه اليوم؛ فقد قررت حينها أن أحصل على بدلة مشابهة، وأن أتعلم الخياطة".

بعد ذلك العيد، أنهى محمد اختبارات الشهادة الثانوية العامة، وعلى الفور اتجه نحو "حلمه". وفي شارع  26 سبتمبر، عمل في محل خياطة مبتدئًا من الصفر؛ "في البداية عملت مراسلًا للمحل، وهذا يعني أن أغلب مهمتي كانت إيصال الأقمشة من المحل إلى المعمل والعودة بها ثيابًا جاهزة للبس، وتدريجيًّا اندمجت مع هذه المهنة التي كان حبي لها يزيد على الدوام، وأتذكر سعادتي في أول يوم عملت فيها مساعد خياط"، يقول محمد.

بعد ست سنوات، وتحديدًا في يونيو 2004، كان محمد الشماري قد تعلم كل شيء عن الخياطة وانتقل إلى العاصمة صنعاء. ومن شارع التوفيق في حيّ القاع، وباسم "الراقي للخياطة"، بدأ مشروعه الخاص. ولم تمضِ أكثر من أربع سنوات حتى وسع نشاطه إلى محافظة الحديدة، مفتتحًا فرعًا لمحله في سوق المطراق. كان ذلك في مايو/ آذار 2008، كما يتذكر. بعد أربع سنوات أخرى افتتح فرعًا آخر في صنعاء. كان مشروع محمد يحقق نموًّا بشكل مستقر ليفتتح فرعًا رابعًا في سوق باجل في الحديدة مطلع العام 2015، إلا أن الحرب كان لها رأي آخر.

بين سوق واعدة وحرب طاحنة 

تعتبر الخياطة من أكثر المهن اليدوية أهمية في اليمن، حيث شهدت في الفترة الأخيرة تطوّرًا وازدهارًا ملحوظًا، وتمثل مصدر دخل رئيسي لعدد كبير من الأسر، حيث يحترفها شريحة كبيرة من المجتمع من كلا الجنسين؛ ففي حين يزداد عدد النساء اللائي يمارسن الخياطة من المنزل، يعمل آلاف الشباب لدى كثير من المعامل والمحلات المنتشرة في العاصمة صنعاء والمحافظات.

ويعيش فئة كبيرة من المجتمع اليمني ظروفًا اقتصادية صعبة بسبب الحرب المستمرة منذ ما يقارب سبع سنوات. حرمت الحرب ملايين اليمنيين من أبسط مقومات الحياة، وصاحبها توقف لعملية التوظيف، وانعدام الفرص أمام عشرات الآلاف من خريجي الجامعات الذين اضطروا للعمل في مشاريع خاصة أو مهن مغايرة لتخصصاتهم الجامعية. 

في السنوات الأخيرة شهدت العاصمة صنعاء انتشارًا واسعًا لمعامل الخياطة، وظهرت أسواق جديدة ساهمت في تطور هذه المهنة بشكل لافت. وعلى الرغم من تطورها، إلا أن تأثيرات الحرب بدت واضحة على سوق الخياطة. خسر محمد الشماري ثلاثة من محلاته خلال أقل من سنة، ولا يزال يكافح في محله الرابع، وبالنسبة لرائد أعمال شاب يعرف بيئة عمله جيدًا منذ فترة طويلة، يقول محمد إن تأثير الحرب كان كارثيًّا، ليس عليه فقط، بل على كثيرين من رواد الأعمال، خاصة الشباب الذين كانوا لا يزالون يبنون سمعتهم في السوق.

بفعل إصراره على النجاح ودأبه في العمل، كانت بداية محمد الشمّاري واعدة في مهنة الخياطة، وافتتح محلًّا في تعز وآخر في الحديدة، لكن مع بداية الحرب وعدم استقرار المحافظتين، أجبرته الأزمات المستمرة على مدى السنوات الست الماضية، على الاكتفاء بمحله الرئيسي في صنعاء وإغلاق بقية الفروع. يقول الشماري إن مهنة الخياطة "تحتاج إلى الكثير من التطوير والإتقان" لكي يتمكن صاحبها من الاستمرار والبروز في السوق، خصوصًا مع انتشار الكثير من محلات ومعامل الخياطة وظهور أسواق جديدة.

ويتابع: "في وقتنا الحالي تواجهنا بعض المتاعب والمشاكل، وبالرغم من كل ذلك، نحن مستمرون في العمل، لكن ليس كالسابق. الآن ظروفنا تزداد سوءًا". وعن المشكلات التي تواجه مهنة الخياطة بحسب محمد، "انقطاع التيار الكهربائي واستخدام المولدات التي تعمل على الوقود الذي يصعب الحصول عليه"، كما يشير إلى ثقل تسعيرة الكهرباء على الخياطين، والأسعار الباهظة للمستلزمات، واستمرار ارتفاع الأسعار.

يقول عبدالرحمن فارع، صاحب محل أقمشة رجالية، إن نسبة استيراد الأقمشة ارتفعت بشكل كبير هذه السنة (2021)؛ نظرًا لكمية الطلب المتزايد من قبل المواطنين، وإقبالهم على تفصيل الملابس الرجالية والنسائية لدى محلات الخياطة

تطور وازدهار المهنة 

كما هو معروف لدى الكثير من سكان العاصمة صنعاء منذ وقت طويل، أن شارع القيادة وحيّ "شُعوب"، أهم وأكبر الأماكن التي تكتظ بمعامل ومحلات الخياطة. غير أن صنعاء شهدت خلال العامين الماضيين، انتشارًا كبيرًا لمعامل الخياطة، وظهور أسواق جديدة ساهمت في توسع نطاق هذه المهنة بشكل لافت.

محمد الشميري، شاب عشريني، يفضل الملابس محلية الصنع على الملابس المستوردة. فهي بالنسبة له أجمل ومناسبة أكثر، بحسب حديثه لـ"خيوط". ويضيف الشميري أن سعر الملابس محلية الصنع أقلّ بكثير من المستورد، وهي في الوقت نفسه ذات جودة مقبولة.

ارتفاع نسبة الطلب

توسع نطاق المشتغلين بمهنة الخياطة هو بلا شك مؤشر لارتفاع نسبة الطلب. يقول عبدالرحمن فارع، صاحب محل أقمشة رجالية، إن نسبة استيراد الأقمشة ارتفعت بشكل كبير هذه السنة (2021)؛ نظرًا لكمية الطلب المتزايد من قبل المواطنين، وإقبالهم على تفصيل الملابس الرجالية والنسائية لدى محلات الخياطة، خصوصًا في مواسم الأعياد. وأرجع فارع ذلك إلى الارتفاع الكبير لأسعار الملابس الجاهزة وتدني جودتها، لافتًا إلى أن هذا يعكس التطور الإيجابي لمهنة الخياطة في عموم اليمن. 

صعوبات ومعوقات 

يقول فادي الأثوري، عامل في أحد معامل الخياطة بصنعاء، إن الخياطة "مهنة موسمية كأيام الأعياد أو بداية العام الدراسي، وحينها يتعرض العاملون لضغوطات كبيرة وقضاء ساعات طويلة في العمل؛ مما يعرضهم لمشاكل صحية ونفسية، ومع انتهاء الموسم يشهد السوق نوعًا من الخمول باقي الأيام".

ويضيف الأثوري في حديثه لـ"خيوط"، أن أصحاب المحلات والمعامل يعملون في المواسم على اجتذاب العاملين وإغرائهم بأجور وامتيازات جيدة، لكن مع نهاية الموسم، يتم الاستغناء عنهم بسبب حالة الركود وتراجع الطلب، حد وصفه.

ويوضح الأثوري أن دخل عمال الخياطة ليس دخلًا ثابتًا؛ لأن أرباب العمل يحتسبون أجورهم بنظام القطعة، ويرى أن هذه من أهم المشاكل التي يواجهها عمّال الخياطة.

انتكاسة تحت سطوة الحرب

محمد دومان، مالك معمل خياطة سابق في مدينة الحديدة، يقول إنه عمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشر سنين، لكن ظروف الحرب أجبرته على ترك المهنة وإغلاق المعمل، خاصة بعد انقطاع الكهرباء وتدهور الوضع الأمني في المدينة الساحلية.

 ويشير دومان إلى أن كُلفة الإنتاج أصبحت هي الأخرى سببًا في تدهور مهنة الخياطة؛ لأن قطع الملابس المنتجة المباعة بالكاد تغطي كلفة شراء الأقمشة ومستلزمات الخياطة، وأجور الخياطين، وأحيانًا تكون هناك خسائر، حسب قوله. ويضيف دومان، باكيًا على الأطلال: "الحرب كانت هي الكارثة الكبرى التي أدّت إلى قطع رزقي ورزق عمالي، حتى إنني قمت ببيع المكائن بسبب تراكم الديون".

المرأة تفرض نفسها في سوق العمل 

وبما أن المرأة شريكة الرجل في جميع نواحي الحياة، فقد ساعدت مهنة الخياطة المرأة على فرض وجودها في السوق لتصبح منتجة. وشهدت معامل الخياطة النسائية انتشارًا واسعًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وهناك العديد من التجارب النسائية الناجحة في هذا المجال.

ويتضح من خلال قصص النجاح الكثيرة في مهنة الخياطة، أنها كانت طوق نجاة لآلاف العائلات اليمنية في زمن الحرب، وإضافة إلى ذلك، تولّد الإبداع من رحم المشقّة والمعاناة.


•••
أديب الأديمي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English