بائع "المجَلجَل" الصغير

الظروف الصعبة سلبته ابتسامته وحلمه
محمد جمال الطياري
April 8, 2024

بائع "المجَلجَل" الصغير

الظروف الصعبة سلبته ابتسامته وحلمه
محمد جمال الطياري
April 8, 2024
.

تعيش اليمن أزمةً إنسانية خانقة، تؤثّر بشكل كبير على حياة الأطفال وتحرمهم من حقوقهم الأساسية. وسط هذا الواقع القاسي، تنبض قصة "محمد الضبيبي"، الطفل الشجاع المكافح، التي تبيّن للجميع مدى تأثير الظروف القاسية على الأطفال المحرومين من حقوقهم في اليمن، حيث يعمل محمد بائعًا للمجلجل في حي "حزيز" جنوب شرق العاصمة صنعاء، لتوفير مصاريف العيش له ولعائلته، ومصاريف دراسته.
"نفسي أكون مهندس نفط"؛ بهذه الكلمات يصف محمد الضبيبي (11 عامًا)، لـ"خيوط"، حلمَه الذي أصبح يراوده طيلة أيامه، ليكن أمينًا على نفط اليمن. وبالرغم من الصعوبات التي يواجهها، يواصل محمد عمله بائع مجلجل (حلوى السمسم) بكل ابتسامة وحماس، يهتم بتقديم المجلجل لزبائنه، بكل بشاشة، حيث يبيع القطعة الواحدة بنحو 100 ريال.

مثل محمد مكانه المدرسة، وسط أسرة ترعاه وتهتم به وتوفر له جميع احتياجاته، لكن هكذا صنع الوضع والظروف الصعبة التي يمر بها اليمن؛ بسبب الحرب والصراع في البلاد منذ العام 2015، حيث تشهد تزايدًا خطيرًا في أعداد الأطفال المنخرطين في سوق العمل بفعل هذا الصراع وما تسبب به من نموّ كثيرٍ من الآفات والظواهر المجتمعية، وتفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم.

كما تعدّ اليمن واحدةً من أكثر الدول العربية تضرُّرًا بسبب الحرب والصراعات المستمرة، تأثير هذه الأزمة الطويلة الأمد على الأطفال لا يمكن تجاهله، حيث يعيش العديد منهم في ظروف قاسية ويتعرضون للعنف والجوع وسوء التغذية والأمراض، فالطفولة في اليمن تفتقر إلى الرعاية الصحية الكافية، والتعليم المناسب، والحماية من الاستغلال والعنف.

قصة "محمد الضبيبي" نموذجٌ يمثّل العديد من الأطفال في اليمن، الذين يعانون من الفقر والتهديدات المتعددة التي تشمل عدم الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية ونقص التغذية الملائمة وانتهاك حقوق الطفل والعنف والاستغلال.


يتلقَّى محمد البائع المتجول يوميًّا مشقات العمل وسط حرارة الشمس، ولكنه يستخدم أسلوبه لإضفاء بعض البهجة على نفسه والآخرين، يحمل صينية (صحن) صغيرة مليئة بالمجلجل، ويتجول في الأزقة والشوارع، يشدو بالألحان التي تساعده على جذب انتباه الأطفال والبالغين على حد سواء، للشراء منه.

آثار الصدمات الاقتصادية الأخيرة والاضطرابات السياسية والنزاع والحرب، أدّت إلى تفاقم مستويات عمل الأطفال عما كانت عليه في السابق، كما أنّها تسبّبت بعكس مسار التقدم الذي كانت اليمن كغيرها من البلدان العربية قد أحرزته في مكافحة عمل الأطفال من خلال ما انتهجته من سياسات مكافحة.

كفاح لأجل البقاء
يعمل الطفل محمد الضبيبي، في بيع المجلجل، وأخوه يعقوب (15 عامًا)، في سوق الخضار كل يوم، ليعيلا أسرة مكونة من أحد عشر فردًا، إذ يقول والد الطفل، عبدالله الضبيبي (47 عامًا)، لـ"خيوط": "أعيش مع زوجتي وسبعة من أولادي إلى جانب محمد في منزل صغير يُؤوِينا، نضطر إلى أن يشتغل محمد في هذه السن التي يجب فيها أن يكون في مدرسته لمتابعة كل دروسه".

يواجه محمد تحديات كبيرة في سبيل بيع منتجه وجني العائدات الضئيلة التي يحصل عليها، يضطر محمد للعمل ساعات طويلة في ظروف صعبة وأجواء حارّة، معرضًا نفسه للخطر والتعب.

يرى الباحث الاجتماعي سمير المنصوري، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ مثل محمد يجسد واقع العديد من الأطفال في اليمن الذين يعيشون في ظروف قاسية ويواجهون تحديات هائلة، داعيًا المجتمع الدولي والسلطات في اليمن لتحسين الأوضاع وضمان حقوق الطفل في البلاد، كما أنّ على الجميع أن يعملوا معًا لتوفير بيئة آمنة ومستدامة تسمح للأطفال بالنمو والتطور بشكل صحي ومستقر.

كانت "خيوط" قد نشرت تحقيقًا كشف عن كيف يتغلغل أثر النزاع عميقًا في اليمن، إذ لم يوفّر ولو طفلًا واحدًا، حيث إنّ العنف المهول على مدى السنوات الماضية، وارتفاع مستويات الفقر، إضافة إلى عقود من النزاعات والإهمال والحرمان؛ كل ذلك يضع عبئًا ثقيلًا على المجتمع اليمني، ويمزق نسيجه الاجتماعي، الذي هو أمر أساسي لأي مجتمع، وخاصة الأطفال الذين تتزايد قسوة تبعات الحرب والصراع عليهم، وتحول كثير منهم إلى سوق العمل في أعمال ومهن وأشغال شاقّة ومضنية لا تناسب أعمارهم.


تفاقم معاناة الأطفال
اشتهر محمد ببائع المجلجل على منصات وسائل التواصل، وأصبح حديث الساعة باعتباره رمزًا للتصميم والعزيمة في وجه الصعاب، يتجاوز تأثيره البسيط، كما أصبح مصدرَ إلهام للكثير ممن غلبتهم الظروف المعيشية في البلاد، إذ تؤثر قصة "بائع المجلجل" أيضًا على الكبار، حيث يرى الناس في تصميمه وروحه المرحة، إشارة إلى ضرورة الأمل والتفاؤل في وجه التحديات الصعبة.

قصة "بائع المجلجل" ليست مجرد قصة تجارية عادية، بل قصة إنسانية تتحدث عن القوة الداخلية والعزيمة والقدرة على صنع الفرح في الوجه القاسي للظروف، كما يتعامل مثل هذا الطفل مع العديد من التحديات، مثل الفقر والعوز والتشرد، ولكنه يرفض أن يدع هذه العقبات تحول دون تحقيق أحلامه وتحقيق رغبته في إحداث تغيير إيجابي في حياته وعائلته.

أحمد السهيلي، ناشط حقوقي يعتبر في هذا السياق، بحسب حديثه لـ"خيوط"، قصة "محمد الضبيبي" نموذجًا يمثل العديد من الأطفال في اليمن، الذين يعانون من الفقر والتهديدات المتعددة التي تشمل عدم الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، ونقص التغذية الملائمة، وانتهاك حقوق الطفل والعنف والاستغلال.
كما أصبح بائع المجلجل موضوع اهتمام وسائل الإعلام المحلية، وانتشر في العديد من المنصات، فضلًا عن تكريم محمد بواسطة تنظيم حملات تبرع لمساعدته في تحقيق أحلامه وتطوير عمله.

ويرى السهيلي، أنّ اليمن تحتاج إلى جهود مشتركة من الحكومة والمجتمع الدولي، للتصدي لأزمة حقوق الطفل في البلاد، إذ يجب أن تعمل الحكومة على تحسين البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية للأطفال، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والحماية.

•••
محمد جمال الطياري

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English