سارة علوان لم تنتحر.. والمُتهم "مطمئن"

لا تتصوري فالمبتز مُتربص!
د. نهى الكازمي
November 5, 2022

سارة علوان لم تنتحر.. والمُتهم "مطمئن"

لا تتصوري فالمبتز مُتربص!
د. نهى الكازمي
November 5, 2022

في هذا البلد الذي يُجيد أبناؤه وباحترافيَّة عالية، قتلَ بعضهم بعضًا، وبكل الأدوات والإمكانيات المُتاحة لديهم. تتطرق وسائل التواصل الاجتماعي من حينٍ لآخر لهشتاجات تُناقش قضايا الابتزاز الإلكتروني التي ارتفعت وتيرتها في الأعوام الماضية، كما تصدّر هشتاج # سارة علوان، وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن، وصعَّد المُشاركون على فيسبوك وتويتر من حملتهم التضامنيَّة مع سارة، كما وظّف عددٌ من الناشطين منشوراتهم لأغراض سياسة بحتة؛ لإبراز الاختلافات مع السلطة المحليَّة التي لم تقبض على المتهم بالابتزاز، إلَّا بعد سماعهم صدى رصاصة الرحمة التي أطلقتها سارة على نفسها، في محاولة أخيرة منها للتخلص من الجاثوم الذي استمرّ يُطاردها لأشهر.

من الذي حاول "قتل" سارة علوان؟ لا تقولوا إنّها نجت من الرصاصة، فهي منذ أشهر تُحاول أن تنجو بنفسها من التهديدات التي طالتها من المتهم المبتز الذي كان يبتزّها بالصور التي سُرقت من فلاشها دون علمها، لم يُحرك الأمن ساكنًا، فمن يحاكم من؟! إذ إنّ السلطة المحلية مُمثلة بكل كياناتها، لم تقف مع سارة، بل تركتها تواجه مصيرها. 

مرآة للمسكُوت عنه في المُجتمع 

بقدر ما بدا التعاطف واضحًا مع محاولة انتحار سارة علوان، من قبل الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن، إلَّا أنّ الأمر الذي لم يُلتفت له بعمق، هو: تلك الصورة التي ظهر بها المُبتز، والذي من المُفترض أنّه مقبوض عليه، حيث ظهر في الصورة جالسًا على الكرسي مطمئنًّا. لم تَبدُ عليه ملامح الفزع.

وبعيدًا عن جريمة القتل المعنويّ من قبل المُحيطين بسارة علوان، وصمتهم عن جريمة ابتزازها، كيف يُمكن أن نقرأ المُسبِّبات التي تسمح للرجل أن يبتزّ ويهدِّد المرأة دون خوف من سطوة أعراف المجتمع القبلي الذي ينتمي إليه؟ 

إنّ معالجة هذا الموضوع، تتطلب قراءة فاحصة ومتأنِّيَة للصورة الذهنيَّة التي "نحملها في رؤوسنا، وتُحدّد فكرنا وشعورنا وفعلنا"(1). 

الأمر الذي يستدعي ببداهة، تمييز الصورة الذهنيَّة التي يُكوِّنها الرجل عن المرأة في اليمن، ومدى تسخيره هذه الصورة لتحديد مُرونة العقوبة التي سينالها في حال تعدّيه عليها بأيّ شكل من الأشكال! 

استطاعت سارة علوان أن تتجاوز حاجز الخوف من الصورة الذهنيَّة التأثيميَّة التي يحملها المجتمع في طابعه الذكوري تجاه المرأة، وأن تُبِلّغ عن المتهم بالابتزاز ، وخلال الأشهر الماضية استمرّ المتهم ومن يتعاونون معه في ابتزازها، ولم تستطع سارة أن تحتمل التخاذل والتخادم المقصود من المعنيّين بمتابعة قضيتها، وحاولت الانتحار

تُعرّف الصورة الذهنية بأنّها "الخلاصة، والنتيجة التي تنتهي إليها جميع المؤثرات الصّورية، سواء عن طريق البصر أو الأذن، أو من خلال القراءة"(2). 

أمّا صورة المرأة الذهنيَّة، فهي "البناء الذهني الذي يتم على مستوى الرمزية والذاتيَّة والخيال، والذي يرتبط بواقع الإنسان من مُنطلق أنّ الإنسان بقدر ما يعي العالم المحيط به من خلال حضور الأشياء بذاتها في العقل، فإنّه يعيه بطريقة غير مباشرة، حيث تتواجد الأشياء عبر هذه الصور، كيانات مجازية، ولكنها تؤطِّر حياتنا وسلوكنا في المجتمع"(3).

وعلى أساس هذه الصورة الذهنيَّة التي يحملها الرجل عن المرأة، يُمكن أن يحدِّد حقَّه المزعوم في التمادي على المرأة، مُطمئنًّا إلى سكون الرأي العام وعدم اهتمامه بالجرم الذي يرتكبه، وهو تمامًا ما فعله المتّهم، الذي مثُلَ متثاقلًا أمام الأمن، غير عابئ بما سيناله من عقوبة، فلا يوجد في قانون الجرائم والعقوبات اليمنيّ نصٌّ صريح يُجرِّم الابتزاز الإلكتروني، ولكن بشكل عام قانون الجرائم اليمني ينصّ في قانونه رقم (313)، على العقاب "بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات، أو بالغرامة، لكلّ من يبعث قصدًا في نفس شخص الخوف مع الإضرار به، وبأي شخص آخر يهمه أمره، ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شيء يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني". 

تربص المبتز

استطاعت سارة علوان أن تتجاوز حاجز الخوف من الصورة الذهنيَّة التأثيميَّة التي يحملها المجتمع في طابعه الذكوري تجاه المرأة، وأن تُبلِّغ عن المتهم بالابتزاز، وخلال الأشهر الماضية استمرّ المتهم ومن يتعاونون معه في ابتزازها، ولم تستطع سارة أن تحتمل التخاذل والتخادم المقصود من المعنيِّين بمتابعة قضيتها، وحاولت الانتحار. 

وبين التصرُّف الشجاع الذي أقدمت عليه سارة عندما واجهت المتهم بالابتزاز وبلّغت عنه، وبين ردّة الفعل المُتخاذلة من المجتمع بمُختلف مؤسساته المعنية بشكل مُباشر أو غير مُباشر بمتابعة قضيتها- تضادٌّ يخدم "الجاني"، ويعزل المجني عليها في صيرورة ثبات وسكوت، فليس من حقِّها أن تدافع عن نفسها في مجتمع يدّعي الأوصياء عليه أنّهم يحكمون بسلطة الدين والقانون والأعراف، فقد أدرك هذا المتهم بالابتزاز، ومن هم على شاكلته، هشاشةَ السُّلطة القائمة، واضمحلال الأعراف التي أصبحت تحكم المجتمع اليمني، والتي تفسّخت أُصولها الثابتة، بفعل الصراعات والحروب، واستطاع أن يعكس وبوضوح ممارسات وخطاب المؤسسة الدينيَّة التي تنبري كل فترة لتُدافع عن القيم الدينيَّة في بُعدها المُستقى من رجال الدين الذين تعَّرت لِحاهم، والتي أصابت ألسنتهم عورة، ولم يدافعوا عن سارة وعن غيرها ممّن سكتن واضطررن للتنازل عن حقِّهن أمام ارتفاع نسبة الابتزاز الإلكتروني للنساء في اليمن. وإزاء هذه الممارسات المشينة يرى المجتمع في صيرورته السلطوية المنحازة أنّ الحل الأمثل لقضية الابتزاز الإلكتروني، هو: "لا تتصوري، من باب درء الشبهات، فالجاني المبتز مُتربص".

الهوامش:

(1) هشتاج # سارة علوان، فيسبوك، تويتر.

(2) عاطف عدلي العبد: الإعلام وثقافة الطفل العربي.

(3) مسلك ميمون: الصورة السردية في قصص شريف عابدين. 

(4) صالح سويلم الشرفات: صورة المرأة في الأمثال الشعبية الأردنية. 

•••
د. نهى الكازمي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English