تداولت وسائل الإعلام المختلفة في الأيام الماضية الكثير من الأخبار والتحليلات للآثار المتوقعة لقرارات الرئيس الأمريكي الخاصة بتحريك نسب الرسوم الجمركية على الواردات للسوق الأمريكية. الأمر الذي أحدث ردود فعل من الدول المصدرة للسوق الأمريكية. تشير إلى قلق الدول ذات التبادلات التجاري مع الدولة الأمريكية.
الآثار المتوقعة بالإمكان التطرق لها من خلال ما يتعلق منها بالنشاط التجاري الأمريكي حيث قد يؤدي رفع معدلات الرسوم الجمركية على الواردات للسوق الأمريكية إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وبالتالي تراجع قدراتها التنافسية مع المنتجات المثيلة المصنعة في أمريكا
وبناء على ذلك نحاول فيما يلي توضيح دوافع القرارات الأمريكية والآثار المتوقعة كدولة مؤثرة في التجارة الدولية والأسواق العالمية، وعلى اعتبار محدودية تأثر اليمن بمثل هذه القرارات بالرغم كونها شملتها إلى جانب ما يقرب من 80 دولة أخرى قبل التراجع عن غالبيتها والإبقاء فقط على الرسوم المفروضة على الصين التي ردت بفرض رسوم مماثلة، إضافة إلى أن اليمن دولة تعتمد على الاستيراد بشكل كلي لتلبية احتياجاتها السلعية.
ميزان المدفوعات عنصر القياس الرئيسي
لكن بداية الأمر يتطلب توضيح مفهوم الميزان التجاري؛ إذ إن هذا الميزان يشكل العنصر الأساسي لميزان المدفوعات لأي دولة. فميزان المدفوعات يوضح موقف الدولة بالنسبة لتقييم تعاملاتها الخارجية مع دول العالم، حيث يبين التدفقات النقدية الداخلة والخارجة بالعملات الأجنبية مقيمة بالدولار الأمريكي باعتباره عملة التسويات في عمليات التبادل.
لذا فأي دولة تستقبل تدفقات نقدية من العالم الخارجي وترسل تدفقات نقدية بالعملات الأجنبية للعالم الخارجي، منها المنح والمساعدات الخارجية والإنفاق الخارجي والقروض، إضافة إلى الميزان التجاري.
هذا الميزان يوضح صادرات وواردات الدولة مقيمًا بالدولار الأمريكي. ويلعب هذا الميزان الدور الأساسي لموقف ميزان المدفوعات، ولذلك تأتي أهمية الميزان التجاري.
كما تتمثل أهمية ميزان المدفوعات في اتجاه أخر حيث يوضح جانب منه عائدات الدولة من صادراتها من السلع والخدمات للدول الأخرى، ومن جانب أخر يوضع واردات الدولة من السلع والخدمات المتدفقة إليها من الدول الأخرى.
عندما تكون إجمالي قيمة صادرات الدولة أكبر من إجمالي قيمة وارداتها فيعني ذلك أن ميزانها التجاري إيجابي. أيّ أن حاصل تبادلاتها التجارية مع العالم الخارجي يضيف حقن للدخل القومي الإجمالي، بما يحقق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة وبالعكس من ذلك أن كان حاصل ميزانها التجاري سالب، بمعنى أن قيمة وارداتها من العالم الخارجي تفوق قيمة صادراتها ويعني ذلك أن مستوى تسريب النقد الأجنبي للخارج أكبر من مستوى التدفق الداخل ويؤدي ذلك إلى عجز في الميزان التجاري وينعكس بالسلب على ميزان المدفوعات.
الدوافع لتحريك معدلات الرسوم
وبناء على ذلك وبالعودة للميزان التجاري الأمريكي نستطيع توضيح دوافع القرارات الأمريكية بخصوص تحريك نسب الرسوم الجمركية على واردات السلع والخدمات للسوق الأمريكية؛ وذلك على النحو الآتي:
حيث بداية تأتي الدوافع التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية لتحريك معدلات الرسوم الجمركية للواردات من العالم الخارجي للسوق الأمريكية، ففي هذا الجانب أود التطرق إلى عديد المحددات في هذا الموضوع.
أولًا مواجهة العجز في الميزان التجاري الأمريكي، إذ تشير بيانات الميزان التجاري الأمريكي إلى أن العجز في بداية العام الحالي يقدر بنحو 131 مليار دولارًا أمريكيًا تقريبًا، في حين شهد تراجع خلال الشهر الحالي لنحو 123 مليار دولار.
ثانياً ما يتعلق بالتعامل مع البطالة حيث تشير معطيات البطالة في الاقتصاد الأمريكي إلى تجاوز معدل البطالة ما نسبته 4%؛ وبناء على ذلك فإن الرئيس الأمريكي ترامب في حالة تعافي الميزان التجاري وتراجع معدل البطالة سيكون قد أوفى بوعوده الانتخابية الخاصة بتحسين الوضع الاقتصادي وازدهاره. وسيظهر ذلك من خلال الآثار المتوقعة لقرارات تحريك معدلات الرسوم الجمركية.
مواجهة البطالة والاستثمارات الجديدة
يأتي بعد ذلك الآثار المتوقعة والتي بالإمكان التطرق لها من خلال ما يتعلق منها بالنشاط التجاري الأمريكي حيث قد يؤدي رفع معدلات الرسوم الجمركية على الواردات للسوق الأمريكية إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وبالتالي تراجع قدراتها التنافسية مع المنتجات المثيلة المصنعة في أمريكا وبنفس الوقت تحقيق الموازنة العامة للدولة الأمريكية عوائد مالية إضافية لجانب الإيرادات العامة.
در اقتصادات الدول الآخرى في فلك الاقتصاد الأمريكي، لذا فإن كل ما يحصل يعزز التحول للنظام الاقتصادي الجديد متعدد الأقطاب، وكما يبدو بأن الأمريكيين بدأوا بإعداد أنفسهم للانخراط في هذا النظام الاقتصادي الجديد
لكن بعد أن تضعف القدرة التنافسية للسلع والخدمات المستوردة يحتمل أن تنقل الشركات الإنتاجية المصدرة لأمريكا جزء من استثماراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بمقدار الطاقة الاستيعابية لمنتجاتها في السوق الأمريكية لمواجهة الرسوم الجمركية.
وهو الأمر الذي سيحقق للأمريكان استثمارات جديدة لتغطية حاجة السوق وربما مستقبلاً تصدير فائض للعالم الخارجي من منتجات الشركات المنتقلة إلى أمريكا، كما أنه عند زيادة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة الأمريكية، ستتوفر فرص عمل جديدة، الأمر الذي من شأنه مواجهة البطالة وتراجع نسبتها.
تعزيز التحول للنظام الجديد
أما حكاية ردود أفعال الدول المصدرة لأمريكا فستكون محدودة قياسًا إلى أن الواردات الأمريكية سيتوفر بديلًا لها داخل أمريكا، وبالتالي ستتراجع صادرات الدول ذات التبادل التجاري مع أمريكا، بالإضافة إلى أن رفع الرسوم الجمركية على الواردات من أمريكيا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأمريكية في تلك الدول، وارتفاع مستويات التضخم والركود وتراجع اقتصاداتها، طالما وهي تدور في فلك الاقتصاد الأمريكي.
وبرأينا في ضوء ما أشرنا إليه سابقًا أن الإيجابيات الممكن توقعها على الاقتصاد العالمي هو تعزيز التحول للنظام الاقتصادي الجديد متعدد الأقطاب، وكما يبدو بأن الأمريكيين بدأوا بإعداد أنفسهم للانخراط في النظام الاقتصادي الجديد متعدد الأقطاب من خلال المنافسة الاقتصادية مع كبريات دول الاقتصاديات المتطورة كروسيا والصين.