استنزاف جائر للمياه في حوضها

بعد مدة ستصير صنعاء مدينة غير ملائمة للحياة!
محمد عمر
October 8, 2022

استنزاف جائر للمياه في حوضها

بعد مدة ستصير صنعاء مدينة غير ملائمة للحياة!
محمد عمر
October 8, 2022

يؤكِّد خبراء ومختصون أنّ حوض صنعاء الجوفي أوشك على النفاد؛ مشكلةٌ يواجه تبعاتها مزارعو العنب والقمح والخضروات في منطقتي همدان وأرحب بمحافظة صنعاء، إذ يستنزف (القات) جُلَّ هذا المخزون بعد توسُّع زراعته بشكل كبير، على حساب بقية المزروعات التي تشتهر بها مديريات محافظة صنعاء، التي وصل فيها الحفر العشوائي للآبار إلى قرابة 1200 متر في باطن الأرض، ممّا اضطَرّ عددًا من هؤلاء المزارعين إلى التخلي عن الزراعة والبحث عن سُبل أخرى لتوفير لقمة العيش.

محمد غانم، أحد أبناء منطقة همدان، يرى أنّ عدم وضع شروطٍ لحفر الآبار، وغياب الرقابة، وعدم تحديد العمق، هو السبب الذي يدفع الناس إلى كل هذه الفوضى والعبث بالمياه الجوفية، إذ يبلغ عمق الحفر نحو 600 متر إلى 1000 متر. ويشير غانم في حديث لـ"خيوط"، إلى أنّ كثيرًا من المزارعين اتجهوا لزراعة القات عوضًا عن العنب والخضروات نظرًا للمردود السريع والمتكرر للقات بالنظر لموسمية العنب، إضافة إلى الجهد الكبير والوقت الذي تحتاجه حتى الحصاد، خاصة في ظل غياب الدعم والاهتمام من قبل وزارة الزراعة والري، التي لا وجود حقيقي لدورها .

أسباب العزوف 

يُثمر العنب والخوخ وبقية الخضار مرة واحدة فقط على مدار السنة في ضواحي صنعاء، ومن بينها مديريتَي همدان وأرحب، في حين يباع القات على مدار السنة دون انقطاع، علاوة على الأسباب الأخرى التي ساهمت في انحسار زراعة العنب والخضار، بينها إصابة الخوخ في منطقة القيعان بمرض أدّى إلى إنهاء وجوده.

في السياق، تواجه زراعة الذرة تحديات متعلقة بالمياه، إذ كانت تعتمد في سقيها على آبار ارتوازية تناقص الماء فيها خلال الفترة الأخيرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الديزل، وبالتالي فزراعتها باتت غير مجدية ماديًّا إلا في حال الري من الأمطار والسدود .

ويضيف غانم: "بالنسبة لنا كمزارعين أكبر الإشكاليات التي تواجهنا هي قلة الخبرة في مواجهة نقص المياه والآفات الزراعية المختلفة والتغيرات المناخية، وانحسار الأراضي الزراعية، إضافة إلى غلاء أسعار الديزل".

استنزاف المياه الجوفية بات ظاهرة خطيرة على مصادر المياه في حوض صنعاء بشكل عام، بسبب غياب الوعي اللازم والكافي لدى الناس حول مخاطر استنزاف نبتة شجرة القات -تحديدًا- للماء، في ظل عدم وجود بدائل كافية للمزارعين للتركيز على زراعة محاصيل مجدية وأقل استهلاكًا للمياه.

في هذا الصدد، تشير التقديرات إلى أنّ الزراعة تستهلك ما نسبته 90% من موارد المياه الجوفية في اليمن، على الرغم من أنّها لا تغطي إلا ما نسبته 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ويُعدّ القات أكثر المحاصيل التي يتم استنزاف المياه، حيث يتجاوز السحب السنوي 220 مليون متر مكعب، وهو أعلى بخمس إلى ست مرات من الحجم المضاف إلى الحوض عبر التغذية الطبيعية، في المقابل يقدّر حجم الانخفاض السنوي في مستوى المياه بحوالي (4-8) أمتار.

عدم استغلال

الخبير الزراعي صديق جبريل، يتحدث لـ"خيوط"، عن أسباب التهديدات التي تتعرض لها المياه الجوفية في الأحواض المائية، بينها حوض صنعاء، قائلًا: "تذبذب هطول الأمطار عاملٌ رئيس في تناقص المياه الجوفية، بالتزامن مع عدم استغلال الموارد المائية خلال فترة موسم الأمطار، عبر تشييد الحواجز والسدود، ووضع خطط للتغذية الراجعة للمياه الجوفية".

مضيفًا أنّ الأحواض المائية في المحافظات الشرقية عمومًا مهدّدة بالجفاف، على رأسها حوض صنعاء، وحوض بعض مديريات حجّة، التي استُنزِف جُلُّ مخزونها المائي عبر نافذين، دون رقابة.

يتابع: "ولعلّ ما حدث في وادي زبيد ليس ببعيد، إذ تسبّب الحفر العشوائي للآبار على مسافات غير قانونية، في ظل الفساد الذي يمارسه موظفو الموارد المائية هناك، بجفاف أغلب مزارع الجهة الشرقية التي تشتهر بزراعة الموز"، مشيرًا إلى أنّ حبّة موز واحدة تستغرق 20 لترًا من الماء، وهو ما يؤكّده خبراء .

من جهته، يؤكّد المزارع علي عبدالله المراني (35 سنة)، في حديث لـ"خيوط"، أنّ حفر الآبار والارتوازات لا تتوقف تداعياته عند استنزاف المياه الجوفية، بل إنّ ذلك يتعدّى ليتسبب للمزارعين بأضرار مادية بالغة في حال اتجهوا للحفر ولم يعثروا على الماء، معقبًا على ذلك بالقول: "يفترض بوزارة الزراعة والري إرسال مهندسين متخصصين، يرشدون الناس لأماكن توافر الماء، وترجِّح لهم الأماكن الجافة والغنية بالمياه الجوفية القريبة، مستخدمة صورًا توضيحية عبر الأقمار والاصطناعية، عوضًا عن العشوائية في الحَفْر، التي تدفع المزارعين للحفر على عمق أكثر من 1000 متر دون جدوى".

الحواجز والسدود

محمد صالح حاتم، مدير الإعلام الزراعي والسمكي بوزارة الزراعة والري في صنعاء، تحدث بدوره لـ"خيوط"، عن انجراف الأراضي الزراعية بسبب غزارة الأمطار الموسمية الأخيرة في عدة محافظات حول البلاد، مشيرًا إلى الضعف التامّ لدور الوزارة في التخفيف من هذه الظاهرة، نظرًا للظروف التي تعيشها البلاد.

ويوضح أنّ اللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الزراعة، قامتا بشراء معدات وآلات في بعض المحافظات لإصلاح الأضرار قدر المستطاع، وفقًا للإمكانات المتاحة لهم أيضًا.

ونوه حاتم إلى ضرورة الحدّ من أضرار السيول والفيضانات، عبر إنشاء الحواجز والسدود والكرفانات المائية أو المزيد منها في الشعاب والوديان ومجاري السيول، بهدف حصاد أكبر كمية من مياه الأمطار، والتخفيف من تدفّقها أثناء الأمطار الغزيرة، إلى جانب منع البناء في مجاري السيول، والوديان، للحفاظ على المزارع والغيول.

ظاهرة الإهدار

في السياق، يحذّر الدكتور أحمد الوادعي، أستاذ مشارك في قسم الأراضي والمياه والبيئة في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، من التهاون في استنزاف المياه الجوفية، التي باتت قضية وجودية تهدّد منسوب المياه الجوفية ومصادر المياه في حوض صنعاء الجوفي بشكل متسارع وخطير .

ويقول لـ"خيوط"، إنّ استنزاف المياه الجوفية بات ظاهرة خطيرة على مصادر المياه في حوض صنعاء بشكل عام، بسبب غياب الوعي اللازم والكافي لدى الناس حول مخاطر استنزاف نبتة شجرة القات -تحديدًا- للماء، في ظل عدم وجود بدائل كافية للمزارعين للتركيز على زراعة محاصيل مجدية وأقل استهلاكًا للمياه.

ويؤكِّد أنه بدون دعم المزارعين بالبذور المجانية والأسمدة وتوفير أدوات وآلات الحراثة، وتوفير الثلاجات المركزية للحفاظ على الخضروات والفاكهة من التلف، إلى جانب إنشاء مصانع تعليب، مع الحرص على شراء المحاصيل الزراعية منهم، فلن تتوقف زراعة شجرة القات المستنزف الأعظم للمياه الجوفية، لأنّ المزارع يبحث عمّا يحسّن مصدر دخله بشكل سريع وملموس.

أما بالنسبة للعزوف عن الزراعات الأخرى، فيقول الوادعي: "لا بدّ من وجود دعم للمزارعين، كأن يعطى بذورًا مجانية، وخدمات إرشادية، إضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي والمادي، مثل منحهم الحرّاثات والأسمدة، ومكافحات الأوبئة الزراعية، وشراء المحصول منهم حال حصاده، لأنّه قد يتجه المزارعون في بعض المحافظات لزراعة محاصيل استراتيجية، مثل القمح والشعير والذرة، لكنهم يضطرون لبيعها بأسعار متدنية وغير مجدية اقتصاديًّا بالنسبة لهم، وهذه فجوة في النظام الزراعي في اليمن عمومًا".

دراسة وتخطيط

ويختتم الوادعي حديثه لـ"خيوط": "نحتاج أيضًا مزيدًا من الدراسات والبحوث على أي الأصناف أفضل وأقل استهلاكًا للمياه، وأكثر إنتاجية ومقاومة للأمراض، إلى جانب التركيز على جدواها الاقتصادية، والإشارة إلى ضرورة إنشاء صوامع غلال لضمان تسويقها في مراحل مستقبلية، بالسعر الذي يناسب جهد وخسائر المزارعين، كل هذه الخطوات ستشجع المزارعين على الاتجاه لمحاصيل أخرى لا تستنزف المياه مثل القات، وفي الوقت نفسه لها فائدة مزدوجة للمستهلك والمزارع، وحتى الدولة". 

•••
محمد عمر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English