الدكتور صالح أبوبكر بن الشّيخ أبوبكر

من "حافة البلاد" في المكلا إلى خبير دولي في صندوق السكان
عبدالله البيتي
October 21, 2023

الدكتور صالح أبوبكر بن الشّيخ أبوبكر

من "حافة البلاد" في المكلا إلى خبير دولي في صندوق السكان
عبدالله البيتي
October 21, 2023
.

(1-2)

حَاوَرَهُ: عبدالله عمر البيتي 

حين يختارك القدر لتكون طالبًا في العام 1963، في (ثانوية الشّويخ النموذجية) بدولة الكويت، المتطلعة حينها إلى النهوض والساعية للأخذ بأسبابه كدولةٍ رائدةٍ من دول الخليج العربي، وتُزامل يومها في ذلك الصرح التّعليمي الشّامخ كوكبةً من الشباب الطامح الذين تستقبلهم تلك الثانوية من مختلف الأقطار العربية، ومنهم خاصة من النخب في دول الخليج العربي، فإن مسارًا جديدًا ومغايرًا للحياة التي ألِفها الأولاد من أبناء جيلك، سيكون حتمًا في انتظارك.

هذا ما حدث مع ضيفنا الكاتب والمثقّف والأكاديمي اليمني البارز الدكتور/ صالح أبوبكر بن الشّيخ أبوبكر، حين كان تقريبًا في الخامسة عشرة من عمره، فما كان منه على الرغمِ من صغرِ سِنّهُ إلا الاستجابة والسير في هذا الطريق الذي يمنح صاحبه ملازمةَ الكِبار، والمُضيّ قُدمًا بخطى ثابتةٍ ومدروسةٍ في مسيرةِ الثقافةِ والفكرِ والأدبِ، فضلًا عن معرفةِ النُّخبِ عن كَثبٍ وقُربٍ. ومن تلك النماذج التي زاملها طوال سنِي دراسته بدولة الكويت، على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور/ أحمد الربعي، السياسي والوزير عضو مجلس النواب الكويتي، الصحفي وليد النصف، صاحب ورئيس تحرير (صحيفة القبس) الكويتية، علي الموسى، وزير التخطيط الكويتي الأسبق، سالم هلال، وزير الأوقاف العماني الأسبق.

بدايات التّشكل 

ولد الدكتور/ صالح بن الشّيخ أبوبكر في محافظة حضرموت، في العام 1948، بمدينة المكلا القديمة المسماة (حافة البلاد)، التي تقع على اللِّسان البحري الذي يشكل (خور المكلا) وقام عليه الميناء القديم للمدينة. وهذا الحي هو أول وأقدم حيٍّ سكنيٍّ ابتدأ منه تكوّن مدينة المكلا، الذي أصبح يعرف اليوم بـ(حي الشهيد خالد). ورغم أنه لم يبدأ مسيرته الدراسية من (العُلْمة) حسب اللهجة المكلاوية، أي الكُتّاب أو المعلامة في لهجاتٍ أخرى، كبقية الأولاد ممن هم في سنّهِ، فإنه درسَ أول ما درس في المدرسة الأهلية أو ما تسمّى بــ(مدرسة آل شيخان)، وهي أولُ مدرسةٍ أهليةٍ ابتدائيةٍ في مدينة المكلا (افتُتحت في حوالي العام 1939)، والتي سرعان ما غادرها ليُكمِلَ المرحلة الابتدائية في المدرسة النظامية الحكومية المسماة (الشرقيّة) الواقعة في حيه، وهي إحدى مدرستين نظاميتين حكوميتين فقط كانتا في مدينة المكلا في ذلك الزّمان، وأطلالها ما زالت باقيةً إلى اليوم. 

بالتّوازي كان قد عهد به والده إلى عددٍ من الأشخاص ممن كانوا يتقنون اللغة الإنجليزية -على الرغم من ندرتهم وقلتهم في تلك الفترة- من أمثال: الأستاذ/ محمّد مكرّم خان، والأستاذ/ أحمد جمعة خان، وغيرهما؛ ليتعلّم مبادئها على أيديهم فاستفاد منهم، لكنه يرى بأن الاستفادة الأكبر في اكتسابه للغة الإنجليزية، حصل عليها عندما التحق بمدرسة الأستاذ المرحوم/ مُحمّد سالم باشريف، والتي تأسست حوالي العام 1947، كأولِ مدرسةٍ خاصةٍ لتعليم اللغة الإنجليزية على مستوى حضرموت بأكملها، من ثم تطوّرت فيما بعد لتصبح (معهد باشريف لتعليم اللغة الإنجليزية)، إلا أن ذلك المعهد -للأسف الشّديد- لم يستمر في العمل طويلًا، وأغلقَ على الرغم من ريادته وفرادته.

في العام 1958، أكمل دراسته للابتدائية، وانتقل لدراسة المرحلة المتوسطة ضمن أول دفعةٍ تدرس في أول مدرسة متوسطة أنشئت في ذلك العام، وهي (وُسطى النَّقع) نسبةً إلى موقعها بمنطقة ديس المكلا (حي أكتوبر)، وكانت تقع في أحد قصور ومنتزهات السلاطين في فترةٍ خَلت. لكنها أغلقت بعد مرور أربع سنوات -أي بعد تخرّج دفعته- ونقلت إلى منطقةٍ أخرى في مدينةِ المكلا. 

الكويت، والانتساب للبعث 

لم تكن بعد قد وجدت المدارس الثانوية في مدينة المكلا في العام 1962، وهو العام الذي أكمل فيه ذلك الشاب المتفوّق الطّموح المرحلةَ المتوسطة آنذاك، فكانت أمامه هو وزملاؤه من المتفوقين فرصةً للسفر إلى السودان والدراسة فيها في منحةٍ حكوميةٍ، لكنه وبعد حساباتٍ وطُولِ تفكيرٍ تردد ولم يذهب. فلاحت في الأفق فرصةٌ أخرى للسفر والدراسة في دولة الكويت عبر أحد أقاربه الذي كان على علاقةِ عملٍ وطيدةٍ بشخصيةٍ كبيرةٍ ومهمّةٍ في دولة الكويت وهو الشيخ (علي أحمد الصبيح) الذي يذكره الدكتور/ صالح بالشكر والعرفان. وبالفعل كان له ما أراد عندما استُخرجت تأشيرتَي سفرٍ، له ولصديقٍ آخرٍ له، يصفه بزميل الدراسة في كل المراحل الدراسية، وهو صديقه: (محمّد علي باغميّان)، والذّي يعمل ويُدير حتّى اليوم (دار كنوز المعرفةِ للنشرِ والتوزيع) بالمملكةِ العربيةِ السعودية. 

فيمّما وجههما شَطْرَ دولة الكويت في العام 1963، وقصداها سفرًا عبر البحر في رحلةٍ مرهقةٍ وطويلةٍ ولكنها ممتعة استغرقت أكثر من خمسة عشر يومًا، فاحتضنتهما بترحابٍ كبيرٍ (ثانوية الشّويخ) ذائعة الصِّيت، والتي افتتحت في العام الدراسي 1953/1954، وكانت وقتها أكبرَ ثانويةٍ في الشرق الأوسط، من ناحية مساحتها، وشمول مرافقها، وتسخير جميع الإمكانيّات لنجاحها؛ للنهوض برسالتها التعليمية كمدرسةٍ ثانويةٍ، تخرج منها الآلاف من أبناء الكويت، ومختلف الأقطار العربيّة ممن حملوا عِبْء الريادةِ والقيادةِ في مختلف مواقع المسؤولية.

في العام التالي؛ أي 1964، وفي دولة الكويت نفسها، انتسب الدكتور/ صالح إلى (حزب البعث العربي الاشتراكي)، كما الكثير من الطلاب اليمنيين وغيرهم ممن يدرسون هناك، فيما انتسب آخرون إلى (حركة القوميين العرب) وغيرها من الأحزاب والحركات والتّيّارات الأخرى. وهناك تعرف الدكتور/ صالح على الأستاذ (علي عقيل بن يحيى) الأديب المؤرخ، الشاعر والمثقف الحضرمي والمناضل السياسي القيادي في (حزب البعث العربي الاشتراكي)، والذي أصبحَ عضو (القيادة القومية) فيه منذ العام 1966. وكان الأستاذ/ علي عقيل قد وصل الكويت منتصف خمسينيات القرن العشرين وعمل فيها مدرسًا متعاقدًا، وكانت له مكانةٌ رفيعة بين النخب الكويتية كأديب وشاعر ومفكر حتى إنه كانَ ضمن الوفد الكويتي إلى مؤتمر (اتحاد الأدباء العرب) الذي انعقد عام 1958 في الكويت نفسها. 

ويذكر الدكتور/ صالح أن منزل الأستاذ/ علي عقيل كان مقصدًا للجميع، وجعل منه منتدى لالتقاءِ النُّخَبِ الثقافية والفكرية والسياسية، فتوثقت علاقاته برجال الدولة الكويتية، فسخّرها في العمل الدؤوب على نَسجِ علاقاتٍ مهمّةٍ ومتينةٍ مع مختلف التّيارات، وخصوصًا أبناء الجالية الحضرمية والفلسطينية. كما أسسَ الأستاذ/ علي بمعيّة زميله ورفيقه في الحزب، المحامي المرحوم/ محمّد بن عمر الكاف في الكويت، ما سُمِّيَ حينها بــ(بيت الطالب الحضرمي)، قدّما من خلاله خدماتٍ جليلةً وتسهيلاتٍ كبيرة للطلبةِ الحضارِم هُناك، وللحركة التعليمية في حضرموت. ومن أبرز الطلبة الذين تبناهم ذلك البيت، كان الطالب النابه (عمر حسين البار) الذي درس هو أيضًا في (ثانوية الشويخ) في دفعةٍ سابقةٍ لدفعةِ الدكتور/ صالح، مُحرِزًا المركز الأول على الدفعة، وكُتِبَ اسمه في لوحة الشرف، وكرّمه أمير الكويت الشيخ/ عبدالله السالم الصباح شخصيًّا. 

وقد تُرجِمَ تأثر الدكتور/ صالح بشخصية الأستاذ/ علي عقيل بن يحيى، والتقدير له، بإصداره لكتاب (تريم؛ بوابة الفكر القومي العربي إلى اليمن: علي عقيل بن يحيى رائدًا)، في العام 2020، عن دار حضرموت للدراسات والنشر، تناول فيه حسب ما ورد في فصلِهِ التمهيدي "محاولات للتّعرف على شخصيّة الرّجُلِ عن قربٍ وتقديمِ لمحاتٍ من سيرةِ حياته، وأعماله للرأي العام كافةً، وللناس الذين عرفوه من اليمنِ خاصةً، والعرب عامّةً ممن كانت له بهم علاقات عملٍ، أو انتماءٍ سياسيٍّ، حزبيٍّ وطنيٍّ أو صداقةٍ شخصيةٍ". ويُنوّه -في الكتاب نفسه- بأن "سيرة الرجل أيضًا تجسد ذلك الارتباط الوثيق بين الوطني القومي بل والعالمي، وكذلك الخاص والعام في نموذجٍ نادرٍ لشخصيةٍ موسوعيةٍ حملت لواءَ التّنويرِ مبكرًا، ومناضلًا صلبًا ملتزمًا حملَ همّ الناسِ والوطنِ طوال حياته". إلا أنه وإن احتوى الكتاب وسُلِّط الضّوء في كثيرٍ منه على سيرة الأستاذ/ علي عقيل بن يحيى، يُعدُّ أيضًا بمثابةِ دراسةٍ عميقةٍ لجوانب عديدةٍ من أدب كتابة المذكرات، وقضايا الحياة الأدبيةِ والثقافيةِ والسياسيةِ لليمن الحديث عامةً، ولحضرموت خاصةً.

محاولة الدراسة في فرنسا

صادف تخرّج الدكتور/ صالح من المرحلة الثانوية في العام 1966، العام نفسه الذي تأسست فيه (جامعة الكويت)، فكانت أمامه فرصة البقاء في الكويت وإكمال المرحلة الجامعية فيها مع الآخرين من زملائه، لكنه شعر بالرغبة في الذهاب إلى بلدٍ آخر كان يطمح أن يكون فرنسا التي سَمِعَ عن نظام الدراسة وظروف الحياة فيها من زملاء آخرين له. وعقد العزم مع زميلٍ آخر له من مدينته المكلا وهو (الدكتور/ ناصر محمّد الشاؤوش) الذي يعمل اليومَ طبيبًا في (دولة الإمارات العربيّة المتحدة)، وكانت الإمكانية المتاحة أمامهما للحصول على منحةٍ دراسيةٍ إلى فرنسا عبر الدكتور/ محمّد سَعيد العطّار، وكان يومها وزيرًا للتخطيط في الجمهورية العربية اليمنية سابقًا، وأصبحَ فيما بعد رئيسًا لوزراء الجمهورية اليمنية المؤقتة، والتي سميت بـ(حكومة العطّار). 

درس العلوم الاجتماعية والفلسفة في كلية الآداب بجامعة دِمَشْق، وحصلَ منها على درجة البكالوريوس، بالرّغم من رغبته الشديدة المسبقة في دراسة الاقتصاد السياسي. لكن ذلك التخصص لم يكن متوفرًا إلا في جامعة حلب فقط، ولذا آثر البقاء مع زملائه وأصدقائه في دِمَشْق على دراسة ما يرغبه ويحبّه.

وحين وصلا إلى عدن قادمين من الكويت في العام 1966، توجّها فورًا إلى (تعز وصنعاء)؛ للحصول عن المنحة عن طريق الدكتور العطار، ورغم ما كانت تمر به اليمن وقتها من حالٍ سيئٍ، حيث كانت معارك ثورة 26 سبتمبر 1962 بين (الجمهوريين) و(الملكيين) ما تزال على أشدها، ومعارك ثورة 14 أكتوبر 1963 محتدمة ومشتعلة أوارها، ولكنهما مع ذلك غامرا بالسفر رغم توتر الأوضاع وخطورة الطريق من عدن إلى صنعاء عبر تعز؛ بُغية الوصول إلى الدكتور/ العطّار لمقابلته، والظفر بهذه المنحة المنشودة. وللأسفِ لم يصِلا إليه، وفشِلا في الحصول على المنحة إلى فرنسا، حينها أدركا أثر هذا القرار المتسرع وغير المدروس الذي اتخذاه، وسوء التقدير الذي وقعا فيه، فعادا أدراجهما إلى عدن.

دراسة (البكالوريوس) في جامعة دمشق، وانقطاع علاقته بحزب البعث هناك: 

وبمشورةٍ من صديقٍ آخرٍ للدكتور/ صالح، تقدما بطلبٍ إلى المؤتمر العُمّالي في عدن (الذي تأسس في العام 1956)؛ للحصول على منحةٍ لدراسةِ البكالوريوس. وكان المؤتمر العُمّالي في ذلك الحين منظمةً جماهيريةً نقابيةً، لها ثِقلها الكبير وعلاقاتها الدولية الواسعة، حتّى إنه كان يحصل على منحٍ دراسيةٍ جامعيةٍ للطلاب من نقاباتٍ ودولٍ عِدَّةٍ. ولأنّ كثيرًا من الوقت قد مرّ وفات للحاق بالعام الجامعي الجديد من بدايته، فلم تعد تتوفّر لدى المؤتمر خيارات كثيرة، فحظيا بمنحةٍ إلى سوريا. وافقا على الحصول عليها، وسافرا إلى دمشق، فوصلاها بدايةَ العام 1967، وهو العام الذي اندلعت فيه حرب حُزيران (حربُ النّكسة) بين العرب وإسرائيل وعاشا أحداثها كاملةً هناك. 

درس الدكتور صالح العلومَ الاجتماعية والفلسفة في كلية الآداب بجامعة دِمَشْق، وحصلَ منها على درجة البكالوريوس، بالرّغم من رغبته الشديدة المسبقة في دراسة الاقتصاد السياسي. لكن ذلك التخصص لم يكن متوفرًا إلا في جامعة حلب فقط، ولذا آثر البقاء مع زملائه وأصدقائه في دِمَشْق على دراسة ما يرغبه ويحبّه.

وكونه قد انخرطَ في (الاتحاد العام لطلاب اليمن) فرع سوريا، فقد ساعدت العلاقات الطلابية الوطيدة بينهم وبين (الاتحاد الوطني لطلبة سوريا) المدعوم بقوّة من الدولة آنذاك، في توفيرِ عددٍ من المنحِ الدراسيةِ والدورات التدريبة الشبابية القصيرة للطلابِ السوريين والعرب، وخاصةً اليمنيين منهم، تتراوح مدتها من ستة أشهرٍ حتّى سنة كحدٍّ أقصى، وهي منح مقدمة من عددٍ من الدولِ الاشتراكية. فكان نصيبه الحصول على منحةٍ إلى معهد الشباب (بجمهورية ألمانيا الديمقراطية)؛ لدراسة اللغة، وعلم الاجتماع، ومبادئ الاقتصاد، وغيرها من البرامج الشبابية. ولأنه كان أفضلهم وأكثرهم إتقانًا للغة الإنجليزية، وبحكم حاجة المجموعة من الطلاب المبتعثين هناك للترجمة، فقد أوكلت هذه المهمة إلى الدكتور صالح، فكان يترجم من الألمانية إلى الإنجليزية فالعربية. ويومًا عن آخر تطوّر الوضع، فأصبح موظفًا في ذلك المعهد بشكلٍ رسميٍّ يترجم أيضًا للوفود العربية الأخرى المحتاجة لها.

في العام 1970، عقب انقلاب حافظ الأسد، الذي أوصله إلى قيادة الدولة السورية، وتكرر الانقلابات العسكرية والصراعات السياسية والانقسامات داخل الحزب لمبرراتٍ واهيةٍ من وجهة نظره مثل (اليمين واليسار)، وصل الدكتور صالح إلى قناعةٍ بعدم جدوى العمل الحزبي، وفي مدينة دِمَشْق نفسها مقر تأسيس (حزب البعث العربي الاشتراكي)، جمّد نشاطه الحزبي وقطع علاقاته التنظيمية (أي بعد مرورِ ستِ سنواتٍ كاملةٍ من انتسابهِ إليهِ لأوّلِ مرةٍ في دولةِ الكويت). وبالرغم من العديد من المحاولات الحثيثةِ التي تمّت لإقناعه بالعدول عن قراره؛ فإنه كان قرارًا لا عودةَ عنهُ، مُعلِّلًا السبب في ذلك وصوله إلى قناعةٍ تامةٍ بعدم جدوى الانخراط والمشاركة في أيٍّ من التنظيماتِ والأحزابِ السياسيةِ على اختلاف مبادئها وتوجهاتها ومضامينها، التي يصفها بــ(البَرّاقة)، معتزلًا كامل الحياة الحزبية، حيث لم يلتحق بعدها قطّ بأي حزبٍ أو تيارٍ أو مكوّنٍ، منذ ذلك التّاريخ حتّى اليوم، رغم بقائه على الثوابت الوطنية والفكر القومي العربي وانحيازه إلى خيارِ بناءِ المجتمع المدني الديمقراطي الحداثي، الذي عبّرَ عنه صراحةً في كتابيه: (تريم.. بوابة الفكر القومي العربي: (علي عقيل بن يحيى رائدًا) وَ(كلامٌ عن المُكلَّا وأَهلِها). 

في العام 1970، عُرض عليه العمل مترجمًا في معهد الشباب (بجمهورية ألمانيا الديمقراطية)، فوافق من فوره، ووقّع عقدًا للعمل ثلاث سنوات، وتوجه إلى برلين مباشرةً من سوريا بعد أن أكمل فيها البكالوريوس، قبل العودة إلى اليمن.  

ويقول: "إن هذه الأحزاب والتنظيمات المختلفة متباينة في دواعي تأسيسها، وهي دواعٍ تخدم -قطعًا- مصالح السلطات في إطار تدبيرها للمراحل السياسية التي يمر بها أيّ بلدٍ توجد فيه"، بل يصف الحزبية بأنها "لعبة الضّحك على الذّقُون". وعلى الرغم من ذلك فهو يرى بأن حزب البعث كان يُمثِّلُ صيغةً (قوميةً) عابرةً للعصبيات والكيانات الصغيرة أفضل من باقي الأحزاب والتّنظيمات والتّيّارات على الأقلِ في وقتها، من حيث المنطلقات كتنظيمٍ قوميٍّ يشمل جميع الأقطار العربية رغمَ انقسامه إلى عراقيٍّ وسوريٍّ وغيره، وهو بالتالي ما أدّى إلى ممارسة فكرته بطريقةٍ خاطئةٍ على أرض الواقع. 

تجربة عملية/ علمية ثانية في ألمانيا:

في نفس العام 1970، عُرض على الدكتور صالح، العمل مترجمًا في معهد الشباب (بجمهورية ألمانيا الديمقراطية)، فوافق من فوره، ووقّع عقدًا للعمل ثلاث سنوات، وتوجه إلى برلين مباشرةً من سوريا بعد أن أكمل فيها البكالوريوس، قبل العودة إلى اليمن. وفي الأثناء اشترط على إدارة المعهد إكمال دراسة الماجستير والدكتوراة هناك خلال فترة العمل، فكان له ما أراد، وتمّت الموافقة على ذلك.

لكنه غادر ألمانيا بشكلٍ مفاجئٍ بعدَ مضي الثلاث سنوات تقريبًا؛ نظرًا لظرفٍ شخصيٍّ طارئٍ متجهًا إلى سوريا، ومكثَ فيها سنةً كاملةً، وصفها بأنّها "فترةَ استجمامٍ ونقاهةٍ". وكانَ فيها مُتَرَدِّدًا أيما تردد ما بين العودة مرةً أخرى إلى ألمانيا أو الرجوع إلى اليمن. فحسمَ أمره، واتخذ قراره بالرجوع إلى اليمن، غير أنّ رجوعه واستقراره لم يكن إلى مسقط رأسه مدينة المكلا التي وصلها في زيارةٍ سريعةٍ خاطِفةٍ للأهل والأصدقاء، غادرها مباشرةً مستقرًّا في مدينة عدن، حيث عمل فيها أيضًا.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English